وصفت بعض النصوص الإسلامية المرأة بأنها ناقصة الإيمان، منها: قول ينسب لأمير المؤمنين(ع) وهو: Sمَعاشِرَ النَّاسِ، إنَّ النِّساءَ نَواقِصُ الإِيمانِ ، ... ([1])»، وقد عُلّل نقصان إيمان المرأة في النصوص بقعودها عن الصلاة والصيام أيام حيضها، وهذا يدل على أن إيمان المرأة لا يرقى إلى مستوى إيمان الرجل. وفيما يلي توضيح لمعنى نقصان الإيمان:
* * * * *
قبل الخوض في بيان الجواب عن هذه الشبهة، لا بد من معرفة معنى الإيمان الذي وصفت المرأة بنقصانه عندها، فإن في معناه احتمالات نكتفي بذكر بعضها:
الاحتمال الأول: أن يكون المراد به الروابط المعنوية والعلاقة العبودية بين الإنسان وربه، فإن الرجل في الحالات الطبيعية لا تعتريه حالات تقطع فيها روابط القرب مع ربه، أما المرأة ففي أيام عذرها وحيث إنها لا تتمكن من ممارسة العبادة التي يشترط فيها الطهر، فتكون قد انقطعت روابطها مع ربها، ومن هنا وصفت بالنقص في الإيمان، ولكن هذا غير مطّرد في جميع النساء؛ فالحامل ـ في الغالب أو الدائم ـ لا تحرم من هذا الإيمان، وكذا اليائسة؛ إذ لا يقعدان عن الصلاة والصيام، وكذا يمكن جبره بما جاء عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من استحباب جلوس الحائض في مصلاها، وذكر الله تعالى والدعاء في مدة صلاتها، وأما بالنسبة للصيام فجبرانه بقضائه.
ويمكننا القول بأن وشائج الروابط بين العبد وربه لا تقتصر على العبادات التي يشترط فيها الطهر، بل ما أكثر الروابط التي تربط العبد بربه! كالدعاء وقراءة القرآن عدا ما استثني، والتفكر في الخلق وغير ذلك، وهذا يعني أنه لا انقطاع في علائق القرب والعبودية بين المرأة وربها، وعليه فلا يحتمل أن يكون المراد بالنقص في إيمانها، انقطاع روابط العبودية في فترة العذر؛ هذا أولاً.
وثانياً: إن المرأة تكلّف بالتكاليف الإلهية قبل الرجل بست سنوات([2]) تقريباً، وهذا في الحقيقة يُعدّ شرفاً لها، وذلك لأن بلوغها سن التكليف يعني أهليتها وصلاحيّتها للحضور بين يدي الله تعالى، وقبول التکليف الإلهي .
وثالثاً: لقد ضرب الله تعالى مثلاً للمؤمنين من الرجال امرأة فرعون، فقال: «وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ» ([3])، وواضح أن التمثيل في مثل هذه الموارد لأجل الاقتداء، والتأسي بها؛ لما بلغته من عمق الإيمان والارتباط، الذي تجاهلت معه كل ما كان حولها من عز وسخاء وملك، فلو كان إيمانها ناقصاً لما صح التمثيل بها للرجال، الذين هم بحسب الفرض الأكمل إيماناً، لأنه يرجع إلى التمثيل بالداني للعالي، وأمر العالي بالتأسي للدّاني كما ترى!
الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من نقصان الإيمان نقصان التكليف عموماً، إذ لو جمعنا تكاليف الرجال وتكاليف النساء، فموارد تكاليف الرجال أكثر، إذ هناك موارد لا تكلّف المرأة بها ويكلّف الرجل، كصلاة الجمعة والجهاد والنفقة على العيال وغير ذلك، وقد أوضح الإمام الباقر (ع) هذه الحقيقة بقوله: «ليس على النساء أذان ولا إقامة، ولا جمعة ولا جماعة ولا عيادة مريض، ولا اتباع جنائز، ولا إجهار بالتلبية، ولا الهرولة بين الصفا والمروة، ولا استلام الحجر الأسود، ولا دخول الكعبة، ولا الحلق، وإنما يقصّرن من شعورهن»([4]).
وهذا لا يمكن أن ينكره أحد إلا أنه لا يعني انتقاصها به كما هو واضح، ومن هنا فتكون الرواية وغيرها مما جرى مجراها ناظرة إلى قلة تكاليف المرأة، رعايةً بحالها، وعطفاً على عنصرها؛ حيث يقول تعالى: «لاَ يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا» ([5])، وهذا هو عين العدل والعدالة في التشريع والتكليف الإلهي بين الرجل والمرأة.
[1] ـ نهج البلاغة: الخطبة79 ص72 .
[2] ـ هذا إذا كان بلوغ الرجل في سن (15) من عمره، ويحتمل أن يبلغ قبل هذا بقليل أو بكثير.
[3] ـ التحريم: 11.
[4] ـ الخصال 2: 585.
[5] ـ البقرة: 286.