كيف يزيد حبُّ الله عزّ وجل في قلوبنا؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كيف يزيد حبُّ الله عزّ وجل في قلوبنا؟

من أين نستقي حب الله؟ هذا سؤال مهم في بحثنا هذا، فما دمنا قد عرفنا قيمة حب الله، فلابد أن نعرف من أين نأخذ هذا الحب. وما هو مصدره؟

وإجمال الجواب أن الله تعالى هو مصدر الحب ومبدؤه وغايته. ولابد لهذا الاجمال من تفصيل، وإليك هذا التفصيل:

1 ـ يحب الله عباده:
إن الله تعالى يحب عباده، ويرزقهم، ويستر عليهم، ويهبهم من المواهب والنعم ما لا يحصيه أحد، ويعفو عنهم، ويتوب عليهم، ويسددهم، ويرزقهم التوفيق، ويهديهم صراطه المستقيم، ويتولاهم برعايته وفضله، ويدفع عنهم السوء والشر، وهذه جميعاً أمارات الحب.

2 ـ ويمنحهم حبه ووده:
ومن حب الله تعالى لعباده أنه يحبهم، ويرزقهم حبه. وأمر هذا الحب غريب، فإن الله تعالى هو واهب الحب، وهو الذي يتلقي الحب من عباده. يهبهم الجذبة بعد الجذبة، ثم يجذبهم إليه بتلك الجذبة.

ونحن نجد في نصوص الأحاديث والأدعية إشارات متكررة إلى هذا المعنى. ففي المناجاة الثانية عشرة للإمام زين العابدين عليه السلام: «إلهي، فاجعلنا من الذين ترسخت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم، وأخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم».
وفي المناجاة الرابعة عشرة: «أسألك أن تجعل علينا واقية تنجينا من الهلكات، وتجنبنا من الآفات، وتكنّنا من دواهي المصيبات، وأن تنزل علينا من سكينتك، وأن تغشي وجوهنا بأنوار محبتك، وأن تؤوينا إلى شديد ركنك، وأن تحوينا في أكناف عصمتك، برأفتك ورحمتك يا أرحم الراحمين».

وفي المناجاة الخامسة عشرة «مناجاة الزاهدين»: «إلهي، فزهدنا فيها، وسلّمنا منها بتوفيقك وعصمتك، وانزع عنا جلابيب مخالفتك، وتول أمورنا بحسن كفايتك، وأجمل صلاتنا من فيض مواهبك، واغرس في أفئدتنا أشجار محبتك، وأتمم لنا أنوار معرفتك، وأذقنا حلاوة عفوك ولذّة مغفرتك، وأقرر أعيننا يوم لقائك برؤيتك، وأخرج حب الدنيا من قلوبنا كما فعلت بالصالحين من صفوتك، والأبرار من خاصتك، برحمتك يا أرحم الراحمين».

وفي التكملة التي يذكرها السيد بن طاووس لدعاء الامام الحسين عليه السلام في عرفة: «كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقه عبدل لم تجعل له من حبك نصيباً. .. فاهدني بنورك إليك، وأقمني بصدق العبودية بين يديك... وصني بسرّك المصون... واسلك بي مسلك أهل الجذب، إلهي أغنني بتدبيرك لي عن تدبيري، وباختيارك عن اختياري، وأوقفني عن مراكز اضطراري... أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحّدوك. وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبّوا سواك، ولم يلجأوا إلى غيرك، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم. ماذا وجد من فقدك؟ وما الذي فقد من وجدك؟ لقد خاب من رضي دونك بدلاً، ولقد خسر من بغى عنك متحولاً، كيف يُرجى سواك وأنت ما قطعت الاحسان؟ وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الامتنان؟ يا من أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملقين، ويا من ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين... إلهي اطلبني برحمتك حتى أصل إليك، واجذبني بمنك حتى أقبل عليك»([1]).

3 ـ ويتحبب إليهم:
والله تعالى يتحبب إلى عباده، فيغدق عليهم النعم ليحبوه، وإن النعم في القلوب الواعية والمدركة تحب الله تعالى إلى الذين ينعم عليهم.

في دعاء علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في الأسحار: «تتحبب إلينا بالنعم، ونعارضك بالذنوب، خيرك إلينا نازل، وشرنا إليك صاعد، ولم يزل ولا يزال ملك كريم يأتيك عنا في كل يوم بعمل قبيح، فلا يمنعك ما يأتي منا من ذلك أن تحوطنا برحمتك، وتتفضل علينا بآلائك، فسبحانك ما أحلمك وأعظمك وأكرمك مبدئاً ومعيداً»([2]).

والمقارنة بين ما هو النازل من لدن الله إلى العبد من نعم وفضل وإحسان وجميل وعفو وستر، وبين ما هو الصاعد من قبل العبد إلى الله من قبيح وشر يشعر العبد بالخجل من مولاه، فهو يقابل هذا الحب والتحبب من جانب الله تعالى بالإعراض والتبغض إليه.
وما أكثر بؤس الإنسان وشقاءه إذا كان يقابل حب الله تعالى له وتحببه إليه بالإعراض والتبغض.

تأملوا في هذه الكلمات من دعاء الافتتاح للإمام الحجة عليه السلام: «إنك تدعوني فأولي عنك، وتتحبب إلي فأتبغض إليك، وتتودّد إلى فلا أقبل منك، كأنّ لي التطول عليك، فلم يمنعك ذلك من الرحمة بي، والإحسان إلي والتفضل علي»([3]). «خيرك إلينا نازل، وشرنا إليك صاعد»([4]).
 


([1]) بحار الأنوار 226: 98.
([2]) بحار الأنوار 98: 85.
([3]) مفاتيح الجنان: دعاء الافتتاح.
([4]) بحار الأنوار 18: 85.

قراءة 312 مرة