الأسرة هي القاعدة التي يُبنى عليها الضوابط الاجتماعية من خلال تعهد الأبوين لأبنائهم وتربيتهم التربية الصالحة، وقد أوجب الإسلام على الآباء مسؤولية تخريج أبناء صالحين يُساهمون في بناء المجتمع على أُسس رصينة وذلك من خلال تربيتهم لأبنائهم التربية الإسلامية بتعويدهم على عمل الخير وتأصيلهم على حبّ الآخرين واحترامهم، وتقوية الفضائل في نفوسهم مثل: الصدق، وحفظ الأمانة، ورعاية الضعفاء والمساكين، فهذه الصفات الحميدة لا يمكن أن يكتسبها الفرد إلّا في أسرة سليمة يقوم الأب بالدور المناط به، وكذلك تقوم الأُم بالدور الموسوم لها، فإذا أديا ما عليهما من مسؤولية فإنّ أبنائهما سيكونوا صالحين وتالياً سيكون المجتمع مجتمعاً صالحاً يسودهُ الأمن والاستقرار.
ممّا لاشك فيه أنّ الأسرة تُعدّ الخلية الأولى في بناء المجتمع الإنساني، فهي الحضن الاجتماعي الذي تنمو فيه بذور الشخصية الإنسانية وتتكوّن اتجاهاتها، وتكتسب منه المعايير والقيم والأنماط السلوكية، ولذا فإنّها تعد أهم المؤسسات التربوية المسؤولة عن تربية الأبناء فهي تحتل المرتبة الأولى من عمليات التنشئة الاجتماعية والثقافية، ويقع على عاتقها دور كبير في هذا المجال، ومن هذا المنطلق فإنّ بناء علاقة وطيدة بين الأسرة والمؤسسات الأمنية تقوم على التفاهم والتعاون، تُعدّ مطلباً أساسياً لتحقيق أهداف التوعية الأمنية بين أفراد المجتمع.
الأسرة في الإسلام هي أساس بناء المجتمع المسلم، وهي الوحدة الأساسية التي تضم الأصول والفروع. ولقد اهتم الإسلام اهتماماً عظيماً بقضية بناء الأسرة المسلمة، وأفرد لذلك مجالاً واسعاً في تشريعاته المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبويّة، بهدف تنظيمها وتقويتها وضمان استقرارها، وما يؤكّد ذلك أنّه وضع نظاماً دقيقاً يتناول مراحل تكوين الأسرة والتي تبدأ بالزواج الذي جعله الإسلام الأساس الأوّل في بناء الأسرة المسلمة والتي منها يتكوّن المجتمع المسلم، وقد بيّن أهميّة ووضع الضوابط التي تحكمه، كما بيّن مراحله ووضّح كلّ مرحلة توضيحاً دقيقاً بهدف المحافظة على استمرار المجتمع وتحقيق النتائج المرجوة منه.
إنّ الأسرة لها دور كبير في تحقيق الضبط الاجتماعي في المجتمع المسلم من خلال الامتثال للقواعد والمعايير والقيم الإسلامية التي تحصل بها تقوى الله، فإن كانت هذه القواعد والمعايير في حدود تعاليم الدِّين الإسلامي متفقة معه ولا تتعارض مع القواعد الشرعية فهي مقبولة والامتثال لها يدعم التعاون والتماسك الاجتماعي، أمّا إذا خالفت قواعد شرعية فيجب نبذها واستبدالها بما يتوافق مع تعاليم الدِّين الإسلامي. لاشك أنّ الأسرة - باعتبارها أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية - يمكنها أن تسهم بدور فاعل في مجال التوعية الأمنية، إذا تم ذلك وفقاً لرؤية واضحة لهذا الدور.
ومن خلال دراسة ميدانية في هذا الصدد، يوضح أحد الباحثين أنّ الأسرة يمكنها، في الوقت الراهن زيادة الوعي الأمني، من خلال التركيز على الآتي:
- تنشئة الفرد نفسياً بغرس الثقة في نفسه وحمايته من كلِّ ما يشعره بالنقص.
- الإسهام في تعزيز الفكر الوسطي المعتدل لدى الأبناء.
- تنشئة الفرد فكرياً بما يتيح له القدرة على التفكير السليم، ووضع الأُمور في نصابها الصحيح.
- تجسيد الصورة المشرقة لرجال الأمن أمام الأبناء، حتى يعوا الدور الفاعل الذي يقومون به في حماية الأمن، وتعزيز الاستقرار.
- تنمية ثقة الفرد بنفسه، من خلال إشعاره بقيمته الذاتية، ودوره الإيجابي في خدمة مجتمعه.
- تنشئة الفرد جسمياً حتى يكون قادراً على الوفاء بالمهام الموكولة إليه.
- تنمية أواصر الثقة والتعاون مع المؤسسات الأمنية.
الأسرة يمكنها أن تقوم بدور فعّال في التوعية الأمنية من خلال العلاقة الوطيدة بينها وبين المؤسسات الأمنية، ممثلة في التنشئة الاجتماعية السليمة للفرد على القيم الفاضلة، وكذلك من خلال السلطة الرقابية التي تتمثّل في الإبلاغ عن الجرائم. إنّ بناء الأسرة وسيلة فعّالة لتحقيق الأمن ولحماية الأفراد من الفساد، ووقاية المجتمع من الفوضى، إنّ التوعية الأمنية تبدأ في نطاق الأسرة أوّلاً، فالأسرة هي المدرسة الأولى التي يتعلّم فيها الطالب الحقّ والباطل، والخير والشر، ويكتسب تحمّل المسؤولية وتحرِّيه الرأي الصواب، واتّخاذ القرار السليم.. فالسلام الأسري هو توفير الحبّ والوئام والاستقرار والتطوّر بين أفراد الأسرة وتعزيز ثقافة السلم في حل الصراعات والنزاعات التي تنشب بين أفرادها في أوقات الكدر، فالأسرة هي المنطلق الأصيل نحو استقرار النفوس وأنس القلوب، وتقويم السلوك، ومن ثمّ الانطلاق نحو حياة مجتمعية ناجحة ومتقدّمة، لأنّ زعزعة هذا الكيان الأسري والدفع به نحو العنف الأسري، وشيوع الخوف والضعف، وفقد السلام والأمن يؤدّي إلى خلل عظيم في الأُمّة بأسرها.