المدينة تهبّ لقدوم النبي(ص)
لقد خرج النبي (ص) مهاجراً من مكة المكرمة في الأول من ربيع الأول السنة 13 للبعثة وقد وصل إلى منطقه قباء من ضواحي يثرب في 12 من ربيع الأول من تلك السنة وانتظر ابن عمه والذين معه من الفواطم والأصحاب ولم يدخل المدينة، إلى أن التحقوا به (ص) في 15 من ربيع الأول ودخلوا معه إلى مدينة يثرب التي سميت بعد ذلك بمدنية الرسول(ص) ، واشتهرت بالمدينة المنورة إلى يومنا هذا.
وكان اليوم الذي دخل فيه رسول الله(ص) يوماً عظيماً مشهوداً، فكم ترى ستكون عظيمة فرحة الذين آمنوا برسول الله(ص) منذ ثلاث سنين، وظلوا طوال هذه الأعوام يبعثون برسلهم ووكلائهم إليه، ويذكرون اسمه المقدّس، ويصلّون عليه في صلواتهم كل يوم، إذا سمعوا أن قائدهم ذلك الذي طال انتظارهم له، واشتد تشوقهم إليه قد حان لقاؤهم به، وقدومه عليهم.
حطّ قدمه على تراب يثرب استقبله الناس رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، استقبالاً عظيماً مهيباً، ورحّبوا به أعظم ترحيب. وكان في مقدمة المستقبلين أصحاب بيعة العقبة الثانية، وهم سبعون رجلاً وكذلك المهاجرون وفي مقدمتهم مصعب بن عمير.
وكانت بنو عمرو بن عوف قد اجتمعت عنده، وأصرّت عليه بأن ينزل في قباء، وقالوا له: أقم عندنا يا رسول الله، فإنا أهل الجد والجلد والحلقة (أي السلاح) والمنعة، ولكن رسول الله(ص) لم يقبل.
وبلغ الأوس والخزرج خروج رسول الله(ص) ، وقرب نزوله المدينة قلبوا السلاح وأقبلوا يعدون حول ناقته لا يمرّ بحيّ من أحياء الأنصار إلاّ وثبوا في وجهه، وأخذوا بزمام ناقته، وأصروا عليه أن ينزل عليهم، ورسول الله(ص) يقول: خلّوا سبيل الناقة فإنها مأمورة.
وأخيراً لما انتهت ناقته إلى أرض واسعة كانت ليتيمين من الخزرج يقال لهما: سهل وسهيل، وكانا في حجر أسعد بن زرارة، فبركت على باب أبي أيوب (خالد بن زيد الأنصاري) الذي كان على مقربة من تلك الأرض، فاغتنمت زوجة أبي أيوب الفرصة فبادرت إلى رحل رسول الله(ص) فحلّته وأدخلته منزلها، بينما اجتمع عليه الناس يسألونه أن ينزل عليهم، فلما أكثروا عليه، وتنازعوا في أخذه، قال (ص) : «أين الرحل؟» فقالوا: أم أيوب قد أدخلته في بيتها([1])، فقال (ص) : «المرء مع رحله»، وكان أبو أيوب أفقر أهل المدينة، وبقي النبي(ص) عنده حتى بُني مسجده.