الشبهة والتسائل الثاني:مكانة المرأة في الشريعة الإسلامية
شنَّ بعض الأقلام حملات على الفكر الإسلامي لتضليل الناس بأن الدين الإسلامي لم يجعل للمرأة مكانةً مرموقة، ولا اعتبرها عضواً مهمّاً في المجتمع، وعلى ضوء هذه الدعايات انطبع في أذهان الكثيرين أن المرأة لا يمكنها الوصول إلى مكانتها الإنسانية إلاّ بالتخلي عن الإسلام، وعن إطاره التشريعي!!.
يجدر بنا أن نلمّ إلمامة سريعة بتاريخ المرأة قبل الإسلام، ثم نبين ما أعطاها الإسلام من حقوق ومكانة في المجتمع،و من خلال هذا العرض نحصل علی جواب الشبهة.
المرأة في عصور ما قبل الإسلام
كانت المرأة قبل الإسلام مضطهدة بأنواع الاضطهاد، فلم تعترف الحضارات القديمة في اليونان ومصر وروما، وإيران بإنسانيتها، إلا بعد ظهور الأديان السماوية، وعلى الرغم من تأكيد هذه الأديان أن المرأة إنسان كالرجل، إلاّ أنها ظلت محرومة من شخصيتها الحقوقية الفردية والاجتماعية، بل كانت على الدوام خاضعة لإرادة الرجل ورغباته([1]).
ففي اليونان القديم كانت تُعدّ ضمن البضائع والسلع التجارية التي تُباع وتشترى في الأسواق، ولا تحق لها الحياة بعد وفاة زوجها. ولم يكن الحال في روما بأحسن مما كانت عليه في اليونان، فقد كان للأب الحق في بيع بناته، بل والقضاء عليهن، وكان ينتقل هذا الحق إلى الزوج بعد دخولها في حبالته، حيث كان يعتبر مالكاً لها بقانون انتقال الملكية إليه. والأسوأ من ذلك ما كانت عليه الهند، حيث كانت المرأة تحرق مع جثمان زوجها؛ كي تتخلص روح الزوج من العزلة والانفراد.([2])
ولم يكن حال المرأة في الجزيرة العربية بأحسن مما كانت عليه في غيرها، فقد شاع في أوساط العرب قانون وأد البنات لأسباب تافهة، كالخوف من وقوعهن بأيدي الأعداء فينجبن لهم من يقاتلونهم بهم، والخوف من الفقر والحاجة، أو من العار، ولو نجا وأفلت بعضهن من هذا القانون الغاشم لواجهت في حياتها احتقار الرجل، وسلبه لوجودها وحقوقها، بل يعتبرها من سائر ما يمتلكه، وتنقل إلى وارثه بعد وفاته، بل كانت في بعض الأوساط ترغم على البغاء لكسب المال.
هذا قليل من كثير مما كانت تتلقاه المرأة في عصور ما قبل الإسلام، وعند الحضارات المختلفة.
مكانة المرأة في الإسلام
جاء الإسلام وألغى كل هذه القوانين والعادات الجاهلية، معلناً الدفاع عن إنسانية المرأة، وحقها الطبيعي في مختلف مجالات الحياة وشؤونها، وطلع فجره بعد هذا الضيم والاضطهاد لتحريرها من هذه القيود الهمجية الوحشية، بدءاً بجزيرة العرب، ومروراً بالعالم أجمع، فغدا الإسلام العظيم المحرر للمرأة من هذا الظلم والاضطهاد.
جاء الإسلام ليقرر أن المرأة والرجل من جنس واحد، وأن أحدهما مكمل للآخر، وأن مصدر خلقتهما واحد، قال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً)([3]).
وبينما كان بعض الحضارات يرى أن المرأة لا يحق لها أن تتعبد، ويحرّم عليها قراءة الكتب المقدسة، أعلن الإسلام أن المرأة كالرجل تماماً لها كلّ الحق في أن تتدين بالدين، ولها ثوابها كما للرجل ثوابه، قال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْ خلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً)([4]) وقال تعالى: (يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)([5]).
وبينما كان الكثير من الرجال يتزوج الثريات اللاتي لا جمال لهن ولا شباب، لا لشيء سوى إرث أموالهن، والسطو على ممتلكاتهن، أعلن الإسلام رفضه لذلك، فقال تعالى: (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثوا النِّساءَ كَرْهاً)([6]).
وفي عصر كان بعض العرب يعذبون النساء كي يتنازلن عن صداقهن ومهورهن في سبيل تحرير أنفسهن، منع الإسلام ذلك وحرمه، فقد قال تعالى: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)([7]).
وفي الوقت الذي كان الرجل الذي يريد استبدال زوجته فيقذفها بالفحشاء كي تتنازل عن صداقها، وتخلّص نفسها من تشويه سمعتها السيئة، أعلن الإسلام أن هذا بهتان وإثم عظيم، فقال تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)([8]).
وفي زمان كانت المرأة تباع وتشترى كالبضائع، أو يدفع صداقها إلى وليّها ليتحقق امتلاكها، ألغى الإسلام هذا التصرّف المهين، مؤكداً أن الصداق ملكها، ولا يحق لأحد امتلاكه، وأنه رمز محبة الزوج وتقديره وإخلاصه وصدقه تجاه زوجته، وليس عوضاً عن تملّكها، ولذا عبّر عنه القرآن بالنحلة، قال تعالى: (وَآتوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً)([9])، وهو العطاء عن طيب نفس، كما تقدم الهدية ويُهدى العسل.
وفي الأجواء التي كانت المرأة مقهورة تحت إرادة زوجها، ومسلوبة الهوية والتعبير عن رأيها، جاء الإسلام ليعلن أن لها الحق في التعبير عن رأيها وإرادتها وأنه لا يحق للرجل إلا معاشرتها بالمعروف، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنّ فَعَسَىَ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)([10]).
وفي حين كانت الشعوب لا تعترف بملكية المرأة، أقرَّ الإسلام استقلالها الاقتصادي، وجعلها مالكة لكل ما تكتسبه، قال تعالى: (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)([11])، علماً بأن النساء في بريطانيا حتى عام 1850م، وفي ألمانيا حتى عام 1900م، وفي إيطاليا حتى عام 1919م لم يكن لهن حق في التملك([12]).
وقد كانت الشعوب عموماً تحظر على المرأة المشاركة في النشاط الاجتماعي، فلما جاء الإسلام أكد تمام أهليتها في ممارسة هذا الحق مع الرجال جنباً إلى جنب، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)([13]) وقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)([14])، بمعنى أنه لهن حق في الاشتراك في القضايا الاجتماعية بقدر ما لهُنَّ من المسؤولية في المجتمع.
ولم يكن للمرأة الحق في التعبير عن رأيها في الشؤون السياسية، في حين أعلن الإسلام حقها في إبداء رأيها، وحقها في الانتخاب والتصويت والمبايعة، فقد قبل رسول الله (ص) بيعة النساء بأمر من الله تعالى، حيث قال: (يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىَ أَن لاّ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنّ وَأَرْجُلِهِنّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنّ اللهَ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ)([15]).
وأمام الأفكار الغاشمة التي تعتقدها الشعوب، ومنها أن المرأة مخلوقة لخدمة الرجل فقد رفضها الإسلام مؤكداً نظرية التعاون على البر والتقوى، أكد الإسلام خدمة كل من الرجل والمرأة للآخر، وأن كمال الخلقة في بذل التعاون المتبادل بينهما، قال تعالى: (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ)([16]).
وقد وقف الإسلام في وجه كل دعايات الاحتقار، وقوانين سلب المرأة مكانتها بلزوم تقديرها والتعامل معها بالمعروف، قال تعالى: (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)([17])، وقال رسول الله(ص): «خيركم خيركم لنسائكم وبناتكم»([18]).
وقال(ص):: (ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم)([19])، وقد كانت المرأة من جملة وصاياه(ص): ، فقد أكد فيها احترامها ومكانتها في الإسلام، حيث خطب(ص): في المسلمين في حجة الوداع، فقال: (أما بعد، أيها الناس.. فإن لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان، وإنكم إنّما أخذتموهن بأمانة الله)([20]).
ويكفي دليلاً على ما أولاه الإسلام العظيم لبيان مكانتها سيرة نبينا محمد(ص): معها، فلقد كان يتعامل مع زوجاته وبناته، ونساء المسلمين باحترام فائق وتقدير عظيم، حتى قالت عائشة: «كان رسول الله (ص): فينا كأحدنا»، ولم تصدر إهانة ولا تحقير منه لهن على شيء فعلنه، بل كان يرشد ويعظ بكلمات ملؤها التقدير والتكريم.
وبعد هذه الجولة في تاريخ المرأة المرير، وبيان مكانتها في الإسلام، تبين للجميع جواب الشبهة التي تقرر أن الإسلام حجب المكانة عن المرأة، وسلب القيمة عن شخصها، حيث ظهر جلياً أن الإسلام هو الذي أوصلها إلى مكانتها، وهو الذي منحها القيمة والاحترام والتقدير، كما منح لكل شيء قيمته واعتباره، وهو الذي خلّصها من القوانين والأنظمة والعادات التي تحطُّ من قدرها، وتسلبها حتى حقوقها العامّة والخاصّة.
الهوامش
[1] ـ حقوق المرأة في الإسلام وأوروبا: 27.
[2] ـ روح الدين الإسلامي: 345.
[3] ـ النساء: 1.
[4] ـ النساء: 124.
[5] ـ الحجرات: 13.
[6] ـ النساء: 19.
[7] ـ النساء: 19.
[8] ـ النساء: 20.
[9] ـ النساء: 4.
[10] ـ النساء: 19.
[11] ـ النساء: 32.
[12] ـ روح الدين الإسلامي: 345.
[13] ـ التوبة: 71.
[14] ـ البقرة: 228.
[15] ـ الممتحنة: 12.
[16] ـ البقرة: 187.
[17] ـ النساء: 19.
[18] ـ مستدرك الوسائل 14: 255.
[19] ـ وسائل الشيعة 14: 13.
[20] ـ سيرة ابن هشام: 251.