ليس غريبا على اميركا ان تمارس الكذب ولو بشكل فاضح تدعيما لاجراءات تريد اتخاذها بناء على الاكاذيب التي تختلقها ، ولعل اكثرها فضاحة مسالة اتهام الحكومة السورية باستعمال اسلحة كيمياوية بشكل محدود ، وتجاوزها الخطوط الحمراء بهذا الشان ، ومن ثم اتخاذ الامر ذريعة لاعلان انتقال اميركا الى الدعم العسكري للمعارضة المسلحة في سوريا في المرحلة الاولى من تسويق الاكذوبة هذه ، والاستعداد لضرب سوريا عسكريا كتوظيف جديد لمسالة السلاح الكيمياوي .
التقرير الاميركي الذي صدر بهذا الشان في المرة الاولى يفضح نفسه من خلال هشاشة المعلومات المعتمدة فيها والبناء عليها ، الامر الذي دفع روسيا الى تكذيب اميركا صراحة بهذا الخصوص ، وقالت ان التقرير صادر عن ذات الجهة التي اختلقت اكذوبة امتلاك العراق اسلحة دمار شامل في عهد صدام حسين ، مشيرة الى نقاط خلل عديدة في الادعاء الاميركي .
فقد قال المستشار الدبلوماسي في الكرملين يوري اوشاكوف ان مسؤولين اميركيين قدموا مؤخرا معلومات لروسيا حول استخدام اسلحة كيميائية ضد مقاتلي المعارضة من قبل نظام الرئيس بشار الاسد .
وقال اوشاكوف "نقول ذلك بوضوح: ما قدمه الاميركيون يبدو لنا غير مقنع"، مؤكدا في الوقت نفسه ان قرارا اميركيا بزيادة المساعدة للمسلحين "سيعقد" جهود السلام.
واضاف ان "طبيعة هذه المعلومات لا يمكن ان تكشف بالطبع. لكنني اكرر هذا ليس مقنعا".
وتابع اوشاكوف "لا اريد ان اقارن بين الحالتين لكن لا اريد ان اعتقد ان هذه المعلومات يمكن ان تكون مشابهة للقارورة التي عرضها وزير الخارجية الاميركي كولن باول خلال الاجتماع الشهير لمجلس الامن الدولي".
ويشير اوشاكوف الى اجتماع عقده مجلس الامن في 2003 وقدم فيه باول قارورة قال انها تحوي مادة الجمرة الخبيثة كدليل على وجود برامج التسلح العراقية.
وشن الرئيس الاميركي السابق جورج بوش حملته العسكرية على العراق في 2003 استنادا الى هذه الادلة لكن لم يعثر على اي اسلحة للدمار الشامل في العراق.
من جهته، رأى نائب في حزب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان ادعاءات الولايات المتحدة بان الاسد استخدم الاسلحة الكيميائية "مفبركة"، لكنه كان اكثر وضوحا في التشبيه بين الوضعين.
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي النائب اليكسي بوشكوف في تغريدة على حسابه على تويتر ان "المعلومات حول استخدام الاسد للاسلحة الكيميائية مختلقة في المكان نفسه الذي اختلقت فيه الاكاذيب حول اسلحة الدمار الشامل لدى (صدام) حسين".
وقال بوشكوف على تويتر "لماذا قد يستعمل الاسد (غاز) السارين + بكميات ضئيلة + ضد المقاتلين؟ اين المنطق؟ لوقف التدخل الخارجي؟ هذا غير منطقي".
ولا يعبر بوشكوف عن موقف روسيا الرسمي حول السياسة الخارجية الا انه غالبا ما يعكس وجهة نظر الكرملين حول القضايا الدولية الكبرى.
الخارجية السورية قالت من جانبها ان البيان الاميركي كان حافلا بالاكاذيب حول استخدام اسلحة كيميائية في سوريا، وذلك بالاستناد الى معلومات مفبركة سعت الى تحميل الحكومة السورية المسؤولية عن استخدام هذه الاسلحة .
واضافت ان هذا الاتهام يـأتي "بعد تواتر التقارير التي اكدت امتلاك المجموعات الارهابية المتطرفة الناشطة في سوريا مواد كيميائية قاتلة والتكنولوجيا اللازمة لانتاجها وتهريبها من بعض دول الجوار".
الملاحظ في هذه المسالة ان المعلومات الاولى التي صدرت عن فرنسا ابتداء قالت بان المعارضة السورية هي المتورطة في استخدام اسلحة كيمياوية ، وتم نقل المعلومات الى اميركا حيث تبدلت الى اتهام الحكومة السورية باستخدامها دون وجود ادلة دامغة عن الموضوع ، فضلا عن العينات ، وكذلك المبررات الموضوعية التي تدفع الى استخدام مثل هذه الاسلحة .
الاتهامات الاميركية الجديدة جاءت لاختلاق الاعذار والمبررات التي تسمح لها بالانتقال الى خطوة جديدة وهي التدخل المباشر في الصراع الدائر بسوريا ، وخلق الاعذار الواهية التي لاتستند على اصول دستورية ومرجعية قانونية ، وبالتالي فهي محاولة غربية واميركية من اجل تكثيف الدعم للمسلحين الذين تجمعوا من مختلف الاطراف والجهات لديمومة الصراع في هذا البلد وعدم جديتها في البحث عن حلول سياسية كما تدعي ، وكذلك ايجاد المبررات حتى الواهية منها لغرض تكريس التدخل المباشر والذي حالت دونه روسيا والصين باستخدامهما للفيتو ضد أي قرار يستهدف التدخل .