ولادة النبي الأكرم (ص) (17 / ربيع الأول/ عام الفيل)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ولادة النبي الأكرم (ص)  (17 / ربيع الأول/ عام الفيل)

اتفق المسلمون - إلا من شذّ - على أن ولادته (ص)   في عام الفيل في شهر ربيع الأول([1])، ولكنهم اختلفوا في يومه، فذهب المشهور من العلماء إلى أنه في اليوم السابع عشر منه، وقد نقله الأثبات من الأعلام كالمفيد، والطبرسي، وابن طاووس، والمجلسي الأول قال في (البحار): إعلم أنه اتفقت الإمامية - إلا من شذّ منهم - على أن ولادته (ص)   كانت في السابع عشر من ربيع الأول عام الفيل، وذلك لأربع وثلاثين سنة مضت من ملك كسرى أنوشيروان([2]).

وذهب إخواننا السنة إلى أن ولادته كانت في الثاني عشر من ربيع الأول، وتابعهم عليه الكليني والشيخ المفيد.

وقد أعلنت الجمهورية الإسلامية هذه الأيام بين تقدير التاريخين أسبوع الوحدة الإسلامية.

وقد ولد النبي(ص)   في شِعب أبي طالب أو شِعب بني هاشم في الدار التي اشتراها محمد بن يوسف أخو الحجاج من ورثة عقيل بن أبي طالب، ثم صيرتها الخيزران أم هارون الرشيد مسجداً([3]).

قال المحدث القمي: «قالت آمنة بنت وهب: إن النبي - والله - سقط فاتقى الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج مني نور أضاء كل شيء، فسمعت في الضوء قائلاً يقول، إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمداً»([4])، وفي (الخرائج) كما عن (البحار): «أنه ولد (ص)   مختوناً مقطوع السرة»([5]).

وترافق مع ولادته المباركة حوادث كانت غريبة وعجيبة على قريش والعالم بأسره، منها: انكباب الأصنام جميعاً على وجوهها حول الكعبة، واضطراب إيوان كسرى، وسقوط أربعة عشر شرفة منه، وانخماد نار فارس التي لم تخمد منذ ألف سنة، ولم يبق سرير لملك من ملوك الأرض إلا نكس، وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السحرة([6])، قال أمير المؤمنين(ع): «ولما حل الليل سمع هذا النداء من السماء: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، وأشرقت الدنيا كلها في هذه الليلة، وضحك الحجر والمدر، وسُبح الله في السماوات والأرضين، وبكى إبليس وقال: خير الأمة وأفضل الخلائق، وأكرم العباد وأعظم العالمين؛ محمد»([7]).

عناية الله بنبيه (ص)  

فقد النبي(ص)   أباه عبد الله بن عبد المطلب وهو لا يزال جنيناً في بطن أمه، فكان اليتم ملازماً لحياته(ص)  فجعل الله تعالى كفالته لجده عبد المطلب الذي كان يهتم به أكثر من سائر بني هاشم، وقد أوصى بكفالته من بعده إلى ابنه أبي طالب الذي كان نعم الناصر والمآزر والمحامي عن النبي(ص)  ، فكان (ع)  يباشر بنفسه حمايته، وبعد انطلاق النبي(ص)   بالدعوة إلى الحق، كان أبو طالب قد جند بني هاشم لحمايته([8]) والذب عنه ونصرته، وهذه العناية الإلهية بالنبي(ص)   كان قد بينها القرآن الكريم بقوله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىَ)([9]).

من أوصاف النبي (ص)  

أن النبي الأكرم(ص)   كان قد كرّس جلّ حياته في سبيل دعوة الناس إلى الله تعالى وإلى تعاليمه، دون أن يستعين بأية وسيلة مادية كبيرة أو قوّة عسكرية هائلة.

فما الذي مكّن رسول الله(ص)   من إحراز ذلك النجاح الباهر في مجتمع الجاهلية مغرق في القسوة والجفاء، وغلظة الطبع وشكاسة الخلق؟!

كيف طوى خاتم الأنبياء(ص)   رحلة قرن ونصف من الزمان في ربع قرن؟ وكيف لم تحتج عملية الهداية المحمدية والتغيير الاجتماعي والفكري العميق إلى زمن طويل؟!

ويأتي الجواب القرآني واضحاً من خلال وصفه تعالى لرسوله الكريم بالخلق العظيم حيث وصف به نبيه تارة على نحو الإجمال، إذ قال عنه: (وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ)([10]).

وتارة بالتفصيل، نسبياً، إذ قال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ)([11]).

وقوله تعالى: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ)([12]).

وفيما يلي باقة عطرة من خُلُق النبي(ص)   وأدبه مع نفسه ومع ربه ومع مجتمعه كانت هي سرَّ نجاحه، ورمز خلوده، نقلاً عن ابن عمه الإمام علي بن أبي طالب (ع)  يتحدث عن أخلاق رسول الله (ص)  .

الإمام علي (ع)  يصف النبي(ص)  

قال الإمام الحسين بن علي(ع)  سألتُ أبي عن رسول الله(ص)  ، فقال (ع) :

* كان(ص)   دخولُه في نفسه مأذوناً في ذلك.

* فإذا آوى إلى منزله جَزّأ دُخولَه ثلاثة أجزاءٍ جزءاً لله، وجزءاً لأهله وجزءاً لنفسه ثم جزّأ جزءه بينه وبين الناس فيردُّ ذلك بالخاصَّة على العامة، ولا يَدّخر عنهم منه شيئاً.

* وكان(ص)   من سيرته في جزء الأمُّة، إيثار أهل الفضل بأدبه، وقسّمه على قَدَر فضلهم في الدين، فمنهم: ذو الحاجة ومنهم ذوالحاجتين، ومنهم ذوالحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغَلهم فيما أصلَحَهم، والأُمّةَ، مِن مسألته عنهم، وبإخبارهم بالذي ينبغي، ويقول: ليبلّغِ الشاهدُ منكم الغائبَ وأبلغوني حاجةَ من لا يقدرُ على إبلاغ حاجته، فإنه من أبلغ سلطاناً حاجةَ من لا يقدرُ على إبلاغها ثبّت الله قدمَيْه يوم القيامة، لا يُذكر عنده إلاّ ذلك، ولا يقبل من أحدٍ غيرَه، يدخلون رُوّاداً، ولا يفترقونَ إلاّ عن ذواق ويخرجون أدلّةً.

* كان رسول الله(ص)   يخزن لسانه إلاّ عمّا كان يعنيه.

* ويؤلّفهُّم ولا ينفّرهم.

* ويُكرمُ كريمَ كلِّ قوم ويولَّيه عليهم.

* ويحذَرُ الناس ويحترسُ منهم من غيرِ أن يطوي عن أحدٍ بِشره ولا خُلُقه.

* ويتفقَّد أصحابَه.

* ويسأل الناسَ عمّا في الناس.

* ويحسّنُ الحسنَ ويقوّيه.

* ويقبّحُ القبيحَ ويوهنُه.

* معتدلَ الأمر غير مختلف فيه.

* لا يغفَل مخافةَ أن يغفلوا ويميلوا.

* ولا يقصّرُ عن الحقِ ولا يجوِّزُهُ.

* الذين يَلُونه من الناسِ خيارُهم.

* أفضلُهم عنده أعمّهم نصيحةً للمسلمين.

* وأعظمهُم عنده منزلةً أحسنُهم مواساة وموازرة.

* كان(ص)   لا يجلس ولا يقومُ إلاّ على ذكرٍ.

* وإذا انتهى إلى قوم، جَلَسَ حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك.

* ويعطي كلَّ جلسائه نصيبَه، ولا يحسب أحدٌ من جلسائه أنَّ أحداً أكرمُ عليه منه.

* مَن جالسَهُ صابره حتى يكونَ هو المنصرف.

* مَن سأله حاجة لم يرجع إلاّ بها، أو ميسورٍ مِنَ القول.

* قد وسع الناسَ منه خُلُقُهُ فصارَ لهم أباً، وصاروا عنده في الخَلق سواء.

* مجلسُه مجلسُ حلمٍ وحياءٍ وصدقٍ وأمانةٍ، لاتُرفَعُ عليه الأصوات، ولا تؤبَنُ فيه الحُرَم، ولا تُثَنى فلتاتُه، مُتعادلين، متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون الكبيرَ، ويَرحمون الصَّغير، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.

* كان(ص)   دائمَ البشْر.

* سَهْلَ الخُلُقِ.

* لَيّنَ الجانب.

* ليس بفِظِّ ولا غليظٍ، ولا ضَحّاكٍ، ولا فحّاشٍ، ولا عَيّابٍ، ولا مَدّاحٍ.

* يتغافلُ عما لا يشتهي، فلا يؤيَس منه، ولا يُخيّبُ فيه مؤمليه.

* قد ترك نفسَه من ثلاث: المراء، والإكثار، ومالايعنيه.

* وترك الناس من ثلاث: كان(ص) لا يذمُّ أحداً ولا يعيّره، ولا يطلب عثراتِه ولا عورته.

* ولا يتكلم إلاّ فيما رُجِي ثوابَه.

* إذا تكلم أطرقَ جُلساؤه كأنَّ(ص) على رؤوسهم الطير، فإذا سكت سكَتوا.

* ولا يتَنازعون عنده الحديث.

* من تكلم أنصَتوا له حتى يفرَغ، حديثهم عنده حديث أوّلهم.

* يضحكُ ممّا يضحكون منه.

* ويتعجبُ ممّا يتعجَّبون منه.

* ويصبرُ للغريب على الجفوة في مسألته ومنطِقِه، حتى إن كان أصحابه يستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالبَ الحاجة يطلبُها فأرْفِدُوهُ.

* ولا يقبل الثناء إلاّ مِن مكافىء.

* ولا يقطعُ على أحدٍ كلامَهُ حتى يجوز فيقطعُه بنهيٍ أو قيامٍ.

* كان(ص)   سكوته على أربع: على الحلمِ، والحذرِ، والتقدير، والتفكير.

فأمّا التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس.

وأمّا تفكّرهُ ففيما يبقى ويفنى.

وجمع له الحلم والصبرَ فكان(ص)   لا يغضبهُ شيء ولا يستفزُّه.

وجمع له الحذرَ في أربع: أخذُه بالحَسَن ليقتدى به، وتركُه القبيح ليُنتهى عنه، واجتهادُه الرأيَ في صلاح اُمَّتِه، والقيام فيما جمع له خير الدنيا والآخرة.

(وقال عنه علي بن أبي طالب(ع)   أيضاً)

* كان رسول الله(ص)   يأكل على الأرض،

* ويجلس جِلسَة العبد،

* ويخصفُ بيدِهِ نَعله،

* ويرقّع ثوبَه،

* ويركبُ الحمارَ العاري،

* ويردفُ خلفه،

* ويكون الستر على بابه فيكون عليه التصاويرُ فيقول: يا فلانة – لإحدى زوجاته – غيِّبيه عنّي، فإنيّ إذا نَظَرْتُ إليه ذكرتُ الدنيا وزخارفها.

فأعرضَ عن الدنيا بقَلبه، وأمات ذكرَها عن نفسه، وأحبَّ أن تغيب زينتها عن عينيه لكيلا يتخذ منها ريشاً، ولا يعتقدها قراراً، ولا يرجو فيها مقاماً، فأخرجها من النفس وأشخصها عن القلب وغيّبها عن البصر([13]).

 

([1]) تاريخ الخميس 1: 195.

([2]) بحار الأنوار 15: 248.

([3]) الكافي 1: 439، ومروج الذهب 2: 174.

([4]) منتهى الآمال 1: 58، وتاريخ الطبري 2: 156.

([5]) بحار الأنوار 15: 369، والمنتظم 2: 227 – 249.

([6]) تاريخ اليعقوبي 2: 8.

([7]) بحار الأنوار 15: 574، ومنتهى الآمال 1: 59.

([8]) سيرة ابن هشام 1: 118 – 119.

([9]) سورة الضحى: الآية 6.

([10]) سورة القلم: الآية 4.

([11]) سورة آل عمران: الآية 159.

([12]) سورة التوبة: الآية 138.

([13]) ذكر هذا الحديث في الكتب التالية: معاني الاخبار للصدوق، مكارم الأخلاق للطبرسي، إحياء علوم الدين للغزالي، دلائل النبوة لأبي نعيم.

قراءة 1061 مرة