دفن شهداء الطف في كربلاء (13/ محرم / السنة 61 هـ)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
دفن شهداء الطف في كربلاء (13/ محرم / السنة 61 هـ)

الشهادة سنة إسلامية أصلها الإمام الحسين(ع):

جاء استشهاد الإمام الحسين وآله وصحبه في سياق منهج تربوي يقدمه الإسلام، كما هي المناهج العبادية، ليعيش كل مسلم معنى المسؤولية الإسلامية أمام الله عز وجل، في الدفاع عن الإسلام والمسلمين.

وعندما تتأصل الشهادة في أمة، فإنها أمة لا تقهر ولابد أن تسود وإن تأصلت في شخص، فذاك شخص امتلك ذاته وصار سيداً حراً، فالشهادة وحبها وتأصلها، هو تأصل جوهر الإنسانية في ذات الفرد.

يقول الإمام الخميني في معنى ذلك:

«شهدت قبل أيام مجلس عقد زواج في طهران، وبعد انتهاء المجلس، سلمتني العروس ورقة، قرأتها فوجدت أنّ العروس تطلب مني أن أدعو لها بالفوز بالشهادة.

عروس دخلت بيت الزوجية، تنشد الشهادة؟!»([1]).

كان الحسين(ع) يوم عاشوراء قد أعدّ خيمة في حومة الميدان([2])، وكان (ع) يأمر بحمل من قتل من أهل بيته وأصحابه إليها، وكلما يؤتى بشهيد يقول: «قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيين»([3]).

أما العباس بن علي بن أبي طالب، فقد بقي في محله حيث صرع على شاطئ الفرات أو قريباً منه([4]).

وترك صرعى الطف على الصعيد مجزّرين تصهرهم الشمس أولئك الذين وصفهم أمير المؤمنين بأنهم «سادة الشهداء في الدنيا والآخرة لم يسبقهم سابق ولا يلحق بهم لاحق»([5]).

قد غيّر الطعن منهم كلّ جارحة

 

إلا المكارم في أمن من الغيَّر

وفيهم الجثمان الطاهر لسيد شباب أهل الجنة حبيب الله وحبيب رسوله وفلذة كبد الزهراء والمرتضى.. متروك هكذا على حاله بعد أن سلب.

وفي اليوم الثالث عشر من المحرم أقبل الإمام السجاد(ع) لدفن أبيه  لأنّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله([6])، وقد صادق على هذه المقولة الشيخ المفيد في (المقالات: 84)، والكراجكي في (كنز الفوائد)، والمجلسي في (مرآة العقول: 1/373)، وكاشف الغطاء في (منهج الرشاد: 51)، والنوري في (دار السلام: 1/289).

ويشهد لصدق هذه الرواية، المناظرة التي دارت بين الإمام الرضا(ع) مع علي بن حمزة، حيث قال الرضا(ع) : أخبرني عن الحسين بن علي كان إماماً؟

قال علي بن أبي حمزة: بلى.

فقال الرضا(ع) : فمن ولي أمره؟ قال ابن أبي حمزة: تولاه السجاد.

فقال الرضا(ع) : فأين كان علي بن الحسين؟

قال ابن أبي حمزة: كان محبوساً في الكوفة عند ابن زياد ولكنه خرج وهم لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه، ثم انصرف إلى السجن.

فقال الرضا(ع) : إنّ من مكّن علي بن الحسين(ع)  أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه ثم ينصرف يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه وليس هو في حبس ولا أسار.

مراسم الدفن:

لما أقبل السجاد(ع)  وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيّرين لا يدرون ما يصنعون ولم يهتدوا إلى معرفتهم وقد فرق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم، وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم.

فأخبرهم (ع)  عما جاء إليه من مواراة هذه الأجساد الطاهرة وأوقفهم على أسمائهم كما عرفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء والعويل وسالت الدموع منهم كل مسيل، ونشرت الأسديات الشعور ولطمن الخدود.

ثم مشى الإمام زين العابدين إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءاً عالياً وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلاً من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق، فبسط كفيه تحت ظهره،
وقال (ع) : «بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صدق الله ورسوله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم».

وأنزله وحده لم يشاركه بنو أسد فيه وقال لهم: إنّ معي من يعينني، ولما أقرّه في لحده وضع خده على منحره الشريف قائلاً:

«طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر، فإن الدنيا بعدك مظلمة والآخرة بنورك مشرقة، أما الليل فمسهّد والحزن سرمد، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم، وعليك مني السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته».

وكتب على القبر: «هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشاناً غريباً».

ثم مشى إلى عمه العباس.. ووقع عليه يلثم نحره المقدس قائلاً: «على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته..» وشقّ له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشهيد، وقال لبني أسد: إنّ معي من يعينني.

وقد ترك مساغاً لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء وعيّن لهم موضعين وأمرهم أن يحفروا حفرتين، ووضع في الأول بني هاشم وفي الثانية الأصحاب([7]).

ويروى أن الإمام الصادق(ع)  قال لحماد البصري:

«قتل أبو عبد الله غريباً بأرض غربة، يبكيه من زاره، ويحزن له من لم يزره، ويحترق له من لم يشهده، ويرحمه من نظر إلى قبـر ابنه عند رجليه في أرض فلاة، ولا حميم قربه، ثم منع الحق، وتوازر عليه أهل الردة حتى قتلوه وضيعوه وعرضوه للسباع ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب، وضيعوا حق رسول الله، ووصيته به وبأهل بيته، فأمسى مجفواً في حفرته صريعاً بين قرابته وشيعته قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جده، والمنزل الذي لا يأتيه إلا من امتحن الله قلبه للإيمان، وعرف حقنا.

ولقد حدثني أبي أنه لم يخل مكانه منذ قتل؛ من مصلٍّ عليه من الملائكة أو من الجن والإنس أو من الوحش، وما من أحد إلا ويغبط زائره ويتمسح به ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبـره.

وإن الله ليباهي الملائكة بزائريه.

وأما ما له عندنا فالترحم عليه كل صباح ومساء.

ولقد بلغني أن قوماً من أهل الكوفة وناساً غيرهم من نواحيها يأتونه في النصف من شعبان فبين قارئ يقرأ وقاص يقص ونادب يندب، ونساء يندبنه، وقائل يقول المراثي».

فقال حماد: قد شهدت بعض ما تصف.

فقال (ع): «الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا وجعل عدونا من يطعن عليهم ويهددونهم ويقبّح ما يصنعون»([8]).

 

([1]) اندفاع نحو الشهادة: 27.

([2]) الطبري 6: 256، والكامل لإبن الأثير 4: 30.

([3]) بحار الأنوار 10: 211.

([4]) قمر بني هاشم: للمقرّم 115.

([5]) كامل الزيارات: 215.

([6]) إثبات الوصية: للمسعودي: 173، وكذا في كتاب (زين العابدين) للمقرَّم: 204.

([7]) مقتل الحسين لعبد الرزاق المقرم: 320- 321، نقلاً عن الكبريت الأحمر، وأسرار الشهادة، والإيفاد.

([8]) كامل الزيارات: 325، ومزار البحار: 124، ونقل الحديث كاملاً عبد الرزاق المقرّم في مقتل الحسين: 321- 322.

قراءة 643 مرة