شُبهات وتساؤلات حول المرأة (1)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شُبهات وتساؤلات حول المرأة (1)

الأصول العامة حول المرأة

قبل الدخول في عرض الشبهات و التساؤلات الواردة حول المرأة، لابد وأن نبدأ الحديث في الأصول العامة، والخطوط العريضة التي رسمها الإسلام في عرض نظريته تجاه المرأة بنحو عام وشامل، والتي من شأنها المساعدة في فهم الكثير من النصوص التي توهم ما لا يرضاه الإسلام، وهذه الأصول كالتالي:

 

الأصل الأول: وحدة النوع الإنساني في الرجل والمرأة

أكَّد الإسلام وحدة النوع الإنساني، وتساوي الذكر والأنثى في القيمة الإنسانية، وفي مصدر الخلقة، وأصل التكوين، فجميع المقومات الإنسانية من التعقل والتدبر والتفكير، وجميع القابليات والطاقات المودعة فيه، موجودة ومتحققة فيهما على السواء، قال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً)([1])، وقال تعالى: (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً)([2])، وواضح أن هذا الخطاب موجَّهٌ للإنسان ذكراً وأنثى، وأنّ الله سبحانه تعالى قد خلق للرجل من نفس جنسه زوجاً تتكامل به حياته، فالرجل زوج المرأة ومن ذات جنسها، والمرأة زوج الرجل ومن نفس جنسه، وهذه الحقيقة التي يسجلها القرآن الكريم تنسف كل ما يقال عن دونية المرأة في النشأة والخلقة أو النفس والروح.

 

الأصل الثاني: وحدة طريق الكمال للرجل والمرأة

لا شك أن الله سبحانه خلق الإنسان من روح وجسد مادي، والكمالات إنما تتعلق في الجانب الروحي، والروح مجردة لا تتصف بالذكورة ولا بالأنوثة، فالكمال يمكن الحصول عليه لكل إنسان، كان ذكراً أو أنثى، ولا شك في أن تعاليم الإسلام وأحكامه لأجل إيصال الإنسان إلى الكمال اللائق به، فلم تكن التكاليف لمحض أن يمتثلها الإنسان دون أن تعود مصالحها إليه في تكميله إلى المرتبة التي لأجلها خلق، وهي أن يكون خليفة الله في الأرض، ومن الواضح أن هذا الهدف لم يحجبه الإسلام عن المرأة، ولم يرسمه للرجل دونها، فكما أن الرجل - بما أعطاه الله من قدرات ومؤهلات - قادر على اجتياز الطريق لبلوغ أقصى مراتب الكمال، ويحقق الاستخلاف في الأرض، كذلك المرأة - التي أعطاها الله تعالى تلك القدرات والمؤهلات - قادرة على اجتياز طريق التكليف للوصول إلى أقصى مراتب الكمال، ومما يؤكد هذه الحقيقة أن القرآن الكريم عندما ذكر نموذجاً للإنسان المؤمن، وقدوة له في طريق وصوله، اختار هذا النموذج من بين النساء، كما اختاره من بين الرجال، قال تعالى: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ...............* وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها)([3])، فالله تعالى يذكر نموذجين من النساء، رمزاً للإنسان المؤمن عموماً، لا لخصوص المرأة المؤمنة، ويجعلهما في مقام التأسي والاقتداء لسائر بني الإنسان، رجالهم ونسائهم، وهذا يكشف عن حقيقة وصول المرأة إلى أقصى مراتب الكمال وأعلاها.

 

الأصل الثالث: العدالة الإلهية في المرأة والرجل

إن العدل الإلهي سواء أكان على مستوى التكوين أم التشريع وهو الأصل المعتمد في هذا الكون، حيث إن العالم قائم على أساسه، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَىَ)([4])، وعلى ضوء هذا الأصل يجب أن تُدرس الأبحاث المرتبطة بالمرأة، بمعنى أن عدالة الله تعالى في جميع قضايا الإنسان ذكره وأنثاه، قد تقتضي المساواة بين الرجل والمرأة في التكاليف والحقوق، وقد تقتضي التفاوت بينهما نظراً؛ لاختلاف الظروف والوجوه والاعتبارات، فهو أعرف بمصالح العباد.

 

الأصل الرابع: التفاوت بين الرجل والمرأة

إن التفاوت الطبيعي الفيزيولوجي بين الرجل والمرأة لا ينبغي تجاهله والتعامي عنه، لأنه من مقتضيات الحكمة الإلهية، والمصلحة البشرية، حيث به يكون الرجل رجلاً، والمرأة امرأة، وهذا التفاوت هو منشأ التكامل التألفي بين شطري الإنسان، وهو السبب في بقاء حياة الإنسان الاجتماعية، وعليه فكل من يرفع شعار المساواة والتشابه في كل مجالات الحياة، ولا يأخذ بعين الاعتبار هذا الاختلاف الطبيعي، فقد رفع شعاراً مزيّفاً غير واقعي ولا منطقياً ولا عملياً، ومجافياً للحكمة وقانون الحياة.

 

الأصل الخامس: البحث حول المرأة بهدف التوصل إلى حقها

يقول سماحة الإمام الخامنئي في هذا المعنی:«ينبغي أن نعرف أننا إذ نبحث عن قضايا المرأة وشؤونها، ومكانتها في المجتمع، فإنما الهدف من ذلك إيصال المرأة إلى كمالها الإنساني، وحقها الشرعي حتى يمكنها أن تنهض بدورها في المجتمع، وليس الهدف أن نضعها في قبال الرجل ليكون بينهما سباق كما يريد الغرب، فقيمة الفرد في قيامه بدوره الهادف الذي يتحقق من خلاله كماله الذي لأجله خلق، والمرأة باعتبارها أحد شقّي الإنسان يلزم تعريفها، وبيان حقها ومكانتها لتنطلق من خلال ذلك إلى تأدية هذا الدور بشكل متكامل وحيوي وصحيح في المجتمع.

وللوصول إلى هذا الهدف المقدس، ينبغي تأكيدُ النقاط التالية:

1- إيضاح نظرية الإسلام الحقوقية في الرجل والمرأة.

2- الاهتمام بالعفاف والحجاب على أنهما أساس كرامة المرأة.

3- التركيز على تربية المرأة وتعليمها، لكي تأخذ دورها في الأسرة والمجتمع». ([5])

وهناك نقاط أخرى يمكن استخراجها من طيّات بحوث هذا الكتاب، كما لا بد ألاّ نغفل عن أنَّ هذه البنود لا يتم مفعولها في المجتمع إلا بالتركيز على تصحيح القوانين التي تخص الرجل والمرأة على ما يروم الإسلام؛ وهذا يحتاج إلى بحث مستقل خارج هذا الكتاب.

 

 

الشبهة والتسائل الأول : الرؤى الاحتقارية للمرأة... ؟!

يعتقد بعض المجتمعات القديمة وبعض الفئات الحديثة منها، أنَّ المرأة عنصر حقير في المجتمع، وقد رتبوا على ذلك رؤى عديدة، تعزى جميعها إلى امتهان كرامة المرأة، منها:

1ـ أن المرأة قد خلقت لخدمت الرجل وأغراضه، و تحقق أحلامه ومتعته.

2ـ أنها عنصر الخطيئة والشر ، وأن وساوس الشيطان لآدم إنّما كانت عن طريقها.

3ـ أنها مصدر إثارة الغرائز والشهوات، وأن الميل إليها من المفاسد الأخلاقية ([6]).

هذه الرؤية التي تبناها الشرق والغرب، قديماً وحديثاً، والتي تعبّر عن عقيدة فئة، التي تنظر إلى المرأة نظرة احتقار، والتي صاغت مجمل القوانين والأعراف التقليدية المتصلة بموقع المرأة في الأسرة والمجتمع، الذي لا يسمح بتغيير العادات والتقاليد.

ولما طلعت شمس الإسلام، وعمّت أفكاره العادلة حياة البشرية، أخرج المرأة من ظلمات الجاهلية إلى نور الاعتراف بكينونتها الإنسانية المساوية للرجل في الحقوق والواجبات وشرّع لمختلف شؤونها تشريعات عادلة، أنهت تاريخ احتقارها ليبتدئ عهد جديد للمرأة، تشاهده وتستفيد منه المرأة بكامل حريتها وإرادتها المظفّرة بروح الدين الجديد وثقافته. وأبطل ما ذكروه من أسباب تدل على احتقارها، وفيما يلي بعض ردود الإسلام على النقاط السابقة:

 

1 ـ إستخدام المرأة

يلفت الإسلام إلى أن المرأة تقف إلى جانب الرجل، وأنَّ الهدف من خلقها كالهدف من خلق الرجل لا يختلفان أبداً، فلم يخلق أحدهما من أجل خدمة الآخر، وإن كان تكاملهما وتطورهما يحتاج إلى المساعي المتبادلة بينهما، فالرجل لكي يعمر الحياة يحتاج إلى مساعدة المرأة في الجوانب المختلفة من الحياة، كما أن المرأة لأجل ذلك تحتاج إلى معاضدة الرجل، فكل منهما بحاجة إلى الآخر، وكل منهما مكمل للآخر، قال تعالى: (هُنّ لِبَاسٌ لّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لّهُنّ)، وبذلك كان الإسلام المؤسس الأول لقواعد التكافل الاجتماعي، وهذا ما أكده القرآن الكريم، قال تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لّيَتّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ)([7]). فإن هذه الآية تبين كبرى من قضايا الإسلام، وهي أن الله تعالى سخّر أفراد الإنسان بعضهم لبعض، دفعاً لحركة الحياة، وإعماراً للأرض، ولولا ذلك لفسدت الأرض وخربت،  فيدخل في مضمون هذه الآية الذكر والأنثى تحقيقاً لمفهوم لم يألفه العرب من قبل وهو مفهوم الشهودية والرقابة الاجتماعية المشتركة بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

2 ـ المرأة عنصر الخطيئة والشر

إن الرؤية التي تعتبر الشر والخطيئة من ذاتيات المرأة مرفوضة في الخطوط العريضة للإسلام، لأن كل ما خلقه الله تعالى خير، والله تعالى لم يخلق شيئاً فيه شر من جميع الجهات، نعم، قد يظهر لنا أن مخلوقاً ما فيه شر، ولكن بالنظر الدقيق نرى الخير فيه محضاً، وبهذا نخلص إلى أن كل ما يخلقه الله تعالى خير، وإذا جاء شر من قبله فإنما ذلك لتغيّر الجهات والحالات، والمرأة باعتبار أنها من مخلوقات الله تعالى فهي خير، وإذا كان هناك شر في شخصيتها فقد جاء من الطقوس التربوية الخاطئة، وهذا المعنى ليس مسجلاً على المرأة فحسب، بل حتى الرجل إذا كان فيه شر فهو نتاج الأفكار المنحرفة والتربية الفاسدة، وعليه فإذا تربّت المرأة بالشكل الصحيح، و بالأخلاق الفاضلة، وقوي ارتباطها بالله تعالى وشريعته، تحقق فيها الخير كل الخير.

وأما ما قيل: من أن الشيطان إنما وسوس لآدم عن طريق حواء، وأنه خالف الأمر الإلهي بسبب إغوائها فهذا مما لم يثبت، بل ظاهر القرآن الكريم يدل على أن الإغواء كان منه لهما معاً دون أن يكون أحدهما سبباً في التأثير على الآخر، كما في قوله: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ)([8])، وقال تعالى: (فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ)([9])، وقال: (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)([10])، وبعد وقوع المخالفة كان عتاب الله لهما بدرجة واحدة، قال تعالى: (أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ)([11])، وأما الروايات التي يظهر منها أن إبليس أغوى آدم عن طريق حواء فليست مقبولة عندنا، أو غير واضحة الدلالة على ذلك.

ومما يكشف عن أن المرأة عنصر خير في المجتمع ما جاء عن الإمام جعفر الصادق(ع) قوله: «أكثر الخير في النساء»([12])، وقد عبّر نبي الرحمة (ص)  عن حبّه للمرأة بقوله (ص) : «حبِّّب إليَّّ من دنياكم ثلاث، الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة»([13])، ومن الواضح أن النبي لا يحب إلاّ ما فيه الخير والصلاح، فلو كانت المرأة شراً لما عبّر النبي عن حبه لها، وستأتي تتمة الحديث عن ذلك في شبهة توصيف المرأة بالشَّر.

 

3 ـ المرأة مصدر الغرائز والشهوات

هناك من اعتبر أن المرأة مصدرٌ لإثارة الغرائز والشهوات، وأن الميل إليها من المفاسد الأخلاقية العظمى، فلابد من ترويض النفس على اجتنابها واللجوء إلى العزوبة، ويقول بعضٌ: إن أساس فكرة ترك الزواج للرهبان، إنما هو لعدم اقترانهم بالمرأة المموهة بالشرور، ولكنهم سمحوا للأفراد بالزواج، وذلك دفعاً لأقل المفسدتين؛ لأن الفرد العادي عندهم لا يصل إلى درجة الجهاد النفسي، ولا يستطيع كبت نفسه، فلذا دفعاً لأحد الشرين، وهو احتمال اقتران الرجل بعدة نساء غير شرعيات، أجازوا له الزواج من امرأة واحدة.

وهذه الفكرة كانت سائدة في بعض المجتمعات من العصور السابقة كعصر نبي الله عيسى، وزكريا، ويحيى عليهم السلام ، فكان الانصراف عن الزواج من الأمور المستحسنة في مجتمعهم، أو أن الزواج بأكثر من امرأة من الأمور المستقبحة، ولم يكن يجرؤ الأنبياء يومئذٍ على نبذ هذه الفكرة، لعدم استفحالهم بالدعوة.

وقد ردَّ الإسلام هذه الفكرة وحاربها بشدة، واعتبر ذلك شذوذاً عن صراط الخلقة، بل اعتبر العلاقة الزوجية من جملة النعم المفاضة على الإنسان، ومن آيات عظمة الخالق، قال تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً...)([14])، وقد جعل النبي (ص) الزواج من سننه، فقال (ص): «النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني»([15])، بل واعتبر تصاعد قيمة العمل وازدياد ثوابه، وتعاظم أثره التكاملي على الإنسان وليد هذه العلاقة المقدسة، فقال(ص): «المتزوج النائم أفضل عند الله من الصائم القائم العزب»([16])، وفي بعضها: «ركعتان يصليهما المتزوج خير من سبعين ركعة يصليهما الأعزب»([17])، وعليه فلو كان عنصر المرأة محلاً لسوء الظن لما أكد الإسلام هذا التأكيد البليغ على الارتباط بها، بل هناك من الروايات ما يدلّ على أن الرجل كلما ازداد خيراً ازداد حباً في النساء، كما ورد عن النبي(ص)  حيث قال: «ما أظن رجلاً يزداد في الإيمان خيراً إلاّّ ازداد حباً للنساء»([18]).

 

الهوامش:

[1] ـ النساء: 1.

[2] ـ النحل: 72.

[3] ـ التحريم: 11-12.

[4] ـ النحل: 90.

[5] ـ مكانة المرأة في الإسلام: الإمام الخامنئي، ط.جمعية المعارف الإسلامية.

[6]ـ هذه الرؤى - وللأسف – بقيت إلى أيامنا هذه، فقد كتب الكثير من الغربيين هذه النظرة الدونية، وسطروها في كتبهم ومجلاتهم، كالكاتب الفرنسي بيريان، و(فرجيل)، والكاتبة الأميركية (كيركمغارو)، والبريطانية (ماي مونتاغيو)، وغيرهم الكثير، راجع مجلة بناة الأجيال: السنة الثانية / العدد الثامن.

[7] ـ الزخرف: 32.

[8] ـ الأعراف: 20.

[9] ـ الأعراف: 22.

[10] ـ الأعراف: 21.

[11] ـ الأعراف: 22.

[12] ـ وسائل الشيعة، 14: 10.

[13] ـ أصول الكافي، 2: 159.

[14] ـ الروم: 21.

[15] ـ بحار الأنوار 103: 221.

[16] ـ وسائل الشيعة 5: 328.

[17] ـ بحار الأنوار 82: 211.

[18] ـ أصول الكافي 2: 159.

قراءة 3114 مرة