شُبهات وتساؤلات حول المرأة (13)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شُبهات وتساؤلات حول المرأة (13)

أثار المغرضون في عباراتهم أن الإسلام جعل الرجل حاكماً على المرأة بحيث يحكم ويتحكم عليها، وهذا يؤدي إلى سلب حريتها واختيارها سواء أكان المُنَصَّبُ للقيمومة أباها أم جدها لأبيها أم زوجها، فلا تكاد تخرج من سلطان أبيها حتى تدخل تحت ولاية الزوج.

* * * * *

القيمومة على ضوء القرآن:

لا شك في أن الإسلام جعل الولاية على المرأة بيد أبيها أو زوجها، وهذا ما أكده القرآن الكريم، وقد عبّر عن هذه الولاية بالقيمومة، بقوله تعالى: (الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَآءِ بِمَا فَضّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنّ فَعِظُوهُنّ وَاهْجُرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنّ سَبِيلاً إِنّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً))[1] ( ولكن لا يعني ذلك التحكم بإرادتها واستعبادها، ومنعها حريتها، بل ولاية الأب تعني ألاّ تتزوج إلا بإذنه فقط فيما إذا كان الأب مدركاً لمصلحة بنته ويشخص ما ينفعها وما يضرها)[2](، وأما في غير ذلك فليس له على البنت إلا البرّ، وكذا بالنسبة إلى الزوج حيث تنحصر ولايته في أمور جزئية، لا في جميع رغباتها وحرياتها، وفي هذا يقول العلامة الطباطبائي v في الميزان: «وليست قيمومة الرجل على زوجته بأن لا تنفذ لها فيما تملكه إرادة ولا تصرف، ولا أن لا تستقل المرأة في حفظ حقوقها الفردية والاجتماعية، والدفاع عنها والتوصّل إليها بمقدماتها الموصلة، بل معناها؛ أن عليها أن تطاوعه فيما يرتبط بالمعاشرة والاستمتاع حضوراً، وتحفظ غيبته فلا تخونه؛ بأن تمنع غيره من نفسها ما ليس له منها، ولا تخونه فيما وضعه تحت يدها من ماله، وسلّطها عليه في الحياة المنزلية والزوجية المشتركة»([3]).

فالقيمومة ليست استبداداً ولا استيلاءً، وإنما مسؤولية ملقاة على عاتق الرجل، وواضح حاجة الأسرة إلى وجود هذا المسؤول، إذ لا شك أن أيّة هيئة أو مؤسسة حتى المؤلّفة من شخصين، لابد أن يتولى أحدهما زعامة تلك الهيئة، فيكون رئيسها، بينما يقوم الآخر بمساعدته، وإلا سادت الفوضى تلك الهيئة أو المؤسسة، واختلت أنشطتها وأخفقت في تحقيق أهدافها المنشودة، وهكذا الحال في الأسرة، فلابد من إسناد إدارتها إلى شخص، وعلى هذا قامت الحضارات والدول، والأسرة واحدة من أعظم وأخطر مؤسسات الحياة، فتحتاج كغيرها إلى مسؤول عن إدارة شؤونها وحمايتها، وتوصيلها إلى أهدافها.

لماذا كان الرجل قيماً؟

قد يتساءل بعضٌ أنه: سلمنا حاجة الأسرة إلى المسؤول والقيّم، فلماذا كان الرجل دون المرأة مسؤولاً عن إدارتها؟! أفلا تصلح المرأة لذلك؟

إن إعطاء هذه القيمومة للرجل لكونه يتمتع بخصائص معينة، كالقدرة على ترجيح جانب العقل على جانب العاطفة والمشاعر، وكذلك فإن الرجل يمتلك بنية داخلية وقوة بدنية أكبر، فيستطيع أن يقوم بحاجيات الأسرة بشكل أكمل وأوفى، ويستطيع بالقوة البدنية أن يدافع عن العائلة ويذب عنها، لذلك ربما قال تعالى في بيان علة قيمومة الرجل بقوله: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ)([4])، إذ ربما الملحوظ في التفضيل هذا الذي ذكرناه.

وأيضاً يستحق الزوج لما يتحمله من الإنفاق على الزوجة، ولقاء ما تعهده من القيام بكل التكاليف اللازمة من مهر ونفقة وإدارة مادية لائقة بالعائلة أن تناط به وظيفة القوامة والرئاسة في النظام العائلي، ولذلك قال تعالى: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ... .....وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ).

ومن غير الخفي أن إناطة مثل هذه الوظيفة بالرجل لا تدل على أفضلية ذات الرجل من الناحية الإنسانية على ذات المرأة، بل هي مجرد أفضلية من الناحية الإدارية والتنظيمية، ولا نظر لها إلى ذاتيهما، فالرجل أكفأ من المرأة في إدارة الأسرة، لا أنه أفضل منها وأكفأ من سائر الجهات.

وبتعبير آخر([5]): Sإذا سئلنا بأنَّ للأسرة لا بد من قيِّم، فإما هو الزوج أو الزوجة أو كلاهما، فإن كان كلاهما، فمعناه عدم وجود قيّم فلا يبقى إلا أمران فالرجل بما أنه يملك غالباً إرادة أقوى وقدرة أبلغ، وبما أنَّ عليه الإنفاق فهو أولى بقيمومة الأسرة وعليه رعاية مصالح الأسرة وأن لا يسخّر الأسرة إلا لصالحه فقط كما يكون الأمر في أغلب القيادات.

وما ورد من النصوص كما في قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ)([6])، وما أمر باستشارة الزوجة، وما جاء في أنَّ المؤمن يأكل بشهوة أهله والمنافق يأكل بشهوته، وما إلى ذلك من الإرشادات الأخلاقية، كلها تفيد هذا المعنى أنّ على الرجل القيم أن يراعي أحاسيس ومشاعر ومصالح الزوجة وجميع أفراد الأسرة.

جواز خروج المرأة من البيت أو عدمه

ومن فروع مسألة القوامة للرجل: مسألة عدم خروج المرأة من البيت إلا بإذن زوجها بحيث تكاد تكون هذه المسألة مورد اتفاق الفقهاء، ويمكن بيان هذه المسألة على نحوين:

أولاً: ما اتفق عليه الفقهاء هو عدم اشتراط جواز الخروج بإذن الزوج إلا إذا كان الخروج منافياً لحق التمتع، ولكن إذا خرجت بحيث لا ينافي تمتع الزوج فلا يشترط الإذن إلا عند بعضٍ.

ثانياً: لا يجوز الخروج في الأمور غير الواجبة ولكن الخروج لإتيان الواجبات كالتعلم الواجب والحج أو لمصلحة ضرورية وأمثال ذلك، فليس مشروطاً بالإذن.

ثم ما هو المبرر والمجوّز العقلائي للرجل في العمل بهذا الحق حتى على فرض كونه مسافراً وكون خروج الزوجة لغرض أداء فروض صلة الرحم والتعليم والعمل أو لغرض الترفيه المشروع عن النفس بما لا يتقاطع مع حقوقه في دائرة العلاقات الزوجية؟

والنتيجة أن هذا الحق للرجل وكيفية استخدامه قابل للنقاش، وينبغي أن يفسّر ويعرّف بدقة كي لا يساء استخدامه.

ومن البداهة بمكان أن يكون احترام الزوج لزوجته والتعامل معها وفق معيار المذكور في الأحاديث([7]) Sأحبب لغيرك ما تحب لنفسك وأكره له ما تكره لهاR عاملاً مهماً في تقوية أواصر المودة وتعميق وشائج المحبة بينهما، وهذا النحو من التعامل الإنساني مع المرأة يقضي - على فرض أن يكون للزوج حق القوامة – ألاّ يحق له منعها من الخروج من البيت إلا فيما لو خاف عليها من خطر يهدد وجودها أو أخلاقها أو يفضي إلى تسيب الأطفال ويفقد الأسرة الدفء وحرارة العاطفة بين أفرادها وأمثال ذلك من المسوغات الموضوعية والمعقولة، وبعبارة أخرى: أن ينظر الرجل في مثل هذه الأمور إلى مصلحة الزوجة والأطفال أولاً، ومصلحته الشخصية المعقولة ثانياً، لا إلى رغباته الأنانية ونوازعه التي تنطلق من الذهنية المستعلية لدى الرجل وتدفعه إلى مخاطبة الزوجة بلغة القوة والتحقير والإذلال.. وحتى في صورة وجود محذور في خروجها إلى مكان معين، فإنه ينبغي على الرجل أن يتجنب الأمر والنهي بلهجة شديدة في مخاطبة الزوجة بل يشرح لها السبب في المنع ويبين لها المحذور في خروجها هذا، فإن ذلك أدوم للمودة وأحفظ للحرمة، وما عدا ذلك فالمرأة حرة في الخروج من البيت لأداء بعض الواجبات أو حتى مجرد الترفيه عن النفس إذا لم تترتب على ذلك مفسدة، وينبغي للزوج ألاّ يضيق ذرعاً بأية محاولة من المرأة من هذا القبيل، ولا يعيش العقدة وضيق الأفق ويحسب أن هذا السلوك تعدٍّ على حقوقه ورجوليته وزعامته كما نرى مثل هذه الذهنية المتخلفة لدى بعض أصحاب الشخصيات المهزوزة والنفوس المتشنجة والعقول غير الناضجة.

ولاية الأب ومصلحة البنت

ولاية الأب والجد على البنت البكر البالغة الرشيد، في قرار زواجها – عند القائلين بذلك من الفقهاء -، سواء أكان على نحو استقلاله بالقرار، أم المشاركة فيه مع البنت، إنما ينطلق من مراعاة مصلحة البنت، فلأنها بكر لا تجربة لها في الحياة الزوجية، ولكونها غير مخالطة للرجال، فمعرفتها بصفاتهم وأخلاقياتهم محدودة، ولما قد يغلب عليها من الاندفاع العاطفي، لكل ذلك يخشى عليها من ألاّ يكون قرارها في اختيار الزوج موضوعياً مناسباً، فتتورط في حياة زوجية لا تسعد بها، ولا يمكنها الخلاص منها بسهولة، باعتبار أن قرار الانفصال والطلاق بيد الزوج.

كما أنها لو حصل بينها وبين زوجها أي مشكل، فستحتاج إلى وقوف أهلها معها، وإذا ما كان الزواج خلاف رأيهم، فستحرم من دعمهم ومساعدتهم عند اللزوم.

لهذه الحيثيات التي تصب في مصلحة البنت، كان لوليها دور في قرار زواجها، ويشير إلى ذلك بعض الروايات الواردة، وبعض كلمات الفقهاء. ففي صحيحة الفضل بن عبد الملك عن الإمام الصادق (ع) قال: Sإذا أراد أبوها أن يزوجها هو أنظر لها([8])R. أي هو أصوب نظراً لتحقيق مصلحتها، لخبرته الاجتماعية، وحرصه على مستقبل ابنته، ولموضوعيته في اتخاذ القرار، دون الوقوع تحت سيطرة الأحاسيس والعواطف.

ويقول المحقق الشيخ النجفي في الجواهر: Sالنهي كراهة عن الاستبداد وعدم الطاعة والانقياد، خصوصاً الأب الذي هو غالباً أنظر لها، وأعرف بالأمور منها، وأدعى لما يصلحها، وهو المتكلف بأمورها، وفي رفع الخصومة مع زوجها، لو حدث بينهما نزاع أو شقاق، فالذي يليق بها إيكال أمرها إليه([9])R.

ويقول الدكتور الزحيلي في تقريره لأدلة جمهور أهل السنة، على أن النكاح لا يصح إلا بولي: (الزواج عقد خطير دائم، ذو مقاصد متعددة، من تكوين الأسرة، وتحقيق استقرار وغيرها، والرجل بما لديه من خبرة واسعة في شؤون الحياة، أقدر على مراعاة هذه المقاصد، أما المرأة فخبرتها محدودة، وتتأثر بظروف وقتية، فمن المصلحة لها تفويض العقد لوليها دونها)([10]).

سقوط ولاية الأب وإذنه

لو أساء الأب استخدام صلاحيته في قرار زواج ابنته البكر الرشيد، ورفض الموافقة على تزويجها من خاطب كفءٍ ترغب فيه، دون مبرر مقبول، كما يحصل ذلك من قبل بعض الآباء، إما لانحراف مزاجه وأخلاقه، أو لتصفية حسابات مع البنت أو أمها، وخاصة حينما يكون هناك انفصال أو طلاق بين الأب والأم، أو لموقف شخصي أو عائلي ممّن خاطب ابنته، أو ما أشبه ذلك من الأسباب، التي لا تبرر تعويق زواج البنت مع رغبتها. ففي هذه الحالة تسقط ولايته، ويسقط اعتبار إذنه، بإجماع فقهاء المسلمين من مختلف مذاهبهم.

 

 

[1]ـ النساء: 34.

[2] ـ على خلاف بين الفقهاء في أن للأب الولاية في زواج ابنته، حيث إنه في المسألة أقوال خمسة، والمشهور منها، أن ولاية الزواج حق متبادل بين الأب أو الجد وبين المرأة، كما اتفق الفقهاء على أن الولي إذا منعها الكفء سقطت ولايته، وجاز له الزواج به دون الرجوع إليه.

[3] ـ الميزان 4: 344، ط بيروت.

[4] ـ النساء: 34.

[5] ـ هذا التعبير والاستدلال لأستاذنا سماحة آية الله السيد مجتبى الحسيني.

[6] ـ النساء: 19.

[7]ـ الكافي: 2: 169، وسائل الشيعة: 12: 205.

[8]ـ الكافي 5 :394.

[9]ـ  جواهر الكلام 10 :448.

[10]ـالفقه الإسلامي وأدلته الدكتور وهبة الزحيلي 7 :195.

قراءة 1681 مرة