قد ورد عن مولانا الصادق عليه السلام خبر يتضمن عمدة اسرار الحج و دقائقه، فلنذكره تيمنا بكلماته الشريفة:
قال عليه السلام : "اذا اردت الحج، فجرد قلبك لله عز و جل، من قبل عزمك، من كل شغل شاغل و حجب كل حاجب، و فوض امورك كلها الى خالقك، و توكل عليه في جميع ما يظهر من حركاتك و سكناتك، و سلم لقضائه و حكمه و قدره، و ودع الدنيا و الراحة و الخلق، و اخرج من حقوق يلزمك من جهة المخلوقين، و لا تعتمد على زادك و راحلتك و اصحابك و قوتك و شبابك و مالك، مخافة ان يصير ذلك عدوا و وبالا، فان من ادعى رضا الله، و اعتمد على شىء ما سواه، صيره عليه عدوا و وبالا، ليعلم انه ليس له قوة و لا حيلة و لا لاحد الا بعصمة الله تعالى و توفيقه، و استعد استعداد من لا يرجو الرجوع، و احسن الصحبة، و راع اوقات فرائض الله تعالى و سنن نبيه صلى الله عليه واله وسلم ، و ما يجب عليك من الادب، و الاحتمال، و الصبر، و الشكر، و الشفقة، و السخاوة، و ايثار الزاد على دوام الاوقات، ثم اغسل بماء التوبة الخالصة ذنوبك، و البس كسوة الصدق و الصفاء و الخضوع و الخشوع، و احرم من كل شيء يمنعك عن ذكر الله عز و جل و يحجبك عن طاعته، و لب بمعنى اجابة صافية خالصة زاكية لله عز و جل في دعوتك له، متمسكا بالعروة الوثقى، و طف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت.
و هرول هرولة فرا من هواك، و تبرا من جميع حولك و قوتك، و اخرج من غفلتك و زلاتك بخروجك الى منى، و لا تتضمن مالا يحل لك و لا تستحقه، و اعترف بالخطا بالعرفات، و جدد عهدك عند الله تعالى بوحدانيته، و تقرب اليه، و اتقه بمزدلفة، و اصعد بروحك الى الملا الاعلى بصعودك على الجبل، و اذبح حنجرة الهوى و الطمع عند الذبيحة، و ارم الشهوات و الخساسة و الدناءة و الافعال الذميمة عند رمى الجمرات، و احلق العيوب الظاهرة و الباطنة بحلق شعرك، و ادخل في امان الله و كنفه و ستره و كلاءته من متابعة مرادك بدخول الحرم، و زر البيت متحققا لتعظيم صاحبه و معرفته و جلاله، و استلم الحجر رضى بقسمته و خضوعا لعظمته، و ودع ما سواه بطواف الوداع، و صف روحك و سرك للقاء الله تعالى يوم تلقاه بوقوفك على الصفا، و كن ذامرة من الله بفناء اوصافك عند المروة، و استقم على شروط حجتك، و وفاء عهدك الذي عاهدت ربك، و اوجبت له الى يوم القيامة، و اعلم بان الله لم يفترض الحج، و لم يخصه من جميع الطاعات بالاضافة الى نفسه بقوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾.
و لا شرع نبيه صلى الله عليه واله وسلم سنة في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه، الا للاستعداد و الاشارة الى الموت و القبر و البعث و القيامة، و فضل بيان السبق من دخول الجنة اهلها و دخول النار اهلها، بمشاهدة مناسك الحج من اولها الى آخرها، لاولى الالباب و اولي النهى"1.
1-جامع السعادات / العلامة النراقي.