استقبل سماحة آیة الله العظمی السید علی الخامنئی حشداً کبیراً من أهالی مدینة تبریز، و سلّط الأضواء فی حدیث بالغ الأهمیة علی السلوکیات و الأقوال غیر المنطقیة للساسة الأمریکان فی خصوص قضیة المفاوضات، و أوضح السلوک المنطقی للشعب الإیرانی و النظام الإسلامی فی هذا الخصوص، مشیداً ثانیة بالمشارکة الهائلة و المقتدرة للشعب الإیرانی فی تظاهرات ذکری الثانی و العشرین من بهمن، ذاکراً بعض النقاط حول القضیة الأخیرة التی حدثت فی مجلس الشوری الإسلامی.
و حیّی قائد الثورة الإسلامیة فی هذا اللقاء الذی أقیم علی أعتاب انتفاضة أهالی تبریز فی التاسع و العشرین من شهر بهمن سنة 1356 [18/02/1978 م] ذکری شهداء هذه الانتفاضة، و اعتبر الدین و الإیمان الدینی المعیار و المناط و الدلیل فی مسیرة الشعب الإیرانی، مضیفاً: النموذج البارز لتبلور هذه الحقیقة هو کفاح أهالی آذربیجان خلال الأعوام المائة و الخمسین الأخیرة الذی کان دوماً ذا رصید دینی أکید أصرّ علیه أهالی آذربیجان.
و شدّد آیة الله العظمی السید الخامنئی علی أن السبب الأصلی لعدم تزلزل الشعب الإیرانی إزاء ضغوط القوی العالمیة بما فی ذلک الحظر الاقتصادی، هو الإیمان الدینی للشعب، ملفتاً: لقد فرضوا منذ أشهر الحظر الذی زعموا أنه شالّ، بل و قرروا قبل أیام من الثانی و العشرین من بهمن مرحلة جدیدة من الحظر لیزعزعوا إرادة الشعب الإیرانی، لکن ردّ الشعب الإیرانی أنه أقام تظاهرات الثانی و العشرین من بهمن هذا العام بحماس و ملحمیة أعظم من السنوات السابقة.
و أضاف قائلاً: فی تظاهرات یوم الثانی و العشرین من شهر بهمن لهذا العام جاء الناس من کل مکان، و کانت مشارکة الجماهیر بمعنویات عالیة و وجوه ضاحکة مستبشرة، و هذه المشارکة العظیمة عبّرت مرة أخری عن الوجه الحقیقی لشعب إیران.
و أکد آیة الله العظمی السید الخامنئی علی أن تظاهرات الثانی و العشرین من شهر بهمن فی کل عام ضربة موجعة علی رؤوس أعداء الشعب الإیرانی و معارضیه، مردفاً: لقد کان الأمر کذلک فی هذا العام أیضاً.
و ثمّن سماحته مرة أخری المشارکة الهائلة و العزیزة لشعب إیران فی مظاهرات الثانی و العشرین من بهمن، منوّهاً: لو تکرّر هذا الشکر مائة مرة لما کان ذلک بکثیر، و لا بد من إبداء الاحترام لمعنویات الشعب الإیرانی و بصیرته هذه.
و أکد قائد الثورة الإسلامیة فی معرض تحلیله للظروف الراهنة: لقد وقع الأعداء مقابل إیمان الشعب الإیرانی و عزیمته الراسخة و بصیرته و شجاعته و صبره فی موقف الانفعال، لذلک راحت تصدر عنهم أمور و خطوات غیر منطقیة.
و أشار الإمام علی الخامنئی إلی سلوکیات الساسة الأمریکان و أقوالهم مستشهداً بها علی کونهم أشخاصاً غیر منطقیین، و متناقضی الأقوال و الأفعال، و تتحکّم فیهم روح التعسف و منطق القوة، ملفتاً: یتوقع الأمریکان أن یستسلم الآخرون مقابل تعسفهم و کلامهم غیر المنطقی، کما استسلم البعض، لکن الشعب الإیرانی و نظام الجمهوریة الإسلامیة لا یستسلم، لأن له منطقه و قوّته و اقتداره.
و فی معرض شرحه للمواقف و الخطوات غیر المنطقیة للساسة الأمریکان و الحکومات الغربیة التابعة لهم، أشار سماحته إلی نماذج معینة قائلاً: إنهم یدّعون الالتزام بحقوق الإنسان و یرفعون رایة حقوق الإنسان فی العالم، لکنهم عملیاً وجّهوا أشدّ الضربات لحقوق الإنسان، و انتهکوا حقوق الإنسان أفظع الانتهاکات فی فجائع مثل غوانتانامو و أبی غریب و المذابح التی ارتکبت ضد الناس فی أفغانستان و باکستان.
و اعتبر آیة الله العظمی السید الخامنئی أن من النماذج الأخری علی لامنطقیة الأمریکان و تناقض ادعاءاتهم و أعمالهم، ادعاؤهم مواجهة الأسلحة النوویة، و أضاف قائلاً: علی أساس هذا الادعاء هاجم الأمریکان العراق قبل أحد عشر عاماً، و لکن تبیّن لاحقاً أن هذا الادعاء عار عن الصحة من الأساس.
و لفت سماحته قائلاً: علی الرغم من هذا الادعاء یدعم الساسة الأمریکان الکیان الصهیونی الشرّیر و المجهز بالأسلحة النوویة التی تهدّد الآخرین.
و أوضح الإمام الخامنئی أن ادعاء الالتزام بنشر الدیمقراطیة فی العالم من الادعاءات الأخری المتناقضة مع الواقع التی یطلقها الساسة الأمریکان، مردفاً: إنهم یطلقون هذا الادعاء من جهة، لکنهم من جهة ثانیة یعارضون إیران دوماً و هی صاحبة أوضح و أنصع الدیمقراطیات فی المنطقة.
و أکد آیة الله العظمی السید الخامنئی: یزعم الأمریکان دعم نشر الدیمقراطیة فی حین یدعمون فی نفس هذه المنطقة و بکل وقاحة بلداناً لم تشمّ ریح الدیمقراطیة، و لم تشاهد شعوبها و لو لمرة واحدة صنادیق الاقتراع و الانتخابات.
و اعتبر سماحته أن من المصادیق الأخری للتناقض بین کلام الساسة الأمریکان و أفعالهم، ادعاؤهم استعدادهم التفاوض مع إیران بهدف حلّ القضایا بین البلدین، و استطرد قائلاً: یطرح هذا الادعاء فی حین ینسب الأمریکان کلاماً غیر مناسب و علی الضدّ من الواقع لنظام الجمهوریة الإسلامیة، و یلجؤون للحظر و الضغوط من أجل مجابهة الشعب الإیرانی.
و ألمح قائد الثورة الإسلامیة إلی تصریح رئیس جمهوریة أمریکا قبل أیام بخصوص مساعی أمریکا للحؤول دون صناعة إیران قنبلة نوویة، مؤکداً: إذا کانت إیران تعتزم صناعة أسلحة نوویة فإن أمریکا لن تستطیع منع الشعب الإیرانی من ذلک أبداً.
و تابع الإمام علی الخامنئی یقول: الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لا تعتزم صناعة سلاح نووی، و لیس هذا لانزعاج أمریکا، إنما هو قرار نابع من عقیدة تعتبر السلاح النووی جریمة ضد الإنسانیة، و هی إذ تشدّد علی عدم إنتاجه تطالب بإتلاف الأسلحة النوویة الموجودة فی العالم.
و أکد سماحته قائلاً: ادعاء الأمریکان بأن إیران تصنع سلاحاً نوویاً إنما هو غشّ فی الکلام.
و تابع قائد الثورة الإسلامیة یقول: فی خصوص الملف النووی الإیرانی، لیس الکلام عن السلاح النووی، إنما یریدون أن یحولوا دون الحق الأکید و القطعی للشعب الإیرانی فی التخصیب النووی و الاستخدام السلمی للطاقة النوویة، و طبعاً لا ینجحون فی منع الشعب الإیرانی من ذلک، و هذا الشعب سوف یواصل عمله علی أساس حقه الصریح.
و أکد آیة الله العظمی السید الخامنئی: السعی لتضییع حقوق الشعب الإیرانی نموذج جلیّ لعدم منطقیة الأمریکان، و علی هذا الأساس لا یمکن التحدّث مع الطرف التعسفی و غیر المنطقی اعتماداً علی المنطق.
و أضاف سماحته قائلاً: لقد أدرکت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة طوال الأعوام الـ 34 الماضیة بکل وضوح و من خلال مختلف القضایا العالمیة، من هو الطرف المقابل لها و کیف یتصرّف و کیف یجب التعامل معه.
و أشار قائد الثورة الإسلامیة إلی أن الأمریکان فی قضیة المفاوضات، و اعتماداً علی الشبکة الخبریة الخاضعة لهیمنة الصهاینة و الأمریکان، یریدون خداع الرأی العام العالمی و الإقلیمی و الإیرانی، مردفاً: الشبکة الإعلامیة العالمیة إما لا تنقل کلامنا أو تنقله ناقصاً أو حتی معکوساً، لذلک فإننا نخاطب الشعب الإیرانی.
و فی معرض بیانه لحقائق موضوع المفاوضات، أکد سماحته علی خمس نقاط هی: اللامنطقیة و التناقض بین کلام الساسة الأمریکان و سلوکهم، و سعی الأمریکان لفرض الاستسلام علی شعب إیران باعتبار ذلک الهدف الأصلی من المفاوضات، و المعنی الحقیقی للمفاوضات فی عرف القوی المهیمنة، و کذب الأمریکان و مخادعاتهم بشأن رفع الحظر بفعل المفاوضات، و منطقیة سلوک الشعب الإیرانی و نظام الجمهوریة الإسلامیة مقابل الاقتراح الأمریکی.
و اعتبر الإمام الخامنئی الغرض الأصلی للساسة الأمریکان من إطلاق اقتراح المفاوضات الدعایة و الضجیج بشأن استسلام الشعب و النظام فی إیران مردفاً: إنهم یریدون أن یثبتوا للشعوب المسلمة و الناهضة فی المنطقة بأن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة علی الرغم من کل تصلّبها و صمودها جاءت أخیراً إلی طاولة المفاوضات و المصالحة، لذلک لیس أمامکم أنتم أیضاً من طریق سوی الاستسلام.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة: طبعاً کان المهیمنون منذ فترات یهدفون إلی بث الیأس فی نفوس الشعوب المسلمة من خلال جرّ إیران إلی طاولة المفاوضات و التعاطی و الصفقات، و الآن أیضاً یرمون إلی نفس هذا الهدف بمشروعهم الدعائی «مفاوضات لا تتعلق بالقضایا الأساسیة»، لکن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة تدرک أهدافهم بعیون مفتوحة، و تردّ علیهم بما یتناسب و أهدافهم.
و أوضح الإمام الخامنئی أن المعنی الحقیقی للحوار فی عرف أمریکا و الغربیین هو قبول کلامهم علی طاولة المفاوضات مردفاً: إنهم بنظرتهم غیر المنطقیة هذه یقولون فی دعایاتهم الأخیرة نرید أن نتفاوض مع إیران لنقنع و نفرض علی إیران الإقلاع عن الطاقة النوویة و التخصیب، لکنهم لو کانوا یرمون إلی الحوار الحقیقی و المنطقی لوجب أن یقولوا إننا نرید التفاوض کی تذکر إیران أدلتها و براهینها و تدرس القضایا و الأمور بنحو عادل.
و طرح قائد الثورة الإسلامیة السؤال القائل: فی ضوء هذه النظرة التی تسود الساسة الأمریکان و توقعهم استسلام إیران، إذا وافقت الحکومة الأمریکیة علی اقتراح الحوار فهل سیکون للمفاوضات من فائدة، و هل ستصل إلی نتیجة أصلاً؟
و أشار آیة الله العظمی السید الخامنئی إلی مبادرة الأمریکان إلی قطع المفاوضات عند عجزهم مقابل الکلام المنطقی لإیران، مردفاً: خلال الأعوام الـ 15 الماضیة أکد الأمریکان علی أن الحوارات أمر ضروری و فوری و حیوی جداً، و طلبوا التفاوض فی بعض القضایا، و ذهب واحد أو أثنان من المأمورین الحکومیین و تحاوروا معهم، و لکنهم بمجرد أن عدموا الجواب مقابل الکلام المنطقی لإیران قطعوا المفاوضات، و استخدموا شبکتهم الإعلامیة الدولیة لیقولوا إن إیران هی التی قطعت المفاوضات.
و تساءل سماحته: مع وجود هذه التجارب، هل من اللازم أن نجرّب لامنطقیة الأمریکان فی المفاوضات مرة أخری؟
و أکد الإمام الخامنئی علی أن الدعایة الأمریکیة بخصوص إلغاء الحظر إثر المفاوضات مع إیران مجرد وعد کاذب، مردفاً: إنهم یتوهمون بأن الشعب تبرّم بسبب الحظر، لذلک سیتشوّق للتفاوض مع أمریکا بسماعه هذا الوعد، و سیضغط علی مسؤولیه فی هذا الاتجاه.
و نبّه قائد الثورة الإسلامیة قائلاً: الواقع أن هذا الوعد أیضاً من سنخ الکلام المخادع، و یدلّ علی أنهم لا ینشدون المفاوضات الحقیقیة العادلة، إنما یرمون إلی استسلام الشعب الإیرانی، و الحال أن الشعب الإیرانی لو أراد الاستسلام للأمریکان لما قام بالثورة أساساً.
و سجّل سماحته إشکالاً جاداً آخر علی ادعاء الأمریکان إلغاء الحظر فی حال التفاوض، مؤکداً: الهدف من الحظر کما قالوا مراراً هو إتعاب الشعب الإیرانی و فصله عن النظام الإسلامی، لذلک حتی لو حصلت المفاوضات و بقی الشعب فی الساحة و أصرّ علی حقوقه فإن الحظر سوف یبقی.
و فی إطار نفس هذا الموضوع أعاد قائد الثورة الإسلامیة قراءة تصوّر ذهنی للساسة الأمریکان نصفه صحیح و نصفه خطأ.
فقال سماحته: یتعقد الأمریکان أن الجمهوریة الإسلامیة تعتمد علی الشعب، و إذا فصلوا بالحظر الاقتصادی الشعب عن النظام الإسلامی فإن النظام لن یعود قادراً علی المقاومة. الجزء الأول من هذا الکلام و هو أن النظام الإسلامی یعتمد علی کتل الشعب الهائلة کلام صحیح، لکن الجزء الثانی منه و هو أن الضغوط و الحظر سوف یُرکِع الشعب و یسقطه و یفصله عن النظام الإسلامی کلام خاطئ تماماً و ناجم عن فهم سیئ.
و أضاف آیة الله العظمی السید الخامنئی: الشعب الإیرانی طبعاً یسعی إلی تمام الازدهار و الرونق و الرفاه، لکنه غیر مستعد للوصول إلی هذا الهدف بذلة، إنما یسعی لتحقیق هذا الهدف بتدبیر و عزم و شجاعة و اعتماد علی القوی و الطاقات الداخلیة و خصوصاً الشباب الإیرانی الموهوب.
و أشار قائد الثورة الإسلامیة إلی حالات التقدم المذهلة التی حققها الشعب الإیرانی مقارنة بالشعوب و البلدان التی استسلمت لأمریکان مردفاً: الحظر یؤذی الشعب، و لکن لا یوجد أمامه سوی طریقین: إما الاستسلام و التوبة أمام عتاة العالم کما تفعل الشعوب الضعیفة، أو تفعیل القدرات و الطاقات الداخلیة کما یفعل الشعب الإیرانی الشجاع، و الاجتیاز الشامخ و المقتدر من منطقة الخطر.
و استطرد قائلاً: لا شک أن شعب إیران اختار و یختار الطریق الثانی، و سیحوّل الحظر بإذن الله إلی مرحلة انطلاق نحو مزید من النمو و الازدهار.
و أوضح الإمام الخامنئی أن مشارکة الشعب الفاعلة فی مظاهرات الثانی و العشرین من بهمن لا تعنی عدم وجود شکوی لدیه من الغلاء و المشکلات، مردفاً: الشعب، و خصوصاً الطبقات المحرومة، یشعر بالصعوبات تماماً، لکنه لا ینفصل عن النظام الإسلامی، لأنه یعلم أن النظام الإسلامی و الإسلام العزیز هو الید القویة التی بوسعها حلّ المشکلات.
و أکد قائد الثورة الإسلامیة ملخصاً کلامه حول المفاوضات مع أمریکا: النظام الإسلامی و شعب إیران خلافاً للساسة الأمریکان، من أهل المنطق، لذلک إذا شاهد من الجانب الآخر کلاماً أو سلوکاً منطقیاً فإنه سیستجیب له استجابة مناسبة.
و أوضح آیة الله العظمی السید الخامنئی بأن تجنّب أمریکا لمنطق القوة و الشرور، و احترامها لحقوق الشعب الإیرانی، و عدم تدخلها فی الشؤون الداخلیة لإیران کما تدخلت بوضوح فی دعم أرباب الفتنة سنة 88 ، و تحاشیها تأجیج الحروب و النزاعات فی المنطقة، هی من العلامات التی لو ظهرت لأمکن أن تدلّ علی حسن نیّة الساسة الأمریکان.
و أضاف قائد الثورة الإسلامیة: إذا حصل هذا و أثبت الأمریکان بکلامهم و أعمالهم أنهم لیسوا غیر منطقیین، عندها سیرون أن الجمهوریة الإسلامیة و شعب إیران ینشدون الخیر و من أهل التعاطی و المنطق.
و أکد الإمام الخامنئی قائلاً: السبیل الوحید للتواصل مع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة هو هذا، و فی هذه الحالة ستتلقی الحکومة الأمریکیة جواباً مناسباً.