بلاد الرافدين بلا دجلة.. تركيا تقطع شريان الحياة عن العراق

قيم هذا المقال
(0 صوت)
بلاد الرافدين بلا دجلة.. تركيا تقطع شريان الحياة عن العراق

شكّل إعلان تركيا قطع مياه نهر دجلة عن العراق لتعبئة سد "اليسو" مؤشراً قوياً على أن بلاد ما بين النهرين مقبلة على سنوات عجاف، ستدخل العراق في حرب وجودية جديدة لا تقل أهمية عن حربها الأخيرة التي نفضت غبارها عن كاهلها للتو.

سد "اليسو" التركي الذي بدأ العمل به منذ سنوات يشكّل ناقوس خطر حقيقي على العراق ومياهه حيث سيؤدي إلى نقصان حصة العراق من مياه نهر دجلة من 21 مليار متر مكعب سنوياً إلى نحو 9 مليارات و700مليون متر مكعب فقط، وسينتج عنه أيضاً حرمان العديد من المدن العراقية من مياه الشرب، بالإضافة الى حرمان العراق من أكثر من 696 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وسيزيد نسبة الملوحة والتلوث في نهر دجلة، ويؤثر سلباً على عملية انعاش الأهوار التي دمرها النظام العراقي السابق بشكل كبير، كما سيؤدي إلى حرمان العراق بشكل شبه كامل من الاستفادة من المحطات الكهرومائية لتوليد الطاقة الكهربائية.

الدراسات الحكومية العراقية تشير إلى أن البلاد مقبلة على كارثة بيئية وجفاف بسبب حرب المياه من قبل تركيا، وتؤكد أن أنقرة تستفيد من ضرب القطاع الزراعي في البلاد كون العراق سيزيد الاستيراد منها، في وقت يتوقع فيه المراقبون أن تبلغ خسائر العراق في مجمل القطاعات المتضررة من الجفاف وندرة المياه خلال العام الحالي أكثر من 10 مليارات دولار.

الإفراط غير المبرر في بناء السدود من قبل الجانب التركي أدّى إلى خفض تدفق المياه في حوض الأنهار بنسبة 34 في المئة، ما أدّى إلى تجفيف 94% من بلاد ما بين النهرين وازدياد العواصف الترابية في سوريا والعراق، والتي تتجه إلى إيران وتشلّ الحياة في المحافظات الجنوبية الغربية والغربية.

للكارثة تتمة

وتؤكد الحكومة التركية أن لديها خطط لبناء أكثر من 22 سداً على طول مجرى نهر الفرات ودجلة، ومن بينها سد "اليسو" الذي انتهى العمل منه قبل أسابيع وبطاقة استيعابية تبلغ (10.4) بليونات متر مكعب، وسيحتاج إلى مدة تتراوح ما بين السنة إلى الثلاث سنوات لملئه بالماء، وتتوقف المدة على كميات الأمطار المتساقطة لتلك السنوات، حيثُ سيؤثر هذا الأمر بشكلٍ كبيرٍ على حصة العراق المائية المقررة دولياً.

بالإضافة إلى أن أنقرة تخطط لبناء سد جديد وهو سد "جزرة" والذي لا يبعد عن الحدود التركية ـ العراقية سوى (38) كم وهذا السد بموقعه القريب جداً من الحدود يبين النيّات المبيّتة للجانب التركي للإضرار بالعراق فهذا السدّ سيستهلك 40% من مياه دجلة ويقضي على آخر أمل لحصول العراق على حصته المائية السنوية.

ويوجد في الأراضي التركية 525 سداً يخزنون مئات المليارات من الأمتار المكعبة من المياه، تم بناء 33 سداً منها خلال 16 سنة من حكم حزب العدالة والتنمية، ومن المتوقع أن ترتفع السدود التركية إلى 1454 بحلول 2023، حيث من المقرر إنشاء 727سداً في الفترة 2018-2023 وهو ما سيرخي بظلاله على العراقيين.

مخالفة تركية واضحة للمواثيق الدولية

وبحسب المواثيق والأعراف الدولية فإنه يحظر على أي دولة الانتفاع بمياه الأنهار الدولية لوحدها، وهناك اتفاق بين دول الحوض النهري المعني في هذا الشأن.

وتنص قرارات الأمم المتحدة الصادرة عن لجنة القانون الدولي على أن "الدول المتشاطئة على النهر الدولي تستطيع استعمال المياه طبقاً لحاجاتها شرط ألّا يسبب هذا الاستعمال ضرراً للدول الأخرى المشتركة معها في هذا النهر".

كذلك فإن إعلان "ريو" الذي يتضمن توصيات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والذي عقد سنة 1992 اعتمد المبادئ الخاصة بالاتفاقيات الثنائية بخصوص الأنهار والمجاري المائية الدولية، وطالبت الأمم المتحدة بأن يوضع في الاعتبار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 49/52، المؤرخ في 1994، وهذه القوانين تماثل مبادئ أساسية يمكن تطبيقها على بعض أحواض النهر، وتمنح مجموعة القوانين الحديثة أفضلية واضحة لمبدأ الاستخدام "العادل والمنصف" على مبدأ الضرر الملموس.

 

كما اعتمدت الأمم المتحدة في عام 1997 اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية وصادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1997 بتأييد 104 دول، وعارضتها ثلاث دول هي تركيا والصين وبوروندي، وامتنعت 26 دولة عن التصويت.

ورغم أن نهري بلاد الرافدين لا ينبعان منها  (أي نهري دجلة والفرات) إلا أنّ القسم الأكبر من النهرين يمران عبر الأراضي العراقية، فنهر دجلة ينبع من جبال طوروس جنوب شرق الأناضول في تركيا، ويمرّ قرب الحدود السورية بمسافة 50 كلم في القامشلي ليدخل العراق عند بلدة فيشخابور ثم الموصل وصولاً إلى بغداد مرتفعاً إلى أقصى الجنوب حتى البصرة حيث يشكّل مع نهر الفرات شط العرب الذي يصبّ في الخليج الفارسي، ويغذي نهر دجلة مجموعة كبيرة من الروافد النابعة من الأراضي الإيرانية والتركية الحدودية مع العراق منها الخابور والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم ونهر ديالى، ويعيش بمحيطه حالياً أكثر من 20 مليون عراقي، حيث يعتبر المصدر الأول لمياه الشرب والزراعة والصناعة.

في حين يعدّ نهر الفرات أطول نهر في المنطقة العربية وينبع من جبال طوروس في تركيا، وتنضم إليه عدة روافد قبل دخوله الأراضي السورية عند مدينة جرابلس مروراً بدير الزور ثم البو كمال، ومنها يدخل العراق عبر مدينة القائم بمحافظة الأنبار غربي البلاد مروراً بالفلوجة ثم يتجه إلى مناطق محاذية لبغداد ثم جنوب العراق ليلتقي مع دجلة في البصرة أيضاً، ويعتبر الفرات والنيل في مصر أغزر نهرين عربيين، حسب تقارير دولية.

الحكومة العراقية اليوم مطالبة باتخاذ جميع التدابير الفنية والقانونية اللازمة للدفاع عن حصة البلاد المائية لتجاوز الخطر المحدق بالبلاد في حرب لا تقل أهمية بالنسبة للشعب العراقي عن أي حرب أخرى، خاصة أن الوقت يمضي بسرعة وحرب المياه التي كانت سرية أصبحت معلنة بوضوح.

قراءة 1432 مرة