قام الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" بتهديد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ووصل تهديده إلى حافة الهاوية، وردّ عليه القادة الإيرانيون بشدّة كلامية، وطلب السيّد المُرشد علي الخامنئي من كل المسلمين عدم الثقة في أية وعود أو اتفاقيات موقّعة ومنشورة مع الدولة الأميركية، وعندما وصل التهديد الكلامي مداه الأبعد، بدأ ترامب في التراجع وأظهر ميله الشديد للحوار مع القادة الإيرانيين من دون شروط مسبّقة، بل وقال إنه سيقابل الإيرانيين قريباً، في مناورة سياسية ساذجة.
هو يعتقد إن وصول الأمر لحافة الحرب يجعل إيران تتراجع عن مواقفها المعروفة، فإيران الثورة ضد الطغيان الأميركي، فلم تقم الثورة الإسلامية عام 1979 من أجل العدالة الاجتماعية وحدها، بل كانت ضد الطاغوت الشاهنشاهي البهلوي – ضد الاستكبار والاستعمار العالمي – ضد الصهيوني ... هكذا دفعة واحدة، والتخلّي عن مُفردات الثورة يُعتبر تخلّياً عن ثوابت المجتمع الإيراني بأسره، وهو الأمر الذي يتجاهله الرئيس الأميركي، هو يريد تكرار ما فعله مع جمهورية كوريا الشمالية، في عملية خلط للأوراق، ولكننا نعتقد أن الأمر جد مختلف ، وأن التصدّي لإيران يعني إشعال حرب في ظل وجود خمسين ألف جندي أميركي تصل إليهم النيران الإيرانية، وهو السبب الرئيسي في التراجع الأميركي، وفي الجانب الآخر فإن الحوار مع الإيرانيين ربما يفهمه حكّام الخليج في السعودية وغيرها أنه استغناء عنهم، أو التخلّي عن حماية عروشهم، وكلها تصبّ في الحيرة الأميركية عند مواجهة الدولة الإيرانية، فتتفق الإرادة الخليجية مع الكيان الإسرائيلي على ضرورة إشعال حرب، حتى لو اتخذت النهج الطائفي البغيض.
وذلك يقودنا للحديث عن مؤامرة معروفة ومُعلَنة، وهي محاولة أميركا وإسرائيل ضرب إيران من قِبَل "ناتو عربي"، على غرار تشكيله لطرد صدّام حسين من الكويت بعد أن احتلها يوم 2 آب|أغسطس 1990، ذلك أنه وفي الوقت الذي يريد فيه دونالد ترام بالحوار غير المشروط مع قادة إيران، نجد من ناحية أخرى رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو يبشّر بضرورة تشكيل تحالف عربي مع إسرائيل للتصدّي لإيران، وهو المشروع المطروح من الرئيس ترامب نفسه، فقد تناقلت صحف أميركية خبراً مفاده أن إدارة "ترامب" تدرس بسرّية تامة إنشاء ما قد يُسمّى بتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، يتكوّن من بعض دول الخليج العربية وكل من مصر والأردن، والهدف هو مواجهة التهديدات الإيرانية، وأن يكون عوناً للولايات المتحدة في مواجهة إيران، وأن الهدف هو تشكيل "ناتو عربي سنّي" على غرار حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة، أي يقتصر على الدول العربية السنّية في مواجهة التوسّع الإيراني، على أن تتولّى الولايات المتحدة توريد نظم الأسلحة والاتصالات المطلوبة لهذا التحالف المُزمع، والمفارقة كما يرى "الدكتور حسن أبو طالب" مدير "مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية" أن هذا الطرح لم يُشر من قريب أو بعيد إلى مشاركة عراقية في هذا التحالف الاستراتيجي، رغم العلاقات الوثيقة بين الطرفين، ورغم كونه تحالفاً يخصّ الشرق الأوسط، وفقاً للإسم المقترح، فهناك غياب لأطراف رئيسية في الشرق الأوسط حسب التصنيف الأميركي، كتركيا وباكستان، ما يؤكّد أن المقترح يستهدف عرباً وحسب، في مواجهة باقي العرب وباقي القوى الاقليمية، وفقاً لحسابات أميركية بحتة، وسواء كان الأمر عربياً فقط أو سنّياً فقط أو مزيجاً بينهما، فالفكرة نفسها ليست جديدة، لقد طُرِحت عدّة مرات سابقة في زمن إدارة بوش الإبن الثانية، وطُرِحت بأشكال مختلفة في عهد الرئيس كلينتون، وطُرِحت بتعديلات في عهد الرئيس أوباما، ثم أخيراً تُطرَح في عهد إدارة الرئيس الحالي "ترامب"،. وكانت الصحف الأميركية ذاتها قد رجّحت في أيار|مايو 2017، وقبل عقد القمة الإسلامية الأميركية في الرياض في السعودية، بأن الرئيس ترامب سيعلن عن إنشاء "ناتو إسلامي سنّي" بهدف عزل إيران، وهو أمر لم يحدث، وليس بجديد على الولايات المتحدة أن تطرح أفكاراً كبرى تخصّ المنطقة وتغلّفها بسياق يبدو إيجابياً لدى البعض، وهى في حقيقتها مصلحة أميركية إسرائيلية فقط لا غير.
وإذا تصوّرنا أن مثل هذا التحالف قد قبل البعض إنشاءه والانخراط فيه، استناداً إلى فرز مذهبي بين سنّة وشيعة في عموم المنطقة، فلن يكون بعيداً أن تتواجه شعوب دول عربية مع شعوب دول أخرى فقط، لأن لديها جزءاً من مواطنيها يدينون بالمذهب الشيعي، كما هي الحال في لبنان والعراق وبعض دول الخليج كالبحرين والسعودية، الفكرة في حد ذاتها مكروهة سنّياً وشيعياً، حيث نجد أن الشعوب العربية من أهل السنّة والجماعة على وجه الخصوص، رغم ضعفها وتفرّقها، لن تتردّد في الخروج ضد أي حاكم يوافق على التحالف مع الصهيونية العالمية، فمن ضمن عقيدة أهل السنّة تتفق مع الشيعة في ضرورة محاربة الصهيونية وأنهم مع المشركين أكثر الناس عداوة للمسلمين، ولا ينسى أهل السنّة أنهم خاضوا الحروب ضد العدو الصهيوني، وأن هذا العدو احتل الأرض الفلسطينية وأحرق المسجد الأقصى، ومجرّد التعاون معهم يسقط أيّ عرش أو رئاسة أو إمارة، مع العِلم أن الشعوب العربية هي التي أفشلت صفقة القرن ولو ضمنياً، مثلاً عملية سيناء 2018 أخرجت مصر تماماً من الصفقة، أما الملك عبد الله فقد شرح لترامب أنه بمجرّد قبول الصفقة سيسقط العرش الهاشمي، والسعودية هي الوحيدة التي مارست كل الضغوط المستحيلة لإقناع السلطة الفلسطينية بقبول الصفقة، وهو ما رفضه محمود عباس أبو مازن، بل شتم ترامب شخصياً وأيضاً سبّ سفير أميركا في القدس المحتلة، وحتى وليّ العهد السعودي لم يتمكّن من إعلان موافقته على الصفقة، لأن الشعب العربي في مملكة آل سعود يرفض التطبيع أو التعاون أو حتى إقامة علاقات مع الصهيونية العالمية، ومن هنا توارت بالتدريج صفقة القرن، مثلما خسرت في سوريا أمام مقاومة شعبها للخطة الصهيونية التخريبية، ولعلّ التذكرة هنا ببعض مبادئ السياسة المصرية تجاه المنطقة ككل تفيد، وهو مبدأ مصري يقوم على الرفض التام لقيام أحلاف تتبع قوى خارجية، والرفض التام إذكاء النعرات الطائفية والمذهبية واعتبارها أساساً للعلاقات بين الشعوب والحكومات، وهو مبدأ يتصادم تماماً مع أية أفكار أميركية كالتي يتم الترويج لها، والدولة الإيرانية أيضا ترفض التحالفات التي تتبع قوى خارجية، وسياستها إسلامية عامة معروفة ومشهورة.
ولكن وبالتوازي، نجد أن الأميركان والصهيونية لن يكفّا عن إثارة القلق والحروب بين العرب بعضهم ببعض وبين المسلمين بعضهم ببعض، وهو الأمر الذي نحذّر منه، لأنه أخطر من كل القنابل النووية لقومٍ يعقلون.
علي أبو الخير، كاتب مصري