وردت في المصادر الإسلامية نصوص تنهى عن مشورة النساء وإطاعتهن، فقد جاء عن النبي (ع) قوله: «شاوروهنّ وخالفوهن»([1])، وعنه (ع): «من أطاع النساء فقد هلك»([2]).
فهل يمنع الإسلام فعلاً من مشاورة المرأة وإطاعتها؟!.
* * * * *
مشاورة النساء
قبل الإجابة عن هذه الشبهة، ينبغي أن نتعرف إلى نظرية الإسلام في الاستشارة، فنقول: المشاورة هي طلب الرأي من الآخرين في حل مشكلة عند المستشير، وقد دعا إليها الإسلام كثيراً، قال تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ» ([3])، وقال تعالى: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ» ([4]).
وقال رسول الله (ص): «لن يهلك امرؤ عن مشورة»([5])، وعن أمير المؤمنين (ع): «لا يستغني العاقل عن المشاورة»([6]).
إلى غير ذلك مما ورد في الحثّ على المشاورة وتحبيبها؛ لكي يسود هذا الأدب الإسلامي الرفيع آراء الناس وقراراتهم، فلا يستبد المرء بفكره، ولا يقنع بنتاج إدراكه دونما مراجعة الآخرين.
والملاحظ في هذه النصوص التي بلغت من الكثرة ما يمكن دعوى تواترهاR، أنها لم تخصص المشاورة بالرجال دون النساء، ودلالة الآيتين على إطلاق حكم المشاورة الشامل للرجل والمرأة واضح، وكذلك إطلاق الروايات.
نعم، وردت في السنة الشريفة أوصاف للمستشار، كالعاقل والخاشع والخائف ربه والرشيد، وذوي العلم والتجارب، ولم يرد ولا في حديث واحد الأمر بتخصيص الاستشارة بالرجال.
علاوةً على ذلك، فإن سيرة النبي (ص) تكشف بوضوح عن أنه لا مانع من مشاورة المرأة وإطاعتها من حيث إنها امرأة، ففي صلح الحديبية نرى أنه (ص) أخذ بقول المرأة وذلك حين دخل (ع) خيمة أم سلمة، وكان غاضباً غضباً شديداً، فنهضت إليه وقالت:
يا رسول الله، ما بك؟
فقال (ص):« أمر عجيب!! لقد أمرت الناس مراراً أن ينحروا قرابينهم، ويقصُّّوا شعورهم، ويحلوا أحرامهم، فلم يستجب لأمري أحد، ولم يطيعوني، مع أنهم سمعوا قولي وهم ينظرون إليّ ».
فقالت أم سلمة:« يا رسول الله، قم وانحر قربانك، وسيتبعك الناس حتماً.»
فتناول النبي (ص) السكين وساق الهدي وذبحه، وحين رأى الناس ما فعله (ص) أقبلوا على هديهم ونحروها([7]).
وبعد هذا كله، يمكننا أن نطمئن بأن الإسلام يدعو إلى الاستشارة، ولا يحصرها بالرجال دون النساء، أما تلك الروايات التي تنهى عن مشاورة المرأة، فلا بد فيها من ملاحظة الأمور التالية:
أولاً: أن معظم هذه الأخبار - إن لم يكن جميعها - لا يمكن الركون إليها لعدم نهوضها وارتقائها إلى مستوى الدليل، لجهالة بعض رواتها أو ضعفهم، ويلاحظ ذلك كل من بحث عن حال رواتها في علم الرجال.
ثانياً: على فرض صدورها، فمن الغريب جداً إرادة ترك مشاورة المرأة التي تعرف بالكياسة والحزم والعقل، والذي يؤكد ذلك ما جاء عن الإمام الصادق (ع) : «إياك ومشاورة النساء إلا من جرّبت بكمال العقل»([8]).
وهذا شيء طبيعي، إذ الإسلام منع من مشاورة الأحمق والبخيل والجبان والكذّاب، سواء أكانت هذه صفات للرجال أم للنساء، وعلى هذا فجميع النصوص التي تمنع من مشاورة المرأة يجب أن تقيد بما ذكره الإمام الصادق (ع) ، لا أن المراد منها ترك مشورة المرأة بعنوان أنها امرأة، بل يختص المنع لأجل عدم تجربة لها، وهذا كما قد يكون في المرأة يمكن وجوده في الرجل أيضاً، وإنما خصت المرأة بالذكر؛ لغالبية عدم التجربة عندها.
ثالثاً: أن الاستشارة إنما هي طلب الرأي للوصول إلى الصواب، وللوصول إلى ذلك لابد وأن يطلق جانب العقل والتعقل بعيداً عن الانفعالات العاطفية، والمرأة غالباً لا تستطيع أن تتخلص من العاطفة في تفكيرها، فكل ما تراه مشوبٌ بالعاطفة، وبالتالي فلا يمكنها في الأعم الأغلب أن تعطي رؤية واقعية تعقلية محضة فيما تستشار به، في حين ـ وكما قلنا ـ إن المستشير غالباً يطلب نصح المشير لحل مشكلته. وبما أن نظرة المرأة غالباً تشوبها العاطفة، فهي عندما تعطي المشورة لا تنظر إلى أكثر من الواقع القريب الذي تعيش فيه، بينما الرجل فبفضل ما أتاه الله من نظر ثاقب وبما اكتسبه من تجارب في الحياة، فإن مشورته في الغالب تكون أقرب إلى الصواب؛ لأنه ينظر إلى عواقب الأمور بمنظار بعيد.
رابعاً: هناك بعض الموارد التي أثبت الإسلام حق المرأة في استشارتها، كما في مسألة زواجها، فلا يجوز لأحد أن يستقل في أمر زواجها دون أن يستشيرها لتقرر بنفسها.
عدم إطاعة المرأة
وأما بشأن عدم إطاعة المرأة، فالنهي الوارد إنما هو في الأمور التي تخالف الشريعة المقدسة والعقل السليم، التي يكون منشؤها غالباً العواطف والإحساسات والتعلقات، والتي تمنع من اتخاذ تصميم وقرار سليم صائب. ومما يكشف عن إرادة ذلك ما ورد عن رسول الله(ص)«من أطاع امرأته أكبه الله على وجهه في النار، قيل: يا رسول الله، وما تلك الطاعة؟ قال: تطلب منه الذهاب إلى الحمامات والعرسات والعيدان والنيّاحات والثياب الرقاق فيجيبها»([9])، وقد ورد عن الإمام علي (ع) مثله، وعلى ضوء هذا النص يفسر كل ما ورد فيه النهي بشكل مطلق عن طاعة المرأة.
وأما ما ورد في كلام الإمام علي(ع) في عدم إطاعة المرأة حتى في المعروف في قوله: «ولا تطيعوهنَّ في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر»([10]) فإنه خارج عن نطاق المعروف الشرعي الواجب امتثاله قطعاً، فالمراد من الحديث - ولو صح أنه من كلام أمير المؤمنين(ع) هو المعروف الجائز والراجح الرائج في المجتمع، ويمكن أن نعبر عنه بالمعروف العرفي، فلا بأس بإطاعة الرجل للمرأة فيه، ولكن لا ينبغي للرجل أن يكثر من الإطاعة للمرأة في هذا النوع حتى لا تستغل كثرة هذه الإطاعة من الرجل فتطمح بإطاعة الرجل لها في جميع متطلباتها، ولو اقتضى ذلك ارتكاب المنكر فهو في الواقع منع وقائي وهو من صلاحيات الرجل ولوازم قيمومته على الزوجة؛ وذلك لمصلحة الحياة الزوجية والأسرة والمجتمع، وسيأتي البحث عن معنى قيمومة الرجل على المرأة وفلسفتها في الأبحاث القادمة إن شاء الله.
[1] ـ بحار الأنوار 77: 167.
[2] ـ بحار الأنوار 77: 167.
[3] ـ الشورى: 38.
[4] ـ آل عمران: 159.
[5] ـ المحاسن 2: 436.
[6] ـ غرر الحكم 441.
[7] ـ أعلام النساء: حياة أم سلمة، الكامل في التاريخ 2: 139 .
[8] ـ بحار الأنوار 103: 253.
[9]ـ من لا يحضره الفقيه 1: 115.
[10] ـ بحار الأنوار 32: 247.