الحياة الزوجية لا تسير في كل الأحوال على وتيرة واحدة ، و بين هذا و ذاك فترات عصيبة تمر بالحياة الزوجية ... لكن يبقى الملل فيروساً يضرب الحياة الزوجية بعنف ، و قد يصيبها في مقتل إن لم يتم علاجه .
الملل الزوجي آفة تتعرض لها العلاقة الزوجية و خاصة في ظل طول الفترة التي يرتبط فيها الطرفان ، والمحصلة النهائية للواقع الأسري هو الإحساس بالملل الذي يقود إلى التعاسة الزوجية ، و ليست المشكلة في الإحساس بالملل الزوجي ، و إنما تبقى الإشكالية في عدم قدرة البعض على التغلب على هذا الملل الذي يضرب أواصر الحياة الزوجية فيصل بها إلى هاوية الطلاق أحيانًا ، و عديدة هي قصص الإحساس بالملل بين الزوجين .
فالتحولات التي اجتاحت العالم من حولنا أثرت بشكل أو بآخر على علاقاتنا الاجتماعية ، و على الرغم من أن مجتمعاتنا الشرقية تتميز بدفء العواطف و حرارة المشاعر ، إلاّ أن نسبة كبيرة أصبحت تعاني كالغرب من حاله الفتور ، و أصبح الجليد هو الذي يكسو البيوت ، و باتت لغة الصمت هي اللغة المعتمدة ، و أصبحت هذه النماذج من البيوت تعرف " ببيوت الثلج " ... و على الرغم من ذلك تضع سهام معظم المسؤولية على الزوجة ، وتعتقد أن الحل يتطلب بذل مجهود مضاعف من قبلها لكسر الجليد الذي قد يتراكم في علاقتها بزوجها ، بمعنى أن تكون المرأة عامل جذب قوي لزوجها نحو البيت مرة أخرى .
الأزواج يتكلمون
الأزواج بدورهم كانت آراؤهم مختلفة و مسوغاتهم عن الملل أيضًا مختلفة ؛ فالرجل كالطفل إذا شعر بالملل فهذا الأمر قد يدفعه بعيدًا عن حدود البيت ، ربما إلى الخيانة أو إلى الزواج بأخرى .
حاتم فهمي ( طبيب ) يري الأمر من وجهة نظره قائلاً : إن السبب في أن يسود الملل حياة الزوجين هو الروتين القاتل ، فالملل إحساس طبيعي يعتري البشر سواء كانوا في علاقة الزواج أم لا ، و لكن ربما يزداد الأمر خطورة في علاقة الزواج ؛ لأنها علاقة أبدية ، فالزوج عادة والزوجة أيضًا يكون لديهما توقعات تجاه الطرف الآخر بأنه سيرسم حياة وردية له ، و سيكون الطرف الآخر هو مصدر التغيير والتجديد في الحياة في كل شيء ، و لكن مع تعقيدات الحياة ، و تزايد المسؤوليات يومًا بعد يوم ، تتبدل الصورة و تخيب توقعات كل طرف ، لظروف خارجة عن الإرادة ؛ و في تصوّري هنا يأتي دور الزوجة في المقام الأول لتجديد مياه الحياة الزوجية الراكدة ، و لا بد من مساندة الزوج و وجود مبادرات إيجابية منه حتى لا تشعر الزوجة أنها الوحيدة المسؤولة عن ذلك .
و يلتقط إيهاب ( محامي ) طرف الحديث مؤكدًا على أن الزوجات بأيديهن يضيعن أزواجهن . مشيرًا إلى أن من أبرز أسباب الفتور الزوجي النكد الروتيني للزوجة ، والشكوى الدائمة ، والتذمر ، والمشاكل التي تثيرها بسبب و بلا سبب .
و يواصل إيهاب حديثه قائلاً : إن العلاقة الزوجية هي شراكة بين طرفين ، و أي خلل يطرأ على العلاقة سببه أيضًا الطرفان ، و لكن أحيانًا يقود القدر بعض الأزواج إلى زوجات يعشقن النكد ، و هذا هو حالي ، فزوجتي كانت ملاكاً بريئاً قبل الزواج ، و لكن بعد الزواج أصبحت عصبية ، و صراخ متواصل مع الأطفال ، و أصبحت هوايتها النكد ... و طبيعة عملي تفرض علي وجودي خارج البيت فترات طويلة ، و عندما أعود للبيت عدة ساعات أعيش نفس الحياة مع العصبية والصراخ والروتين اليومي من النكد ، في الإجازات أحاول تغيير الروتين بالتجديد والتغيير خارج البيت ، و لكن ترافقنا العصبية والنكد لأتفه الأسباب ، مللت زوجتي و مللت من حياتي الزوجية ، أصبحت أهرب من البيت ، و بكل صراحة تعرفت بامرأة أخرى ، هي زميلة لي في العمل ، و حاليًا أفكر جديًا في الارتباط بها ، أنا لم ألجأ للخيانة فسأتزوج على سنه الله و رسوله ... هل لديكم حل آخر ؟
الفتور ... مراحل عمرية
" إذا ساد الصمت في الحياة الزوجية فهذا مؤشر خطير لفتور العلاقة الزوجية ، و هو الطريق إلى الطلاق العاطفي" ... هذا ما استهل به الدكتور أحمد المجدوب ، المستشار الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية ، قائلاً : إن الفتور في العلاقة الزوجية إحساس طبيعي للغاية و خاصة في ظل وجود طرفين يشتركان في كل تفاصيل الحياة اليومية ، و له أسبابه المتعددة في كل مرحلة من مراحل الحياة ، ففي بداية الزواج ربما ترجع الأسباب إلى اختلاف الشعور بامتلاك الطرف الآخر الذي كان بمثابة هدف ، فالإنسان عندما يظل تراوده الأحلام بامتلاك شيء ما ؛ يظل يسعى إليه بكل قوة ، و لكن بمجرد أن يملكه يشعر إزاءه بالملل ، والأمر ذاته ينطبق إلى حد كبير في العلاقة بين الزوجين حديثي العهد .
أما في السنوات الخمس أو السبع الأولى من الزواج ، فإن الملل يكون مبعثه عدم التوافق أصلاً بين الزوجين ، روتين الحياة اليومي ، عدم التجديد والتغيير ، الأعباء النفسية والهموم التي قد تؤثر على الزوجين بسبب ضغوط الحياة ، مما يؤثر سلبًا على العلاقة بين الزوجين فيدب الملل في أواصر الزوجين ، أما في المرحلة المتأخرة من العمر و بعد التحرر من مسؤوليات الأبناء ، هنا تكون الرغبة في التجديد أكبر و خاصة بعد مضي ما يربو على ( 15 أو 20 ) عامًا على الزواج ، حتى لا يكون الإحساس بالملل مضاعفًا ، و يلجأ الأزواج إلى الزواج بصغيرات السن كما نرى .
و يواصل د . المجدوب حديثه قائلاً : الخطورة في مسألة الملل الزوجي هي أن يسود الصمت بين الطرفين و تتراكم الهوة النفسية ، و يتفاقم الإحساس بالملل ، دون أن يصرح بذلك أي طرف للآخر ، و تصبح الحياة بينهما وكأنها تحصيل حاصل ، أو حياة زوجية تسير بقوة الدفع ... و من خلال التجارب الميدانية وُجد أن أحد أبرز الدوافع الأساسية لوصول الزوجين إلى حالة الفتور هو عدم إيجاد صيغة للحوار بين الزوجين ، و كأن الحديث عن الإحساس بالملل " عيب" ، على الرغم من كونه إحساساً طبيعياً ... و يحذر د . المجدوب من الصمت القاتل بين الزوجين الذي قد يدفع يهما إلى هاوية الطلاق أو العلاقات غير الشرعية ، و خاصة لدى الأزواج كنوع من البديل التعويضي للملل في البيت ، و يشدد على ضرورة تكاتف الزوجين معًا للتخلص من حالة الفتور في علاقتهما ؛ لأن كليهما مسؤول و منوط ببذل الجهد لاستمرارية الحياة بشكل متجدد .
ملل من نوع آخر
الملل في العلاقة الحميمة أيضًا يُعدّ أحد أشكال الملل الذي يخجل الكثيرون من الحديث عنه و لكنه واقع ، و ترى الكاتبة والمستشارة الاجتماعية نجلاء محفوظ في كتابها ( أسرار الزواج الناجح ) أن الاعتياد والرتابة قد يقتلان الشوق إلى الزوجة في نفس الزوج ، والذكاء يقود إلى التغيير منعًا للملل الزوجي ، حتى لا تمضي الأيام ، و تضعف العلاقة ، و يبدأ الشعور بأنه واجب لابد من أدائه ، و هنا لابد من التوقف و تدبر أهمية عدم المبالغة في الحديث عن الملل في العلاقة الحميمة ، فالحياة الزوجية يمكن أن تزدهر وتتجدد ، و لا بأس بفترات من الملل المؤقت والعابر ، أما إذا زاد الملل و أوشك أن يصبح ظاهرة ، فلا مفرّ من التغيير في كل شيء ؛ في الأجواء المحيطة و في تغيير ديكور حجرة النوم ، بإضافة لمسات خاصة من الورود والإضاءة والاهتمام بأغطية الفراش والوسائد ، و لابد من اهتمام المرأة برشاقتها وجمالها والتجديد دائماً في المظهر والملبس والعطر المستخدم ، و هذا دور على الزوج أن يتجمل لزوجته من خلال ارتداء ملابس جذابة واستخدام عطر مميز ... مع ضرورة التغيير في مكان و زمان اللقاء الزوجي بأن يكون في الصباح مثلاً وخارج غرفة الزوجين ، و ينصح الخبراء بضرورة الابتعاد الجسدي من آن لآخر حتى يتجدد الاشتياق ، كأن تقضي الزوجة بضعة أيام عند الأهل مثلاً أو أن يسافر الزوج في مهمة عمل وحده ، و ذلك كله من شأنه تجديد الرغبة ، بدلاً من هروب الزوج ، أو لجوء الزوجات إلى المشاعر السلبية ، والتعويض بالاهتمام بالأطفال أو بالعمل .
أما عن البعد النفسي لمسألة الفتور الزوجي فيحللها الدكتور طارق عبد الله ( استشاري الطب النفسي ) قائلاً : أن تجربة الإحساس بالفتور الزوجي من الأحاسيس النفسية الصعبة التي تشوب العلاقة بين الطرفين في أي علاقة ، و لا شك أن هذا الفتور يؤثر بشكل أو بآخر على نفسية الزوجين ، و خاصة إن كانا في بداية حياتهما الزوجية ، و غير مدركين بأن إحساس الفتور الزوجي طبيعي ، و يمكن التغلب عليه ، و لكن بمعالجته سريعًا ، فالمرأة من وجهة نظرها ترى أن زوجها تغير ، و لم يعد يحبها مثل فترة الخطبة ، و تبدأ تطاردها الهواجس والوساوس ، و ينتابها الإحساس بالإحباط والفشل المرتقب ، والزوج بدوره يشعر بالتوتر والقلق و يراوده الإحساس بخيبة الأمل من تهديد حياته بالفشل والخوف من شبح الطلاق ، و يكون الرجل هنا فريسة سهله للوقوع في علاقة شرعية أو غير شرعية مع أخرى .
و ينصح د . طارق كلا الزوجين بضرورة الخروج من دائرة الملل و تداعياته النفسية والاجتماعية ، و معالجة الأمر بمرونة و بالحوار البناء ، خاصة و أن الحب يمكن أن يتجدد بإضفاء الدفء على العلاقة والإحساس بالأمان ، و تأكيد كل طرف على تمسكه بالعلاقة و إمكانية تجديد الحياة بقليل من الجهد ، مع الابتعاد عن الروتين والتكرار في جوانب الحياة الزوجية ، و إضفاء البهجة و إن كان الدور الكبر للزوجة هنا بلمساتها الأنثوية ، إلاّ أن الرجل أيضًا له دور بارز في ذلك .