بينما تفرض الدولة السورية سيطرتها في الجنوب عند الحدود مع الأراضي المحتلة والأردن، تشهد منطقة الشمال السوري وشرق الفرات مباحثات وتشبيك علاقات من أجل عودة الدولة إلى الشمال وشرقي الفرات. فالمباحثات واللقاءات المتكررة بين مسؤولين سوريين وممثلين عن الأحزاب الكردية السورية، تمهّد لوضع خريطة طريق في شرق الفرات من الحسكة إلى الرقة وريف حلب الشمالي والشرقي من عين العرب إلى عفرين.
احتلال تركيا والجماعات المسلحة العاملة معه لمدينة عفرين شمال حلب، شكّل نقطة تحوّل في الموقف الكردي من العلاقة مع الدولة السورية من جهة، ومع كل من واشنطن وموسكو من جهة أخرى فبينما تفقد القيادات الكردية الثقة بأميركا وروسيا، يزداد تقربها من الدولة السورية وإيران. فالمعلومات تشير إلى أن التنسيق بين الدولة والكرد بلغ ذروته خلال العدوان التركي على عفرين وما بعده، ولم يقتصر التنسيق على الدولة والقيادات الكردية إنما تعداها إلى فتح خطوط تواصل مع الجانب الإيراني أيضاً. فبدت وحدات حماية الشعب ومن خلفها الأحزاب الكردية، تبحث عن حضن يضمن الحفاظ على التوزع الديموغرافي شمالي سوريا، بما يحول دون تهجير قصري للكرد من مدنهم وقراهم في عفرين وعين العرب وريفها وصولاً إلى القامشلي والحسكة.
الحفاظ على ديموغرافية المنطقة هو هدف وطني للدولة السورية قبل أن يكون مطلباً كردياً وقد تجلّت مساعي الدولة بعد احتلال تركيا لعفرين، في فتح قرى ريف حلب الشمالي المحاذية لعفرين، أمام المدنيين الكرد لمنع هجرتهم بعيدا عن مدينتهم كما قامت بتأمين كافة مستلزمات صمود المدنيين على مشارف عفرين. فانضمّ عناصر وحدات حماية الشعب من السوريين إلى صفوف الجيش السوري والقوات الرديفة، مما سحب من يد أنقرة ذريعة مهاجمة المناطق التي نزح إليها أهالي عفرين، كما سارعت الدولة السورية إلى افتتاح مؤسسات الدولة في ريف حلب الشمالي، إضافة إلى انتشار سريع للجيش السوري في المنطقة من تل رفعت إلى دير الجمال وصولا إلى فافين.
هذه الخطوات التي شكلت عائقاً أمام الطموح التركي بدخول بلدة تل رفعت الاستراتيجية في ريف حلب الشمالي، فبات صعبا على الحليف الروسي أن يقف على الحياد أمام محاولة تركيا تهديد تل رفعت. لكن العامل الآخرالذي شكّل عائقا أمام طموحات الرئيس التركي بضم تل رفعت، تجلى بالموقف الإيراني الحاسم الذي يدعم بقوة بسط الدولة السورية سلطتها على المنطقة وكافة الجغرافيا السورية. وأمام هذه المتغيرات اتجه الطموح التركي للتعويض عن تل رفعت من خلال منبج. وقد نجح التقارب بين تركيا وواشنطن بإخراج وحدات حماية الشعب من المدينة في التمهيد إلى اتفاق الطرفين على دخول القوات التركية الى منبج، لضمان بسط سيطرتها على شمال غرب سوريا من الفرات إلى عفرين شمالا مرورا بإدلب وأرياف حلب وحماة في العمق.
أمام الأطماع التركية في الشمال السوري بالاتفاق مع واشنطن، ارتفعت وتيرة التنسيق بين الدولة والأحزاب الكردية. فالمعلومات تؤكد أن لقاءات على مستوى رفيع جمعت خمسة من المسؤولين في إدارة منبج المدنية والعسكرية ومعهم الرئيس المشترك للمجلس العسكري لقسد المعروف باسم فرهاد مع مسؤولين سوريين في حلب. وقد بحث اللقاء سبل الحيلولة دون تحقيق تركيا أهدافها في السيطرة على منبج، بل وذهب أبعد من ذلك في بحث منع تركيا من دخول شرق الفرات والسيطرة على الشريط الحدودي مع سوريا بالكامل. وتشير المعلومات إلى تفاهم على آلية تمهّد خلالها الأحزاب الكردية لدخول الدولة السورية إلى القرى والبلدات الكردية شرق الفرات في عين العرب، رأس العين ، والقامشلي، وعشرات القرى في المنطقة. إلى جانب ذلك جرى البحث في آلية عودة مؤسسات الدولة السورية إلى محافظة الرقة وريفها عند مدينة الطبقة الاستراتيجية.
هذه النقاط تشكّل عائقا أمام أي تنسيق اميركي تركي يتيح لأنقرة احتلال الشريط الحدودي مع سوريا. فالمصادر تؤكد أن بوادر إيجابية حكمت اللقاءات بين المسؤولين السوريين وممثلين عن الأحزاب الكردية، وأن التنسيق بين الطرفين يزداد لقطع الطريق على الأطماع التركية في الشمال السوري. إذ ظهر في مدينة الرقة التي سجلت بعد أقل من أسبوع على لقاء حلب، مرور أرتال عسكرية تابعة لقسد تردد شعارات مؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد في إشارة واضحة أن منطقة شرق فرات تشكل هدفا أساسيا للدولة السورية، تسعى لاستعادتها من خلال فتح باب الحوار مع الأهالي في المنطقة وقطع الطريق على الجهود التركية للسيطرة على المنطقة بالاتفاق مع الإدارة الاميركية. ففي هذا الأمر تبرز أهمية الجهود السورية الرامية لإعادة بناء جسور عودة الثقة بين الأحزاب الكردية مع روسيا استناداً إلى أن روسيا هي الضامن الدولي القادر على فرض شروط جديدة على واشنطن لرسم خريطة النفوذ في سوريا.