تدخلات أمريكا في الشؤون الداخلية لمصر

قيم هذا المقال
(0 صوت)
تدخلات أمريكا في الشؤون الداخلية لمصر

يتجسد الدعم الأمريكي للحكومات التي مرّت عبر التاريخ على مصر بمختلف الأشكال، حيث تعدّ القاهرة بالنسبة لواشنطن عاملاً رئيسياً من أجل الحفاظ على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وخلال الأعوام الماضية قامت أمريكا بقمع أي ثورة مصرية أو غير مصرية في المنطقة عبر نفوذها الدبلوماسي والسياسي وحتى المالي في كثير من الأحيان لما تشكله من خطر كبير عليها وعلى حليفتها "إسرائيل"، وعلى الرغم من قمع المعارضة وانتهاك حقوق الإنسان والحريات في مصر، إلا أنه لم تخضع للضغوط الغربية بتاتاً، بل على العكس فقد استفادت القاهرة من التبرعات المالية والتسليحية، لأنها كانت جزءاً لا يتجزأ من المعادلات الأمريكية في الشرق الأوسط في الماضي وذلك لأسباب سياسية وجغرافية وتاريخية وثقافية.

بالإضافة إلى ذلك تحوز مصر على أهمية جيوسياسية أيضاً، وذلك بسبب وجود قناة السويس داخلها، التي بفضلها تمكّنت من الحصول على مركز مهم في التجارة العالمية، إضافة إلى قربها من فلسطين القضية العربية والإسلامية الأساس، والكيان الإسرائيلي، وبفضل ذلك كانت دائماً طرفاً ثالثاً في المباحثات التي جرت وتجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعليه، فإن أمريكا بعد أن اعتمدت على خبرتها الممتدة على مرّ القرون في المنطقة، رأت أن الدور المصري له أهمية كبيرة في الحفاظ على مصالحها هناك.

الأولوية الأولى لمصر بالنسبة لأمريكا هي حماية الأمن الصهيوني، وأيضاً من وجهة نظر أمريكا، فمصر هي الحجر الأساس الذي يقف عليه العالم العربي والعالم الإسلامي، كما وحاربت مصر والدول العربية الأخرى "إسرائيل" أربع مرات في الأعوام 1948 و1956 و1967 و1973، وفشلت في قضايا أخرى باستثناء حالة واحدة حققت نجاحاً جزئياً، ومن هنا، شهدت العلاقات بين أمريكا ومصر والكيان الإسرائيلي الكثير من التقلبات نذكر منها:

عام 1956: هددت أمريكا باستخدام السلاح النووي ضد مصر بسبب الاعتداء على البارجة الأمريكية في قناة السويس حيث يقول أحد الضباط الأمريكيين أنهم تلقوا أمراً بانطلاق طائرات من الأسطول السادس الأمريكي في البحر المتوسط من أجل قصف القاهرة بالسلاح النووي... بعد الاعتداء على السفينة الأمريكية "ليبرتي" في قناة السويس.

وقاد الزعيم العسكري المصري محمد أنور السادات إلى جانب سوريا الحرب الأخيرة بين الصهاينة والعرب، هُزمت مصر في هذه الحرب، وشهد الجانبان خسائر فادحة، وكانت هذه الهزيمة وإلى جانب الضغوط الأمريكية على القاهرة سبباً لجلوس السادات مع الصهاينة على طاولة المفاوضات.

بعد أنور السادات، أصبح حسني مبارك الرئيس المصري، مبارك كان يُلقّب بـ "البطل القومي" بسبب البطولات التي قام بها خلال المعركة الأخيرة مع الكيان الإسرائيلي إلا أنه فضّل الاستمرار في اتباع سياسات السادات، وخلال فترة حكمه الطويلة قام مبارك وبدعم من الأمريكيين بقمع رجال الدين، وأغلق جميع النقابات المهنية مثل نقابة المحامين وأزعج نشطاء حقوق الإنسان، في الظاهر بدا مبارك على أنه ديمقراطي، إلا أنه على أرض الواقع كان رئيساً دكتاتورياً استطاع الفوز في أربع انتخابات متتالية دون منافسة تذكر بسبب الدعم الأمريكي والإسرائيلي الكبير الذي كان يتلقاه وبالتالي حكم مصر لمدة ثلاثين سنة متتالية.

عام 2011: استمرت أمريكا في دعم حكومة مبارك الدكتاتورية ضد الثورة المصرية، حيث تدخلت بشكل كبير عبر السكوت عن القتل الذي كان يمارسه مبارك ضد المتظاهرين، لكن في نهاية المطاف سقط مبارك وسقط معه الحلف الأمريكي الإسرائيلي.

بين عامي 2011 و2012: سعت أمريكا للحفاظ على مصالحها من خلال توفير الدعم والعسكري والاستخباراتي للجيش المصري.

بين عامي2012-2013: قامت أمريكا بدعم حكومة محمد مرسي، إلا أنها استطاعت خداعه ما أثّر بشكل كبير على الثورة الشعبية وعلى جسد الحركة الإسلامية، وبعد عامين من ثورة 2011، دعم الكيان الإسرائيلي وأمريكا انقلاب الجيش المصري على مرسي الذي كان بنظرهم يشكّل خطراً كبيراً على مصالحهم.

في عام 2013: وبدعم سياسي ومالي قوي، دافعت أمريكا عن الانقلاب العسكري لحسني مبارك ضد محمد مرسي وأدى ذلك إلى سقوط حكومته، حيث بدت أمريكا في البداية معارضة للانقلاب، ولكن بعد الانقلاب، ومع تحسن العلاقات الغربية مع مصر والاعتراف بالحكومة الجديدة من قبل أمريكا، وتبيّن أن الانقلاب كان أيضاً أمريكياً.

وتعرف الثورة المصرية والتي حصلت في 22 فبراير 2010 بأنها أم الحركة العربية، وعلى الرغم من أن هذه الثورة حصلت بعد انهيار الحكومة التونسية في 24 يناير من نفس العام، إلا أنها اعتبرت نقطة تحوّل بسبب دور القاهرة الرئيسي في معادلات الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى كان مبارك حليف أمريكا لمدة ثلاثين سنة في المنطقة وبالتالي يمكن اعتباره أكبر رمز للتحول في الشرق الأوسط.

وعلى عكس الدول العربية الأخرى، تتمتع مصر بموقع جغرافي خاص، ما دفع أمريكا إلى النظر إليها من زاوية خاصة، فهي تعدّ أكبر دولة في منطقة شمال إفريقيا من حيث عدد السكان والمساحة إضافة إلى قوة جيشها الكبيرة، كما أن مصر هي نقطة الوصل بين قارة آسيا وقارة إفريقيا، كما لديها حدود طويلة مع الكيان الإسرائيلي وحدود أيضاً مع قطاع غزة والتي يبلغ طولها 11 كيلومتراً، كل هذه الميزات تُظهر الموقع البارز للبلاد في قلب الشرق الأوسط، كما أنه لا يجب نسيان قناة السويس وممرها من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر الذي لديه أهمية خاصة بالنسبة للتأثير الأمريكي على شبه الجزيرة العربية والقرن الإفريقي.

ختاماً.. إن التأييد المصري الكامل للسياسة الأمريكية في المنطقة، يلعب دوراً رئيسياً في تعزيز هذه السياسات، بمعنى آخر تعدّ مصر ضامن المصالح الأمريكية في المنطقة، ومن هنا تقدّم أمريكا الدعم الكامل للحكومات الدكتاتورية التي مرّت في تاريخ مصر حيث استطاعت من خلالها تحقيق ما تشاء، كما ستدعم أي حكومة أخرى قد تأتي في المستقبل بشرط أن تكون بعيدة كل البعد عن حكم الشعب الذي يشكّل خطراً كبيراً على أهداف أمريكا و"إسرائيل" في المنطقة.

قراءة 905 مرة