قال بعضٌ: إن الدين الإسلامي اضطهد المرأة، وظلمها بجعل حظها من الميراث نصف حظ الرجل، كما جعل ديتها في القتل نصف ديته، وهذا معناه أن قيمة الرجل في الإسلام أعظم من قيمة المرأة.
* * * * *
إرث المرأة في الجاهلية والغرب:
كانت المرأة في الجاهلية محرومة من الإرث، وكان الذكر هو الوارث الوحيد، وإذا لم يكن بين الأولاد ذكور، ذهب الميراث إلى الأعمام، كما أخرج مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب قال: «والله، إنّا كنّا في الجاهلية ما نعدّ للنساء أمراً، حتّى أنزل الله فيهنّ ما أنزل، وقسم لهنّ ما قسم»([1]).
وكذا المرأة الأروبية في العصور الوسطى حتى عصر النهضة الصناعية الكبرى، فقد كانت محرومة من الإرث عموماً.
الإرث في الإسلام:
جاء الإسلام وجعل أسهم الميراث شاملة للأولاد جميعاً بنات وبنين، عزّاباً ومتزوّجين، إلاّ أنّ حصّة البنات من الميراث نصف حصّة البنين. قال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ)([2]). والسبب في تحديد الإسلام سهم المرأة، وجعله نصف سهم الرجل، الوضع الخاص للمرأة؛ حيث لم يفرض عليها أي نفقة أو كسب، فعندما تكون تحت كنف أبيها تجب نفقتها عليه، وبعد أن تنتقل إلى كنف الزوج لا تتحمل من نفقات حياتها ومعيشتها ومعيشة أولادها شيئاً حتى لو كانت غنية والزوج فقيراً، بل أوجب الشارع على زوجها نفقتها ونفقة عيالها ما دامت على عاتقه، كما فرض على الرجل صداقها ومهرها، وعلى هذا فلا تتكلف المرأة عناء الإنفاق، بينما يتحمل الرجل كل ذلك، ومن هنا، فما يصل إليها من الميراث يبقى لها ومدخر عندها، بينما ما يأخذه الرجل ينفقه عليها وعلى عياله، فاقتضت حكمة الله تعالى أن يوزّع الميراث للرجل مثل حظ الأنثيين، تعويضاً له عما ينفقه ويبذله على أسرته.
وهذا المعنى قريب من الجواب الذي قاله الإمام الصادق (ع) لابن أبي العوجاء حين اعترض على الإسلام. فقد روى الصدوق في علل الشرائع بسنده عن هشام بن سالم عن الأحول قال: «قال لي ابن أبي العوجاء، ما بال المرأة الضعيفة لها سهم واحد وللرجل القوّي الموسر سهمان؟ قال الأحول: فذكرت ذلك للصادق (ع) فقال: على الرجال النفقة والعاقلة والجهاد... وعدد غيرها: وليس هذا عليها، فلذلك جعل له سهمان ولها سهم». وروى فيه أيضاً بسنده عن عبد الله بن سنان قال: «قلت للصادق (ع) : لأي علّةٍ صار الميراث للذكر مثل حظّ الأنثيين؟ قال (ع) : لما جعل لها من الصداق». وروى فيه بسنده عن أخيه محمد بن سنان أنه كتب إلى الرضا (ع) مسائل منها هذه المسألة، فكتب إليه: «علّة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث، لأنّ المرأة إذا تزوّجت أخذت وأعطاها الرجل، فلذلك وفّر عليه، ولأنّ الأنثى في عيال الذكر إن احتاجت فعليه أن يعولها وعليه نفقتها، وليس على المرأة أن تعول الرجل، وإن احتاج فلا تؤخذ هي بنفقته، فلذلك وفّر عليه»([3]).
إذاً تأخذ المرأة ثلث الثروة الموروثة لتنفقها على نفسها، ويأخذ الرجل ثلثي الثروة لينفقها أولاً على زوجته أي على المرأة، وثانياً على أسرته فأيّهما يصيب أكثر من الآخر بمنطق الحساب والأرقام؟ فهل بقيت بعد ذلك شبهة في القدر الحقيقي الذي تناله المرأة من مجموع الثروة؟ وهل هو امتياز حقيقي في حساب الاقتصاد، أن يكون للرجل مثل حظ الأنثيين، وهو مكلّف بما لا تتكلفه الأنثى؟
على أن هذه النسبة إنما تكون في المال الموروث بلا تعب، فهو يقسم حسب أعدل قانون وصلت إليه البشرية اليوم، وهو «لكلٍ حسب حاجته»، أما المال المكتسب فلا فرق بين الرجل والمرأة، لأنه يتبع مقياساً آخر هو المساواة بين الجهد والجزاء. قال تعالى: (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)([4]).
وهذا الاختلاف في الميراث هو في إرث الأولاد والزوجين، وفي كثير من الفروض يتساوى الرجل والمرأة في الإرث، منها: أن الأبوين يتساويان فيه؛ إذ نصيب كل واحد منهما السدس. ومنها: أن المرأة والرجل من أقرباء الأمّ يتساويان فيه أيضاً.
إذاً فلا ينبغي أن يتوهّم وجود أي ظلم في مسألة تقسيم الإرث بين الذكر والأنثى، وليس معنى قوله: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ)([5]) أن قيمة المرأة هي نصف قيمة الرجل في حساب الإسلام، كما يفهمه العوام، ويقوله أعداء الإسلام.
لماذا دية المرأة نصف دية الرجل؟
الجواب عن هذه المسألة هو نفس الإجابة عن مناصفة إرثها، ولنا أن نسحب ما أجاب به أولياء الإسلام أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن شبهة مناصفة إرثها إلى هذه المسألة، أي مناصفة ديتها، إذ الحكمة الجارية للتنصيف جارية في البابين بدون فرق في البين.
ولزيادة التبيين نقول: إن كون دية المرأة ـ وهي العوض المالي عن قتلها ـ نصف ديّة الرجل ممّا حكم به الفقهاء ويعتبر ـ إلى حد ما ـ من الأحكام المسلمة، ولكنه لا يعدّ تحقيراً للمرأة، لأن قيمة الإنسان ليست بجسمه ودمه حتّى يقيّم على قدر الدية، فلا يوجد فرق بين دية الفيلسوف ودية العامل، لأن الدية في قبال الجسم وليست قبال الروح، فإنّ قيمة الإنسان بروحه وعقله هذا أوّلاً، وأمّا ثانياً: فلأن اختلاف ديّة الرجل والمرأة في الإسلام له علل وأسباب، منها: أن جسم الرجل أقوى من جسم المرأة، وبه يؤمن نفقة العيال، ويتحمّل اقتصاد البيت، كما جاء هذا المعنى بالنسبة إلى مناصفة إرث المرأة، فقتل الرجل في الحقيقة قتل لأسرته؛ لأنه المصدر لرزقها واحتياجاتها، فلذلك كانت ديته ضعف ديتها؛ تغطيةً لنفقات عائلته، وجبراً لما فاتها من خيره وكسبه، بينما قتل المرأة لا يؤثر على الأسرة من الجهات الاقتصادية بشيء، لأن قيام الأسرة ليس على ذمتها، فكانت ديتها تعويضاً عن قتلها فقط.
وبعبارة أخرى Sأن الدية خلافاً لتصور البعض ليست ثمناً للدم، لأن ثمن دم الإنسان بنظر الإسلام يساوي آلاف أضعاف مقدار الدية.. بل يساوي دماء كل البشر لقوله تعالى:(مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً)([6]).
..وعليه فالدية في الحقيقة جزاء وعقوبة للقاتل، وفي نفس الوقت جبران للخسارة المالية الناشئة من فقد المقتول، فهي عقوبة لردع الناس عن اقتراف القتل، ولكي يحتاط الإنسان في تصرفاته، فلا يرتكب مثل هذا الخطأ الفظيع، وهي جبران للخسارة المالية، لأن فقد القتيل يسبب عجزاً وخللاً لعائلته، فالدية تشغل هذا النقص وتسد هذا العجز، ولما كان الضرر الاقتصادي ناشئاً من قتل النساء وفقدانهن، صارت دية المرأة نصف دية الرجل([7])R.
وفي مقام الجواب عن سؤال قد يثار في البين وهو أن النساء في هذا العصر يشاركن مشاركة فعالة في كثير من الحقول الاقتصادية جنباً إلى جنب الرجل، فهل دية هؤلاء النسوة على النصف من دية الرجل، أم أنها مساوية لديتها؟
يقول آية الله مكارم الشيرازي: Sأشرنا مسبقاً إلى أن لتشريع القانون يلاحظ فيه الحالات العامة والغالبة، لا الحالات الفردية المحدودة، ولا شك في أن مجموع رجال المجتمع أكثر فعالية من مجموع النساء في ذلك المجتمع.
وبتعبير آخر: إن فلسفة وحكمة تشريع القوانين موجودة في الحالة الغالبة والعامة، لا في كل الأفراد، ومع ذلك فإن القانون يطبق على كل الأفراد بلا استثناء حتى أولئك الذين لا تتوفر فيهم حكمة القانون وغاياته. R. ([8]).
[1] ـ صحيح مسلم 4: 14.
[2] ـ النساء: 11.
[3] ـ علل الشرائع 2: 293، ط بيروت، جاء ما ذكرناه نقلاً عن مقالٍ تحت عنوان: المرأة في الإسلام والجاهلية، بقلم الشيخ محمد هادي اليوسفي، مجلة رسالة الثقلين العدد 25، سنة 1419هـ .
[4] ـ النساء: 32.
[5] ـ النساء: 11.
[6]ـ المائدة: 32.
[7]ـ بحوث فقهية هامة :148 .
[8]ـ بحوث فقهية هامة: 154.