يلاحظ أن المنظومة التشريعية والقانونية في الإسلام متفاوتة بين الرجل والمرأة، ففيها تكاليف وحقوق للمرأة تختلف عن حقوق وتكاليف الرجل، كسقوط الصلاة والصيام عنها أيام الحيض والنفاس وغير ذلك، كما أن هناك تكاليف خصها الإسلام بالرجل، ولم يكلف المرأة بها، كالجهاد وصلاة الجمعة والجماعة وحضور الجنائز وتشييعها، وهذا يعني أن الإسلام ميّز الرجل على المرأة ببعض الحقوق والتكاليف ولم يراعِ المساواة بينهما، وفي النتيجة قد فوّت عليها بعض المصالح والثواب والكمالات.
* * * * *
تسهل الإجابة عن هذه المسألة، والشبهة بعد معرفة الفوارق الطبيعية والنفسية بين الرجل والمرأة، وهذه الفوارق بالطبع تؤدّي إلى أن الكثير من الحقوق والتكاليف والعقوبات ليست واحدة بينهما، وقد اكتشفها وأثبتها العلم في عصرنا هذا، والفوارق في ثلاث جهات:
1ـ الفوارق الجسمية:
الرجل (بشكل عام) أضخم وأطول جسماً، خشن اللمس والصوت، بطيء النمو، والمرأة بعكسه، فهي غالباً معتدلة الجسم، أجمل من الرجل جسماً وصوتاً، سريعة النمو، كما أن دقّات قلبها أسرع من دقات قلب الرجل... إلى غير ذلك من الفوارق الفسلجية بينهما.
2ـ الفوارق النفسية:
يميل الرجل إلى الرياضة والصيد والأعمال الحركية أكثر من المرأة، وتميل المرأة إلى السلم والمؤانسة، كما أن الرجل يميل إلى المبارزة والقتال، وبخلاف ذلك المرأة، كما أنها لا تقلّ عن الرجل مهارة في الآداب والرسم وسائر المجالات التي ترتبط بالذوق والمشاعر، والرجل أقدر من المرأة على كتمان الأسرار، والمرأة أرقّ قلباً من الرجل، وأسرع منه إلى البكاء والتأثر، وأحياناً إلى الخداع والمكر؟!
3ـ الفوارق في المشاعر والأحاسيس:
الرجل يريد زوجة تتبعه ويسيطر عليها ولو بالقوّة، والمرأة تريد الاستيلاء على قلب الرجل، وأيضاً المرأة يعجبها في الرجل الشجاعة وتعتبر حماية الرجل لها وحبه أغلى شيء لديها... إلى غير ذلك.
الاختلاف في التكاليف ليس امتيازاً
بعد وضوح تلك الفوارق نقول: إنّ الهدف من هذه الفوارق هو تسخير بعضٍ لبعضٍ، وتحقيق الخدمة المتبادلة بين الرجل والمرأة، والوصول إلى النظام الأكمل في الحياة، ومع هذه الفروق لا يمكن التشابه في الحقوق والتكاليف بين الرجل والمرأة؛ لأن ذلك يخالف غرائزهما وطبيعتهما، وواضح أن الشريعة الإسلامية لن تخرج أبداً عن محور العدالة الفطرية والطبيعية، لذا شرّع الإسلام للمرأة حقوقاً وتكاليف في بعض المجالات تختلف مع حقوق وتكاليف الرجل، وأيضاً بسبب هذه الفوارق الجسمية والنفسية، أراد الإسلام أن يخفّف عنها بعض التكاليف، لأنّ المرأة كما جاء في الحديث: «ريحانة وليست بقهرمانة»([1])، وهذه رخصة من الله تعالى، نظراً لضعفها ورعايةً لها بحالها، وتخفيفاً عنها، ولا يعني ذلك أن جميع هذه الأحكام لا تصح منها لو تكلفت الإتيان بها، بل يجوز لها أن تأتي ببعضها وتثاب على ذلك، كصلاة الجمعة والجماعة، وغير ذلك من التكاليف التي لا تجب على المرأة، ولكن إذا أدّت المرأة هذه العبادات والتكاليف تثاب عليها، فليس الساقط عنها إلا التكليف والإلزام، وأما الإثابة والقبول فليس بساقط، فلا يعدو أن يكون الفرق إلا من جهة الإلزام.
المساواة بين الرجل والمرأة
إنّ المساواة بين المرأة والرجل في الكرامة الإنسانية تستلزم المساواة بينهما في الحقوق الإنسانية مما لا شك فيه، وأمّا أن يتشابها ويتساويا في جميع الحقوق والتكاليف فلا، وذلك بسبب الفوارق الطبيعية المذكورة بين الرجل والمرأة، ومنطق العدل الإلهي يقرر إعطاء كلٍّ على وفق لياقته وحاجته وطبيعته، إن الطابع العام السائد على التشريع الإلهي هو العدالة، فما من تكليف من التكاليف، أو تشريع من التشريعات، إلاّ وقد صدر من منطلق العدل. وهذا مما يقرره العقل والعرف الاجتماعي، ففي الوقت الذي نرى فيه دعوة المجتمع للمساواة بين الرجل والمرأة، نراه يحمّل الرجل تكاليفَ لا يحمّلها للمرأة، ومن ادّعى العدالة ورفع شعار المساواة في غير هذا المعنى ما هو إلا خدعة وتحريف للألفاظ ومعانيها.
ومن بواعث العدل أن يُعطى كل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي ما يتّفق مع طبعه وهدف خلقته، ولذلك كانت تكاليف العالم مختلفة عن تكاليف الجاهل، وتكاليف المسؤول تختلف عن تكاليف غيره، وهكذا الحال بالنسبة إلى المرأة والرجل، فإن تكاليف المرأة تختلف عن تكاليف الرجل كمّاً وكيفاً. ولا يعني هذا حرمانها من الكمال، وسلب التوفيق في بلوغ مصلحته وغرضه، وذلك لأننا نؤمن ـ كما يقرر علماء العقيدة ـ بأنه ما من شيء فيه مصلحة وكمال يعود على العبد وفيه خيره إلاّ وكان على الله تعالى هداية العباد إليه لما كتبه على نفسه من الرحمة والرأفة بهم، ومن هنا آمنّا مسبقاً بأن التشريعات الإلهية سواء الواجبات أم المحرمات أم غيرهما تابعة للمصالح والمفاسد، فلا يأمر إلاّ عن مصلحة، ولأجل تحصيلها، ولا ينهى إلاّ عن مفسدة يريد دفعها، فإذا كان المورد فارغاً عن أي مصلحة أو مفسدة فلا يتعلق التكليف به، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة، فحيث لم يتعلق التكليف بموارد في حقلها، فهذا يعني عدم وجود مصلحة في فعلها، وعليه فعدم تكليفها لا يعني تفويت المصلحة عليها، بل يعني عدم وجود مصلحة في حقها لكي تكلّف بها.
عدم التكليف ليس مفوتاً للثواب:
ولعل قائلاً يقول: هب أنه بذلك لم يفتها شيء من مصالح التكاليف وأغراضها، ولكن الثواب والأجر الذي حققه الرجل من هذه الموارد لم تحققه المرأة وحرمت منه؟!
ويمكن جوابه، بأن الإسلام عوّضها التكاليف الساقطة بأفعال أخرى، وهو حسن معاشرتها للزوج، وحسن تربيتها لأولادها، وتدبيرها لبيتها، وإليك ما نقله التاريخ شاهداً على ذلك، حيث يروى أن أسماء بنت يزيد الأنصارية أتت النبي (ص) وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، واعلم ـ نفسي لك الفداء ـ أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلاّ وهي على مثل رأيي، إنّ الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنّا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنّا معاشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنّكم معاشر الرجال فضّلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإنّ الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربّينا لكم أموالكم [أولادكم] فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟
فالتفت النبي (ص) إلى أصحابه بوجهه كله، ثمّ قال(ص): هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها؟ فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا!
فالتفت النبي (ص) إليها ثم قال لها: انصرفي أيّتها المرأة، واعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كلّه، فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبّر استبشاراً.
[1] ـ نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: 41.