وردت في بعض المصادر أقوال من المعصومين (عليهم السلام) تصف المرأة بنقصان العقل؛ ومنها: قول ينسب لأمير المؤمنين(ع) وهو: «مَعاشِرَ النَّاسِ، إنَّ النِّساءَ نَواقِصُ الإِيمانِ، نَواقِصُ الحُظُوظِ، نَواقِصُ العقول،... ([1])»، وفيما يلي توضيح لمعنى النقصان في العقل:
* * * * *
معنى العقل وأقسامه
قبل أن نتطرق إلى بيان معنى النص وما هو المراد منه، لابد وأن نتعرّف إلى معنى العقل وأنواعه، فنقول: العقل في اللغة؛ هو العقد والإمساك، وهو عبارة عن القوة التي يميّز بها الإنسان بين الخير والشر، والحق والباطل.
ويقسم إلى قسمين: عقل الطبع، وعقل التجربة، يقول أمير المؤمنين (ع): «العقل عقلان عقل الطبع وعقل التجربة، وكلاهما يؤدّي المنفعة»([2])، ويقصد من عقل الطبع؛ الإدراك السليم للأشياء والقضايا، وحسن التقدير وتدبير الأمور، وأما عقل التجربة؛ فيراد به العلوم والمعارف المستحصلة من التجارب العملية التي يمارسها الإنسان على أرض الواقع، أو التي تمرّ به في حياته، ومن الواضح أن كمال العقل اجتماع قسميه عند الإنسان.
ومن خلال هذا الطرح، يمكن فهم ما معنى نقصان عقل المرأة، الوارد في تلك النصوص؛ إذ من الممكن أن يكون المقصود من نقصان عقل المرأة نقص الإدراك السليم للأشياء والقضايا، وحسن التقدير والتدبير، وممكن أن يكون المقصود من نقصان العقل هو القسم الثاني من معنى العقل، أعني أن العقل الحاصل من التجارب الحياتية التي يمر بها الإنسان، و تمرّ بها المرأة أقل من الرجال، ذلك لأن الرجل من خلال تعايشه مع واقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قد اكتسب تجربة، وقطع فيها أشواطاً ومسافات ساحقة بسبب تصديه لهذه الشؤون والأغراض، وأما المرأة فبحكم بُعدها الطبيعي عن هذه المجالات، ـ إذ قلّما نجد امرأة تخوض غمار الحياة بشؤونها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ـ لا تكتسب تجربة كبيرة تقوّي بها مدارك العقل الناتج عن التجربة، ولذلك توصف بالنقصان، وهذا المعنى لا يقتصر على النساء، إذ هناك الكثير من الرجال ممن لا خبرة لهم في شؤون الحياة، ولا خاض تجاربها يتصف بنقصان العقل، وإنما وصفت المرأة بهذا النقص لغلبته فيها دونه.
نقصان الذَّاكرة والتجربة
لعل المراد من نقصان العقل هو نقصان الذَّاكرة؛ ولذلك عُلّل النقص في النص بأن شهادة اثنتين من النساء تعدل شهادة رجل واحد، كما جاء به القرآن الكريم، حيث قال تعالى: «فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الأُخْرى» ([3])، إذ الضلال في هذه الآية كما يأتي بمعنى النسيان، يأتي بمعنى الضياع والتيه، وبناء على المعنى الثاني يكون معنى الآية؛ لو ضيّعت المرأة ما رأته بسبب توالي الآراء عليها، وتعدد التوجيهات لديها فتحتاج إلى من يذكّرها، ويشد على يدها فيما رأته، أو تحققت منه لتشهد عليه، وسبب هذا الضياع والتيه عدم امتلاك التجارب الكافية في الحياة؛ لتستطيع من خلالها استيعاب الأمور المحيطة بها بدقتها وواقعيتها.
وما يقرّب ذلك، أن هذا البيان أفرغه الإمام علي بن أبي طالب(ع) بعد واقعة الجمل المرّة، والتي قاد غمار الحرب فيها امرأة، فكأنه أراد أن يبين أنه لا ينبغي للرجال الاقتداء في القضايا المصيرية كالحروب مثلاً بالمرأة؛ لأن الحروب تحتاج إلى عقل تجربة، وهذا ما تفتقده النساء.
تأثير العاطفة على العقل
ويمكننا أن نفهم النقص بمعنى آخر، وذلك بأن يقال: إن مقصوده(ع) من هذا التعبير تأثير الجانب العاطفي على النساء في غالب الحالات، وتأثير نمط حياتهن واستغراقهن في شؤون البيت والأسرة في معظم الحالات، فالمرأة أكثر عاطفة وإحساساً من الرجل، والعاطفة إذا كانت على هذا المستوى فهي تضعف قوة التعقل عند الإنسان، وتمنع من إرساء حكمه، بدون فرق بين الرجل والمرأة، وكلما ازدادت العاطفة قلّ دور العقل وتأثيره على الإنسان، ومن هنا اتصفت بالنقصان في عقلها، فالنقص على هذا التفسير ليس ناظراً إلى الجانب التركيبي للعقل، والجهاز الإدراكي فيها، ولكنه ناظر إلى جهة تسلط العاطفة عليه وتخيمها على دوره.
وسواء فسرنا النقصان بمعنى نقصان الذاكرة والتجربة أو تأثير العاطفة على العقل، لا يعتبر ذلك في واقع المرأة وذاتها انتقاصاً أو امتهاناً، ولا يجعل المرأة من الدرجة الثانية في إنسانيتها، ذلك لأن هذه العاطفة المتهيجة، والأحاسيس الجيّاشة هي ما يحتاجه المجتمع في المرأة، فإن حمل الجنين في أحشائها، وإرضاعه وتربيته، يحتاج في أدواره البدائية إلى العاطفة المطلقة، والأحاسيس المرهفة، ولولا أن الله تبارك وتعالى وهبها هذه العاطفة لما حملت امرأة جنيناً، ولما ربّت والدة وليدها، فتكامل الحياة وتطورها، واستمرار وجود الإنسان، وتنظيم سلوكه، واعتدال نفسيته يحتاج إلى عاطفة المرأة، كما يحتاج إلى عقل الرجل، وكذلك الرجل فهو يحتاج إلى من يحنّ عليه ويعطف على حاله ويداريه، فكان بحاجة إلى المرأة، وفي نفس الوقت فإن المرأة التي تحمل هذه العاطفة العالية بحاجة إلى عقل الرجل وتدبيره، ومن هنا، كان الرجل والمرأة، كل منهما بحاجة إلى الآخر، لأن كمال عاطفة المرأة يحتاج إلى كمال عقل الرجل، وكمال عقل الرجل يحتاج إلى كمال عاطفة المرأة، وبعبارة أخرى: نقصان عقل المرأة بسبب العاطفة المتدافعة يُتمَّم بعقل الرجل، كما أن نقصان عاطفة الرجل يتمَّم بعاطفة المرأة، فكلٌّ منهما مكمل للآخر «هُنّ لِبَاسٌ لّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لّهُنّ»([4])، فتبارك الله أحسن الخالقين.
[1] ـ نهج البلاغة: الخطبة79 ص72 .
[2] ـ بحار الانوار75 : 6ح58.
[3] ـ البقرة: 282.
[4] ـ البقرة: 187.