التهيؤ المعرفي لاستقبال شهر رمضان المبارك

قيم هذا المقال
(0 صوت)
التهيؤ المعرفي لاستقبال شهر رمضان المبارك

قد قيل: إذا كَمُلت معرفة الرجل بالدنيا، تعجّب من أبنائها، وإذا عمي عن معرفة الآخرة، تعجّب من أبنائها.
 
ومن الواضح أنّ العلم دليلُ العمل، بل إنّ العلم شرطٌ في صحّة القول والعمل. لا يصحّ القول، ولا يصحّ العمل، إلّا إذا كان العلم قبلهما، فعلاقة العلم والعمل علاقةٌ ترابطيّة.
 
ومن الواضح أنّ مقدار الاستفادة من كلّ شيء - مطلقًا - وكيفيّتها، مربوطان بفهمنا لذلك الشيء وحجم معرفتنا له، فمن عرف الله -عزّ وجلّ- حقّ معرفته، عظّمَه، ومن عظّم اللهَ، عظّم كلّ ما جعله الله معظّمًا. فمن عرف قيمة شهر رمضان، لم يضيّع وقته، بل استفاد من لحظات هذا الشهر المبارك كلّها.
 
وقد جاءت الروايات كثيرة ومتنوّعة، عن المعصومين (عليهم السلام) في هذا الشأن، بالإضافة إلى الأدعية العظيمة التي تحرّك العقول والقلوب لاغتنام فرصة الاستفادة من شهر الله، كما في خطبة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) في استقبال شهر رمضان، وكما في دعاء الإمام علي السجّاد (عليه السلام) في الصحيفة السجّاديّة في استقبال شهر رمضان (الدعاء الرابع والأربعين)، ودعائه العظيم في وداع شهر رمضان (الدعاء الخامس والأربعين) وغيرهما.
 
عن النبيّ الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): «لَوْ يَعْلَمُ الْعَبْدُ مَا فِي رَمَضَانَ، لَوَدَّ أَنْ يَكُونَ رَمَضَانُ السَّنَةَ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا فِيهِ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَتُزَيَّنُ لِرَمَضَانَ مِنَ الْحَوْلِ إلى الْحَوْلِ، فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، هَبَّتِ الرِّيحُ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، فَصَفَقَتْ وَرَقَ الْجَنَّةِ، فَتَنْظُرُ حُورُ الْعِينِ إلى ذَلِكَ، فَيَقُلْنَ: يَا رَبِّ، اِجْعَلْ لَنَا مِنْ عِبَادِكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَزْوَاجًا تَقَرُّ بِهِمْ أَعْيُنُنَا، وَتَقَرُّ أَعْيُنُهُمْ بِنَا، فَمَا مِنْ عَبْدٍ صَامَ رَمَضَانَ إِلاَّ سِوَى مَا عَمِلَ مِنْ حَسَنَاتٍ»[1].
 
عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِضَا (عليه السلام)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ شَهْرٌ عَظِيمٌ، يُضَاعِفُ اللَّهُ فِيهِ الْحَسَنَاتِ، وَيَمْحُو فِيهِ السَّيِّئَاتِ، وَيَرْفَعُ فِيهِ الدَّرَجَاتِ. مَنْ تَصَدَّقَ فِي هَذَا الشَّهْرِ بِصَدَقَةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ أَحْسَنَ فِيهِ إلى مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ حَسَّنَ فِيهِ خُلُقَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ومَنْ كَظَمَ فِيهِ غَيْظَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ». ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «إِنَّ شَهْرَكُمْ هَذَا لَيْسَ كَالشُّهُورِ، إِنَّهُ إِذَا أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ، أَقْبَلَ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَإِذَا أَدْبَرَ عَنْكُمْ، أَدْبَرَ بِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ... »[2].
 
عَنْ مَوْلانَا الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهما السلام)، في حديث: «قَالَ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ اِحْتِسَابًا، إِلاَّ أَوْجَبَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ سَبْعَ خِصَالٍ:
أُولاهَا: يَذُوبُ (لا يَدُومُ) الْحَرَامُ فِي جَسَدِهِ،
وَالثَّانِيَةُ: لا يَبْعُدُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تعالى،
وَالثَّالِثَةُ: يَكُونُ قَدْ كَفَّرَ خَطِيئَةَ أَبِيهِ آدَمَ،
وَالرَّابِعَةُ: يُهَوِّنُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ،
وَالْخَامِسَةُ: أَمَانٌ (أَمَانًا) مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَالسَّادِسَةُ: يُعْطِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ،
وَالسَّابِعَةُ: يُطْعِمُهُ اللَّهُ مِنْ طَيِّبَاتِ الْجَنَّةِ»[3].
 
وممّا تقدّم، نعرف قيمة التركيز على الجانب المعرفيّ، فالمرحلة الأولى للاستقبال الصحيح هي معرفة قدر شهر رمضان والغاية منه، ولذلك جاء في دعاء الإمام السجّاد (عليه السلام) في استقبال شهر رمضان قوله (عليه السلام): «وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ وَإِجْلالَ حُرْمَتِهِ... »[4].

 


[1] المجلسيّ، محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403ه - 1983م، ط2، ج93، ص346.
[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، عيون أخبار الرضا عليه السلام، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلميّ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1404 - 1984م، لا.ط، ج1، ص293.
[3] ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسنيّ الحسينيّ، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يُعمَل مرّةً في السنة، تحقيق جواد القيّوميّ الأصفهانيّ، مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران - قمّ‏، 1414ه، ط1، ج1، ص4.
[4] الدعاء الرابع والأربعون - الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين (عليه السلام).

قراءة 5 مرة