التّربية دون ضرب
رعاية الأبناء وتربيتهم واجب على الوالدَين، ولا يجوزالتّقصير في أدائِهما؛ فالأولاد هم فلذات الأكباد، وهم جيل المُستقبل وبُناته، ولهذا فإنّ الوالدين مسؤولان أمام الله -عزّ وجلّ- عنهم وعن تربيتهم وتنشئتهم تنشئةً صالحةً، ولكن قد يتساءل الكثير من الآباء عن أُسُس التَّربية الصّحيحة وطُرق التّعامل مع الأطفال، وعن الطّريقة الأمثل للتّربية دون ضربٍ أو عُنفٍ، وبيان ذلك كلّه في هذا المقال. التّربية بين الماضي والحاضر
تُعرَّف تربية الطِّفل بأنّها عمليّة دعم الطِّفل، وتعزيز عاطفته، وتربيته وتنشئته تنشئةً جسديّةً وعقليّةً وفكريّةً سليمةً وسوِيّةً،[١] وقد اتّبع الأجداد في تربية الأبناء قديماً أساليب مُختلفةً؛ اعتمد بعضها على العُنف اللفظيّ أو الجسديّ أو كليهما كوسيلةٍ للتّربية، أمّا في الوقت الحاضر فيفتخِر الكثير من الآباء بتربية أبنائهم وتنشئتهم تنشئةً خاليةً من أساليب العِقاب والتّأديب، بخلافِ ما كانت عليه تربية الأجداد قديماً؛ أمّا عن الطّريقة الأمثل للتّربية، فهي التي توازن بين الأمرَين،[٢] ومن النّصائح المُهمّة لتنشئة الطّفل وتعليمه وتربيته تربيةً صحيحةً ما يأتي: التّفريق بين الضَّرب والعُنف والعِقاب العقابُ هو أسلوبٌ تربويّ، غايتُه أن يتأدّب الطّفلُ ويتعلّم ألّا يُكرّر ما وقع به من أخطاء، بينما يُستخدم مفهوما الضّرب والعُنف للدّلالة على الاعتداء بدافع الانتقام، وهذا أبعدُ ما يكون عن مفاهيم التّربية ومساعيها.[٣] ولا يُفرِّق كثيرٌ من الآباء بين مفاهيم الضّرب والعُنف والعِقاب، لدرجةِ أنّهم يُربّون أبناءَهم بطريقةٍ لا يكونُ لأساليب العقاب فيها مكان، ممّا يُسهم في ترسيخ مفهوم خاطئٍ لدى الطّفل؛ مَفاده أنّه لا يُخطئ، وأنّ كلَّ فعلَه صحيح، ولذلك يجب أن يعيَ الآباء الفرق بين هذه المفاهيم؛ ليستطيعوا توظيفها في التّربية، لا أنْ يُنحّوا العقاب عنها.[٢] المُوازنة بين اللّين والشِّدة في الكلام توجد طُرُق عديدة للتّربيةِ، منها القديمة، ومنها الحديثة، وأمّا المفيدُة منها فهي ما يُمكِّن الطّفل من التعلُّم بعُمقٍ؛ ليكونُ فيما بعد فرداً صالحاً، يُعامل النّاس باتّزان وحكمة، ولهذا يجب على الآباء أنْ يتّبعوا أسلوب الشّدة والحزم في كلامهم؛ مثلما فعل أجدادهم، دون أن يُغفِلوا جانب اللّين في الحديث والإقناع؛ لينشأ الطِّفلُ مُتعلِّماً مَواطِن اللّين والشِّدة، وأسلوب الإقناع والتّأثير، فيجعله هذا مُتَّزِناً مُبدِعاً.[٢] التّربية دون ضرب يُعدُّ الضَّربُ من الأساليب التي تترك أثراً وعواقب كبيرةً؛ سواءً في الجانب الجسديّ أو النَّفسيّ، وذلك إنْ خرج عن حدود التّأديب والأسُس المعقولة التي يُمكن تطبيقها، وهذا قد يُؤدّي إلى انهيار شخصيّة الطفل ونفسيّته، ممّا يُؤثّر على مستقبله ويُحطّمه، وقد يتساءل الآباء حول أساليب التّأديب والعقاب التي يمكن أن تُحلُّ محلّ الضّرب، فيحتارون في هذا الخصوص، لكن في الأحوال كلّها يجب تجنُّب ضرب الطّفل تحتَ أيّ ظرف؛ لأنّ الطّفل لا يُدرك ما يقوم به، ولا يُميّز بين الصّحيح والخاطئ، كما لا يقصد الوقوع في الخطأ؛ ولأجل ذلك يجب ألّا يُعاقب بالضَّرب.[٤] من البدائل العديدة لأسلوب الضّرب المُؤذي ما يأتي:[٤] النّظر إلى الطّفل نظرةً حادّةً، أو التّعامل معه بأسلوب الهَمهَمة، فلكلا الأسلوبين تأثيرٌ كبيرٌ وإيجابيّ؛ خاصّةً حين يُوجَّه إليه نهيٌ أو أمرٌ مُعيّن، حينها ينظر إليه والداه نظرةً حادّةً تُشعره بغضبهما، ولكن يجب تدريب الطّفل على هذه النّظرة منذُ صغره؛ ليعلمَ معناها، ويمتثل لأمر والديه. حرمان الطِّفل ممّا يُحبّ مع التّدرُّج في ذلك؛ فيُحرَم بدايةً من الأمور التي يحتاجها احتياجاً أقلّ من غيرها، كالألعاب مثلاً، ثمّ يُرفَع مستوى الحرمان إن لم يستجب، فيُحرَم من اللّعب مع أصدقائه خارجاً، ثمّ من مصروفه، وهكذا. تركه يتحمَّل مسؤوليّة عدم استجابته بعد أن يكون الوالدان قد نبّهاه مُسبقاً على ذلك، كأن لا يستجيب الطِّفل مثلاً لطلب والديه بأنّ يحلّ واجباته المدرسيّة، فيكون الأسلوب الأمثل بأن يتركه والداه يذهب إلى المدرسة دون حلّ الواجبات؛ كي يتحمّل مسؤوليّة ما صنعت يداه وعاقبته، فيعرف أنّه كان مُخطِئاً. استخدام أسلوب الخِصام والهَجر، فهو أسلوب فعّال جدّاً، خاصّةً إذا كانت علاقة الطِّفل مع الوالدين وثيقةً، ويُؤلمه أن يهجرَه والداه أو يتجنّبا محادثته، ممّا يدفعه إلى طلب رضاهما، وفعل ما هو مطلوب منه، أو العودة عمّا قام به. إظهار خيبة أمل الوالدين وعدم رِضاهما بفعل الطّفل، فحينما يشعرُ الطِّفل بأنّ والديه قد خاب أملُهُما به جرّاء تَصرُّفه الذي بدر منه فسيشعر بالذّنب، ومن الواجب أنْ يُخبراه بما كانا يتوقّعانه منه، ومن الضّروري التثبُّت من أنّ الطفل قد فَهِم الصّواب من الخطأ، وإخباره بنتائج فعله وتصرُّفه الخاطئ. اختيار منطقة مُنعزلة في المنزل، مثل كرسيٍّ في زاويةٍ مُعيّنة لا يتردّد عليها الكثير، وجَعلها مكاناً لقضاء فترة التّأديب فيه، فيكون لدى الطّفل العلم المُسبَق أنّه في حال تصرّف تصرّفاً خاطئاً ولم يستجب لما يقوله له والده فسوف يُعاقَب مدّةً زمنيّةً معيّنةً في ذاك المكان. استخدام أسلوب فرض الضّرائب؛ وذلك بأنْ يدفع الطِّفل ضريبةً مُحدَّدةً في صُندوق مُخصَّص لهذا الأمر، عن كلّ عملٍ وقولٍ غير مناسب يقوم به، ومن اللّطيف أن يتشارك الوالدان هذا الأسلوب معه، فيدفعا ضرائب كذلك في حال ارتكابهما أيّ خطأ؛ ليتعلّم الطِّفل أنّه لا تمييز بين صغير وكبير، وأنّ القانون يسري على الجميع. اقتراحُ فكرة صندوق المواسم التي تُفعَّل في حال إصدار الطّفل إزعاجاً كبيراً في إحدى الألعاب التي يلعب بها، ولم يستجِب لأوامر والديه ومطالبهما بأن يلعب بهدوء، أو في حالِ تخريب الطّفل شيئاً من ألعابه، وإلحاقه الضّرر به، حينها تُنتزَع اللّعبة منه، وتوضَع في صندوقٍ مُخصَّص يُسمّى صندوق المواسم، ويتمّ إخراجها في وقتٍ مُحدَّدٍ ليلعب بها؛ كي يشعر بقيمة الأشياء، وهذا تابعٌ لفكرة الحرمان من شيء يُحبّه، ويجب التنبُّه أنّه في حال تطبيق هذا القانون وتمّت مُعاقَبة الطّفل على شيء ما، فإنّه يجب تكرار الأسلوب نفسه في المرّات القادمة التي يُسيء فيها الطّفل التصرُّف وعدم تجاهله؛ ليتربّى على احترام القوانين.