◄(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج/ 27-28).
الحج ذلك المؤتمر الإسلامي الكبير، والتظاهرة الإيمانية الرائعة التي تشترك فيها صنوف متعددة من البشر، المختلفين في الأجناس والفئات والطبقات والقوميات، على موعدٍ واحدٍ وفي أرضٍ واحدة، يُردِّدون هتافاً واحداً، ويمارسون شعاراً واحداً، ويتجهون لغايةٍ واحدةٍ، وهي الإعلان عن العبودية والولاء لله وحده، والتحرُّر من كلِّ آثار الشِّرك والجاهلية، بطريقة جماعية حركية تؤثر في النفس، وتشبع المشاعر والأحاسيس بمستوحيات الإيمان ومداليل التوحيد.
وهذا مما يدلّ على أنّ الناس سواسية أمام القانون الإسلامي.
والحج، كما صرّح القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، إلى جانب كونه عبادة وتقرُّباً لله – تعالى – ، فإنّ فيه منافع اجتماعية، وفوائد ثقافية، واقتصادية، وسياسية، وتربوية تُساهم في بناء المجتمع الإسلامي، وتزيد في وعيه، وتوجيهه، وتُساهم في حلِّ مشاكله، وتنشيط مسيرته.
ففي الحج يشهد المسلمون أروع مظاهرة المساواة، والتواضع، والإخوة الإنسانية بإلغاء الفوارق والأزياء، وخلع أسباب الظهور الاجتماعي.. فالكلُّ يشترك باللباس العبادي الموحَّد (لباس الإحرام)، ويحسُّ الجميع بوحدة النوع الإنساني.. وبالأخوّة والمساواة، كما يشعر الحجّاج بوحدة الأرض ووحدة الوطن، ويُمثِّلون عملية إسقاط الحدود التي صنعتها الأنانيات البشرية والإقليمية والقومية والعنصرية والاستعمارية، فهم يقطعون آلاف الأميال، ويخترقون كلَّ الحواجز وكلَّ الموانع التي وضعها الإنسان على أرض الله – سبحانه – الواسعة...
وفي الحج إعداد وترتيب وسلوك الفرد، ففي الحج يتعوَّد الحاج على الصبر، وتحمُّل المشاق، وحُسن الخُلق من اللطف، والتواضع، واللين، وحُسن المحادثة، والكرم، والتعاطف، والامتناع عن الكذب، والغيبة والخصومة، والتكبُّر... إلخ.
وقد تحدّث الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) عن منافع الحج وفوائده بإجابته البليغة على سؤال لأحد أصحابه حينما سأل الإمام (ع): ما العلّة التي من أجلها كَلَّف الله العباد الحج والطواف بالبيت؟ فقال (ع): "إنّ الله خلق الخلق... إلى أن قال: وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين ومصلحتهم من أمر دينهم فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب، ليتعارفوا ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمال، ولتعرف آثار رسول الله (ص) وتعرف أخباره، ويذكر ولا ينسى... إلخ".
وهكذا شاء أن يكون الحج محراباً للعبادة، وموسماً للتربية والتوجيه، ومجالاً للمنفعة، وتحقيق المصالح الاجتماعية والاقتصادية للإنسان.►