سرقات الأطفال.. بين الفهم الصحيح والعلاج التربوي

قيم هذا المقال
(0 صوت)
سرقات الأطفال.. بين الفهم الصحيح والعلاج التربوي

يجب أن ننتبه منذ البداية إلى أن السرقة عند الطفل لها مدلول يختلف عن المدلول الذي لدينا نحن الكبار.

فالسرقة لدينا عمل مشين، يتنافى بطبيعة الحال مع القيم والمعايير الأخلاقية، ولذا نستطيع أن نتصور مدى انزعاج الآباء، عندما تبعث إليهم المدرسة، لتعلمهم بأن أطفالهم ضبطوا متلبسين بالسرقة، إنّهم يضطربون اضطراباً شديداً، قد لا يحدث إذا قيل لهم إن أطفالكم كسالى أو متخلفون دراسياً، ذلك لأنّ الآباء لا يعتبرون أنفسهم قد فشلوا في تعليم أطفالهم قواعد العلم وأسس المعرفة والثقافة فحسب، بل أخفقـوا أيضاً في تهذيبهـم وتقويمهم، وأن هؤلاء الأطفال قد صاروا يواجهون مستقبلاً متردياً يؤكده هذا الانحراف الأخلاقي.

حقيقة الأمر، أن هناك أنواعاً من السرقة يأتيها الطفل بدوافع بعيدة كلّ البعد عن دوافع السرقة في مدلولها السالب المهين، الذي لدينا نحن الكبار، فقد يسرق الطفل لأنه لا يدرك معنى الملكية، والأجدر بنا والأصوب أن نهتم ببحث واستقصاء الدوافع والأسباب التي أدت إلى سلوك السرقة قدر الاهتمام بالواقعة نفسها.

دوافع السرقة وأسبابها:

أولاً: الجهل بمعنى الملكية

عندما يمد الطفل يده ليستولي على ممتلكات غيره، فذلك لأنه يرغب في استخدام تلك الممتلكات، لا ليسرقها كما نتصور، فهو يجهل تماماً معنى أن نحترم ملكية الآخرين، فنموّه لم يمكنه بعدُ من التمييز بين ممتلكاته وممتلكات غيره، وهو أيضاً لا يدرك أن احترام ملكية الآخرين يعني ألّا يحصل عليها، أو يستخدمها إلّا بإذن من أصحابها، وإلّا عُدّ الأمر اعتداءً على حقوقهم.

وقد ينبّه الأب أو الأم إلى ذلك بالزجر تارة وبالعقاب أخرى، ولكن لا يفتأ الطفل أن يعاود الفعلة مرة أخرى، ذلك لأن المعنى لم يرسخ بعد في ذهنه، إنه بالقطع لا يتصور أنّه فعل أمراً مذموماً.

ومثل هذا الطفل لا يمكننا أن نعدّه سارقاً، يكفي لكي نعوّده على سلوك الأمانة أن ننمّي فكرته عن الملكيتين الخاصة والعامة، وذلك بأن نخصص له أدوات خاصة يتناول بها طعامه، وأخرى يستخدمها في الاعتناء بأمور نظافته الشخصية، وأن نخصص له كذلك اللعب والكتب والأدوات التي يحتفظ بها في مكان يخصه وحده، في الوقت الذي نطالبه بضرورة الحفاظ عليها من التلف والعناية بها، وعدم إهدارها أو فقدها.

ثانياً: الغيرة والانتقام

الطفل قد يسرق في المواطن التي تثار فيها غيرته الشديدة، فقد يسرق من والديه إذا وجد أنهما انصرفا عنه وأهملا شـؤونه، والسرقة هنا انتقامية كردّ فعل لتجاهل الوالدين له، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قد تكون السرقة نوعاً من التنفيس عن الغضب، ولذا فقد تكون الأشياء المسروقة من ممتلكات الوالدين، وقد لا تكون، فقد يلجأ الطفل إلى سرقة زميل له يشعر تجاهه بالضيق أو الغيرة، لا يستطيع مواجهته أو مصارحته، فيسرق أدواته، وقد يحطمها، لأنه يسرق بدافع الانتقام والتشفي.

ثالثاً: الرغبة في الامتلاك

قد يسرق الطفل شيئاً لأن لديه رغبة ملحّة في استخدام أو امتلاك الشيء المسروق، إذا وجد الطفل بحوزة صديقه لعبة أعجبته، في الوقت الذي لا يمتلك مثلها، فقد يفكر ملياً في سرقتها واستخدامها في خفية تامة، ليستمتع بلذة ملكيتها، ونشوة استعمالها، وفي هذه الحالة لا يسرق الطفل إلا ما يروقه من أشياء، وفي بعض الحالات يعيد الشيء المسروق خفية أيضاً، بعد أن يكون قد استخدمه وحقق رغبته، ولم يعُد لهذا الشيء المسروق الجاذبية بالنسبة له، ومن هنا يتحتم على الآباء أو الأمهات توفير الأدوات أو المقتنيات أو اللعب التي تروق أطفالهم، قدر الإمكان، حتى لا يلجأون إلى السرقة بدافع الرغبة في الامتلاك.

رابعاً: الخوف من العقاب

يحدث أن نجد طفلاً قد أضاع مثلاً عُلبة ألوانه بالمدرسة، فيذهب إلى المنزل يشكو لأبويه، حتى يمكنه الحصول على النقود، ليبتاع أخرى، فيأبى والداه أن يأتيا إليه بمثلها، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يهددانه بالعقاب الصارم إذا لم يجد علبة ألوانه المفقودة، فيفكر الطفل في سرقة النقود اللازمة لشراء العلبة، اتقاء العقاب المزمع تنفيذه، وبعد أن يبتاع مثلها يهمّ الصغير إلى والديه، ويخبرهم أنه قد وجد علبة ألوانه مختبئة في درجه الخاص.

وعندما يقتنع الأبوان بذلك، يزول عنه خطر التهديد والعقاب، ويستنشق الطفل عبير الأمن والاطمئنان، لكن بعد أن يتعلم أن السرقة قد تقي من العقاب أحياناً.

لذا نحذّر الآباء من شدة العقاب إذا ما فقد الصغار أدواتهم، لأن هذه الأمور تعد مسلكا طبيعياً يحدث لكل الصغار، والواجب على الآباء أن يوجهوا صغارهم بنوع من المودة والحب، متغاضين عن العقاب لأول مرة، فيهمّوا بتلبية مطالبهم بإعطائهم البديل، أما إذا تكرر الموقف مرة أخرى، فليتعرفوا على أسباب هذه الظاهرة، فقد يكون الطفل ضعيف الذاكرة، أو سريع السهو والنسيان، أو أن هناك في المدرسة أطفالاً اعتادوا سرقة مثل هذه الأدوات، ونؤكد أن الخوف من العقاب يدفع الصغار دائماً إلى الإتيان بأساليب سلوكية غير مُرضية كالسرقة أو الكذب.

خامساً: التفاخر والمباهاة

يعاني بعض الأطفال الحرمانَ من امتلاك الأدوات والألعاب التي تروقهم، إما لضيق ذات اليد، وإما لسوء تقدير الأبوين بشأن توفير ما يحتاج إليه أبناؤهم من أدوات ولعب، ثم يذهب الطفل إلى المدرسة أو النادي فيروّعه الأمر، لأنه يرى بحوزة أقرانه أصنافاً منها، ومما يزيد الأمر سوءاً أن يجد من رفاقه التفاخر والمباهاة بما يملكون، والسعادة الغامرة بما ينعمون، فتدب الغيرة في قلبه، ويترسخ بداخله الشعور بالنقص لفقده الأمل في اقتناء مثل هذه الأدوات والألعاب.

والنتيجة المتوقعة هي أن الطفل يفكّر ملياً في الأمر، فلا يجد سوى السرقة مفراً ومخرجاً، فيهمّ بسرقة مثل هذه الأشياء من أصدقائه ليلهو بها ويتمتع بصحبتها، وعندما يسأله أبواه عن مصدر هذه اللعب والأدوات، يدعي أن أصدقاءه أهدوه إياها، وقد يجنح فيدّعي أنه فاز في إحدى المسابقات المدرسية فكافأته إدارتها بأن أعطته هذه الهدايا.

أو لعل الطفل يسرق النقود، ويشتري هذه اللعب ويحتفظ بها بعيداً عن الأنظار، حتى يحين موعد ذهابه إلى المدرسة، فيضع هذه اللعب أو بعضها في حقيبته المدرسية، ليتمكن من التباهي أو التفاخر بها أمام أقرانه، مدعياً أن والديه قد ابتاعاها له.

ولا شك في أن هذا الطفل يعاني شعوراً شديداً بالنقص، ويشعر دائماً بأنه دون مستوى أقرانه، لذلك على الأبوين توفير ما يمكنهما توفيره من أدوات وألعاب.

سادساً: التقليد والمحاكاة

 يتابع معظم الأطفال -باهتمام شديد- ما يجري في عالم الكبار، فنجد الطفل يستمع إلى أقوال والده، ويحاول فهمها وترديدها، والفتاة تبدأ بالاهتمام بما تردده الأم فتتابع أحاديثها بإنصات شديد، هذه السمات من شأنها أن تؤثر في الطفل، فهو على استعداد دائم للوقوع تحت تأثير الآخرين، وهو ما يطلق عليه علماء النفس «القابلية الشديدة للاستهواء»، حيث يكون الطفل على استعداد للتأثر بما يسمعه أو يشاهده، خاصة ممن يكبرونه سناً، ويشغلون أدواراً مهمة بالنسبة له، مثل الأب أو الأم.

ويتضح أن الطفل في تلك المواقف إنما يقوم بعملية توحّد مع أنموذج معيّن، وبهذا، يميل إلى التقليد والمحاكاة، وقد يحدث أن تمتد يد الأم إلى حافظة نقود زوجها، لتستولي في تكتُّم وسريّة على بعض النقود، فيراها الطفل دون أن تشعر بوجوده، ثم يأتي الأب ليكتشف الأمر فيثور، وتتنصل الأم -بالقطع- من المسؤولية، أما الطفل فإن عقله يذهب ويجيء، وغالباً ما يسأل نفسه: هل أظل صامتاً احتفظ بالحقيقة لنفسي؟ أم أروي ما رأيت فأكشف أمر أمي فيدبّ الصدام بينهما؟، ومهما يكن موقف الطفل فقد تأثر تأثّراً سيئاً بفعلة أمه، النموذج والقدوة، والأرجح أن هذا الطفل سيغير من قيمه التي اكتسبها، ويعدل من اتجاهاته التي سبق أن تبناها، وبمرور الوقت لا يسأل الطفل والده عما يريده من نقود، بل ستمتد يداه إلى حافظته ليأخذ منها ما يريد.

وبهذا يصبح الطفل محترفاً للسرقة،لا لشيء، وإنما لأنه رأى القدوة والأنموذج متلبّسة بالسرقة، فيقلّد ويحاكي.

سابعاً: أصدقاء السوء

تدريجياً، تتسع الدائرة الاجتماعية للطفل، ويتمثّل ذلك في وجود أصدقاء له يذهب معهم إلى المدرسة ويجيء منها، يقضي بصحبتهم فترات الراحة والاسترخاء، ويجد الطفل نفسه مشدوداً إلى أصدقائه، يبدي ولاءه وإخلاصه لهم، وحينما لا يتدخل الأب أو الأم في انتقاء الأصدقاء، فقد ينحرف الطفل ويسوء الاختيار، فهذا طفل تعرّف إلى صديق يقطن بجواره في المسكن، يكبره بسنوات عدة، ويرافقه خلال رحلات قصيرة في أيام العطلات الأسبوعية، ولسوء الحظ كان هذا الصديق منحرفاً سلوكياً، فقد اعتاد السرقة، ولما كان الطفل يقع تحت تأثيره، وكان الأبوان في غفلة عن ابنهما، فقد انتهت هذه الصداقة باشتراكهما في سرقة النقود، وبعض الأشياء الأخرى.

لقد وجد الصغير في هذا السلوك متعة في إثبات ذاته وقدراته، كما وجد لذّة في الجرأة والشجاعة التي تصاحب السرقة، إن أصدقاء السوء أخطر ما يكونون على الأطفال الصغار، وقد كان في إمكان الأبوين توجيه مثل هذا الطفل، لإثبات وجوده تفيده وتفيد المجتمع أيضاً، وكان من الضروري عليهما انتقاء أصدقائه الانتقاء الصحيح والملائم.

 

تنمية سلوك الأمانة عند الأطفال

يجب أن يدرك الآباء أنه قبل تكوين اتجاه الأمانة، لابد من حدوث اعتداءات من الطفل على ملكية غيره، وهذا أمر طبيعي يجب أن يقابله الآباء بالمرونة إلى أن يتعلم الطفل أساليب التعاون من أخذ وعطاء، كما يجب عليهم عدم التهويل، فيقابل الآباء ذلك بالضرب والإهانة، كما أنه من الخطأ الدفاع عن هذا السلوك، فكلا الأسلوبين لا يساعد على تكوين اتجاه الأمانة.

خلق شعور الملكية لدى الطفل بأن يخصص له مقتنياته الخاصة، وإعطاؤه مصروفاً يومياً يتناسب مع عمره ووسطه الاجتماعي الذي يعيش فيه.

التسامح -قدر الإمكان- في حالات السرقة العابرة، التي تحدث بلا دوافع نفسية، كذلك عدم دفع الطفل إلى الاعتراف بالسرقة حتى لا يعتاد الكذب.

عدم معايرة الطفل أمام الآخرين في حالة السرقة، حتى لا يشعر بالمهانة والنقص، علماً بأن الطفل لو أحس بمشاعر المحبة والحنو والعطف والرعاية، فإنه لن يلجأ إلى السرقة.

كيفية العلاج

مما لا شك فيه أن الوسط الأسري أو المدرسي أو البيئي الذي يتوافر فيه الدفء العاطفي والحب والأمن، والتوازن في المعاملات، والمرونة في التربية يساعد على وقاية الطفل من الانحراف السلوكي، الذي يجد له متنفساً عن طريق السرقة كمثال.

ينبغي توفير ضروريات الأطفال من ملابس خاصة وأدوات ولعب وغيرها، حتى لا يشعروا بأنهم أقل من الآخرين فيلجأون إلى السرقة لتعويض النقص.

احترام ملكية الطفل الخاصة شيء ضروري، ومن هذا المنطلق لابد أن نعلمه كيف يحترم ملكية الآخرين، فإذا حدث أن اعتدى الطفل على ملكية أخيه، فلنأخذ منه أحد مقتنياته ونعطيه لأخيه، فإذا ثار واعترض علّمناه أنه كما يثور لأننا اعتدينا على ملكيته، فإن أخاه سيثور أيضاً لأننا اعتدينا على ملكيته، وبهذا الدرس العملي سيتيقّن أنه من غير المستحب الاعتداء على ملكية الآخرين.

مداومة التوجيه والإرشاد، وغرس القيم الدينية والأخلاقية في وجدانه، مع تقديم الأنموذج والقدوة الطيبة أمامه، فلا ننهى عن سلوك نقترفه، ثم نأتي به نحن الكبار، مع عدم اتهام الطفل بالسرقة، ونحذر من قابله خلع ألقاب على الطفل من شأنها أن تقضي على سلامة صحته النفسية، كأن نقول له مثلاً: يا سارق، يا لص.

لابدّ من دراسة الدوافع التي أدت بالطفل إلى السرقة، وهل هي عابرة أم متكررة؟ وهل تؤدي وظيفة نفسية في حياة الطفل كتعويض فقدانه للحب أو الحنان أو الرعاية؟ أم لها وظيفة اجتماعية كالتباهي أو التفاخر وإثبات الذات؟، فإذا وضعنا أيدينا على مواضع الداء الحقيقي، أمكننا وضع العلاج المفيد والناجح.

قراءة 494 مرة