شُبهات وتساؤلات حول المرأة (15)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شُبهات وتساؤلات حول المرأة (15)

هناك من الرجال من يضرب زوجته أو ابنته ويقسو عليها، وينسب ذلك للدين، حيث أجاز للرجل ضرب زوجته، وهذه إهانة وتحقير للمرأة، وهو مما يرفضه العقل، ويأباه التحضر والمدنية.

* * * * *

إكرام الزوجة

لا شك أن الإسلام كما يكرم الرجل يكرم المرأة (وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ)([1]) ويريد لهما الخير والوصول إلى الكمال الإنساني ويرفض الإهانة والتحقير لكل إنسان، وقد جاءت النصوص من الآيات والروايات لتؤكِّد إكرام واحترام الزوج لزوجته والأب لابنته، ولا مجال لذكر هذه النصوص في هذا البحث المختصر، ونكتفي بذكر بعضها، منها قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ)([2])، ومنها قول المشهور للنبي(ص): Sخيركم خيركم لنسائكم وبناتكم([3])R وقوله (ص):  Sما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم([4])R.

لماذا ضرب الزوجة . . .؟!

زعم بعضٌ أن الإسلام يجيز للزوج ضرب الزوجة متى شاء، ولم يعرف أن ضربها إنما يجوز في حالة واحدة فقط، وهي حالة النشوز، قال تعالى: (وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً)([5])، والنشوز عبارة عن خروج الزوجة عما يجب عليها من حق الزوج الخاص، وذلك لعدم تمكينه مما يستحقه من الاستمتاع بها، ومنع نفسها عنه، وحلاًّ لهذه المشكلة؛ على الزوج أن يبادر - إذا ما ظهرت علامات النشوز وأماراته - إلى وعظها وإرشادها بجميع السبل الممكنة التي من شأنها إرجاعها إلى أداء حقه، فإن لم ينفع مارس الأسلوب الثاني، وهو أن يهجرها في المضجع، لعلّها ترجع عن منع الزوج حقه، فإن لم ينفع عند ذلك ونشزت بالفعل، بأن منعته حقه بالفعل ضربها، لكن اشترط الفقهاء أن يكون ضرباً تأديبياً غير جارحٍ ولا مبرحاً، ليكون مؤذياً لعاطفتها وأحاسيسها أكثر من أذيته لجسدها، فهذه هي الحالة الوحيدة التي جوّز الإسلام فيها ضرب الزوجة مع مراعاة شرائط الضرب وكيفيته حينما يفشل أسلوب الموعظة والنصيحة،ولا يجدي أسلوب الضغط النفسي بالهجر والإعراض، ومع بقاء الزوجة مصرة على تمردها، فهل يظل الزوج مكتوف الأيدي وساكتاً عن تجاوز حقوقه؟ أو يرضى بالطلاق فوراً قبل تجربة أسباب الهداية لها كاملة، أو يرفع الأمر إلى الحاكم، وفي ذلك كشف لأسرار حياتهما الزوجية وخاصة مع تعذر النقل أو الإثبات في القضايا السرية والداخلية بينهما؟

وواضح أن تشريع الضرب في هذه الحالة لردعها عن تمرّدها على زوجها في سلبه حقه، حيث لم ينفع معها الوعظ والإرشاد والهجر، فلا حلّ لردعها إلاّ هذا النوع من الضرب، هذا لو كان يحتمل الزوج تأثير الضرب وإجداءه نفعاً، أما إذا علم بأنه لا يردعها عن ظلمها فلا يشرّع، لأنه لا فائدة منه.

قال مشهور الفقهاء: (... جاز له ضربها إذا كان يؤمل معه رجوعها إلى الطاعة، وترك النشوز ويقتصر منه على أقل مقدار يحتمل معه التأثير، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الفرض منه، وإلا تدرج إلى الأقوى فالأقوى، ما لم يكن مدمياً ولا شديداً، مؤثراً في اسوداد بدنها أو احمراره، واللازم أن يكون بقصد الإصلاح، لا التشفي والانتقام، ولو حصل بالضرب جناية وجب العزم).

وعلاوة على ذلك، لم يقتصر الإسلام في تشريع الضرب على المرأة خصوصاً، وفي هذه الحالة، بل له نظام واسع في عقاب المذنبين سواء أرجالاً كانوا أم نساءً، فشرّع الحدود عقاباً على الزنا واللواط والمساحقة و...، وجعل التعزير بيد القاضي للمعاقبة على بعض الذنوب التي لم يذكر لها حد في الإسلام، وجوّز للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الضرب في حالة عدم انصياع المذنب وارتداعه بالوسائل العادية.. وهكذا.

وهذا النظام لا يخالفه العقل، بل سيرة العقلاء والأنظمة الوضعية، والأعراف البشرية قائمة على حساب المذنب وعقابه، ولم نر عبر التاريخ نظاماً لم يسن قوانين العقاب.

إذاً، فلم يتفرد الإسلام بهذا النظام، كما لم يقتصر على عقاب المرأة دون الرجل حتى يعاب على الإسلام بذلك.

نعم، يمكن أن يقال: لماذا كان الضرب بيد الرجل، فكما أن الغالب في العقاب يمارسه القضاء، فَلِمْ لا يكون ضرب المرأة موكولاً إلى القضاء؟

والجواب: أولاً: إن الضرب الجائز أمر بسيط ليس بدرجة العقاب في قانون الجزاء ورفع الأمر إلى القاضي، نعم، إذا حصل الخلاف إلى تلك الدرجة، فالأمر مرفوع إلى القضاء.

ثانياً: ما يمكن حله في داخل الأسرة أنسب للإحتفاظ بكرامة المرأة والأسرة من أن يحيل الأمر إلى الأجانب وتوكيل الأمر إلى القاضي.

وغالباً الزوج لا يرضى أن يمارس ضرب زوجته أحد غيرهُ من الرجال لغيرته عليها واختصاصها به، بمعنى أن من يتجرأ على ضربها فكأنما تجرأ على كرامته وتجاوز حده، فكان الأفضل ممارسته هذا الحق بنفسه.

لماذا لا يجوز ضرب الزوج؟!

ولعل قائلاً يقول: Sفلماذا إذا نشز الزوج وامتنع من أداء حقوق زوجته لا تضربه المرأة أو القاضي ليعود إلى رشده؟، كان الجواب عدم تشريع الضرب للزوجة على الزوج يخالف مع قيمومة الرجل ومضافاً إلى عدم تيسر ذلك غالباً للمرأة مع ما فيه من إثارة الخلاف والتمزيق في حياة الزوجية، إذ الزوج لا يطيق هذا العقاب من المرأة، لما يرى فيه من كسر لشخصيته وإذلاله، فلا يرغب بالبقاء مع هذه المرأة أبداً، وبالتالي يكون تشريع مثل ذلك موجباً لكسر الأسرة، وخراب العش الزوجي.

إضافة إلى ذلك، أن جميع الأعراف تستنكف ممارسة المرأة عقاب الزوج بالضرب سواءٌ أحقاً كان أم باطلاً؛ لأنه يتنافى مع رقتها، وموجب لكسر شخصية الرجل وإذلاله؛ إذ يسقط عن القيمومة، وبالتالي يؤثر في العلاقات الزوجية ويستوجب تفكيك الأسرة بكاملهاR.

نعم، في حالة نشوز الزوج يمكنها أن ترفع أمرها إلى القاضي فيجبره على أداء حقها، فإن أبى أجبره على ما يراه مناسباً، وقد يشرّع في حقه الضرب أو يفرض عليه الطلاق، تطبيقاً لقوله تعالى: (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)([6]).

ومن مجموع ذلك، يتضح أن تشريع ضرب المرأة إنما هو في حالات خاصة، ولأجل صالح المرأة، وصالح الأسرة والحياة الزوجية، وهي حالة النشوز وعدم أدائها حق زوجها.

أما في غير هذه؛ فلا يجوز للرجل ضرب زوجته، ولا يحل له بحال، فعن النبي (ص):  أنه نهى عن ضرب النساء في غير واجب([7])، وقال (ص):  «إني أتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها»([8]).

 

 

 

[1] ـ الإسراء: 70.

[2] ـ النساء: 19.

[3]ـ مستدرك الوسائل: 14: 255.

[4]ـ وسائل الشيعة: 14: 13.

[5] ـ النساء: 34.

[6] ـ البقرة: 229.

[7] ـ مستدرك الوسائل 2: 550.

[8] ـ سفينة البحار 2: 586.

قراءة 2441 مرة