شيماء عبدالله
ثلاثة وثلاثون عاما هي عمر كريستينا سوشن، التي عانت في معظمه من الاكتئاب، شيء واحد ساعد كريستينا على التعافي، كان هذا الشيء هو الكتابة.. تجارب عديدة ساعدت الكثيرين في تخطي أوجاعهم، والتعافي من الاكتئاب للعبور من البوابة السحرية إلى عالم آخر بعيد عن العذاب النفسي.
تحتل الكتابة جزءا مهما من مسارات العلاج المعرفي السلوكي، ويوصي العديد من خبراء الصحة النفسية بالقيام بمهمة الكتابة اليومية كنوع من العلاج للتخلص من الماضي وآثاره، أو حتى ترتيب الحاضر للتكيف والتعامل معه، ولا يعتمد العلاج بالكتابة على الأفكار الملهمة، ولا الترتيب المنمق للكلمات، ولا الحشو المبالغ فيه للتشبيهات، ويبدأ العلاج -على العكس تماما من كل هذا- بكتابة ما تشعر به فعليا، وليس ما يجب أن تشعر به.
يحمل العلاج بالكتابة العديد من الفوائد، ربما لا تناسب الجميع كما يقول الاختصاصي النفسي الأميركي "جيل هويل"، لكنها على الأقل قادرة على أن تكون ركيزة أساسية مع العلاج السلوكي والدوائي، بما يعجل بالشفاء من الاكتئاب.
كيف يساعدنا العلاج بالكتابة؟
في دراسة أعدتها جامعة تكساس على مجموعات من الطلاب، حول تأثير الكتابة التعبيرية، على الاكتئاب، أظهرت النتائج أن الكتابة أثرت على قياس تنظيم العاطفة على مدى ستة أشهر، وأوضحت الدراسة أن أثر الكتابة على الطلاب يتلخص في الآتي:
الوعي بالنفس
يقول الطبيب النفسي سينثيا مكاي "إن العديد من الناس فوجئوا بما يكتبون، وأن بإمكان الكتابة أن تخرج شحنة القلق من شيء لم تكن تعرف أنه يزعجك أبدا، فالتعبير عن الذات من شأنه أن ينقل النفس إلى السطح، ويخرج المشاعر المكبوتة في الأعماق، ويجعلها أكثر تحررا"، مضيفا "الكتابة سواء كانت سرية أو قررت مشاركتها مع معالجك النفسي، فهي في كل الأحوال ستكون عونا لك على التجاوز".
القدرة على السيطرة
يقول عالم علم النفس الإكلينيكي بيربيتوا نيو، إن الأشياء عندما يمسها القلم، تصبح أكثر قابلية للإدارة، وعندما تحوم الأفكار في عقلك يصبح من الصعب السيطرة عليها والتحكم بها، لكن عندما تخرج على الورق يصبح كل شيء ممكنا، خاصة تقليل ما نشعر به من فوضى بداخلنا.
العودة للواقع
الخروج من شرنقة الاكتئاب والأفكار الملازمة له، والتي في كثير من الأحوال، تكون غير مطابقة للواقع، تساعدنا الكتابة التعبيرية، في العودة للواقع من جديد، وهو الأمر الذي لا ينجح فيها العلاج الدوائي وحده.
الاسترخاء
الشعور بالراحة أحيانا هو أقصى طموحات مرضى الاكتئاب، وتساعدنا الكتابة في الاسترخاء ومنحنا هذا الشعور بشكل كبير، بالإضافة إلى أنها تجعلنا أكثر قدرة على تفهم مشاعرنا وقدراتنا، وإذا ما كنا نستطيع التجاوز وحدنا أم نحتاج لمساعدة آخرين.
تغيير وجهات النظر
ليس فقط تجاه المواقف والأشخاص، بل تستطيع الكتابة أن تغير وجهة نظرنا عن أنفسنا، وتمكننا من النظر بشكل إيجابي لمواقفنا، وتغيير النظرة السلبية عن بعض تصرفاتنا تجاه الناس والمواقف.
ماذا وكيف نكتب؟
هناك العديد من التمارين التي يمكنكم القيام بها في محاولات للكتابة التعبيرية، فكما يقول العالم النفسي، بيربيتوا نيو "الكتابة فعل اعتيادي، والتعود عليه يمنح القدرة على الاستمرار، فاكتبوا كل شيء، كل ما يدور في أذهانكم".
ربما يختار أحدهم الكتابة على هيئة خطابات ورسائل، أو الكتابة لمن آذوكم، أو العكس، لمن آذيتموهم، في محاولة لإعادة تفسير المواقف وتفنيدها، وإعطائها صورة واضحة كما هي في عقلك الداخلي.
لا تتردد كذلك في الكتابة فور تعرضك لموقف عصيب، أو صدمة، فإذا لم يكن متاحا اللجوء لطبيب نفسي، فإن الكتابة وقتها تمنح قدرا سريعا من التعافي من الصدمة.
كما أن الكتابة عن الأحلام وخاصة لمرضى الاكتئاب ضرورية للغاية، فالأحلام هي صور انعكاسية لما يدور في العقل الباطن، وتفريغها على الورق سيمنحك رؤية جديدة.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية