عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى تسأل عن أربعة، عمره فيمَ أفناه وعن شبابه فيمَ أبلاه"1.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "كان فيما وعظ به لقمان ابنه: يا بني واعلم أنك ستُسأل غداً إذا وقفت بين يدي الله عزّ وجلّ عن أربع: شبابك فيما أبليته؟ وعمرك فيمَ أفنيته؟ ومالك ممَّ اكتسبته؟ وفيمَ أنفقته؟"2.
المتأمل في هذا الحديث يرى أنه خصّ فترة الشباب بالسؤال عنها يوم القيامة مع أنها فترة من فترات عمر الإنسان الذي ورد في الحديث أنه سيُسأل عنها، بل لعلها من أقصر الفترات التي يعيشها الإنسان نسبةً لغيرها من باقي فترات عمره، وما ذلك إلا لأهميتها وكونها تشكّل القاعدة الصلبة لبقية مداميك المراحل الأخرى، فإن حسُنت ساهمت في إصلاح بقيّة العمر وإن فسُدت ساهمت في إفسادها، ولذلك كان السؤال عنها يوم القيامة.
وجعلها السؤال الأول قبل المال لأنّ فترة الشباب هي الفترة العمرية التي تتكوّن فيها عند الإنسان الكثير من قناعاته الفكرية والتي تؤسّس عملياً لأداء المرء في كلّ ما يرتبط بالمال، والتي هي كيف جُمع هذا المال وكيف أُنفق؟
حداثة السنّ ومقام المرء
عن نبيّ الله أيوب عليه السلام: "إنّ الله يزرع الحكمة في قلب الصغير والكبير، فإذا جعل الله العبد حكيماً في الصِّبا لم يضع منزلته عند الحكماء حداثة سنه وهم يرون عليه من نور الله وكرامته"3.
وهذا الحديث يؤكّد مقام الشابّ ومنزلته عند الحكماء والعقلاء من الناس دون سواهم الذين يستنكرون على الشابّ أن يكون متقدّماً عليهم في العبادة والتقوى والورع، ولذلك نقرأ في الرواية أن عموم الناس يرفضون الالتحاق بالإمام المهدي في آخر الزمان لكونه أكثر شباباً منهم.
فضل الشاب العابد
فضيلة القدوة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فضل الشابّ العابد الذي تعبّد في صباه على الشيخ الذي تعبّد بعدما كبرت سنّه كفضل المرسلين على سائر الناس"4.
وفضل المرسلين عل بقية الناس يتمظهر بالقدوة والأسوة، وكذلك الشابّ الذي تفرّغ لعبادة الله إنما يكون عمله حجّة على الآخرين.
محبّة الله: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنّ الله يحبّ الشابّ الذي يفني شبابه في طاعة الله"5.
وأيّ عظمة بعد هذه العظمة وأيّ مقام بعد هذا المقام؟! أي أن يكون المرء محبوباً عند الله، فإنّ الإنسان إذا أحبّ ولده أعطاه بلا حدود وأغدق عليه العطاء بلا حساب وهذا لا يمكن قياسه على الحبّ الإلهي الذي يفتح على العبد خزائن رحمة الله ويستنزل الخيرات والبركات من حيث يحتسب ولا يحتسب، فالله إذ يحبّ الشابّ المؤمن فكأنك تقول إنه بات تحت مظلّته وإن التعرّض له بأدنى شيء هو إساءة لله وتجاوز لحدود الذات المقدّسة.
وفي حديث آخر لا يعتبره محبوباً عند الله بل يعتبره أحبّ الخلائق إلى الله.
ويخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشاب التائب بمحبة الله: "ما من شيء أحبّ إلى الله من شابّ تائب، وما من شيء أبغض إلى الله تعالى من شيخ مقيم على معاصيه"6.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله يحب الشابّ التائب"7.
ولعلّ ذلك ناظر إلى أنّ الخطأ أمر طبيعي من الشابّ، إلّا أنّ مبادرته للتوبة وعدم الرجوع إلى الذنب هي بحد ذاتها منقبة كبيرة وفضيلة سامية.
مباهاة الله به للملائكة: كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أحبّ الخلائق إلى الله عزّ وجلّ شاب حدث السنّ في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقّاً"8.
فالملائكة لا شكّ عباد الله الذين لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون، ويسبّحون بحمد الله ويقدّسون له على الدوام، ومع ذلك نرى أنّ الله تعالى إنما يباهي الملائكة بالشابّ العابد معتبراً إياه هو الذي يصدق عليه حقيقة العبد وهو أكمل مصاديق العبودية لله تعالى، وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرّ ذلك بكونه أعرض عن كلّ ما تزخر به نفسه من شهوات ورغبات ولجم شبابه وجماله عن الخطيئة والمعصية وفتح قلبه لطاعة الله، فشغله ذلك عمّا سواه.
مقام الشابّ العابد يوم القيامة
1- الأمن يوم القيامة: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: الإمام العدل، وشابّ نشأ في عبادة الله.."9.
ولا شكّ أنّ المراد بظلّ الله هنا هو الأمن وعدم الخوف وعدم الحزن في يوم لن ينفع المرء تمسُّكه بشيء سوى أن يكون مشمولاً بهذه الرحمة الإلهية.
2- مضاعفة أجر الشباب: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من شابّ يدع لله الدنيا ولهوها، وأهرم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صدّيقاً"10.
وهذا الحديث يرفع الشابّ العازف عن لهو الدنيا إلى مقام الصدّيقين، وما أكثر مراتع اللهو اليوم التي تستهدف شريحة الشباب تحديداً لا سيّما في مجالات الترفيه والإعلان والإعلام والبرامج اللهوية على الشاشات الكبيرة والصغيرة وغير ذلك لإلهائها عن مسؤولياتها الدينية وتكاليفها الاجتماعية، والتي يستبدلها الشباب المؤمن بالعبادة والتقرّب إلى الله طمعاً برحمة الله وجواره وجوار أنبيائه والصديقين والصالحين من عباده.
* كتاب وتزودوا في شهر الله، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 5.
2- الكافي، ج2، ص 135.
3- ميزان الحكمة، ج2، ص 1401.
4- المصدر نفسه.
5- المصدر السابق، ص 1402.
6- ميزان الحكمة، ج2، ص 1401.
7- المصدر نفسه.
8- المصدر نفسه.
9- ميزان الحكمة، ج2، ص 1401.
10- المصدر نفسه.