
emamian
كيف يزيد حبُّ الله عزّ وجل في قلوبنا؟
من أين نستقي حب الله؟ هذا سؤال مهم في بحثنا هذا، فما دمنا قد عرفنا قيمة حب الله، فلابد أن نعرف من أين نأخذ هذا الحب. وما هو مصدره؟
وإجمال الجواب أن الله تعالى هو مصدر الحب ومبدؤه وغايته. ولابد لهذا الاجمال من تفصيل، وإليك هذا التفصيل:
1 ـ يحب الله عباده:
إن الله تعالى يحب عباده، ويرزقهم، ويستر عليهم، ويهبهم من المواهب والنعم ما لا يحصيه أحد، ويعفو عنهم، ويتوب عليهم، ويسددهم، ويرزقهم التوفيق، ويهديهم صراطه المستقيم، ويتولاهم برعايته وفضله، ويدفع عنهم السوء والشر، وهذه جميعاً أمارات الحب.
2 ـ ويمنحهم حبه ووده:
ومن حب الله تعالى لعباده أنه يحبهم، ويرزقهم حبه. وأمر هذا الحب غريب، فإن الله تعالى هو واهب الحب، وهو الذي يتلقي الحب من عباده. يهبهم الجذبة بعد الجذبة، ثم يجذبهم إليه بتلك الجذبة.
ونحن نجد في نصوص الأحاديث والأدعية إشارات متكررة إلى هذا المعنى. ففي المناجاة الثانية عشرة للإمام زين العابدين عليه السلام: «إلهي، فاجعلنا من الذين ترسخت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم، وأخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم».
وفي المناجاة الرابعة عشرة: «أسألك أن تجعل علينا واقية تنجينا من الهلكات، وتجنبنا من الآفات، وتكنّنا من دواهي المصيبات، وأن تنزل علينا من سكينتك، وأن تغشي وجوهنا بأنوار محبتك، وأن تؤوينا إلى شديد ركنك، وأن تحوينا في أكناف عصمتك، برأفتك ورحمتك يا أرحم الراحمين».
وفي المناجاة الخامسة عشرة «مناجاة الزاهدين»: «إلهي، فزهدنا فيها، وسلّمنا منها بتوفيقك وعصمتك، وانزع عنا جلابيب مخالفتك، وتول أمورنا بحسن كفايتك، وأجمل صلاتنا من فيض مواهبك، واغرس في أفئدتنا أشجار محبتك، وأتمم لنا أنوار معرفتك، وأذقنا حلاوة عفوك ولذّة مغفرتك، وأقرر أعيننا يوم لقائك برؤيتك، وأخرج حب الدنيا من قلوبنا كما فعلت بالصالحين من صفوتك، والأبرار من خاصتك، برحمتك يا أرحم الراحمين».
وفي التكملة التي يذكرها السيد بن طاووس لدعاء الامام الحسين عليه السلام في عرفة: «كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقه عبدل لم تجعل له من حبك نصيباً. .. فاهدني بنورك إليك، وأقمني بصدق العبودية بين يديك... وصني بسرّك المصون... واسلك بي مسلك أهل الجذب، إلهي أغنني بتدبيرك لي عن تدبيري، وباختيارك عن اختياري، وأوقفني عن مراكز اضطراري... أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحّدوك. وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبّوا سواك، ولم يلجأوا إلى غيرك، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم. ماذا وجد من فقدك؟ وما الذي فقد من وجدك؟ لقد خاب من رضي دونك بدلاً، ولقد خسر من بغى عنك متحولاً، كيف يُرجى سواك وأنت ما قطعت الاحسان؟ وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الامتنان؟ يا من أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملقين، ويا من ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين... إلهي اطلبني برحمتك حتى أصل إليك، واجذبني بمنك حتى أقبل عليك»([1]).
3 ـ ويتحبب إليهم:
والله تعالى يتحبب إلى عباده، فيغدق عليهم النعم ليحبوه، وإن النعم في القلوب الواعية والمدركة تحب الله تعالى إلى الذين ينعم عليهم.
في دعاء علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في الأسحار: «تتحبب إلينا بالنعم، ونعارضك بالذنوب، خيرك إلينا نازل، وشرنا إليك صاعد، ولم يزل ولا يزال ملك كريم يأتيك عنا في كل يوم بعمل قبيح، فلا يمنعك ما يأتي منا من ذلك أن تحوطنا برحمتك، وتتفضل علينا بآلائك، فسبحانك ما أحلمك وأعظمك وأكرمك مبدئاً ومعيداً»([2]).
والمقارنة بين ما هو النازل من لدن الله إلى العبد من نعم وفضل وإحسان وجميل وعفو وستر، وبين ما هو الصاعد من قبل العبد إلى الله من قبيح وشر يشعر العبد بالخجل من مولاه، فهو يقابل هذا الحب والتحبب من جانب الله تعالى بالإعراض والتبغض إليه.
وما أكثر بؤس الإنسان وشقاءه إذا كان يقابل حب الله تعالى له وتحببه إليه بالإعراض والتبغض.
تأملوا في هذه الكلمات من دعاء الافتتاح للإمام الحجة عليه السلام: «إنك تدعوني فأولي عنك، وتتحبب إلي فأتبغض إليك، وتتودّد إلى فلا أقبل منك، كأنّ لي التطول عليك، فلم يمنعك ذلك من الرحمة بي، والإحسان إلي والتفضل علي»([3]). «خيرك إلينا نازل، وشرنا إليك صاعد»([4]).
([1]) بحار الأنوار 226: 98.
([2]) بحار الأنوار 98: 85.
([3]) مفاتيح الجنان: دعاء الافتتاح.
([4]) بحار الأنوار 18: 85.
المواعظ البالغة
قال الإمام علي عليه السلام حين أصاب همام صعقة كانت فيها نفسه:"هكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ البَالِغَةُ بِأَهْلِهَا!"
معنى الموعظة
الموعظة من وعظ، وهو النصح والتذكير بالعواقب، وهو تذكيرك للإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب.
وقد وردت كلمة موعظة في القرآن الكريم في موارد متعددة، منها على سبيل المثال، قوله تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُم﴾1 أي وحذّرهم وخوفهم.
وقوله تعالى: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾2. أي ينهاكم ويحذركم.
كما في وقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين﴾3 وهو زجر مقترن بالتخويف.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ...﴾4.
وفي قوله تعالى: ﴿يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون﴾5. أي يذكركم علكم تتذكرون.
أهمية الموعظة ودورها
إن الإنسان بطبعه اجتماعي يتفاعل مع محيطه، ويمكن أن يتأثر به سلباً أو إيجاباً، والموعظة الحسنة تشكّل عاملاً خارجياً يأخذ بيد الإنسان ليساعده على تخطي فتن الدنيا وزخارفها وشبهاتها، وتتأكد ضرورتها عند غفلة الإنسان وخمود أو خمول الواعظ الداخلي فيه، حيث يصبح لها الدور الأساسي في النجاة من النار، وهذا ما يعترف به المجرمون في الآخرة: ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾6 كما نقل القرآن الكريم عن لسانهم.
وقد أكد القرآن الكريم على أسلوب الموعظة فقال: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾7. فعليك أن تمارسها كأسلوب من أساليب الدعوة إلى الله تعالى وهي نافعة ومفيدة، إذ تفتح أبواب هداية المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾8.
إن الموعظة تؤثر أثرها في المؤمن بشكل خاص، لأنه يستحضر الالتزام الشرعي في أموره، وقد تغيب عنه بعض التفاصيل، أويدفعه هو اه بالاتجاه الخاطئ، فيكون دورها دور المنبه للضمير المذكر بالمسؤولية الشرعية والرقابة الإلهية. ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾9.
فربّ موعظة ردعت عن عمل ظالم وفاسد لسبب أو لآخر وأنقذت جيلاً أو أبطلت بدعة، ورب موعظة تركت أثراً بسيطاً يتراكم مع غيرها من المواعظ والأساليب الأخرى لتؤثر أثرها وتحدث التغيير المنشود، وإن لم تفعل ذلك كله فهي على الأقل تلقي الحجة على الآخرين وتبرئ ذمة الواعظ.
خطاب العقل والوجدان
إن الإسلام دين يخاطب العقل والوجدان، ولا يهمل شيئاً من الجوانب الإنسانية على حساب جوانب أخرى. ولكل من العقل والوجدان أساليب تناسبه وتنفذ إليه. فالدليل والبرهان والمقارنة أساليب تخاطب العقل بقصد تأهيله إلى إدراك المعارف الموصلة إلى اللَّه، فيقول اللَّه سبحانه وتعالى في خطاب للعقل: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾10
وجعل التأمل والنظر وإثارة الشعور وأساليب لمخاطبة الوجدان لكي تسمو الروح وتكتسب القدرة على التذوق الرفيع الذي يوصلها إلى حب اللَّه. يقول اللَّه سبحانه وتعالى في خطاب الوجدان: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾11.
القرآن موعظة
الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على قلب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووصفه بصفات كثيرة تربوعلى الأربعين، ومن هذه الأوصاف وصفه بأنه (موعظة)، وقريب من هذا المعنى وصفه بأنه (ذكرى)، وهذا أمرٌ يلمسه كلُّ من قرأ القرآن، ويعظم وقع هذه المواعظ على النفس حينما تُقرأُ بقلب حاضر، وسمع متصل بقلب شاهد: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾12.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وهُدًى ورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾13 فالوعظ والموعظة جاءت في القرآن وصفا للقرآن الكريم كما جاءت من مهمات النبوة ونَفَر من المؤمنين.
بل قيل في تفسير قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِِ﴾14: إن الموعظة الحسنة هي مواعظ القرآن، وكذا قيل في تفسير قوله سبحانه: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾15 أي: عن مواعظ القرآن.
وما القصص القرآني النوراني، أو النبوي المبارك؛ إلا وسيلة من وسائل التربية لكل الأمة، ليس المقصود منها سرد القصص وتدوين التاريخ بقدر ما تكون "العبرة" والإتعاظ هي الخطوة الأولى التي يجب أن تكون في وجدان المتلقي، حتى تكون نافعة له، ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾16.
الموعظة البالغة
هناك عناصر عديدة تساهم في بلوغ الموعظة مداها الأقصى في النجاح لتصبح بالغة كما يعبر الإمام في هذه الخطبة، هي بمثابة عوامل مساعدة تهيئ البيئة الأفضل للإفادة وبلوغ الأهداف المتوخاة نذكر بعضاً منها :
1- تخير الوقت المناسب والجو النفسي المهيأ للسماع
إن للزمان والمكان له أهمية خاصة تستدعي رعايتها، وقد روي عن أمير المؤمنين أنه قال: "ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه"17.
وكان الإمام علي عليه السلام كثيراً ما ينتهز المناسبة لمن يريد وعظهم وإرشادهم، لتكون أبلغ في التأثير، وأفضل للفهم والمعرفة. وكمثال على ذلك فإنه لما رجع الإمام علي عليه السلام من صفين وأشرف على القبور قال: "يا أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، والقبور المظلمة، يا أهل التربة، يا أهل الغربة، ويا أهل الوحشة، أنتم لنا فرط سابق، ونحن لكم تبع لاحق".
أما الدور فقد سكنت، وأما الأزواج فقد نكحت، وأما الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟"، ثم التفت إلى أصحابه فقال: "أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى".
فالإمام عليه السلام وهو عند القبور، أخذ في وعظ أصحابه وبيّن لهم أحوال أصحابها وخلُص إلى أن خير الزاد التقوى.
2- اللين في الخطاب والشفقة في النصح
على المؤمن والواعظ أن يكون ليناً في الخطاب، فقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لين الكلام بشوش الوجه، وكان دائم البسمة في وجوه أصحابه لا يقابل أحداً بسوء ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾18 .
ويرسل اللَّه موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون أطغى الطواغيت، ويأمرهما باللين معه فيقول: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾19.
3- الحديث المتناسب ومراعاة أحوال المخاطبين
إن اللَّه عزَّ وجلَّ خلق الناس لهم طبائع متعددة، وعقول متفاوتة، ومشارب متنوعة، يقول عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾20، ويقول: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾21، ولذا علينا أن نعامل الناس كل حسب قدراته العقلية والنفسية والبدنية، فالأسلوب الناجع مع الكبار قد لا يناسب الشباب أو الأطفال وهكذا، وقد كان قدوة الدعاة والمبلغين والمثل الأعلى لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يراعي تلك الأمور، فيعامل الناس على حسب سن وعلم وطاقة كل منهم.
4- التآلف مع الناس
ينبغي للمؤمن أن يتآلف مع الناس بالنفع، فيقدم لهم نفعاً، فليست مهمة الواعظ والناصح فقط أن يلاحقهم بالكلام! أويلقي عليهم الخطب والمواعظ! لكن يفعل كما فعل رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم، يتألفهم مرة بالهدية، ومرة بالزيارة، فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم دعا الناس وآلفهم وأعطاهم وأهدى لهم، بل كان يعطي الواحد منهم مائة ناقة، وكان يأخذ الثياب الجديدة، وكان يعانق الإنسان ويجلسه مكانه، فهذا من التآلف.
5- حسن المظهر
إن سوء المظهر في الصورة واللباس ينفّر الناس، فنظافة اللباس من أهم العلامات الدالة على شخصية الإنسان وتربيته وثقافته، والناس يحبون الجمال والنظافة بصورة فطرية. ولهذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يولي اهتماماً كبيراً بنظافة الملبس والجسم والأسنان حتى أن الناس كانوا يتحدثون عن عطره الفواح، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "كان رسول اللَّه ينفق على الطيب أكثر مما ينفق على الطعام"22.
وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما زال جبرائيل يوصيني بالسواك حتى خفت أن أحفى"23.
ولقد قال يوماً لأصحابه: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، فقال رجل: يا رسول اللَّه، إني رجل أولعت بالجمال في كل شيء، حتى ما أحب أن يفوقني أحد بشراك نعل. فهل هذا من الكبر؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن اللَّه جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس"24.
وللمواعظ أهلها
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد﴾25 .
إن الإنسان الذي لا زال يملك صفاءً في قلبه ونقاءً في روحه لا يمكنه إلا أن يتأثر بالموعظة ويلين لها قلبه فيهتدي بها ويستضيء بنورها،تأمل وصف الله تعالى لقلوب أهل الإيمان عند سماع الوعد والوعيد، فهي تقشعر خوفاً من الوعيد، ثم تلين وترجوعند الوعد. ويزداد خوف المؤمن القارئ للقرآن الكريم حينما يقرأ الآية التي قبلها، وهي قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾26. وعلى المؤمن أن يحافظ على صفاء نفسه ويستمع الموعظة بأُذن قلبه ليبصر نورها بعين البصيرة، فهي تؤثر أثرها في أصحاب القلوب الواعية، فتهذب سلوكهم، وتضيء قلوبهم، وتخشع لها جوارحهم.
وقد تقف بعض العوائق لتمنع الإنسان من التفاعل مع الموعظة، كما قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾27، يصمون آذانهم عن سماع الموعظة.
بل إن أكثر الناس مبتلون بمثل هذه العوائق، كما تشير الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "ما أكثر العبر وأقل الاعتبار"28.
هذه العوائق والحجب التي تشكلها العديد من العناصر، كالغفلة، كما في الرواية عن الإمام علي عليه السلام "بينكم وبين الموعظة حجاب من الغرة"29، المراد بالغرة هنا الغفلة والنسيان..فنحن نؤمن بالله واليوم الآخر بلا شكوتردد.. ومع هذا ننسى الله. ونذهل عن الآخرة وحسابها وعقابها. وكحب الدنيا، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى ﴿كلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ﴾30 .
كلمة تحبون تومئ إلى أن في الإنسان من يستعجل ويسعى وراء المنفعة العاجلة وإن صغرت دون الآجلة وإن عظمت.
* المتقون. سلسلة الدروس الثقافية,نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: الأولى آب 2007م- 1428هـ. ص: 129-136.
1- النساء:63.
2- النور:17.
3- هود:46.
4- النساء:34.
5- النحل:90.
6- الملك:10.
7- النحل:125.
8- يونس:57.
9- الذاريات:55.
10- يس:78-79.
11- النمل:62-63.
12- ق:37.
13- يونس:57.
14- النحل:125.
15- المدثر:49.
16- يوسف:111.
17- نهج البلاغة، ج1 الخطبة 5.
18- آل عمران:159.
19- طه:44.
20- هود:118.
21- الليل:4.
22- البحار،16-248.
23- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة – ج 16 ص260.
24- الريشهري- محمد محمدي - ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج3 ص2652.
25- الزمر:23.
26- الزمر:22.
27- يوسف:105.
28- نهج البلاغة الكلمات القصار، رقم 297.
29- نهج البلاغة الكلمات القصار، رقم 282.
30- القيامة:20-21.
كيف يحقّق المؤمن الفلاح؟
إنّ الله سبحانه تعالى أولى عناية خاصّة لصفات المؤمنين، واختار لهم سورة خاصّة باسمهم وهي سورة "المؤمنون"، قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ...﴾.
وكلمة "أفلح" في قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾: مشتقّة من الفلح والفلاح، وتعني في الأصل الحرث والشقّ، ثمّ أُطلقت على أيّ نوع من النصر والوصول إلى الهدف والسعادة، فالمنتصرون والفائزون يزيلون من طريقهم كلّ الموانع والحواجز والحجب، لينالوا الفلاح والسعادة، ويشقّون طريقهم لتحقيق أهدافهم في الحياة.
فإذا أردا المؤمن أن يكون من المفلحين، فعليه التحقّق بالصفات الآتية:
1- الخشوغ: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾: "اعتبر القرآن الخشوع صفة المؤمنين، وليس إقامة الصلاة، إشارة منه إلى أنّ الصلاة ليست مجرّد ألفاظ وحركات، لا روح فيها، ولا معنى، وإنّما تظهر في المؤمن حين إقامة الصلاة حالة توجّهه إلى الله، تفصله عن الغير وتلحقه بالخالق.."[1].
2- الإعراض عن اللغو: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾: أي ما لا يغنيهم من القول أو الفعل، كاللعب والهزل، وما توجب المروّة إلقاءه وإطراحه.
3- الزكاة: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾: "أي يؤدون ما يجب عليهم في أموالهم من الصدقات، وسمّيت زكاة، لأنّه يزكو بها المال عاجلاً وآجلاً"[2].
4- العفّة: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾: الآية فيها إشعار واضح بالمدح، أي يمدحهم على حفظ فروجهم عمّا أمروا بحفظه وعلى عدم حفظها عمّا أبيح لهم.
5- حفظ الأمانة: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ﴾: والأمانات ضربان: أمانات اللَّه، وأمانات العباد، فأمانة اللَّه تعالى هي العبادات كالصيام والصلاة وغيرها من الأفعال المكلّف بها، وأمانات العباد هي مثل الودائع والشهادات وغيرها. وأمّا العهد فعلى ثلاثة أضرب: أوامر اللَّه، ونذور الإنسان، والعقود الجارية بين الناس. فيجب على الإنسان الوفاء بجميع ضروب الأمانات والعهود والقيام بما يتولّاه منها"[3].
6- مراعاة العهد: ﴿وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾: هذه الآية الكريمة تكون في جهة بيان الأوصاف للمؤمنين، فتبيّن أنّ رعاية العهد والوفاء به من صفات المؤمنين الواجبة عليهم.
7- المحافظة على الصلاة: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾: أي يواظبون عليها ويؤدّونها في أوقاتها، من غير تقديم على الوقت ولا تأخير عنه.
[1] الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب، إيران - قم، 1426ه، ط1، ج10، ص419، صفات المؤمنين البارزة.
[2] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العامليّ، دار إحياء التراث العربيّ، مطبعة مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران، 1409ه، ط1، ج7، ص 348.
[3] الكاظمي، الجواد، مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام، تحقيق الشيخ محمّد باقر شريف زاده، المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، إيران، ج3، ص 154، النذر والعهد واليمين.
دور التواضع في إصلاح العلاقات
إن التواضع بحد ذاته فضيلة من الفضائل الإسلامية وهو مصدر قوة للإنسان وليس ضعفاً ووهناً وبه الأمر في الكتاب الكريم: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾([1]) وقد أشاد أهل البيت عليهم السلام بشرف هذا الخلق واعتبروه من خصال المؤمن وسبباً في رفعته كما جاء عن الصادق عليه السلام: "إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع للَّه رفعاه، ومن تكبر وضعاه"([2]).
والذي يرتبط بمقامنا هو دور التواضع في عملية الإصلاح والعلاقة مع الآخرين فإنه ليس هناك شك في أن بعض الناس يقومون بخدمة الآخرين أو إجابتهم لكن مع روح مستعلية وتكبّر زائف من خلال ثقافة الطبقات والميّزات العرفية أو العائلية أو غيرها مما لا يقيم له الإسلام وزناً في واجب احترام الآخر وإنما المدار على التقوى في الأفضلية، فمن هنا لا بد من إيضاح هذا الجانب من خلال الآثار التي يتركها في نجاح العلاقات الإنسانية أو فشلها والواقع أنه لا يمكن التصديق أن التواصل والارتباط الوثيق بين أفراد أو مجتمعات هو قابل للاستمرار والديمومة طالما أن أحد الطرفين في إصرار وتصميم على استحقار الآخر وتقزيمه والاستعلاء والتكبر عليه، فكيف يكتب ذلك في سجل محاولات الإصلاح مع كونه دعوة عملية لسيادة منهج الاستكبار الذي يبغضه اللَّه عزّ وجلّ كل البغض حيث يقول سبحانه: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾([3]).
وفي الحديث: "فاعتبروا بما كان من فعل اللَّه بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، واستعيذوا باللَّه من لواقح الكبر كما تستعيذون من طوارق الدهر، فلو رخص اللَّه في الكبر لأحد من عباده، لرخص فيه لخاصة أنبيائه ورسله، ولكنه سبحانه كرّه إليهم التكابر ورضي لهم التواضع"([4]).
وهناك جوانب أساسية في معاشرة الناس أكد عليها القرآن الكريم وما هي إلا مصاديق ومفردات للتواضع الذي هو ركيزة النجاح في المعاملة معهم أو إصلاح أمورهم أو مد يد العون لهم كما في سورة لقمان: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾([5])، ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾([6]).
([1]) الشعراء: 215.
([2]) الكافي، ج2، ص122.
([3]) الزمر: 60.
([4]) نهج البلاغة، ج13، ص131، (شرح ابن أبي الحديد).
([5]) لقمان: 18
([6]) لقمان: 19
طوبى لمَن عمِلَ صالحاً
قالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾[1].
بعدَ أنِ انقضتْ أيّامُ شهرِ رمضان، شهرِ القرباتِ إلى اللهِ عزَّ وجلّ، يقفُ المؤمنُ بطمأنينةٍ أمامَ ما أدّاهُ في شهرِه هذا، ولكنْ ما ينبغي للمؤمنِ هو المواظبةُ والاستمرارُ في العملِ الصالح، وهو قرينُ الإيمانِ في الآياتِ المباركة، وكما وردَ أنَّه في يومِ القيامة، وعندما يخرجُ النداءُ للناسِ، ينادَون بأعمالِهم، فينادَون: «يا أصحابَ الصبر، يا أصحابَ الإيمان»، فعَنِ الإمام الصادقِ (عليه السلام): «دعا اللهُ الناسَ في الدنيا بآبائِهم ليتعارفوا، وفي الآخرةِ بأعمالِهم ليُجازَوا، فقال: ﴿يَا أيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا﴾، ﴿يَا أيُّهَا الَذِينَ كَفَرُوا﴾»[2].
فهذِهِ الدارُ؛ أي دارُ الدنيا، هي دارُ العمل، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «فاعملوا، والعملُ يُرفَع، والتوبةُ تنفع، والدعاءُ يُسمَع، والحالُ هادئة، والأقلامُ جارية...» [3].
وغايةُ العملِ لا تنتهي في يومِ الفِطر، بلْ دارُ الدنيا كلُّها عمل، فواظِبُوا -عبادَ اللهِ- على عملٍ صالحٍ ولو كانَ قليلاً، فعَنِ الإمام عليٍّ (عليه السلام): «المُداوَمَةَ المُداوَمَةَ! فإنَّ اللَّهَ لَم يَجعَلْ لِعَمَلِ المُؤمِنينَ غايَةً إلّا المَوتَ»[4].
ولذلكَ، فلتبدأِ المداوَمةَ مِنْ يومِنا هذا، فعَنِ الإمام الصادقِ (عليه السلام): «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ عَلى عَمَلٍ، فَلْيَدُمْ عَلَيْهِ سَنَةً، ثُمَّ يَتَحَوَّلْ عَنْهُ إِنْ شَاءَ إِلى غَيْرِهِ؛ وَذلِكَ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَكُونُ فِيهَا فِي عَامِهِ ذلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ»[5].
ويُعلِّمُنا الإمامُ الباقرُ (عليه السلام) طريقةً للمداوَمةِ على العملِ الصالح، وهي أنْ تأخذَ على نَفْسِكَ أنْ تداوِمَ على عمل، فإنْ لمْ تقدِرْ عليه في وقتِهِ، تداركْتَهُ بعدَ ذلك، فقدْ كانَ الإمامُ الباقرُ (عليه السلام) يقول: «إنِّي أُحِبُّ أنْ أدومَ على العملِ إذا عوَّدَتْنِي نفسي، وإنْ فاتَني مِنَ الليلِ قضيتُه مِنَ النهار، وإنْ فاتَني مِنَ النهارِ قضيتُه بالليل، وإنَّ أَحَبَّ الأعمالِ إلى اللهِ ما دِيْمَ عليها»[6].
والوعدُ الإلهيُّ لأصحابِ العملِ هو طوبى، ﴿طوبى لهم﴾؛ أي فَرَحٌ لهُم، وقرَّةُ عَين، غِبطَةٌ لهُم، خيرٌ لهُم وكرامة، الجنَّةُ لهُم، العيشُ المُطَيَّبُ لهُم، دوامُ الخيرِ لهُم، والأعظمُ مِنْ ذلكَ كلِّهِ: طوبى شجرةٌ في الجنَّةِ، أصلُها في دارِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله)، وفي دارِ كلِّ مؤمنٍ منها غُصْن، يقولُ الإمامُ الباقرُ (عليه السلام): «ألَا في هذا فارغَبُوا. إنَّ المؤمنَ، نَفْسُه مِنْهُ في شُغُل، وَالنّاسُ مِنْهُ فى رَاحَةٍ، إذا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، فَرَشَ وَجْهَهُ، وَسَجَدَ لِلّهِ بِمَكارِمِ بَدَنِهِ، يُناجِي الَّذي خَلَقَهُ في فَكاكِ رَقَبَتِهِ؛ ألَا فَهكَذا كونوا»[7].
وفي دعاءِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) في وَداعِ شهرِ رمضان: «وَقَدْ أَقَامَ فِينَا هَذَا الشَّهْرُ مَقَامَ حَمْد، وَصَحِبَنَا صُحْبَةَ مَبْرُور، وَأَرْبَحَنَا أَفْضَلَ أَرْبَاحِ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ قَدْ فَارَقَنَا عِنْدَ تَمَامِ وَقْتِهِ، وَانْقِطَاعِ مُدَّتِهِ، وَوَفَاءِ عَدَدِهِ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وَدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ عَلَيْنَا، وَغَمَّنَا وَأَوْحَشَنَا انْصِرَافُهُ عَنَّا، وَلَزِمَنَا لَهُ الذِّمَامُ الْمَحْفُوظُ، وَالْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّةُ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِيُّ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللهِ الأكْبَرَ، وَيَا عِيْدَ أَوْلِيَائِهِ؛ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَـا أكْرَمَ مَصْحُـوبٍ مِنَ الأوْقَاتِ، وَيَا خَيْرَ شَهْرٍ فِي الأيَّامِ وَالسَّاعَاتِ»[8].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة الرعد، الآية 29.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص208.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص351، الخطبة 230.
[4] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج1، ص130.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص82.
[6] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج1، ص129.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص240.
[8] الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص198، الدعاء 45، من دعائه (عليه السلام) في وداع شهر رمضان.
الأدب الإسلامي مصطلح لكل العصور
إنّ القيم الإسلامية الكبرى تفرض سلطانها على كلّ العصور، تستوي في ذلك عصور الازدهار والتسامي، وعصور التخلف والتدهور، لأنّ هذه القيم مرتبطة أوثق الارتباط بالعقيدة الإسلامية وبمنهجها، والعجيب أيضاً أنّها تبسط هيمنتها على كلّ الذين يعيشون على أرض الإسلام، سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، لأنّها في حقيقة الأمر قيم حضارية عامّة، تتغلغل في النظر إلى الأشياء، وفي الفكر والسلوك، وفي العلوم الدنيوية والدينية، وفي التشريع والسياسة والحرب والسلم والاقتصاد، وفي الهدف والوسيلة، وفي آداب الكلمة أيضاً، وقد يشذ الأفراد، أو تضل الجماعات، أو يضعف السلطان وتختل الموازين، لكن هذه القيم تظل واضحة بارزة مهما ظل بعض فعلها معطلاً، فهي باقية ما بقيت السماء والأرض، صامدة صمود القرآن العظيم، تشع بأنوارها الباهرة عبر العصور المتلاحقة، لأنّها نابعة أوّلاً وأخيراً من الرسالة الخاتمة، ومن الكلمة الأخيرة التي نزلت من السماء إلى الأرض.
وتتميز هذه القيم بأنّها تضمّ تصوّراً كاملاً شاملاً نموذجياً لكلّ نواحي الحياة، فالفضيلة خلق شخصي، وسلوك اجتماعي، ومنهج عملي، وحكم راشد، وعدالة سمحاء، وجهاد وعرق، وإبداع وتطوّر، وسياسة أمينة، وعاطفة نقية، لا تلبس الحقّ بالباطل، ولا تغرق في متاهات اللذة الآثمة، والجشع القاتل، والسيطرة الجائرة، والحرّية الضالة، والأنانية المدمرة، والمادّية الفتاكة.. من هنا استطاعت هذه القيم أن تصنع حضارة فذة، وتقدّم تجربة حيّة رائدة، ثم اعتورتها عوامل الضعف والقوّة، والارتفاع والانخفاض، والنصر والهزيمة، لكن هذه التغيرات كانت تعكس دائماً مدى الالتزام بهذه القيم أو التحلل منها، كانت حركة الإنسان سلباً أو إيجاباً، وانحرافاً أو تطابقاً، هي المؤشر لظاهرة النجاح والفشل في أي عصر من العصور.
وكان طبيعيّا أن تفرز هذه القيم أدباً..
وكان منطقياً أن نطلق على هذا الأدب مصطلح "الأدب الإسلامي"، تماماً كما وضع المسلمون مصطلحات أخرى وثيقة الصلة بتلك القيم، كمصطلحات: الفقه الإسلامي، والاقتصادي الإسلامي، والحكم الإسلامي، والتاريخ الإسلامي، والفتوحات الإسلامية... إلخ، فالإسلام هو الأب الشرعي، دفع في هذه "الكائنات" من روحه ودمه، فجعلها تعيش وتنمو، وتغلغل في أعماق التحرك التاريخي، وتصبغ الفكر والسلوك والتصوّر، وتصنع المنهج الضابط لهذه النشاطات وغيرها.
وإذا كانت العلاقة بين بعض المدارس الأدبية والفلسفة التي تنتمي إليها علاقة تبدو أحياناً مخلخلة أو مفتعلة أو متناقضة، أو قل غير مقنعة، فإنّ علاقة الأدب الإسلامي بأبيه الشرعي الإسلام علاقة عضوية وثيقة لا يمكن فصمها إلّا في الفترات الشاذة العصبية، وفي عصور الجهل الإيديولوجي والمحن السياسية والاستعمارية، وهذا راجع لسبب أساسي ورئيس وهو أنّ الإسلام ليس فلسفة تجريدية، ولا منهجاً فضولياً يسمح له بالولوج إلى جهة، ويمنع من الدخول إلى جهة أخرى، بل هو صيغة شاملة كاملة تغطي جوانب الحياة كلّها، كما أنّ الإسلام ليس مجرد فرضية أو نظرية تقف في استعلاء على ربوة منعزلة، وتنتظر مَن يتوسل إليها بالقرابين والكلمات، ولكنّه واقع حيّ معاش، فيه عظمة العصمة الإلهية، والاستجابة الصحيحة لواقع الحياة الإنسانية بما فيها من استقامة وشذوذ، وقوّة وضعف، ومادّة وروح، وفيه أيضاً انفتاح واعٍ على تجارب البشر، ومستجدات الحياة، دون شعور بالخوف والتردد، أو عقد من نقص ومهانة.
ومن الطبيعي والمنطقي أنّ "الأدب الإسلامي" ينمو ويترعرع في ظل "القرآن الكريم" ورحابه، ينهل من فيضه، ويغتني بمنهجه وأسلوبه ونماذجه، ويستمد منه عناصر الصدق والطهارة والقوّة والدقة والأمانة، ويستشرف منه الغاية، ويغتنم الوسيلة، وفي فجر الدعوة الإسلامية، أقام الرسول (ص) للشعر منبراً في المسجد، كما قال عن شاعره حسان: "إنّه ينطق بروح القدس"، كما قال (ص) أيضاً: "إنّ من الشعر حكمة، وإنّ من البيان لسحراً".
وعلى الرغم من وجود فئات ظلت معتنقة للنصرانية أو اليهودية في إطار المجتمع المسلم إلّا أنّ هذه الفئات - مع ولائها لدينها - ظلت معتنقة لتقاليد الحضارة الإسلامية وفية لمنهجها وسلوكها، فصدرت عن هؤلاء آداب وفنون وعلوم لا تختلف كثيراً عن نتاج القرائح المسلمة الملتزمة، وهكذا طغى عليهم النصر التاريخي النادر المثال للحضارة الإسلامية، ولو لم يفعلوا ذلك لانقرضوا وما سمع بهم أحد، وهذه الظاهرة فيها أيضاً ما يدل دلالة واضحة على تسامح الإسلام وشموخه، كما أنّ فيها أنّ النصر لا يكون بالحديد والنار، وإنما بعظمة المبادىء الإلهية الخالدة التي تنحني أمام عظمتها الرؤوس.
واللغة العربية تستمد بقائها وتميزها من القرآن الكريم الذي كُتب بها، فزادها شرفاً ورفعة، وربطها بأعظم قيم الوجود وعقائده، وجعلها تمتد بين السماء والأرض أبد الآبدين، ومن ثم فإنّها اللغة الطبيعية والأساسية للأدب الإسلامي، ولكن هذا لا يعني قصر الأدب الإسلامي عليها وحدها، لأنّ تباين العالم الإسلامي واختلاف لغاته يجعل من الضروري لهذا الأدب العالمي أن يُكتب بلغات أخرى كالفارسية والأوردية والتركية، بل والإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها من لغات الدنيا، ولا غرابة في ذلك، فأدب الواقعية الاشتراكية، وكذلك الأدب الوجودي وغيره يُكتب بمختلف اللغات، وفي كلّ لغة جمالياتها وقدرتها التعبيرية المؤثرة، والواقع أنّنا نطرب لكلمات الشاعر الفيلسوف إقبال كما نطرب لأشعار ابن الفارض والبوصيري وشوقي وغيرهم، ومن المعروف أنّ لغات العالم الإسلامي قد تطعمت بالكثير من الألفاظ العربية وأساليب لغة القرآن وجمالها، واستلهمت قيمه البلاغية والفصاحية، ونهلت من مضامينه الفكرية الخالدة.
والأدب الإسلامي بداهة لا يرتبط بعصر دون عصر، إنما هو أدب كلّ العصور، لكن مفهومه الواضح المتصل بالعقيدة، يتشكّل تبعاً لأحداث التطوّر، وترادف الإبداعات المتجددة، ونحن نرى المذاهب الأدبية الغربية نفسها ترتدي أثواباً جديدة من وقت لآخر، فالكلاسيكية القديمة اتخذت عند عصر البعث الأوروبي شكل "الكلاسيكية الحديثة"، كذلك تعدّدت "الواقعية" وتطوّرت، وأصبح لها عشرات الأسماء والمفاهيم، "الرمزية" تنوّعت، بل إنّ أُدباء المذهب الواحد، في العصر الواحد، كانوا أنماطاً متمايزة ولم يتقوقعوا في قوالب محددة جامدة من صنع المذهب.
الامام الخامنئي يؤكد على ضرورة احياء الهوية الايرانية والاسلامية في نفوس الأجيال
واعتبر قائد الثورة الاسلامية لدى استقباله اليوم الثلاثاء حشدا من المعلمين بمناسبة يوم المعلم و الذكرى السنويّة لاستشهاد الشهيد مطهّري، التي تصادف يوم المعلّم في إيران، ان اللغة والانتماء الوطنيين وعلم البلاد من القضايا الاساسية والهامة، ويجب احياء الهوية الايرانية والاسلامية والشخصية الوطنية في نفوس الاطفال الايرانيين.
وقال سماحته في هذا اللقاء الذي جرى في حسينية "الامام الخميني (ره) في العاصمة طهران، ان المعلمين الايرانيين يقومون بتربية ابناء الشعب الايراني ويؤهلونهم من اجل مستقبل مشرق، مقدما الشكر لهم.
واضاف الامام الخامنئي : أبدأ كلامي موجهاً الشكر والتقدير للمعلمين الأفاضل هؤلاء الجنود المجهولون من النظام الإسلامي الذين يعملون ويجاهدون بهدوء مع كل الصعوبات والمشاكل في جميع أنحاء البلاد. وفي الواقع ، المعلم هو مهندس مستقبل البلاد بحيث يقوم بإعداد وتعليم أطفال الأمة لبناء مستقبل مشرق و واعد لغد افضل .
وتابع سماحته : من المهم تعزيز المدارس الرسمية، لا ينبغي أن يأخذ الناس صورة سلبية عن المدرسة الرسمية ويقال بأنها ضعيفة في المناهج والنظام التربوي. مما يعني عندما نتجاهل المدراس الرسمية ولا نوليها اهتماماً كافياً نكون قد نسلط الضوء على فكرة ان الاشخاص الذين ليس لديهم القدرة على تحمل الاقساط الدراسية للمدراس الخاصة يرضخون للامر الواقع ويلجؤون للتسجيل في المدراس الرسمية .
وصرح قائد الثورة : كما يرسخ هذا الامر فكرة ان الاشخاص الذين ليس لديهم قدرة مالية يجب الا يكون لهم امكانات تعليمية عالية وهذا امر غير مقبول لدينا بأي شكل من الأشكال لأنه الظلم بعينه. يجب أن يعتبر المعلم الطالب كإبن له وهناك عدة اسئلة تطرح نفسها في هذا السياق، ما هي رغباتك و امنياتك لإبنائك؟ الا تريدهم ان يكونوا سعداء؟ ألا تريدهم أن يكونوا فخورين بأنفسهم؟ ألا تريدهم أن يكونوا متعلمين وحكماء؟ ألا تريد أن يكون سلوكهم محترماً في المجتمعات وبين العائلات؟ كل هذه الامور الأهل يريدونها لأبنائهم وايضاً الاساتذة كذلك. لذلك اوجّه بعض التوصيات والتوجيهات لكم ايها الاساتذة بأن تعتبروا الطلاب كأبناء لكم بحيث تولوهم اهتماماً أثناء الدرس عبر تنمية الإيمان والخير والصفات الإنسانية فيهم بالسلوك والأفعال والتعبيرات .
وتابع: نحن نكرم ذكرى شهيدنا المحبوب آية الله مطهري الذي كان معلماً بالمعنى الحقيقي للكلمة. كل تلك الصفات التي نتوقعها في مدارسنا أو أساتذتنا الجامعيين كانت موجودة في هذا الرجل وكان الشهيد ملتزم بعمله وتركت أعماله نتائج قيمة في المجتمع وأنصح بقراءة كتبه ومحاضراته خاصة من قبل المعلمين.
ما تداعيات زيارة الرئيس الإيراني المرتقبة الى دمشق؟
ويرى باحثون سياسيون أن زيارة الرئيس الإيراني "السيد إبراهيم رئيسي" إلى سوريا يوم غد الأربعاء تحمل في طياتها رسائل عديدة إلى جهات متعددة.
ويقول الباحثون السياسيون، إن الرسالة الأولى إلى دمشق بان إيران معكم في السراء والضراء، كما وقف معكم في الحرب الإرهابية الآن كذلك تقف معكم اقتصاديا في إعادة البنية التحتية والإعمار، الرسالة الثانية، للعدو الصهيوني بان إيران لن تترك سوريا لوحدها في المواجهة وان الاعتداءات المتكررة على سوريا سوف يأتي الرد عليها، والرسالة الثالثة لمحور المقاومة بان إيران مصمة وماضية بقوة بتوجيه محور المقاومة في الاتجاه الاستراتيجي لإزالة كيان الاحتلال الإسرائيلي، والرسالية الرابعة هي دعوة موجهة للدول العربية للانضمام للجهد الإيراني في إعادة بناء البنية التحتية السورية وكذلك للتسريع في إعادة سوريا لدورها وموضعها الطبيعي في المنطقة العربية بعد تجاوزها الأزمة الطاحنة التي مرت بها في العقد الماضي.
ويشير الباحثون السياسيون، الى أن زيارة الرئيس "رئيسي" إلى دمشق ستساهم في مسار عودة مكانة سوريا في المنطقة والمحيط العربي في جميع الاتجاهات والمجالات، ملفتا الى أن عودة سوريا الى الجامعة العربية بات امرا محسوما ومسلما به ولم يعد هناك أي معارضة فعيلة لهذه العودة.
بدورهم يرى محللون سياسيون، أن زيارة الرئيس الإيراني السيد "إبراهيم رئيسي" إلى دمشق هي إعلان انتصار إيران وسوريا على كل التآمر المفروض على الدولتين.
ويقول المحللون السياسيون، إن أهمية زيارة الرئيس الإيراني "السيد إبراهيم رئيسي" إلى سوريا تكمن في التوقيت والظروف المواتية لهذه الزيارة في المنطقة.
ويضيف، أن الزيارة تأتي بعد حرب كونية شنت على سوريا وإيران كانت الداعم الأساسي في هذه الحرب لسوريا، وثانيا أن الزيارة تأتي بعد عودة العلاقات الإيرانية السعودية، وكذلك بعد سلسة زيارات لوزراء خارجية عرب إلى دمشق والحراك المتسارع لعودة سوريا إلى المحيط العربي، مشيرين الى أن الزيارة تحمل رسائل عدة للاحتلال الإسرائيلي وأميركا بعد فشل كل مؤامراتهما ضد ايران وسوريا.
ويوضح المحللون السياسيون، أن إيران وسوريا خاضتا حربا كونية وانتصرتا فيها بشكل منفصل، إيران انتصرت في الحرب "السلمية" المركبة، وسوريا انتصرت في الحرب العسكرية، مشيرا إلى أن الزيارة هي من أجل التنسيق وإظهار القوة بين الدولتين.
ويرى المحللون السياسيون أن زيارة الرئيس الإيراني الى دمشق هي رسالة تاكيد وتعزيز لخيارات سوريا، ووحدة أراضيها ودعما في كل المجالات السياسة والعسكرية والاقتصادية.
ويشير المحللون السياسيون الى أن الزيارة تقلق "اسرائيل" وأميركا لانها تثبت فشل كل محاولاتهما لابعاد ايران عن سوريا، وان ايران كما دعمت سوريا عسكريا في مواجهة الحرب الكونية ستدعم سوريا بالنهوض الاقتصادي.
على آخر يقول باحثون بالشؤون الدولية، إن الدول العربية تريد تصحيح اخطاء الماضي مع سوريا وفتح صفحة جديدة معها.
ويضيف، أن حسب الاجواء الايجابية التي تعيشها المنطقة تسعى الدول العربية الى أن تكون الاوضاع في سوريا مستقرة من أجل مواكبة الاتجاه الجديد في المنطقة وهذا ما يقلق أميركا والكيان الصهيوني.
ويرى الباحثون بالشؤون الدولية أن اجتماع عمان الخماسي بشأن سوريا سياخد المحيط العربي باتجاه عودة سوريا الى الجامعة العربية واعادة مكانها الطبيعي في المنطقة.
القرآن الكريم.. الطريق إلى تحقيق العبودية
القرآن الكريم هو خطاب الربّ إلى العبد وكلام الخالق مع المخلوق، وقد أودع فيه سبحانه وتعالى شريعته وحقائق دينه وأنزله للناس هادياً وسراجاً منيراً، وأمر نبيّه والأوصياء من بعده أن يُفسّروا آياته ويبيّنوا تعاليمه. فهو كلمة الله التامّة وإرادته الكاملة للبشرية في كلّ زمانٍ ومكانٍ.
حيث اعتُبِرت قراءة القرآن الكريم أفضل العبادات، وأُمِرنا باتّباعه، وجُعِل التمسُّك به تكليفاً أساسياً لا غنى عنه لمن يريد الهداية والابتعاد عن الضلالة. وهو كتاب الهداية الأوحد الذي يهدي إلى صراط الله المستقيم: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل/ 89).
وهذا الكتاب الشريف هو الكتاب الوحيد في السلوك إلى الله، وفي تهذيب النفوس وفي الآداب والسنن الإلهية، وهو أعظم وسيلة للربط بين الخالق والمخلوق. وهو الحبل الممدود بين الله وعباده، فمن أراد تحقُّق العبودية في وجوده فإنّ القرآن هو الوسيلة وهو الغاية في آنٍ معاً. هو الوسيلة لأنّه دلّنا إلى سبيل العبودية لله تعالى وهو مظهر هداية الله التامة؛ فإن كانت العبودية تعني التعلُّق بالمولى وإرادته ففي القرآن الكريم كلّ ما يتعلّق بمراد المولى من عبده في هذه الحياة: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل/ 89). ومن جهةٍ أخرى هو غاية لأنّه حوى جميع مراتب الكمال والغنى الذي لا حدّ له، فعن رسول الله (ص) أنّه قال: "القرآنُ غِنىً لا غِنَى دونَه ولا فَقْرَ بَعْدَه". وكلّ آيةٍ فيه تُمثّل درجةً من درجات الجنّة التي حوت كلّ كمال. فعن رسول الله (ص) قال: "إذا جاء يوم الحساب قيل لقارئ القرآن: اقرأ وارقَ. فلا يكون في الجنّة من الدرجات إلّا بعدد آيات القرآن الكريم".
عن أمير المؤمنين (ع) قال: "البيت الذي يُقرأ فيه القرآن ويُذكَر الله عزّ وجلّ فيه تَكثُر بركته وتَحضُره الملائكة وتهجره الشياطين ويُضيء لأهل السماء كما تُضيء الكواكب لأهل الأرض، وإنّ البيت الذي لا يُقرأ فيه القرآن ولا يُذكر الله عزّ وجلّ فيه تَقلّ بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين". وليس المقصود من قراءة القرآن الكريم تحريك اللسان به، بل إنّ المقصد الأساسي يكمن في مراعاة الآداب والأحكام القلبية للوصول إلى المعاني الباطنية للآيات الشريفة.
إننا عندما ندخل إلى آفاق القرآن الكريم، نجد أنّ القرآن يتحدث عن كلّ آيات الله في الكون، ليقول للإنسان: اقرأ كتاب الكون، وانطلق بعقلك لتدرس كلّ آيات الله في الكون وكلّ ما فيه من السنن والظواهر، لتطّلع على أسرارها، فتنفتح من خلال العقل على الله سبحانه وتعالى. فالقرآن الكريم يركّز على مسألة التدبر وعلى مسألة القلوب المفتوحة، ويتحدث عن كثير من الناس يقرأون القرآن ولا يتدبّرونه، لأنّ عقلهم مقفل.. (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمّد/ 24)، فبدلاً من أن يشارك القرآن بصناعة عقله، فإنّه من خلال طريقة القراءة يقفل على نفسه، لأنها هي التي تجعله يغلق عقله عن فهم آيات الله والأسرار التي يريد الله للإنسان أن ينطلق بها. ففي القرآن هدى الفكر.. وهدى القلب.. وهدى الحياة.. وفيه حديث متنوّع دائم.. يفتح عقل الإنسان وقلبه على العناصر الحيوية التي تجعل من حياة الإنسان شيئاً مهماً يؤهله لأن يكون قريباً من الله، وأن يكون الإنسان الذي يفتح الله عليه كلّ رضوانه وكلّ جنانه.
فالأُمّة اليوم في حاجة إلى معايشة هذا الكتاب معايشة تأمُّل وتدبُّر وإعتبار، كما يقول الحق سبحانه مخاطباً نبيّه (ص): (كِتابٌ أنزَلنَاهُ إليكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الألبابِ) (ص/ 29).
الإسلام دين دقيق في توازنه
رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِنَّ لَيْلَكَ وَنَهارَكَ لا يَسْتَوْعِبانِ حاجاتِكَ فَاقْسِمْهما بَيْنَ راحَتِكَ وَعَمَلِكَ".
نعمتان عظيمتان، قد تكونان مجهولتين لمعظمنا لتكرِّرهما وإلفتنا لهما، ومن يألف الشيء لا يدرك أهميته إلا إذا فقده، النعمتان هما الليل والنهار، الليل ننام فيه ونرتاح ونسكُنُ ونتخفَّف من متاعب النهار، ونعيد ترميم أبداننا وأفكارنا، ونستعيد فيه طاقاتنا، والنهار ننتشر فيه في الأرض، نسعى ونعمل، ونبني ونعمر، ونبحث ونكتشف، ونطلب رزق الله وعطاء الله.
والليل والنهار محدودان منقضيان، ما إن يبدأ أحدهما حتى ينتهي، وحاجاتنا كثيرة، خصوصاً في أيامنا هذه حيث تكثر الحاجات، وتتعدد المسؤوليات، وتزداد الواجبات، بحيث نحتاج إلى المزيد من الوقت للقيام بها وإنجازها، ولَمّا كان الوقت محدوداً وجب علينا أن نُقَسِّمه ونُنظِّمه ونلحظ فيه الأهَمَّ فنقدمه على المُهِمِّ، ونحرص على إنجاز ما يتقدم في الأولوية على سواه.
"إِنَّ لَيْلَكَ وَنَهارَكَ لا يَسْتَوْعِبانِ حاجاتِكَ فَاقْسِمْهما بَيْنَ راحَتِكَ وَعَمَلِكَ" إن الإمام أمير المؤمنين (ع) يدعونا إلى تقسيم ساعات النهار والليل، بين ساعات للراحة وهي عموماً ساعات الليل، وساعات للعمل في النهار في الأعم الأغلب لدى معظم الناس، إن هذا التقسيم يراعي حاجاتنا كلها، ولا يقدِّم واحدة على الأخرى، كما لا يهتم بواحدة على حساب الأخرى، فكما أن الحاجات التي نحصل عليها نهاراً ضرورية لنا، فيلزم أن نعمل ونكدَّ، كذلك حاجات الليل ضرورية أيضاً، سواء كانت إراحة للبدن، وهذا واجب، لأن البدن لا يقوى على العمل في النهار إن لم يأخذ القسط الكافي من النوم والراحة في الليل، أو كانت حاجات روحية معنوية عادة ما يحصل عليها المرء في الليل، كصلاة الليل والتهجُّد في الأسحار وهي من أهم أوقات الخلوة مع الله تعالى.
ونقلا عن اكنا، مما سبق يتبين أن الإسلام دين دقيق في توازنه، يوازن بين العمل والراحة، وبين الحاجات المادية والحاجات المعنوية، فلا يغلِّبُّ جانباً على جانب، كما إنه لا يُبيحُ للمُسلم أن يهمل حاجاته المختلفة، فكما يوجب عليه أن ينتشر في الأرض ساعياً وراء رزقه ومنافعه المختلفة، كذلك يوجب عليه أن يُريح بدنه، وأن يُغذِّي حاجاته النفسية والعاطفية، والفكرية والإيمانية، والروحية والمعنوية.
ونلاحظ فيما رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه دعا إلى تقسيم زمن الراحة إلى التالي، حيث قال: "عَلَى العَاقِلِ مالَمْ يَكُنْ مَغْلُوباً عَلَى عَقلِهِ أَنْ يَكونَ لَهُ سَاعَاتٌ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيْها رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَاعَةٌ يُحاسِبُ نَفسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيْما صَنَعَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيْها بَحَظِّ نَفْسِهِ مِنَ الحَلالِ، فَإِنَّ هَذِهِ السّاعَةَ عَوْنٌ لِتِلْكَ السّاعاتِ وَاستِجمامٌ لِلقُلُوبِ".
وفي حديث آخر قال (ص): "يَنبَغي لِلعاقِلِ إذا كانَ عاقِلاً، أن يَكونَ لَهُ أربَعُ ساعاتٍ مِنَ النَّهارِ: ساعَةٌ يُناجي فيها رَبَّهُ، وساعَةٌ يُحاسِبُ فيها نَفسَهُ، وساعَةٌ يَأتي أهلَ العِلمِ الَّذينَ يُبَصِّرونَهُ أمرَ دينِهِ ويَنصَحونَهُ، وساعَةٌ يُخَلّي بَينَ نَفسِهِ ولَذَّتِها مِن أمرِ الدُّنيا فيما يَحِلُّ ويَجمُلُ"
وعن الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) أنه قال: "اجتَهِدوا في أَنْ يَكونَ زَمانُكُم أربَعَ ساعاتٍ: ساعَةً لِمُناجاة اللّهِ، وساعَةً لأَمْرِ المَعاشِ، وساعَةً لِمُعاشَرَةِ الإِخوانِ والثِّقاتِ الَّذينَ يُعَرِّفونَكُم عُيوبَكُم، ويُخلِصون لَكُم فِي الباطِنِ، وساعَةً تَخلونَ فيها لِلَذّاتِكُم في غَيرِ مُحرَّمٍ".