قيمة الاصالة في حياة الشباب

قيم هذا المقال
(0 صوت)
قيمة الاصالة في حياة الشباب

حين ينفتح الشاب على بيئة اجتماعية معينة بشكل عام أو بيئة غربية بشكل خاص ، ومن أجل أن لا يتأثر ولو إلى احد ما بعادات وتقاليد و أفكار ذلك المجتمع بحيث يتزود في ضوء منهجه الفكري والمعرفي وكذلك اسلوبة الثقافي وعليه فيقتضي أن يستقل بشكل كامل في جذوره الثقافية وقاعدته العقيدية . وإن هذه البيئة وإن كانت تشكل خطراً على الكبير كذلك ، غير ان الخطورة  تبلغ أقصى مدى عند الشاب لأنه لم يعايش " مجتمع الفكرة " ومجتمع العقيدة بل أنّه مجرد يقرأ الفكرة ويؤمن بالعقيدة دون أن يصل حدّ التفاعل بمفرداتها مع الآخرين ، ممن تربطهم واياه رابطة العقيدة ، لذلك تراه يعيش أحياناً غربة التعامل مع مصاديقها ، ولنضرب على ذلك مثلاً : الضيافة بالغرب أمر لا مسوغ له ، خصوصاً حين يقترن بالبذل والعطاء دون مصلحة مادية معينة . وحين يدرج الشاب في مثل العرف : اللاضيافة " تجده يقف متحيراً في تفسير البذل والعطاء المادي حين يقتضي الأمر ذلك ، بينما حين يعيش مفهوم الضيافة المرتبط بالعقيدة " الضيف ينزل برزقه ويرتحل بذنوب أهل البيت . وحين يتعاطى هذا المفهوم في عرفه الإسلامي مع الآخرين ويتعامل معه باستمرار تجده يتطلع لتطبيقه ويستوحش في غياب قيم الضيافة في حياته .

حين ينطلق الشاب من موقع " وعي الأصابة " يستطيع أن يميز الأصيل عن الزائف حتي إذا إدّعى المزيفون أنهم يمثلون " الأصالة " فكثيراً ما يقع الشباب تحت طائلة تأثير مثل هذه الدعاوى في محاولة لشدّهم إلى ممارسات وتجمعات لا تمت إلى الأصالة بصلة ، وهي إنما تكثر في وسط الشباب بالذات ، لأن الكثير منهم قد لا تتوافر له الحصة الكافية من الوعى والثقافة ، لمعرفة هؤلاء وادّعاءاتهم على حقيقتها، اضافة إلى أنّ بعض الشباب يندفع بقوة في مطلع شبابه ليتغير لهذه الدعاوى أو تلك ، ويضحي لهذه المجموعة أو لغيرها ، خصوصاً إذ اكتسبت ثوب الدين والأصالة والتراث وما شاكل ذلك . فالشاب الواعي يدرك جيداً أنّ الأصالة في احياء الشعائر مثلاً تقتضي التمسك بأحكام الشريعة والابتعاد عن كل ما يسيء لها من قريب أو بعيد . كما يدرك أيضاً أن الاصالة تقتضي التمحص بالاسلام والتشبع بمفاهيمه وأحكامه ولكن ذلك لا يعني بأنه يحبس الاسلام في دائرة ويعزله عن دوائر الحياة الأخرى بذريعة الاصالة .

قيمة التجديد في حياة الشباب

ان التجديد يعني مواكبة " الأصالة " على هدي المعطيات المعاصرة وهذا يوفر للشاب حالة من النمو والكفاءة ما يؤهله بناء شخصيته بناءً اسلامياً قوياً ، كما يؤهله للمساهمة ببناء اسرته وبلده في ضوء تلك المعطيات . إنّ البناء العقلي والنفسي يجعله يسابق الزمن وينفتح دون تردد على المستجدات ، سواء كانت هذه المستجدات في مجال العلم أو الفن أو الرياضة أو أي مجال من المجالات ، فإن نفسه تطاوعه أن يتوفر عليها ، مثلما حثّ الاسلام الآباء على دفع أولادهم في مثل هذه الميادين ما دامت انطلاقتهم من موقع " الأصالة " وفقد جاء في الحديث الشريف لا تقصروا أولادكم على تربيتكم ، فإنّهم خلقوا لزمان غير زمانكم .

المؤمن يسابق الزمن في كل شيء وانّه يبحث عن كل مفردة جديدة من موقع تأصيلها وبذلك يمنح الجديد رصيد الأصالة مثلما يكسي الأصيل ثوب الجدّة ومن أفضل ما يصل إليه المؤمن الشاب بالذات ، انّه يجد أنّ كل جديد يؤكد أصالة مبدئه ، وإن كل أصيل في عقيدته ومتبنياته يعاصر حياته ويتجدد مع مرور الزمن ، ان ذلك يعمّق فيه روح الثقة ويمنحه زخماً كبيراً في البناء والحركة .

حين يتحرك المؤمن من موقع التجربة ينفتح على الآفاق الحياتية فيضفي على الاسلام بعده الواقعي وجدارته في بناء الحياة على هدي أحكامه ، كما يتعمق إيمانه بقدرة الاسلام باستثمار كل الفرض التي من شأنها رفع كلمة الاسلام وإعادته إلى الواقع على المستويات المختلفة ، كما انه يستطيع أن يقف وبكل ثقة أمام الاتهامات التي تحاول أن توقف حركته بدعوى التخلف والتطرف واللاواقعية والتعصب .فهو يستطيع ومن موقع التجديد أن يطرح الاسلام بما ينسجم مع روح العصر ، كما يرد على دعاوى الأعداء بحجج دامغة لا تقبل الشك، مثلما يستطيع أن يطرح بقوة قيم الاسلام وأحكامه التي تعالج مشاكل الناس ، بعيداً عن المزايدات التي تنادي بها الدول الغربية الآن من أمثال حقوق الانسان .

الأصيل والثابت والمتجدد

ان أمور العقيدة ومفاهيمها من الأمور الثابتة التي لا تخضع إلى النظرة المتجددة ولا تزيدها النظرة المتجددة إلا رسوخاً كما ان العبادة باعتبارها تمثل التعبير عن الجزء الثابت من الشخصية ، فلا يتوقع لها أن تخضع إلى اي تغيير كالصلاة والصوم وكذا سائر العبادات ، اللهم إلاّ في مقدمات بعض العبادات من أمثال الحج وتوفير مقدمات الراحة من حيث النقل والسكن والطعام ، فتتوسع بتوافرها فرص الاستطاعة لكثير من المؤمنين ممن لم تتوافر لهم امكانية اداء الفريضة بغير هذه الوسائل .

إذا عملية التنمية التي يحتاجها الشاب ليست طريقاً وسطاً بين الأصالة والتجديد ، انما هي الأصالة بعينها من منظور مبدئي ، كما انّها التجديد ذاته من زاوية واقعية .فما يثبته الواقع من صلاح بالمعيار القيمي الانساني ، يجد له أساساً في الشريعة ولو بخطها العام .واذا كان الشاب يعمق من نظراته المبدئية لكل مفهوم عقائدي ولكل مفردة عبادية ويتسلح بالأفكار والنظريات الاسلامية في بناء شخصيته ، فإن تطلعه لكل جديد في إطار ما تسمح به الشريعة الاسلامية يجعله يعيش الاسلام الواقعي الذي يمثل "عمق الأصالة " وروعة " التجديد .

قراءة 2530 مرة