واستقبل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله وفدًا من لجنة السياسة الخارجية والأمن في مجلس الشورى الإسلامي في إيران برئاسة مسؤول اللجنة الدكتور جلال زاده وعدد من السادة النواب في هذه اللجنة وبحضور السفير الايراني في بيروت السيد مجتبى أماني حيث جرى استعراض آخر المستجدات والأوضاع في لبنان وفلسطين والمنطقة.

emamian
التوبة النـّصوح
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾1.
التوبة باب الله الآمن، الذي فتحه الله إلى ساحة عفوه "إلهي أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك سمّيته التوبة"2، والذي تركه الله تعالى مفتوحاً بالليل والنهار، ملجأً ومأوىً لعباده الهاربين من واقعهم المنحرف ليدخلوه متى أرادوا، بمجرّد أن يتولَّد عندهم رغبة مخلصة في التطهُّر من دنس الخطايا والذنوب والمعاصي.
والتوبة دعوة ربّانية مفتوحة وموجّهة لكل المذنبين في الأرض، والمذنبون جميعاً مدعوون لقبول هذه الضيافة الإلهية، من أجل أن يضعوا حدّاً لفسادهم وغيِّهم وتساقطهم وراء الملذّات الدنيوية الرخيصة، وأن لا ييأسوا من رحمة الله. يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾3.
ما هي التوبة النَّصوح:
تتضمّن الآية الكريمة - المذكورة في تصدير الموعظة - حثّ صريح على التوبة النصوح، والتوبة النصوح أعلى درجات التوبة أو التائبين، بعد الدرجات الأولى للتوبة من ترك الذنوب مدّة أو ترك الكبائر. ولهذا كان من الضروري توضيح معناها: فالنصح يأتي لغة بمعنى: "الإخلاص، نحو نصحت له الود أي أخلصته"4، فالتوبة النصوح هي التي تصرف صاحبها عن المعصية، وتخلِّصه من الرجوع إلى الذنب وذلك بتحرّي جميع الطرق التربوية التي تصدّه عن المعصية.
ومعناها حسب ما ورد في الروايات عن أهل البيت عليهم السلام هي التوبة التي لا يعود فيها التائب إلى الذنب الذي تاب عنه، على ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب يوماً بالمسلمين فقال: "أيها الناس توبوا إلى الله توبة نصوحاً قبل أن تموتوا بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا..."5.
وعن أبي بصير قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحً﴾ قال: هو الذنب (أي التوبة من الذنوب) الذي لا يعود فيه أبداً، قلت وأيّنا لم يعد؟ فقال: يا أبا محمد إن الله يحبُّ من عباده المفتتن التوّاب"6.
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ: "إِذَا تَابَ الْعَبْدُ تَوْبَةً نَصُوحاً أَحَبَّهُ الله فَسَتَرَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ وَكَيْفَ يَسْتُرُ عَلَيْهِ قَالَ يُنْسِي مَلَكَيْهِ مَا كَانَا يَكْتُبَانِ عَلَيْهِ وَيُوحِي الله إِلَى جَوَارِحِهِ وَإِلَى بِقَاعِ الْأَرْضِ أَنِ اكْتُمِي عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ فَيَلْقَى الله عَزَّ وَجَلَّ حِينَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ شَيْءٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ"7.
فحقيقة التوبة النصوح أرقى بدرجات من التوبة التي يعود فيها الإنسان إلى الذنوب، وبالتالي فإنّ أثرها يختلف عن آثار التوبة العادية، كما أَنَّ شروطها كذلك.
وهذا الأمر بقدر ما يستبطن من الصعوبات، فإنّه في الوقت نفسه له آثارٌ عظيمة في حياة الإنسان، خصوصاً الشباب.
فضل التوبة النصوح:
أولاً: إِنَّ أعظم فضل للتوبة أنّها سبب لمحبة الّربِّ للعبد التائب. وفرقٌ بين أنْ نقول: (إنَّها سببٌ لمحبة الرب للعبد) و (إِنَّها سبب لمحبة العبد للرب)، فمن أنا ليحبّني الملك الجبار؟!
روى الكليني بإسناده إِلَى حَمَّادِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: "مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ أَرْصَدَ لِمُحَارَبَتِي وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدٌ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ مَوْتِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ"8.
ماذا لو أحبّك الله؟!
فلنستمع إِلَى صوت الحقّ والحقيقة من خلال ما روي: "إذا أحبَّ اللهُ مؤمناً قال لجبرائيل: إنِّي أحببتُ فلاناً فأحبّه في حبّه ثمّ ينادي في السماء إِنَّ اللهَ يحبُّ فلاناً فأحبّوه، ثمّ يوضع له قبول في أهل الأرض"9.
بعض النّاس في هذه الحياة الدُّنيا يسعد لو كان محبوباً من قِبَلِ زعيمٍ أو مسؤول، فماذا ترى المؤمن يعمل لو كان محبوباً من قِبَل ربّ الأرض والسماء، فيا لها من سعادةٍ ما بعدها سعادة...
ثانياً: أنّها سببٌ لفرح الربّ بالعبد، وإِنَّه فرحٌ لا يلازم التشبيه ولا التجسيم ولا التمثيل...فعن عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ وَزَادَهُ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَوَجَدَهَا فَالله أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ حِينَ وَجَدَهَا"10.
ما أروع هذا التشبيه! تصوّروا لو أَنَّ رجلاً يركب دابةً، قد أودعها من صنوف الطعام والشراب والمؤونة التي يحتاج إليها في طريقه الطويل الموحش، وعندما نزل ليستريح في تلك الأرض القاحلة فقد الدابة وما عليها من زادٍ ومؤونة. وبعد بحث طويل قد أضناه واتبعه، استسلم لقدره ظمآنَ جائعاً، وعندما وصل للرمق الأخير، فإذا به يرى من بعيد تلك الدابة تعود إليه, لتعطيه الحياة ثانيةً. لا شكّ أَنَّ هذا التشبيه بأمرٍ حسّيٍّ يوصل إِلَى أذهاننا ما قصده الإِمام عليه السلام من بيان الفرح والسرور الرباني عند توبة عبده وإيابه إليه.
ثالثاً: أنّها سبب لنور القلب ومحو أثر الذنب، يا له من فضل!! التوبة سبب لنور القلب ومحو أثر الذنب، فلينتبه كلّ مؤمن وكل مؤمنة، فإنّه لا يستغنى عن هذا الموضوع عالم أو حاكم رجل أو امرأة شاب أو شابة، فكلّنا بحاجةٍ إلى التوبة وخصوصاً التوبة النصوح.
إنّ صدق التائب مع الله في توبته يطهّره من كلّ ذنبٍ مهما كَبُر أو صَغُر، فقد روى الديلمي في إرشاد القلوب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،أنّه قال: "إِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ كَانَ نُقْطَةً سَوْدَاءَ عَلَى قَلْبِهِ فَإِنْ هُوَ تَابَ وَأَقْلَعَ وَاسْتَغْفَرَ صَفَا قَلْبُهُ مِنْهَا وَإِنْ هُوَ لَمْ يَتُبْ وَلَمْ يَسْتَغْفِرْ كَانَ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ وَالسَّوَادُ عَلَى السَّوَادِ حَتَّى يَغْمُرَ الْقَلْبَ فَيَمُوتُ بِكَثْرَةِ غِطَاءِ الذُّنُوبِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾"11.
فمثل الذُّنوب كمثل سحابةٍ كثيفةٍ مظلمةٍ، تحجب بمرورها ضوء القمر عن الأرض، فإذا انقشعت عاد النّور ساطعاً. فالذنوب كالسحابة، والاستغفار يمثّل حالة انقشاعها.
التوبة واجبة على الجميع:
إذا أقدم الإنسان على المعصية، وكان بالغاً عاقلاً عالماً بحرمة ما ارتكبه غير مضطّر إليها ولا مجبر عليها، يعتبر حينئذٍ عاصياً وتصبح التوبة واجبة عليه. روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "التوبة حبل الله ومدد عنايته، ولا بد للعبد من مداومة التوبة على كل حال، وكل فرقة من العباد لهم توبة، فتوبة الأنبياء من اضطراب السر، وتوبة الأولياء من تلوين الخطرات، وتوبة الأصفياء من التنفيس، وتوبة الخاص من الاشتغال بغير الله تعالى، وتوبة العام من الذنوب، ولكل واحد منهم معرفة وعلم في أصل توبته ومنتهى أمره وذلك يطول شرحه ها هنا.."12.
أدلة وجوب التوبة:
وهو المستفاد من النصوص الشرعية، فقد جاء في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على وجوب التوبة على المذنبين، فقد تظاهرت وتضافرت أدلّة القرآن الكريم والسنة الشريفة على ضرورة التوبة لكلّ مكلّف لم يعصمه الله من الخطأ, لأنَّ المؤمن لا يخلو من معصية ظاهرة أو باطنة. ومن أجل ذلك وجب عليه أن يجدّد التوبة والأوبة إلى الله بعدد أنفاس حياته حتى يلقى الله عز وجل وهو على توبة ، قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾13.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾14.
فيظهر من هاتين الآيتين توجيه الخطاب إلى المذنبين من المؤمنين. أما المجرمون ونحوهم فإن الله سبحانه كثيراً ما كان يحذرهم في آياته عذاباً أليماً وينذرهم عاقبة أعمالهم السيئة، ثم يدعوهم إلى التوبة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾15.
ومما يدلّ على الوجوب أيضاً قوله جلّ وعلا: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾16.
فالأمر واضح الظهور في الوجوب، وقد ربط الله تعالى الفلاح بالتوبة وفي آيةٍ أخرى يقول جل وعلا: ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾17.
وفي مجمع البيان أَنَّه قد صحّ الحديث بالإسناد عن حذيفة بن اليمان، قال: "كنت رجلاً ذرب اللسان على أهلي فقلت: يا رسول الله إنّي لأخشى أن يُدخلني لساني النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فأين أنت من الاستغفار؟ إنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"18. فانظر إِلَى نبيّنا وحبيبنا وهو المعصوم يستغفر الله في اليوم مائة مرّة.
إن كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر كلّ هذه المرات وهو من هو، فحريٌّ بالمسلم الَّذِي لا ينفك عن معصيةٍ صغرت أم كبرت، أنْ يحتاج إلى التوبة بعدد أنفاس حياته في هذه الدنيا.
يقول الشاعر:
دَعْ عَنْكَ مَا قَدْ فَاتَ فِي زَمَنِ الصِّبا**وَاذْكُرْ ذُنُوبَكَ وَابْكِها يَا مُذْنِبُ
لَمْ يَنْسَهَا الملكَانِ حِينَ نَسِيتَها **بَلْ أَثْبَتاها وَأَنْتَ لَاهٍ تَلْعَبُ
وَالرُّوحُ مِنْكَ وَدِيعَةٌ أُودِعْتَها**سَتَرُدُّهَا بِالرّغْمِ مِنْكَ وَتُسْلَبُ
وَغُرُورُ دُنْيَاكَ التي تَسْعَى لَهَا ** دَارٌ حَقِيقَتُها مَتَاعٌ يَذْهَبُ
الْلَّيْلُ فَاعْلَمْ والنَّهَارُ كِلَاهُما **أَنْفَاسُنَا فِيهِما تُعَدُّ وَتُحْسَبُ
قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾19.
وفي الخبر: "إِنَّ الله تَعَالَى أَنْزَلَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ الْمُنْزَلَةِ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ وَأَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا ذَكَرَنِي فَمَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً وَمَنْ أَتَانِي مَشْياً أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً وَمَنْ أَتَانِي بِقِرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً أَتَيْتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً مَا لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئاً"20.
فيا أيها المؤمن! هيّا إلى هذا الفضل العظيم، فوالله لو عرفت فضل التوبة ما تركتها طرفة عين، فكيف بالتوبة النصوح؟!
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ أُعْطِيَ أَرْبَعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ وَمَنْ أُعْطِيَ الِاسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ"21.
فتوى الفقهاء:
قال لإمام الخميني قدس سره: "من الواجبات التوبة من الذنب، فلو ارتكب حراماً أو ترك واجباً تجب التوبة فوراً، ومع عدم ظهورها منه أمره بها، وكذا لو شك في توبته، وهذا غير الأمر والنهي بالنسبة إلى سائر المعاصي، فلو شك في كونه مقصِّراً أو علم بعدمه لا يجب الإنكار بالنسبة إلى تلك المعصية، لكن يجب بالنسبة إلى ترك التوبة"22.
شرائط التوبة النَّصوح:
للتوبة النَّصوح مجموعة من الشرائط لا تتحقّق التوبة دونها:
الشرط الأوّل: الإخلاص، فلا ينبغي للتائب أنْ يتوب لمجرّد الخوف من العذاب والعقوبة، أو مذمّة الناس وخوف الفضيحة، وإنّما يتوب لله تعالى، قال جلّ عزّه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾23، وقال أيضاً ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً﴾24.
الشرط الثاني: الإقلاع عن المعاصي والذنوب، فإنّ حقيقة التوبة الرجوع عن الذنب ـ لقبحه ـ إلى الطاعة، فلا يمكن للتوبة أنْ تحصل مع كون المذنب مواظباً على ارتكاب المعاصي واقتراف السيّئات، فعن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "إِنَّ النَّدَمَ عَلَى الشَّرِّ يَدْعُو إِلَى تَرْكِه"25.
الشرط الثالث: المداومة على العمل الصالح، فإنّ مَنْ أقلع عن الذنوب والمعاصي من الطبيعي أن يهوى العمل الصالح ويميل إليه، ويداوم عليه. ولنعتبر بالمثال التالي: إنَّ مَنْ يجمع القمح لوقت الحاجة، لو وضعه في مستودعٍ ملوّثٍ بالحشرات والرطوبة المفسدة، فإنّه إذا جاء وقت الحاجة للاستفادة من القمح المجموع سوف يجده فاسداً, لأنّه لمن ينظّف المخزن. وهكذا الحال بالنسبة لأعمال الخير والفضيلة فإنّها لا تستقرّ في أنفسنا إِلَّا بعد تطهيرها وتنظيفها من رين الذُّنوب السابقة والمواظبة على ملئها بالأعمال الصالحة.
الشرط الرابع: ردّ المظالم: فإن كان الذنب متعلّقاً بحقّ عبد من عباد الله فلا بدّ من التحلُّل منه بالكيفية الممكنة.
الشرط الخامس: الإكثار من الاستغفار, لما فيه من الخير الكثير والبركة العميمة قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾26، فجعلها الله عِدل الوجود المبارك لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فكما أَنَّ لوجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الحياة الدُّنيا من الخير العميم ورفع العذاب، فإنّ للاستغفار كذلك من الفضل. وكلمة ﴿يَسْتَغْفِرُونَ﴾ تدلُّ على المداومة والاستمرار في العمل لا فعله دفعة واحدة والانتهاء.
الشرط السادس: عدم اليأس من قبول التوبة ورجاء الغفران دائماً، الأمر الذي يحفّز المذنب على مداومة الاستغفار، ورجاء الإجابة.
كيفية التوبة النُّصوح:
روي أن علياً عليه السلام سمع رجلاً يقول: "أستغفر الله"، فقال عليه السلام له:
"ثكلتك أمك أو تدري ما معنى الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ست معان:
- الندم على ما مضى.
- العزم على ترك العود إليه أبداً.
- أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.
- أن تعمد إلى كل فريضة ضيّعتها فتؤدّي حقها.
- أن تعمد إلى اللحم الذي نبت عليه السحت والمعاصي فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.
- أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية.
- عند ذلك تقول: أستغفر الله"27.
دعوة رسول الله المفتوحة للتوبة:
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه، ثم قال إنّ السنة لكثير، من تاب قبل أن يموت بشهر تاب الله عليه، ثم قال وإنّ الشهر لكثير، ومن تاب قبل موته بجمعة تاب الله عليه، ثم قال وجمعة كثير، من تاب قبل أن يموت بيوم تاب الله عليه، ثم قال واليوم كثير، من تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه، ثم قال من تاب وقد بلغت نفسه هذه وأومأ بيده إلى حلقه تاب الله عليه"28.
* كتاب محاسن الكلم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة التحريم، الآية 8.
2- الإمام زين العابدين عليه السلام ، الصحيفة السجادية، مناجاة التائبين.
3- سورة الزمر، الآية 53.
4- الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 808، مادة نصح تحقيق صفوان عدنان داوودي، الناشر طليعة النور، مطبعة سليمان زادة، ط 2، 1427ه.
5- الديلمي، إرشاد القلوب، ج 1، ص 45.
6- الشيخ الكليني، أصول الكافي / ج 2، ص 432.
7- الكُلَيْني، مُحَمَّد بن يعقوب، الكافي، ج 2، ص 436، باب: بناء التوبة، ح 12، تصحيح وتعليق على أكبر غفاري، الطَّبعة الثّالثة 1367ش، دار الكتب الإسلاميَّة، طهران.
8- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 352.
9- العاملي الناباطي، علي بن يونس، الصّراط المستقيم إِلَى مستحقي التقديم، ج 2، ص 67، تصحيح: مُحَمَّد باقر البهبودي، الطبعة الأُولى 1384، نشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
10- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 435.
11- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج 11، ص 333.
12- مصباح الشريعة. منسوب للإمام الصادق عليه السلام ص 97.
13- سورة النور، الآية 31.
14- سورة التحريم، الآية 8.
15- سورة البروج، الآية 10.
16- سورة النور، الآية 31.
17- سورة الحجرات، الآية 11.
18- أمين الإسلام الطّبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 9، ص 171، الطبعة الأُولى 1415، نشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
19- سورة الزمر، الآية 53.
20- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج 5، ص 298.
21- الشريف الرضي، محمد بن الحسين الموسوي، نهج البلاغة، ص 431، تحقيق وتصحيح: عزيز الله العطاردي، نشر: مؤسّسة نهج البلاغة، الطبعة الأولى 1414هـ، قم المقدسة.
22- روح الله الموسوي الخميني، تحرير الوسيلة، ج 1، مسألة (5).
23- سورة البينة، الآية 5.
24- سورة الكهف، الآية 110.
25- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 427.
26- سورة الأنفال، الآية 33.
27- الشريف الرضي، نهج البلاغة، ج 4، ص 98.
28- الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج 2، ص 440.
الخوف والرجاء
عنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَوْ أَبِيه، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام, قَالَ: قُلْتُ لَه مَا كَانَ فِي وَصِيَّةِ لُقْمَانَ، قَالَ عليه السلام: "كَانَ فِيهَا الأَعَاجِيبُ، وكَانَ أَعْجَبَ مَا كَانَ فِيهَا أَنْ قَالَ لِابْنِه: خَفِ الله عَزَّ وجَلَّ خِيفَةً لَوْ جِئْتَه بِبِرِّ الثَّقَلَيْنِ لَعَذَّبَكَ وارْجُ الله رَجَاءً لَوْ جِئْتَه بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَرَحِمَكَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام, كَانَ أَبِي يَقُولُ إِنَّه لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِي قَلْبِه نُورَانِ نُورُ خِيفَةٍ ونُورُ رَجَاءٍ لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ولَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا"1.
التوازن بين الخوف والرجاء في قلب المؤمن:
ذكرت الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام أَنَّ أمر العبد لا يمكن أن يستقيم إلا إذا تردّد بين الخوف والرجاء، وكانا متوازيين في قلبه وسلوكه العملي، ولا ينبغي أن يغلب أحدهما الأخر، بل لا بدّ أنْ يكونا على وزان واحد, لأنّه لو رَجُح جانب الخوف وقع العبد في اليأس والقنوت من رحمة الله تعالى وهما من كبائر الذنوب، وإنْ رَجُح جانب الرجاء وقع في محذور أخر وهو الأمن من مكر الله تعالى،الَّذِي هو أيضاً من الكبائر.
وها هو الإمام الصادق عليه السلام يذكر أَنَّ أحسن ما كان في وصية لقمان الحكيم أنْ يكون العبد على صفة الخوف والرجاء, إذ إنّهما جناحا الإنسان اللذان يحّلق بهما ليصل إِلَى ربّ العزة بقلب سليم، ولا يمكن له الوصول إلا بهما، وقد أضاف عليه السلام مطلباً عن أبيه عليه السلام يدلُّ على لزوم تعادلهما، وقد جاء هذا التأكيد بتلك الصورة المفصّلة ليدلّل على أهمية هذا التوازن، وأنّه هو المصحح لرؤية العبد في مجال نظرته إِلَى خالقه.
العلاقة بين الخوف والرجاء:
ذكر الإمام عليه السلام في الرواية المتقدّمة ضابطة عامة للخوف والرجاء، وهي: "إِنَّ مَنْ رَجَا شَيْئاً طَلَبَه"، بمعنى أَنَّ من يرجو رحمة الله تعالى وغفرانه عليه أن لا يشتغل بالمعاصي والموبقات، بل عليه أن يعمل على صلاح نفسه، ويشتغل في تحصيل رضا الله تعالى بامتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه. نعم، باب الرجاء مفتوح لكلّ العباد، خصوصاً إذا لاحظنا أَنَّ الله هو التواب الغفار لكن يحتاج إِلَى عمل على وفق ما يرجوه العبد.
ورجاء كلّ شيء يلازم الخوف من فواته, فلذا قال الإمام عليه السلام: "مَنْ خَافَ مِنْ شَيْءٍ هَرَبَ مِنْه"، فإذا كنت ترجو رحمة الله تعالى وفضله وتحسن الظن به فعليك أن تهرب من المعاصي ومن الأمور التي تؤدّي إِلَى الأمن من مكره وسخطه.
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لعبد الله بن جندب: "يَا ابْنَ جُنْدَبٍ يَهْلِكُ الْمُتَّكِلُ عَلَى عَمَلِهِ وَلَا يَنْجُو الْمُجْتَرِئُ عَلَى الذُّنُوبِ الْوَاثِقُ بِرَحْمَةِ الله، قُلْتُ: فَمَنْ يَنْجُو، قَالَ: الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ فِي مِخْلَبِ طَائِرٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَخَوْفاً مِنَ الْعَذَابِ"2.
حقيقة الخوف والرجاء وأثرهما في النفس:
1- حقيقة الخوف:
الخوف حالة من حالات القلب مسبّبة عن انتظار المكروه وسوء العاقبة, والخوف من الله تعالى نوع من الخضوع والخشية والتألّم أمام عظمة الله تعالى، وهو من خصائص المؤمنين وسمات المتقين، روي عن الإمام علي عليه السلام: "الخشية من عذاب الله شيمة المتقين"3.
ويجب أن يربي المؤمن نفسه على الخوف من الله تعالى ليكون باعثاً له على الطاعة ومنفّراً له من الذنب والمعصية، روي عن الإمام الصادق عليه السلام "ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفاً كأنّه يشرف على النار..."4.
وينبغي أن يتّسم بالقصد والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط في الخوف، لأنّ الإفراط يؤذي النفس ويجعلها في حالة اليأس من الرجاء والأمل، والتفريط باعث على الإهمال والتقصير والتمرّد على طاعة الله تعالى، روي عن الإمام علي عليه السلام: "خير الأعمال اعتدال الرجاء والخوف"5.
وعليه ينبغي للعبد أن ينظر إِلَى ضعفه وفقره الذاتي واحتياجه بكلّ حركاته وسكناته، ويتوجّه إِلَى الفيض الإلهي ويتأمّل في صفاته تعالى التي منها القهّار الجبّار القوي المتعال شديد المحال، ويتبصّر بأهوال يوم القيامة وأحواله، ويستذكر ما ارتكب من المعاصي والموبقات، ليتولّد عنده حالة خوف من الله تعالى تبعث في قلبه الخشية منه.
وقد مدحت النصوص الشرعية الخوف والخشية من الله تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾6، ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾7.. ويعتبر الخوف من الله تعالى صفة الأنبياء والأوصياء والمقربين والأبرار الذين خافوا الله واتقوه في جميع حالاتهم، وهو صفة العلماء، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾8، وخير الناس عند الله تعالى هم الأشدُّ خوفاً منه، وهو رأس الحكمة، وأصل خير الدنيا والآخرة، ومصدر حب الله تعالى للعبد، وسجن النفس عن المعاصي، وينفي العجب عن الطَّاعة، وأمان من النار، ولا ينبغي للمؤمن أن يخاف مخافة حقيقية إلا من الله تعالى، وأنّه إذا خاف الله تعالى أخاف الله منه كلّ شيء9.
عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام, قَالَ: "الْمُؤْمِنُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا صَنَعَ الله فِيه وعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يَكْتَسِبُ فِيه مِنَ الْمَهَالِكِ فَهُوَ لَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفاً ولَا يُصْلِحُه إِلَّا الْخَوْفُ"10.
وعنه عليه السلام: "يَا إِسْحَاقُ خَفِ الله كَأَنَّكَ تَرَاه وإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاه فَإِنَّه يَرَاكَ"11.
وعن الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ: "مَنْ خَافَ اللهَ أَخَافَ اللهُ مِنْه كُلَّ شَيْءٍ ومَنْ لَمْ يَخَفِ اللهَ أَخَافَه اللهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"12.
هذه الروايات وغيرها تنبّه العبد على حقيقته وهي الفقر إِلَى الله تعالى، وتذكّره بأنّ الدنيا محفوفة بالمخاطر والمزالق واتّباع الشهوات والمهالك ووساوس الشياطين, فلذا عليه أن يكون في حذر ويقظة مستمرة حتى كأنّه يرى الله تعالى، ويستحضر ساحة قدسه وعظمته، فيمتنع عن المعاصي والغفلة، وما أجمل تعبير الإمام الصادق عليه السلام حينما قال في الرواية المتقدمة: "ولَا يُصْلِحُه إِلَّا الْخَوْفُ"!!
2- حقيقة الرجاء:
المقصود من الرجاء أَنَّ من صدر منه تقصير في جنب الله تعالى فعليه أن يحسن الظن بربّه ويرجو أن يغفر له ويرحمه، وكذا من قام بفعل الطاعات عليه أن يرجو من الله تعالى القبول فالرّجاء: هو الفرح لانتظار محبوب بخلاف الخوف، باعتبار أَنَّ الأمور المستقبلية التي تخطر ببال العبد إن كان قد مهّد مقدماتها وحصّل أسبابها فعندئذ يسمى انتظاره لها رجاء، وأمّا من انهمك بالمعاصي والشهوات ووقع في شباك الشيطان وعبد هواه وهو مع ذلك يرجو عدم المؤاخذة والتبعة من غير ترك للذنب ولا توبة وندم على ما سلف منه، فهذا يسمّى غروراً بالله تعالى وتمنياً لرحمته.
يذكر الإمام الخميني قدس سره في الأربعون حديثاً، "قال بعضهم: "إنّ مَثَلَ من لا يعمل وينتظر رحمة ربه ويرجو رضوانه مَثَلُ من يرجو المسبِّب دون أن يُعِدَّ الأسباب، وَمَثَلُ الفلاّح الذي ينتظر الزرع من دون أن يبذر الأرض أو يهتم بها وبإروائها أو يقضي على موانع الزرع. إن مثل هذا الانتظار لا يسمى بالرجاء، بل هو بله وحماقة. وإن مَثَل من لم يُصلح أخلاقه أو لم يبتعد عن المعاصي فينهض بأعمال راجياً تزكية نفسه، مَثَلُ من يودع البذر في أراضي سبخة، ومن الواضح أن هذا الزرع لا يثمر النتيجة المتوخاة".
فالرجاء المستحسن والمحبوب هو تهيأة كافة الأسباب التي يمتلكها الإنسان كما أمر الله بها واستغلالها حسب القدرة التي زوّده بها الحق المتعال بعنايته الكاملة، وحسب هدايته عز وجل إيّاه إلى طرق الصلاح والفساد، ثم ينتظر ويرجو الحق المتعال أن يتمّ عنايته السابقة تجاه الأسباب التي وفّرها من قبل، ويحقق الأسباب التي لا تدخل تحت إرادته واختياره من بعد، ويزيل الموانع والمفاسد.
فإذا نظّف العبد قلبه من أشواك الأخلاق الفاسدة وأحجار الموبقات وسباختها، وبذر فيها بذور الأعمال، وسقاها بماء العلم الصافي النافع والإيمان الخالص، وخلّصها من المفسدات والموانع مثل العجب والرياء وأمثالها التي تعد بمثابة الأعشاب الضارة العائقة لنمو الزرع، ثم انتظر ربه المتعالي ورجاه أن يثبّته على الحق، ويجعل عاقبة أمره إلى خير، كان هذا الرجاء مستحسناً. كما يقول الحق المتعالي: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ﴾13.
الغاية المرجوّة من الرجاء:
لا بد للعبد أن ينظر إِلَى كمال الله تعالى وسعة رحمته التي وسعت كلّ شيء، ولطفه ومحبته لعباده وشفقته عليهم، وأن يلاحظ صفات الله تعالى الدالة على الرحمة واللطف، ويلاحظ الأبواب التي فتحها الله تعالى لعباده كالدعاء والتوبة والمناجاة وقبول الأعمال، كما أَنَّ العبد إذا وقف على حقيقة العبودية التي هي الثناء والشكر لله تعالى فعليه أن يقرّ بأنّه لم يصل إِلَى تلك الذات المقدسة حتى يقوم بعبادتها الحقيقية, حتى أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو سيّد الأنبياء والرسل وحبيب الله تعالى، وهو الذي وصل إِلَى قاب قوسين أو أدنى من ساحة القدس الإلهية يقول: "ما عبدناك حق عبادتك، وما عرفناك حق معرفتك"14.
فبعد ملاحظة كلّ ما تقدم، وحتى لا يقع العبد باليأس من روح الله تعالى وبالقنوط من رحمته، خصوصاً مع ملاحظة الروايات الدالة على الخوف والخشية، يأتي دور الرجاء والتعلُّق برحمة الله ومغفرته وعفوه.
وإن النصوص الشرعية قد أكّدت على حسن الظن بالله تعالى والوثوق برحمته ورجاء مغفرته ولطفه، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾15.
وعنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: قَالَ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: "لَا يَتَّكِلِ الْعَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِي فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَهَدُوا وأَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ وأَعْمَارَهُمْ فِي عِبَادَتِي كَانُوا مُقَصِّرِينَ غَيْرَ بَالِغِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ كُنْه عِبَادَتِي فِيمَا يَطْلُبُونَ عِنْدِي مِنْ كَرَامَتِي والنَّعِيمِ فِي جَنَّاتِي ورَفِيعِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي جِوَارِي ولَكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا وفَضْلِي فَلْيَرْجُوا وإِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِي فَلْيَطْمَئِنُّوا فَإِنَّ رَحْمَتِي عِنْدَ ذَلِكَ تُدْرِكُهُمْ ومَنِّي يُبَلِّغُهُمْ رِضْوَانِي ومَغْفِرَتِي تُلْبِسُهُمْ عَفْوِي فَإِنِّي أَنَا الله الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وبِذَلِكَ تَسَمَّيْتُ"16.
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أيضاً، قَالَ: "وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ وهُوَ عَلَى مِنْبَرِه: والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا أُعْطِيَ مُؤْمِنٌ قَطُّ خَيْرَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ إِلَّا بِحُسْنِ ظَنِّه بِالله ورَجَائِه لَه وحُسْنِ خُلُقِه والْكَفِّ عَنِ اغْتِيَابِ الْمُؤْمِنِينَ والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَا يُعَذِّبُ الله مُؤْمِناً بَعْدَ التَّوْبَةِ والِاسْتِغْفَارِ إِلَّا بِسُوءِ ظَنِّه بِالله وتَقْصِيرِه مِنْ رَجَائِه وسُوءِ خُلُقِه واغْتِيَابِه لِلْمُؤْمِنِينَ والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَا يَحْسُنُ ظَنُّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ بِالله إِلَّا كَانَ الله عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِه الْمُؤْمِنِ لأَنَّ الله كَرِيمٌ بِيَدِه الْخَيْرَاتُ يَسْتَحْيِي أَنْ يَكُونَ عَبْدُه الْمُؤْمِنُ قَدْ أَحْسَنَ بِه الظَّنَّ ثُمَّ يُخْلِفَ ظَنَّه ورَجَاءَه فَأَحْسِنُوا بِالله الظَّنَّ وارْغَبُوا إِلَيْه"17.
الفرق بين الرجاء والغرور:
إِنَّ مورد الرجاء هو تهيئة المقدمات وانتظار النتيجة، كمن بذر الأرض الصالحة للزرع وهيّأ أسباب الإنبات كالفلاحة والتسميد والسقي، وبعد ذلك يرجو من الله تعالى أن ينبت هذا الزرع.
وأمّا الغرور فهو الانتظار من دون تهيئة المقدمات والأسباب، كمن ألقى البذر في أرض غير صالحة للزرع بالمرة ولم يهيأ أسباب الإنبات فهو مغرور، وأمّا من ألقى البذر في الأرض الصالحة للزرع ولم يهيأ أسباب الإنبات فهو المتمني.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾18. فإنّ هذه الآية الكريمة تدلّ على بعض صفات الراجي حتى لا يقع العبد في الغرور والتمني.
عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَمَّنْ ذَكَرَه عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "قُلْتُ لَه عليه السلام قَوْمٌ يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي ويَقُولُونَ نَرْجُو فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ الْمَوْتُ؟ فَقَالَ عليه السلام هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَتَرَجَّحُونَ فِي الأَمَانِيِّ كَذَبُوا لَيْسُوا بِرَاجِينَ إِنَّ مَنْ رَجَا شَيْئاً طَلَبَه ومَنْ خَافَ مِنْ شَيْءٍ هَرَبَ مِنْه"19.
والمقصود من هذه الرواية واضحٌ، وهي رواية جامعة تدلُّ على الفرق بين الرجاء والغرور, حيث إِنَّ الإمام عليه السلام عبّر عن الذين يعملون المعاصي ويموتون على هذه الصفة ـ من دون توبة وتدارك لما فاتهم من العبادات والطاعات والمسامحة من الناس وإرجاع الحقوق إِلَى أهلها ومع ذلك يقولون نرجو فضل الله تعالى، ـ بالمترجحين في الأماني. والترجح تذبذب الشيء المعلّق في الهواء والتمايل من جانب إلى جانب, وترجحت به الأرجوحة مالت، وهي حبل يعلّق ويركبه الصبيان، فكأنّه عليه السلام شبّه أمانيهم بأرجوحة يركبها الصبيان تتحرّك بهم بأدنى نسيم وحركة، فكذا هؤلاء يميلون بسبب الأماني من الخوف إلى الرجاء من دون عمل.
خاتمة:
وفي الختام يمكن أن نقول: إِنَّ الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق، وإنّ أبواب رحمة الله تعالى مفتوحة لمن أراد دخولها، وإنَّ الله تعالى لم يحجب عن خلقه سبل رحمته، بل مهّد لهم كلّ أسباب الهداية والرشاد، وبقي على العبد أن يسلك سبل الهداية ويستضيء بنور العلم الواصل إلينا عن أهل بيت العصمة عليه السلام، وها هي رواياتهم قد ذكرنا شطراً منها الحاكية عن الخوف والرجاء والمؤكدة على لا بدية اتصاف العبد بهذين الوصفين باعتبارهما المصحّحان لرؤيته الأخروية والآخذان به إِلَى باب الاجتهاد في العمل ورجاء القبول حتى لا يتأرجح في الأماني كما عبّرت رواية الإمام الصادق عليه السلام المتقدمة، خصوصاً إذا لاحظنا أَنَّ بعض الناس يحاول أن يروّج لفكرة الرجاء بشكل مغلوط، ويوقع الناس بالغرور والتمنّي المذمومين، ويعتمد غالباً على روايات إمّا معارضة بروايات أخرى، وإمّا أَنَّ مضمونها لا ينسجم مع مسلّمات الدين والمذهب.
* كتاب محاسن الكلم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- الكُلَيْني، مُحَمَّد بن يعقوب، الكافي، ج 2، ص 67، باب: الخوف والرجاء، الحديث: (1)، تصحيح وتعليق على أكبر غفاري، الطَّبعة الثّالثة 1367ش، دار الكتب الإسلاميَّة، طهران.
2- المحدث النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج 11، ص 226، نشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، الطبعة الأُولى 1408، بيروت.
3- ميزان الحكمة، ج 1، ص 824.
4- بحار الأنوار، ج 7، ص 311.
5- ميزان الحكمة، ج 1، ص 826.
6- سورة آل عمران، الآية 175.
7- سورة المائدة، الآية 3.
8- سورة فاطر، الآية 28.
9- أكثر هذه المضامين مقتبسة من أخبار أهل البيت عليهم السلام، راجع: مستدرك الوسائل، ج 11، ص 229.
10- الكافي، ج 2، ص 71، مرجعٌ سابق.
11- المصدر نفسه.
12- المصدر نفسه، ج 2، ص 67.
13- سورة البقرة، الآية 218.
14- المجلسي، محّمَّد باقر، بحار الأنوار، ج 68، ص 23، الطَّبعة الثَّالثة 1403، دار إحياء التُّراث، بيروت.
15- سورة يوسف، الآية: 87.
16- الكافي، ج 2، ص 61، مرجعٌ سابق.
17- المصدر نفسه، ج 2، ص 72.
18- سورة البقرة، الآية 218.
19- المصدر نفسه، ج 2، ص 68.
جفاف العينين.. الأسباب والوقاية
يعتبر جفاف العين مرضاً شائعاً يحدث عندما لا تستطيع الدموع توفير الترطيب الكافي لعينيك، ويمكن أن تكون الدموع غير كافية وغير مستقرة لأسباب عديدة.
وعند الإصابة بمرض جفاف العين، تشعر بحَرق في عينيك، وألم عند القيام بحركات معينة كركوب الطائرة، أو وجودك في غرفة مكيّفة، أو ركوب الدراجة، أو بعد الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر لبضع ساعات.
ويقتصر علاج جفاف العين عبر إدخال تغييرات على نمط الحياة واستخدام قطرات العين، إضافة إلى اتخاذ تدابير لازمة للسيطرة على أعراض هذا المرض.
وتعود أسبابه إلى خلل بأداء الغشاء الدمعي الطبيعي، المكوّن من ثلاث طبقات: الطبقة الزيتية الخارجية، والسائل المائي، والطبقة المخاطية، ويحدث جفاف العينين عند وجود خلل في أي من هذه الطبقات، إضافة إلى تغيّرات هرمونية، أو أمراض المناعة الذاتية، أو التهاب غدد الجفن الدهنية، وأحياناً يكون ناتجاً عن عدم إفراز العين لقدر كاف من الدموع.
يمكن تفادي التعرّض لجفاف العين عبر تفادي العديد من الأمور:
1- تجنّب توجيه الهواء مباشرة إلى عينيك.
2- استخدم مرطبات الهواء.
3- ارتداء النظارات الشمسية.
4- ترييح العينين أثناء القيام بمهام تستغرق وقتاً طويلاً.
5- الانتباه إلى أجواء البيئة المحيطة كالهواء في المناطق المرتفعة والصحراوية.
6- وضع شاشة الكمبيوتر في وضعية منخفضة عن مستوى العين.
7- تجنّب التدخين.
8- استخدام قطرات لترطيب العين.
وفد برلماني إيراني يلتقي السيد نصرالله
التقى وفد من لجنة السياسة الخارجية والأمن في مجلس الشورى الإسلامي، الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله.
تفاصيل تنفيذ اتفاق تبادل السجناء بين ايران وامريكا والغاء تجميد الاموال الايرانية في كوريا الجنوبية
وفقًا لهذا التقرير فانه من المقرر في هذه العملية أن يتم تحويل أموال إيران في كوريا الجنوبية من الوون (عملة كوريا الجنوبية) إلى اليورو ، وهو ما تم القيام به ومن ثم من المقرر ايداعها في حساب مصرفي في قطر ليكون متاحا لإيران.
ويبلغ حجم الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية المقرر الافراج عنها 6 مليارات دولار وبعد إيداع هذه الأموال في حساب مصرفي في قطر ، تجري ايضا عملية تبادل السجناء.
في هذه عملية التبادل يتم إطلاق سراح أربعة من الرعايا الامريكيين (سيامك نمازي وعماد شرقي ومراد طهباز وسجين آخر) مقابل إطلاق سراح نفس العدد أو أكثر من الإيرانيين السجناء في امريكا .
وقالت مصادر مطلعة لـ "تسنيم" السجناء الأمريكيين لن يتم الإفراج عنهم حتى يتم تحويل الاموال الايرانية بالكامل إلى قطر.
الحكومة الايرانية الى جانب متابعتها الحلول الدبلوماسية للإفراج عن الاموال الايرانية في كوريا الجنوبية قد بدأت منذ نحو شهر العملية القانونية ضد كوريا الجنوبية ،وسيؤدي هذان المساران في النهاية إلى الإفراج عن جميع الاموال الايرانية المحتجزة.
مارأيكم بالاتفاق الإيراني الأميركي وتحرير أرصدة وسجناء؟
ولفت محمد شمص إلى أن: الأميركي يرفض الحديث أمام وسائل الإعلام الأميركية عن تبادل أموال أو تحرير أموال مجمدة مقابل الأسرى، لأنه سيكون محرجا أمام الرأي العام، لكن هذا الأمر حصل، واليوم هناك مفاوضات حدثت مع كوريا الجنوبية وأيضا مع العراق على كيفية استلام هذه المبالغ وطريقة إيصالها للإيرانيين.
وخلص إلى القول: في موضوع التصرف بهذه الأموال تعتقد إيران بشكل واضح وصريح أن هذا الأمر أمر سيادي ولا يحق للأميركي أن يشترط كيفية استخدام هذه الأموال.
من جانبه اتهم مدير التحالف شرق أوسطي للديموقراطية توم حرب إدارة الرئيس بايدن بأنها إدارة ضبابية، ومن ضمن ذلك موقفها تجاه إيران، مؤكداً أن الاتفاق الأميركي مع إيران حول الأموال المجمدة إنما هو اتفاق رئاسي من قبل إدارة بايدن ولم يعرف أحد ما إذا كان بايدن قد قدم ضمانات لإيران لا يوافق عليها الكونغرس.
وأوضح أن التفاق الأميركي مع إيران حول الأموال المجمدة إنما هو اتفاق رئاسي من قبل إدارة الرئيس بايدن وهي غير ملزمة أن تذهب به إلى الكونغرس ليوافق عليه وعلى ضمانات لإيران.
وأكد أن: هناك ضبابية الموقف الأميركي، الإدارة تقول ليس هناك تبادل أسرى بالأموال وانما تبادل أسرى من الطرفين، ولكن نحن لم نعرف من هم الأسرى الإيرانيين والأميركيين.
فما رأيكم؟
كيف يقرأ الإعلان الإيراني عن التوصل لاتفاق مع أميركا للإفراج عن أموال مجمدة مقابل تبادل سجناء؟
هل حصلت طهران على الضمانات الكافية لتنفيذ الاتفاق ولتصرف الأموال بحسب احتياجات البلاد؟
ماذا يعني وصف البيت الأبيض الخطة بالمشجعة، مع الأمل بتحقيق تقدم في مباحثات النووي؟
ما انعكاسات الاتفاق على استمرار إجراءات الحظر كما ادعى بلينكن بسبب سياسات إيران في المنطقة؟
الاستعانة بالصبر والصلاة
◄يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 45-46).
قد يواجه الإنسان في حياته العملية ضغط الشهوة، التي تلحّ عليه في ما يشبه الحريق الداخلي، كي يستسلم لنداء الغريزة، ويترك نداء الله. وقد يقع تحت ضغط الطمع الذي يدعوه إلى أن يترك إيمانه ومبادئه للحصول على مال أو جاه. وقد يواجه الضغوط الخارجية التي تقتحم حياته لتهدّد وجوده، فيستسلم لتأثيراتها المنحرفة بعيداً عن خطّ الله... فكيف يواجه ذلك كلّه؟
إنّ هاتين الآيتين تستثيران في الإنسان إيمانه بالله من خلال الوسائل العملية للإيمان، ليثبت الإنسان على خطّ الحقّ في المنحدر الخطر. ويتحدَّث الله عن وسيلتين هما: الصبر والصلاة.
أمّا الصبر، فيمثِّل الموقف القوي الذي يحكم الإنسان فيه نفسه انطلاقاً من إرادته وإيمانه، وهو من الأخلاق الإيجابية الإسلامية التي تبني للإنسان القاعدة النفسية القوية المتماسكة، التي تمنعه من الانهيار والانسحاق تحت وطأة نوازع الضعف البدنية والنفسية والخارجية، فيقوده ذلك إلى الالتزام بكلّ متطلّبات الإيمان ومسؤولياته، لأنّ الانحراف ينطلق غالباً من فقدان القوّة الذاتية للإرادة، وقد ورد في الحديث المأثور: "إنّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فكما لا جسد لمن لا رأس له، لا إيمان لمن لا صبر له".
أمّا الصلاة، فهي معراج المؤمن إلى ربّه، تعرج فيها روحه وضميره وقلبه وفكره.. فتلتقي بالله في لحظات ابتهال وانفتاح، وتتّصل بالمعاني الكبيرة الممتدّة في رحاب الله. إنّ الإنسان إذا اتّصل قلبه بالله، انفتحت روحه على أخلاقه العظيمة التي أرادنا أن نتخلّق بها في الحياة؛ ومتى تحقّق للإنسان هذا الانفتاح، وعاش في هذه الأجواء الفسيحة، انخفض عنده مستوى الاهتمام بالقضايا الصغيرة، وعندها لن تثير في نفسه أيَّ شيء ممّا اعتاد الناس أن يستثيروا به وجدانهم وحياتهم.
وفي ضوء ذلك، نستوحي أجواء الآية التي تتّجه إلى المنحرفين عن الخطّ من اليهود وغيرهم، لتقول لهم: إنّ مشكلتكم تتحدّد في نقطتين أساسيّتين من نقاط الضعف، فأنتم تنسون الله من جهة، وتضعفون أمام الضغوط والإغراءات من جهة أخرى، فإذا نسيتم الله، استسلمتم للشيطان وفقدتم الأجواء الروحية التي توحي لكم بالخير والانفتاح على القضايا الكبيرة في الحياة، وتحوَّلت الحياة لديكم إلى اهتمامات صغيرة محدودة تلاحق الصغائر التي تثير العداوة والبغضاء، وتبعث على الخصومة والنزاع... وإذا ضعفتم أمام الإغراء والضغط الداخلي والخارجي، تركتم قيمكم وراء ظهوركم؛ فإذا هاجمتكم حبائل الشيطان ومكائده، وعوامل الإغراء ونوازعه، فاستعينوا بالصبر لتحصلوا من خلاله على الإرادة القوية التي تُثبِّت أقدامكم في الأرض، فتستقيم لكم قضاياكم ومبادئكم وأخلاقكم في خطّ الإيمان، وإذا نسيتم الله، فاستعينوا بالصلاة، لترتفعوا بروحكم إليه، فتعيشوا في أجوائه، وتسبحوا في ألطافه ونعمائه.
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ). لعلّ المراد أنّها ثقيلة على الناس الذين لا يعيشون روح الخشوع لله والخضوع لربوبيّته، لأنّ صلاتهم تتحوَّل إلى عبء ثقيل لا يدركون معناه ولا يرتفعون إلى آفاقه، بل يمارسونها ـ لو مارسوها ـ كواجب جامدٍ وضريبةٍ مفروضة عليهم. أمّا الخاشعون الذين تخشع قلوبهم لذكر الله، وتتلذّذ به، وترتاح إليه، فإنّهم يقبلون عليها بكلّ ما في قلوبهم من حبّ وطمأنينة وانفتاح، وبكلّ ما في نفوسهم من التطلّعات الروحية التي يحملونها إلى الله سبحانه في أمر دنياهم وآخرتهم، وبكلّ ما في ضمائرهم من شعور بالمسؤولية أمام الله في ما يفكّرون فيه ويقومون به من عمل، وذلك عندما يعيشون الإيمان باليوم الآخر في عمق الإحساس بالعقيدة، وروعة الإيمان بقضية المصير، فيتمثَّل ذلك في انضباطهم العملي، لأنّهم (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة / 46).
والحديث عن لقاء الله لا يُراد منه اللقاء الحسّي المادّي، لأنّ الله لا يتجسّد كما تتجسّد المخلوقات بالأشكال المادّية، بل هو كناية عن يوم القيامة الذي يلتقي النّاس فيه باللّه، في حسابه وثوابه أو عقابه، باعتبار أنّه اليوم الذي لا مظهر فيه لسلطة أحد ولو بالشكل، إلّا لله، كما قال سبحانه: (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلهِ) (الانفطار/ 19)، فكأنّ الإنسان يلتقي بالله هناك من خلال تمثّل وجوده تعالى، من خلال الإحساس، على نحوٍ أقوى بقدرته المطلقة.
وقد يبرز أمامنا سؤال عن السرّ في استبدال كلمة اليقين المناسبة للمقام، باعتبار أنّها تمثِّل وضوح الرؤية لدى الإنسان، فتزيد من تقواه، بكلمة "الظنّ"؟
والجواب: إنّ من الممكن إيراد الإيحاء بأنّ قضية الاستعداد للآخرة يكفي فيها الظنّ ولا يحتاج فيها إلى اليقين، لأنّ الإنسان يتحرّك بشكل غريزي إلى دفع الضرّر المحتمل أو المظنون عن نفسه، سواء في ذلك قضايا الدنيا والآخرة؛ وكأنّ الآية تريد أن تثير في الإنسان هذا الشعور بالحاجة إلى الانضباط من خلال الطبيعة الوقائية للأشياء إزاء الفكرة المحتملة، فلا يقف أمامها موقف اللامبالاة، بحيث لا يفكّر في المسؤولية إلّا من خلال الحاضر بعيداً عن تطلّعات المستقبل وإمكاناته. وربّما نستوحي ذلك من بعض أساليب أهل البيت في الحوار مع بعض الزنادقة حول الآخرة: "إن يكن الأمر كما تقول ـ وليس كما تقول ـ نجونا ونجوت، وإن يكن الأمر كما نقول ـ وهو كما نقول ـ نجونا وهلكت». يقول الشاعر:
قال المنجّم والطبيب كلاهما لا تحشر الأجساد قلت: إليكما
إن صحّ قولكما فلست بخاسر أو صحّ قولي فالخسار عليكما
وقد اتّبع القرآن هذا الأسلوب في أكثر من آية، فعبَّر عن المؤمنين بأنّهم يرجون لقاء ربّهم (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا) (الكهف/ 110).
ومن الطبيعي أن لا يكون هذا الأسلوب مقتصراً على إبقاء القضية في نطاق الاحتمال، ليتّجه العمل على أساس الاحتياط، بل هو وارد في اتجاه الإيحاء بالانطلاق منه إلى اليقين، من خلال إخراج الإنسان من أجواء اللامبالاة إلى أجواء المواجهة المسؤولة للفكر والعمل. وقد جاء في مجمع البيان: "أنّ النبيّ (ص) كان إذا أحزنه أمر، استعان بالصلاة والصوم"، باعتبار أنّ الصوم مظهر للصبر. وجاء في الكافي عن الإمام جعفر الصادق (ع): "كان عليّ (ع) إذا هاله أمر فزع إلى الصلاة، ثمّ تلا هذه الآية: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصّلاة)".
ذلك هو بعض الحديث في الجانب التفسيري للآيتين، فماذا عن المعطيات العملية التي نخرج بها في واقعنا الإسلامي المعاصر؟ هنا يمكننا استيحاء نقطتين:
النقطة الأولى: إنّنا نستفيد من الآية الأولى، تأكيد الجوانب العبادية كالصلاة والصوم، والعناصر النفسية الأخلاقية، كالصبر ونحوه، في بناء شخصية الإنسان المسلم، من أجل إبعاده عن أجواء الانحراف الفكري والعملي، لأنّ ذلك ما يحقّق له قوّة الاندفاع في الجانب العملي، ويعينه على مواصلة السير في الطريق المستقيم.
إنّنا نشعر بالحاجة إلى الإلحاح على ذلك في أساليبنا التوجيهية، وعدم الاكتفاء بالأساليب الفكرية التي تدفع الإنسان إلى الدخول في متاهات الجدل الفكري من دون أن يتحرّك في الاتجاه العملي، لأنّ ذلك قد يفيد بالنسبة إلى الأشخاص الذين يختلفون معك في أُسس الإيمان، أمّا المؤمنون الذين انحرفوا عن الخطّ ولم ينحرفوا عن الإيمان، فإنّهم يحتاجون إلى التربية العملية التي تهيّئ لهم سُبُل الانضباط في نطاق تقوية إيمانهم، ولا فرق في ذلك بين المؤمنين التقليديّين الذين يعيشون الإيمان الفطري، والمؤمنين الذين يحملون الإيمان المشوب ببعض الانحرافات الطارئة.. فالأسلوب الأفضل معهم هو أسلوب التربية العملية التي تعمّق مَلَكة الصبر والخشوع التي تربطهم بالله. أمّا أسلوب إثارة القضايا الفكرية التي يُراد من خلالها تعميق الجانب الفكري من الإيمان، فقد يعطي عكس النتيجة، عندما يؤدِّي ذلك إلى إثارة مشاكل جديدة في الإيمان، ممّا لم يكن داخلاً في الحسبان؛ ولذلك فلابدّ من الانتظار ريثما يقوّي المؤمن ارتباطه بالله، فلا يزلزله عن الخطّ شيء من شبهة أو مشكلة فكرية.
النقطة الثانية: إنّنا نستفيد من الآية الثانية التركيز على أسلوب الوعظ الذي يعتمد على التذكير بالآخرة في مجال الحثّ على العمل، وإرجاع الإنسان إلى الله، لأنّ لدى الإنسان منطقة شعورية ترتبط بالانفعال والعاطفة، ولا ترتبط بالفكر المجرّد، فقد لا يكفي في إثارتها الحديث عن حلّ الإسلام لمشاكل الحياة، وعن طبيعة الفلسفة التي تشمل مختلف النواحي الكونية، بل لابدّ من ربط ذلك كلّه بقضية المصير، وموقف الإنسان من الله، ومواجهته له في يوم القيامة في لحظات الحساب الشامل الذي يحاسبه فيه على كلّ ما عمل من خير أو شر، فإنّ ذلك يحقّق للنفس خشوعها الروحي بين يدي الله، كوسيلة من وسائل خشوع حياته لله سبحانه.
إنّ الدراسة الواعية للأساليب القرآنية في الدعوة، تهدينا السبيل إلى ملاحظة التركيز العميق في القرآن على هذا الأسلوب، حيث لا نجد أيّة مناسبة للوعظ إلّا وقد انطلق القرآن في استثارتها والإفاضة فيها بمختلف الجوانب الفكرية والعاطفية، ما يدعونا إلى اعتباره طابعاً إسلامياً مميزاً في أسلوب الدعوة إلى الله.►
فضل الإحسان إلى الوالدين
إنّ الله سبحانه أوصانا بالوالدين إحساناً، وجعل شكر الوالدين مساوياً لشكره، فالله هو الذي أبدع الحياة، وهو الذي أوصى الإنسان بشُكر والديه وبرّهما، ولهذا قال: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان/ 14).
ونحن لا نريد الآن أن نتحدَّث في هذا الموضوع بشكلٍ فوق العادة، لكنّنا نريد أن نشير إلى نقطة أصولية لها جانب فقهي، وهي أنّ المطلوب هو الإحسان إلى الوالدين لا إطاعتهما، (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الإسراء/ 23-24)، أي أن تبقى تحسّ بعمق الرحمة لأبويك، وخصوصاً في كبرهما، لأنّه عندما يكبر الإنسان، يفقد سعة صدره، وهدوء مشاعره، فيضيق صدره، وتتوتّر مشاعره، وقد يفقد توازنه في مواجهة الأشياء، ولذلك، فإنّ الذي يرعاه أو يعيش معه، سيعاني صعوبةً في ذلك، فقد يحتاج إلى طاقة كبيرة من التحمّل حتى يصبر على مزاجه وسلبيّاته، وحتى يصبر على هذا الخلل في التوازن. لذلك فإنّ مرحلة كبر الوالدين تعتبر مرحلة التحدّي لأخلاقيّة الإنسان ولإنسانيّته، فلذلك أراد الله له أن يكبت كلَّ مشاعره تجاه السلبيات التي يمكن أن تصدر عن والديه: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا)، عليك أن تبقى مبتسماً في وجهيهما، وأن تبقى في حالة وداعة وانفتاح بالنسبة إليهما، فلا تنهرهما، ولا تصرخ في وجهيهما، ولا تدفعهما بيدك، ولا تسيء إليهما.
(وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) فيه كلُّ عطاء المحبّة، وكلّ عطاء الخير، وكلّ إنسانيّة الشعور، وكلّ إنسانيّة الكلمة، (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)، فلا يأتك الشيطان ليقول لك إنّ أباك أساء إلى كرامتك وعليك أن تثور لها، وإنّ أُمّك أساءت إلى عزّتك وعنّفتك بكلامها أمام الناس وأمام زوجتك وأمام أولادك، وعليك أن تدافع عن عزّتك ولا تقبل الذلّ من أُمّك وأبيك، لا تستمع إلى الشيطان بذلك، لأنّك جزء من أبيك وجزء من أُمّك، والإنسان لا يشعر بالكرامة أمام جزء من أجزائه. هل تشعر بالكرامة إذا عضّ سنّك لسانك أو يدك، مع أنّك قد تشعر بالألم الشديد؟ فالكرامة إنّما تكون بين إنسانٍ وإنسان، ولكنّها لا تكون بينك وبين أبيك وأُمّك، فأنت جزء منهما، وهما أصلك وأنت فرعهما، كما هي الشجرة بالنسبة إلى أغصانها.
لذلك، كن الذلّيل معهما، ولكن لا ذلّ الكرامة، وإنّما ذلّ الرحمة، أفلا تتذلّلون أنتم الذين لديكم أولاد عندما يتمرَّد الولد؟ ألا تتذلّلون له تذلّل الرحمة؟ ألا تخضع لولدك؟ ليكن خضوعك لأبيك وأُمّك أكثر من خضوعك لولدك، لأنّك لست من ولدك وإن كان منك، لكنّك من أبيك وأُمّك: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)، كما يخفض الطائر جناحه. وتذكَّر عندما يؤذيانك، وعندما يسيئان إليك، كيف كنت تؤذيهما ويتقبّلان أذاك بكلِّ محبّة، كيف كنت تحرمها النوم ويسهران يهدهدانك ويلاعبانك ويتحمّلان منك ما لا يتحمّل، كيف كنت وأنت مريض تجعلهما في حالة طوارئ، وتجد أنّ قلبيهما يحترقان عليك، تذكَّر (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).
حقُّ الأُمّ والأب
ونختم الحديث بكلمتين للإمام زين العابدين (ع) في حقِّ الأُمّ وحقِّ الأب، ونحن لا نريد أن يكون هناك يوم للأُمّ وحدها، ولكن علينا أن نجعل يوماً للوالدين، لأنّ الله أرادنا أن نحسن إليهما معاً. يقول الإمام زين العابدين في "رسالة الحقوق"، كما رُوِي عنه: "وحقّ أُمِّك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً"، قد يحملك أحد على ظهره، ولكن هل يحملك أحد في داخل جسده في الليل وفي النهار وأنت تعبث بكلّ جسده؟! "وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً، ووقتك بجميع جوارحها"، أرأيتها كيف تحافظ عليك عندما تريد أن تمشي وتقول لك: لا تستعجل؟ وعندما تريد أن تحمل شيئاً، فتقول لك: لا تحمل شيئاً ثقيلاً يمكن أن يساهم في إسقاطك، ولا تأكل أيَّ شيء يمكن أن يضرّك، وهي تتحمّل الألم مستبشرةً فرحةً، متحمِّلةً لما فيه مكروهها وألمها، حتى دفعتها عنك يد القدرة عندما جاءت ساعة الوضع، وأخرجتك إلى الأرض؟ "ولم تبالِ أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلّك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون لها، فإنّك لا تطيق شكرها إلّا بعون الله وتوفيقه"، فإذا كان الأمر كذلك، فلتشكرها على قدر ذلك، هذا عن الأُمّ.
وأمّا عن الأب: "وأمّا حقّ أبيك، فأن تعلم أنّه أصلك، وأنّك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ممّا يعجبك ـ من خصالٍ وأخلاقٍ وسجايا وجمال ـ فاعلم أنّ أباك أصل النِّعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك، ولا قوّة إلّا بالله".
هذا هو الخطّ الإسلامي الأصيل في نظرة الإسلام إلى الأب وإلى الأُمّ، ولذلك، إذا كان العالم يحتفل بيوم الأُمّ، فعلينا أن ندرس هذا الاحتفال إسلامياً، بحيث نتبيّن على ضوء خطِّ التوعية الإسلامية العامّة للأُمّة، ما هو حقّ الأُمّ، ونتبيّن ما هو حقّ الأب، حتى نستطيع أن نعيش في هذا الجانب من الخطّ الإسلامي على هدي الإسلام، لا مجرّد الجانب العاطفي فحسب.
آياتُ العزّة في القرآن الكريم
1- العزّة التامّةُ الكاملةُ المطلقة هي الأساس وهي لله تعالى كلّها:
قال تعالى: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾ (النِّساء/ 139).
وفي الآية نفيٌ صريح للعزّة أو الاعتزاز بغير الله تعالى، إذ لا تُبتغى العزّة ولا تُطلبَ إلّا من مصدرها الأساس، وإلّا من حيثُ هي كاملةٌ مكتملة لا تشوبها ذلّة.
2- العزّة خُلقُ الله الذي يتخلَّق به أنصارُ دينه:
قال سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون/ 8).
هي لله تعالى منبعُها ومصدرها وأساسها، وهي للرسول (ص) بصفته مُمثِّلاً للسماء في الأرض، ومُتخلِّقاً بأخلاق الله في أبهى صُوَر التخلُّق وأكملها، وهي للمؤمنين المتأسِّين برسولهم (ص)، والمتخلِّقين أيضاً بأخلاق الله جلّ جلاله.
وبموجب هذه النظرة الثلاثية للعزّة، وهي للحقّ نظرةٌ واحدة، فإنّنا نرى أنّ القرآن لا يُجزِّئُ العزّة إلى ثلاثة أصناف: عزّة ربّانية، وعزّة نبويّة، وعزّة إيمانية، وإنّما هي عزّةٌ واحدةٌ متحدةٌ: أصلُها عزّةُ ربّ العزّة، وفرعُها ما يستمدّ منها من عزّة هنا وهناك، والأصلُ تتبعُه الفروعُ!
3- ارتباطُ (العزّة) بـ(الحكمة):
قال عزّوجلّ: ﴿لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (آل عمران/ 6).
ترابطُ العزّة بالحكمة ترابطٌ جدليّ، إذ لا عزّة إلّا بحكمة ترافقها وتضعها مواضعها الصحيحة، ولا حكمة متعالية إلّا بعزّة تثبّت أقدامها في حركة الحياة، واستيحاءً من ذلك يفهم الأعزّاء معنى الاقتران بين شرط عزّتهم وبين شرط حكمتهم، حتى يكون كلُّ شيء في نصابه، ولئلّا تكون العزّة - بما تعنيه من معاني الإباء والغَلبة - تهوُّراً واستعلاءً أو استكباراً في الأرض.
4- ارتباط (العزّة) بـ(القُدرة):
قال جلّ جلاله: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾ (القمر/ 42).
لا يكفي في الغَلبة كسر شوكة المغلوب أو المُنتَصَر عليه، بل لابدّ أن تكون العزّة قوّة قاهرة لا يقوم لها شيء، وأشكال الأخذ القرآني للأُمم المكذِّبة والمعاندة العاصية كاشفة عن معنى العزّة الغالبة والقاهرة والمهيمنة على القوى كلّها (راجع ذلك في إغراق قوم نوح (ع) بالطوفان، وإغراق فرعون بالبحر، وإهلاك الأُمم المعاندة العاصية كعاد وثمود وغيرهما).
5- (العزّة) موهبة ربّانية:
قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران/ 26).
مثلما (العزّة) بيده، (الإذلال) أيضاً بيده، يهبُ الأُولى لمن يستحقّها من الناس، وينزعها عمّن لا يليق بها ولا تليق به، فيبقى أبدَ الدهر ذليلاً، وإن تَوسَّل بوسائل العزّة المادّية كلّها. قال تعالى في العصاة من بني إسرائيل: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ (الأعراف/ 167).
6- (العزّة) ليست بالكثرة:
قال عزّوجلّ عن لسان المنافقين: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ﴾ (المنافقون/ 8).
ويريدون بالأعزّ (الأكثر عدداً)، والأذلّ (الأقلُّ أنصاراً)، وهو حسابُ مَن لا يحسب للغيب حسابه، ولا يُدخل الله تعالى في حسابه، ولا يرى أبعدَ من قوّة عدَدية محتشدة يحسب أنّها تصنع المعجزات، وهي ليست قادرة حتى على الدفاع عن نفسها إذا جاء أجلها، أو قُوبلت بقوّة العزّة الربّانية من قِبَل أنصار الله وجنوده الذين هم الغالبون.. جيشُ أبرهة الحبشي أُبيد عن بكرة أبيه بطيرٍ من أبابيل ترميهم بحجارةٍ من سجّيل، وجيشُ المشركين في بدر يُهزم على الرغم من قلّة عدد المقاتلين في الصفّ الإيمانيّ، والأمثلة على ذلك كثيرة.
إنّ حديث أو حوار صاحب الجنّتين (البستانين) مع ذلك الرجل الفقير المُعدَم هي قصّة الأنظمة والحكومات مع الأُمم والشعوب: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً﴾ (الكهف/ 34)، مقياسُ العزّة عندهم كثرة الأتباع والمؤيِّدين والمجنَّدين ليسَ أكثر.
وهذا يقودنا إلى الحديث عن (العزّة الوهمية المصطنعة أو المُنتَحَلة) ومثالها في القرآن (عزّة فرعون) التي راهن عليها (سَحَرتُه) في بداية المباراة مع موسى 7: ﴿قَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ (الشُّعراء/ 44).
وما إن تهاوت فُنونهم السحريّة، ومهاراتُهم المادّية، وقواهم العددية، أمام ضربة موسى القاضية، حتى عرفوا أنّ العزّة ليست التي تصوَّروها عند (فرعون) من خلال ظاهر قوّته، وواجهات سطوته، وإنّما هي التي استمدّها موسى (ع) من ربّ العزّة وهو يلقي عصاه بكلّ ثقة واطمئنان.
ولأنّهم (عُقلاء)، قادرون على التمييز بين عزّتين: عزّة أصلية لا تتزلزل، وعزّة مُختلَقة متزلزلة، عزّة شكليّة، وعزّة ثابتة لا تتزعزع، لم يتردَّدوا للحظة في الانحياز إلى عزّة تمسَّك بها موسى (ع) فكانت الغلبةُ لصالحه، فيما لاذوا بعزّة السلطان التي تهاوت عندما ابتلعت عصا موسى كلَّ سطوته وجبروته و(عزّته)، وليس عصيّ وحبال السَّحَرة فقط!
7- (العزيزُ) الوجيهُ في قومه:
يصف القرآنُ زوج (زليخا) بأنّه عزيز، بقوله تعالى: ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾ (يوسف/ 51).. وسواء أكان وزيراً للداخلية، أم مديراً للشرطة، أم رمزاً كبيراً من رموز السلطة أو المجتمع، فإنّه (عزيزُ الجانب) له مقامُه المرموق، وموقعُه المميَّز الذي يُمكِّنه من بسط نفوذه في حدود سلطته.
ومثلُ ذلك قول إخوة يوسف (ع) مخاطبينه: ﴿يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً﴾ (يوسف/ 78)، وإنّما خاطبوه بـ(العزيز) لموقعه السلطويّ النافذ حيث كان يشغل منصب (وزير المالية والاقتصاد) يومذاك.
وتبقى صفة (العزيز) هنا مُستمدّة من الموقع والعنوان والرتبة أكثر منها (العزّة) الربّانية التي هي محورُ حديث هذا الكتاب، وإلّا إنّنا عندما نتحدَّث عن يوسف (ع) فإنّنا نتحدّث عن عزّتيه: عزّته بالله الذي مَكَّن له في الأرض، وعزّته بصفته وزيراً، والأُولى هي التي يبحث عنها يوسف 7 ويحرصُ عليها، بل ويسحبها إلى موقعه الإداريّ أيضاً، ليكون عزيزاً بالله دائماً، لا عزيزاً بموقع يأتي ويذهب.
8- الملوك يهابون عزّة الأعزّاء:
عندما قالت بلقيس (ملكة سبأ): ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ (النمل/ 34)، أيَّد القرآن وجهة نظرها بالقول: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾، الأمر الذي يشير إلى أنّ (عزّة الأعزّاء) بالإيمان خاصّة، هدفٌ من أهداف الملوك والحُكّام والسلاطين، أي إنّهم يستهدفون إذلال الأعزّاء لتبقى العزّة الوحيدة بأيديهم، فلا يهابُ الناسُ سواهم، ولا يرمقون بعين الإكبار والإجلال غيرهم، ولئلّا ينافسهم في عزّتهم عزيز، وهم يدركون تماماً أنّ (عزّة الإيمان) أقوى من (هيبة السلطان).
ورد في الحديث عن النبيّ (ص)، كما رُوِي عنه: «مَن أراد عزّاً بلا عشيرة، وغنىً بلا مال، وهيبةً بلا سلطان، فلينتقل عن ذلِّ معصية الله إلى عزّ طاعته، فإنّه وجهُ ذلك كلَّه» .
وأوحى تعالى إلى داود(ع): «يا داود! إنّي وضعتُ خمسة في خمسة، والناس يطلبونها في خمسة غيرها فلا يجدونها: إنّي وضعتُ العزَّ في طاعتي وهم يطلبونه في خدمة السلطان، فلا يجدونه...» ، وبهذا فحتى السلطانُ نفسهُ يعرف أو يعلمُ جيِّداً أنّ (هيبته) سطحيّة، وإنّ (عزّته) وهميّة، وإنّه ما أن يُخلَعَ من منصبه أو عرشه حتى يغدو ذليلاً فزوعاً من جميع الأوصاف والنعوت، حتى من كلمة (عزيز)!
مواصفات عباد الله الصالحین
قد جاء فی آیة 105 من سورة النساء، انّ عباد الله الصالحین سیرثون الارض: «وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ».
لكن في ما يتعلق بخصائص عباد الله الصالحين وصفاتهم، يجب ان يقال بشكل عام، ان من يسعی ويجتهد بان يكون عمله وسلوكه وفقا لاوامر الله تعالی فانه یعتبر من جملة عباد الله الصالحین. وفی هذا الصدد قد اشار القرآن الکریم الی بعض صفاتهم.
- «يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصَّالِحينَ».[1]
- «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفيقاً».[2]
- «وَ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحينَ».[3]
[1]. آل عمران، 114.
[2]. نساء، 69.
[3]. عنکبوت، 9.