أدوار تربوية في حياة الأم المسلمة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
أدوار تربوية في حياة الأم المسلمة

◄التعليم بالمحاكاة والقُدوة والتلقّي

مهما تعددت المسؤوليات والأدوار الخاصة بالمرأة، فإنّ دورها كأُم يظل هو الدور الأكثر قيمةً وتفرداً. فهذا الدور العظيم يشمل تربية أطفالها وتنشئتهم تنشئة سليمة، وتحصينهم بكلِّ خُلق وفضيلة ومدّهم بكلِّ مدد طيب وكريم، وإحاطتهم بكلِّ رعاية وعناية وتهيئتهم لمواجهة الحياة.

إنّ المرأة الصالحة تعي مسؤولياتها في تربية الأبناء التربية السليمة، وتعي مختلف الأدوار التربوية الإيمانية والأخلاقية، والمجتمعية والنفسية والصحية، التي يتعيّن عليها القيام بها قولاً وعملاً في سبيل تربية أبنائها وبناتها.

حيث بدأت إيمان إسماعيل، حديثاً عن تلك الأدوار التربوية، بأنّ التربية هي مسؤولية الأسرة المسلمة تجاه أبنائها وبناتها، وتتحمل الأُمّهات الجانب الأعظم من تلك المسؤولية التي تُعد أحد الحقوق الشرعية، التي منحها الإسلام الطفل المسلم، وهذا حقه في أن يحظى بالتعليم والتوجيه من جانب الأهل. وفي ما يتعلق بالتربية فقد أشارت إلى أنها تبدأ منذ اللحظات الأولى التي تعقب ولادة الطفل، وذلك باستفتاح الأُم، أو غيرها، في أذن الطفل الوليد بكلمات الأذان اقتداءً بسنة رسول الله (ص). بعد ذلك تبدأ مرحلة التربية الإيمانية بالمشاهدة والملاحظة والمُحاكاة من قبل الطفل. وبما أنّ التوحيد هو الأساس في عبادة الله سبحانه وتعالى، فينبغي أن يعرف الطفل بوحدانية الله سبحانه في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته حتى يعبد الله على الوجه المشروع الذي أراده الله عزّ وجلّ، كما تقوم الأُم بتعريف أطفالها بالسيرة النبوية العطرة. فإذا بلغ الولد سن السابعة ينبغي على الأُم أن تعلمه مراتب الدين وهي: الإسلام فالإيمان فالإحسان، وتأمر أولادها بالصلاة بنين وبنات وتدربهم على أدائها، وتعلمهم الأحكام المتعلقة بالطهارة والصلاة.

 

التربية الأخلاقية:

كما وضحت الأخت إيمان إسماعيل أنّ مسؤولية التربية الأخلاقية تأتي في المقام الثاني من المسؤوليات التربوية في المنزل، وتتحمّل المرأة المسلمة القسط الأكبر من هذه المسؤولية، التي تتضمن تربية الأبناء والبنات على الصفات الحميدة والخصال النبيلة مثل الصدق، الأمانة، حفظ اللسان، احترام الكبير وغيرها من الصفات الحسنة التي يجب أن يتم إدراجها ضمن التربية الأخلاقية للطفل لأهميتها في تكوين شخصية المسلم.

ففي مجال الصدق والأمانة، على سبيل المثال، ورد عن عبدالله بن مسعود (رض) عن النبي (ص) أنّه قال: "إنّ الصدق يهدي إلى البرّ وإنّ البر يهدي إلى الجنة، وإنّ الرجل ليصدق حتى يكون صِدِّيقاً وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور وإنّ الفجور يهدي إلى النار، وإنّ الرجل ليَكْذِب حتى يكتب عند الله كذّاباً" (صحيح البخاري). وعن أبي هريرة (رض) أنّ النبي (ص)، قال: "آية المنافق ثلاثٌ إذا حدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا ائتُمِنَ خَانَ" (صحيح البخاري). لذلك، فإنّ الأسْرة المسلمة مسؤولة أمام الله سبحانه وتعالى، عن ترسيخ الخصال الحميدة في سلوك أفرادها، سواء أكانوا كباراً أم صغاراً، لأنّ هذه الصفات النبيلة هي الباعث على استقامة السلوك، والسبب في ثَبَات القِيِم.

 

مسؤولية القدوة:

إنّ التربية الأخلاقية داخل الأسرة، تتطلب تعويد الأطفال على الصدق في كلِّ قول وفعل، مهما صغر أو كبر، وعلى الراشدين والراشدات تقع مسؤولية القدوة في ذلك وفي هذا الجانب بيّن المصطفى (ص) أدنى درجات الكذب مع الأطفال، فقال في الحديث الذي رواه أبو هريرة (رض): "مَن قال لصبي: تعال هاكَ، ثمّ لَمْ يعطِهِ شيئاً، فهي كذْبَةٌ" (صحيح الألباني). ولهذا الحديث الشريف، شاهد من حديث عبدالله بن عامر (رض) أنّه قال: أتَى رسول الله (ص) في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت أخرُج لألعب، فقالت أمي: يا عبدالله، تعال أعطيك. فقال رسول الله (ص): "ما أردتِ أن تُعطيَهُ؟" قالت: أعْطيه تَمْراً. قال: فقال رسول الله (ص): "أما إنّكِ لو لم تعطِهِ شيئاً كُتِبَتْ عليكِ كِذْبَةٌ".

وأما الأمانة فشأنها عظيم، حيث جاءت في كتاب الله متضمّنة الدين كلّه بأوامره ونواهيه، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72). وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا...) (النساء/ 58). وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال/ 20). والصدق من مشتقات الأمانة ومُتمّماتها، حيث جاء الحديث عن الأمانة، مُقترناً بالصدق في أحاديث رسول الله (ص) حيث جُعل من علامات إيمان صاحبها الملتزم بها، ومن علامات النفاق لتاركه والمتخلّي عنه.

وكذلك فإنّ تربية اللسان على الألفاظ الحسنة واجتناب الألفاظ السيئة، من مكارم الأخلاق التي حَثّ عليها الإسلام في مَصدرية الكتاب والسنّة، حيث وَكّل الله سبحانه وتعالى بعبده مَلَكَيْن، أحدهما يكتب الحسنات والآخر يكتب السيئات، وقد أحاط الله بعده عِلْماً بذلك، كي يجعل من نفسه رقيباً عليها، فقال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق/ 18).

ومن التربية الأخلاقية للأبناء والبنات، توجيههم نحو اختيار الرِّفْقَة الصالحة وتجنُّب الرفقة السيئة. فقد روى البخاري عن أبي موسى (رض) عن النّبي (ص) أنّه قال: "مَثَلُ الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحاملُ المسك إما أن يُحذِيَكَ، وإما أن تَبْتاع مِنه، وإما أن تجد منه ريحاً طيِّبةً، ونافخُ الكير إما أن يُحرِق ثيابَكَ، وإما أن تِجِدَ ريحاً خبيثةً".

 

التربية الاجتماعية:

التربية الاجتماعية هي تأديب الولد والبنت منذ الصغر، على التخلُّق بالأخلاق الاجتماعية الإسلامية. وهذا اللون من التربية يُعَدُّ من أهم المسؤوليات التي تندرج ضمن مهمة إعداد الناشئة، وهو الجامع لكلِّ الفضائل السابقة من أنواع التربية، وفيه تَظْهَر الآثار لكلِّ ما سبقها.

مِن أهم عناصر التربية الاجتماعية، تَعويد الأطفال على مجموعة من الآداب، منها على سبيل المثال لا الحصر: آداب السلام وهي تحيّة الإسلام، آداب الاستئذان، آداب المجلس والحديث، آداب التهنئة والتعزية، آداب العطاس، آداب عيادة المريض، وآداب الطعام والشراب واللباس، مثل ذكر اسم الله تعالى والتَّيَامُن، وشاهدُ ذلك ما ورد عن عمر بن أبي سَلَمة (رض) في توجيه النبيّ (ص) له وهو غلام، حيث قال: "كنت غلاماً في حِجْر رسول الله (ص) وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله (ص): "يا غلامُ سَمِّ وكُلْ بيمينكَ، وكُل مِمَّا يَلِيكَ".. فما زالت تلك طُعمَتي بَعْدُ" (صحيح البخاري).

 

التربية النفسية والبدنية:

يُقْصَد بالتربية النفسية،تربية الولد على الجرأة والشجاعة، والشعور بالثقة بالنفس، حتى يتمكن من شَق طريقه في الحياة والقيام بواجباته خير قيام. أما التربية البدنيّة، فقد حَثّ الإسلام على أن ينشأ الأبناء والبنات على قوة في الجسم وسلامة البدن، وليس أدَلّ على ذلك، وأنّ الله تعالى تَولّى بنفسه الكريمة أمر صناعة الغذاء الأوّل للإنسان، ولم يَكِل هذا الأمر إلى أمّه، حيث أدَرَّ له اللبن من صدرها وأمرها بأن تُرضعه مدة كافية لنموّه الأساسي، لبناء القاعدة الصلبة في جسمه، فقال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) (البقرة/ 233). وذلك للحفاظ عليه من كلِّ الجوانب الصحية، حتى يكون قوياً قادراً على تَخطّي الصعوبات، كما دعا رسول الله (ص)، إلى تعليم الأبناء الرياضات المفيدة، لمَا في الرياضة من فوائد عظيمة تعود على الصحة، ومن ذلك قول رسول الله (ص): "عَلِّمُوا أبناءَكُم السِّباحة والرِّمايَةَ.. الحديث" (الجامع الكبير للسيوطي).

 

وقفات تربوية مهمة:

هناك وقَفات تربويّة مُهمّة في مراحل عُمرية مختلفة من عُمر الطفل، يجب على الأُم الانتباه لها حتى تُبصّره بها وبما يترتب عليها من أحكام، ومن تلك الوقفات ما يكون في مرحلة الإدراك، إذ يجب تربية الأطفال على الاستئذان بصفة عامة، قبل الدخول على أهلهم أو على أي شخص آخر، ولكن إذا كان الطفل في مرحلة الإدراك، فيجب إلزامه بالاستئذان في أوقات معيَّنة، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النّور/ 58). فإذا بَلَغ الطفل الحُلُمَ، فيجب عليه الاستئذان المطلَق، لقوله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النّور/ 59).

وإذا بَلَغَ الطفل العاشرة من عُمره، فهي محطة التفريق في المضاجع، بتخصيص فراش لكلِّ طفل بلغ العاشرة من عمره، وتخصيص كلّ من الجنسين بغرفة مستقلّة، لقول رسول الله (ص): "مُرُوا أولادكم بالصِّلاة وهم أبناءُ سبع سنين واضربُوهُمْ عليها وهُم أبناءُ عَشْرِ سنين وفرِّقوا بينَهُم في المضاجِعِ" (سِنَن أبي داود).

إنّ التعليم بأحكام البلوغ، من الضرورات الواجب تَعلُّمها في حياة المسلم والمسلمة، لما يُبني على البلوغ من أحكام فقهيّة، تتعلّق بالطهارة الحسّية والمعنوية، وما يترتب على البلوغ من أحكام تتعلق بالاحتلام والحَيْض والنّفَاس، والحفاظ على الأعراض، يعمل الاحتياطات التي تَحفظ الإنسان من الوقوع في الفواحش وكبائر الذنوب. وقد ورد في القرآن الكريم وسنّة المصطفى (ص) نصوص كثيرة تُمثل القواعد العامة، التي عالجت موضوع أحكام البلوغ علاجاً جذرياً، بأسلوب علمي عفيف محتشم، مع توفير متطلبات الفطرة بطريق مُباح عن طريق الزواج الشرعي، عندما تتوافر شروطه ومستلزماته. وقد أحاط الإسلام هذه الغريزة بالضوابط التي تعف الرجال والنساء، من أن تمتد عيونهم إلى ما حرّم الله عليهم، فقال تعالى في حقِّ الرجال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (النّور/ 30). وقال عزّ وجلّ للنساء: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النّور/ 31).

 

قراءة 827 مرة