ليست الثقة بالنفس صفة تولد مع الإنسان، لكنها تُكسب يوماً بعد يوم. وهذا ما يفسر كون بعض الناس يتمتعون بالكثير منها، وبعض الناس لا يملكون ما يكفيهم من الثقة بأنفسهم. من أيّ الناس أنت؟ وهل يمكنك تعزيز ثقتك بنفسك أكثر فأكثر؟ هذا ما ستعرفه في هذا الموضوع.
الأشخاص قليلو الثقة بأنفسهم، هم أُناس لا يكفون عن التقليل من أهميتهم، بل إنهم لا يتصورون أنّ الآخرين يمكن أنْ يروا فيهم أي شيء متميز.
انعدام ثقتهم بأنفسهم وضَعف إيمانهم بقدراتهم يمنعانهم دائماً من اتخاذ المبادرة والتقدم إلى الأمام، فهم يستبعدون دائماً احتمال نجاحهم في ما يقومون به، وهكذا فإنك، أنت نفسك، إن كنت غير واثق بكفاءتك في ما ستقوم به، فإنك غالباً ستتراجع عن القيام بما تتمنى القيام به. هكذا تفكر الشخصية غير الواثقة، وهكذا تتكاسل عن المبادرة وتفوت عليها الكثير من فرص النجاح. وعدا عن ذلك، فإن الأشخاص الذين لا يتمتعون بما يكفي من الثقة بالنفس يُسبِّبون لأنفسهم شعوراً بالضيق وعدم الاطمئنان. هؤلاء الأشخاص غالباً ما يواجهون مشكلة في الإمساك بزمام أمور حياتهم اليومية. في حين أن الثقة بالنفس تعلم الفرد كيف يفكر ويتصرف بكل استقلالية وحرية، وتعطي لعلاقاته مع الآخرين طابعاً مختلفاً ومتميزاً عن غيره.
- لكل إنسان ميزة
عندما تشعر بأنك غير واثق تماماً بنفسك، تذكر أن لك هوية خاصة بك مختلفة عن الجميع، بمعنى أن تكون على معرفة تامة، وعلى اقتناع بما أنت عليه وبماهية شخصيتك، فأنت إنسان بالتأكيد لا تشبه أحداً، لأن الطبيعة تفرض ألا يشبه أي منَّا الآخر، تماماً مثل بصمات الأصابع. تذكر أيضاً أن لديك ذوقك الخاص واهتماماتك الخاصة وحساسيتك الخاصة، وأنك غير مضطر إلى أن تشبه أحداً.
أن تعرف مَن أنت هو المرحلة الأولى. أما المرحلة الثانية، فهي محاولة إلقاء الضوء على نقاط قوتك وإبرازها. إذا كنت، مثلاً، شخص تتمتع بالقدرة على تنظيم حياتك، وهو شيء لا يتمتع به الجميع، أو تتمتع بميزة حسن الإنصات لأصدقائك، أو بميزة كونك إمرأة ماهرة جداً في الطبخ وأطباقك تثير إعجاب كلّ من يتذوقها، فهذه كلها مميزات لا يستهان بها وينبغي إبرازها. جوهر الفكرة هو أنه لا يمكن أن نجد إنساناً واحداً في هذا العالم لا يشعر بالارتياح عند ممارسة هواية معينة دون غيرها، ويبدع فيها أكثر من غيره. لهذا، لا تتردد في الإمساك بورقة وقلم والتركيز على تدوين مميزاتك مهما كانت صغيرة في عينيك، وبعد أن تكتبها، اعمل على صقلها وإظهارها باستمرار.
- أثر الطفولة
مَن منَّا لم يكن يتضايق من لقب متهكم كان يطلقه عليه أصدقاؤه، أو من نقد متكرر كان يوجهه إليه والده أو والدته؟ كلنا واجه انتقادات من هذا النوع تقلل من شخصيته ومن قيمته، لكن بوتيرة متفاوتة. اعمل على التخلص من آثار كلّ الآراء والأحكام والألقاب الاستهزائية التي كان يطلقها عليك الأهل والأصدقاء في مرحلة الطفولة أو المراهقة. فقد وجد علماء النفس أن أسباب انعدام الثقة بالنفس تكون متجذرة في مرحلة الطفولة أو المراهقة، ويكون للآباء والأمهات أو الأشقاء والمحيط عموماً دور كبير في تكريس ذلك، عندما يعايرون الطفل مثلاً بأنفه الكبير أو بفشله في الدراسة أو بأي شيء سلبي يتصف به، بدل أن يحاولوا العمل على تصحيحه وتشجيع الطفل على التحسن.
- المفاتيح الخمسة
1- تَميَّز: لا يكفي أن تدرك أن لك هوية وشخصية خاصة بك، بل عليك أن تعرف أن ذلك يمنحك حقوقاً طبيعية، منها الحق في تكوين أفكار وآراء شخصية والتعبير عنها، والحق في اتخاذ مبادرات، وذلك لكي تستغني عن تبني آراء الآخرين دون نقاش أو انتظار مبادراتهم لتغير لك حياتك. عندما تكون لك آراؤك الخاصة بك حاول أن تبرزها وتعبِّر عنها بطريقة ملائمة أمام الآخرين، ولا تخفيها أو تحتفظ بها لنفسك، ولا تتظاهر بالموافقة على آراء الآخرين فقط لأنك تخشى أن يسخروا من آرائك. وكخطوة إلى الأمام، حاول في حياتك اليومية أن تجبر نفسك على الإدلاء بدورك عندما يدور نقاش عام في حضورك، حتى وإن كان رأيك لا يتفق مع رأي الأغلبية، حتى وإن كنت تعتقد أن رأيك ليس ذا أهمية. في البداية، حاول فعل ذلك في محيط محدود، كأن تعبِّر عن رأيك وسط أشخاص مقربين إليك، داخل الأسرة مثلاً، بحيث لن تخجل من إظهار رأيك ولا من ردّ فعلهم. وبعد أن تكتسب بعض الشجاعة وتتعود على النقاشات، حاول أن تفعل الأمر ذاته وسط الأصدقاء، ثم، وفي المرحلة الأخيرة، افعل الأمر نفسه وأبرز آراءك ومواقفك في المكتب أمام زملائك في الاجتماعات مثلاً.
2- اثبت: كوّن نفسك في علاقاتك مع الآخرين، ولا تنزلق محاولة تغيير حقيقتك حتى تعجب الآخرين، فلا يمكنك أن تكون نسخة من الآخرين لمجرد أن تفوز برضاهم عنك، فذلك أمر محكوم بالفشل، لأن النسخة أبداً لا تكون مثل الأصل. اشتري الملابس لأنها تعجبك فعلاً، وليس فقط لأنها تشبه ملابس صديقك، وعندما تذهب إلى السينما مع الأصدقاء، إذا لم يعجبك الفيلم، فلا تستحي من أن تقول إنْ سُئلت، إنَّ الفيلم لم يعجبك، وذلك حتى إن كان الفيلم قد أعجبهم هم.
3- تحدَّ: ضع لكل يوم أهدافاً وتحديات صغيرة. يحب أن تضع أهدافك اعتماداً على معرفة حقيقية بقدراتك، بحيث تكون معقولة وقابلة للتحقيق بقدراتك، بحيث تكون معقولة وقابلة للتحقيق على أرض الواقع في مدة معينة. يجب أن تعرف إمكاناتك وحدودك ولا تخترقها. افعل ذلك بالتدريج، وقسِّم عملك إلى مراحل، وفي كلّ مرة ارفع من صعوبة التحدي، وجنباً إلى جنب مع ذلك راقب تطورك لتعرف ما الذي أنت في حاجة إلى تغييره، أو تعديله. وإذا فشلت في بعض المرات، فتوقف قليلاً لتدرس فشلك وتعرف أسبابه حتى تصحح الأخطاء وتتمكن من مواصلة إنجازاتك بطريقة أفضل تمكنك من تجنب أخطاء الماضي.
4- تذكَّر: لا تتوقف عن ترديد جمل إيجابية في قرارة نفسك، أو حتى بصوت مسموع عندما تكون وحدك في مكان ما، كأن تقول لنفسك: "يمكنني فعل ذلك"، أو "نعم، لديّ الكفاءة اللازمة لهذه الوظيفة"، أو "أنا الأفضل". ستساعدك هذه الحيلة على أن تصبح إيجابي أكثر في طريقة تفكيرك، وعلى أن تتغلب على أي إحساس بالإحباط أو بعدم الثقة بالنفس، وستجعلك تطرد من رأسك كلّ الأفكار السلبية. لكن هذه الطريقة لن تنجح أبداً وتثمر النتائج المرجوة منها إلّا إنْ كنت مؤمناً بقدراتك.
5- واجه: يواجه كلّ واحد من الناس مواقف مزعجة أو محرجة يشعر فيها بعدم الارتياح. أنت أيضاً لابدّ أن تمر بمثل هذه المواقف السيئة. لكن، إذا كنت واثق بنفسك، فإنك ستواجهها وتعالجها بدلاً من أن تهرب منها. لا تلقي ببصرك إلى الأرض وتطأطأ رأسك بمجرد أن ينظر إليك أحدهم نظرة لم تعتادها، بل عليك أن تصمد وتواجه، وتجيب عن أيّ اهتمام يُوجَّه إليك، وحتى إن كان مجرد نقاش عادي مع أشخاص ليسوا مقربين إليك، واجه وكون إيجابي في النقاش، ولا تنس أنك قد لا تنجح في رفع الإحساس بالضيق من أوّل مواجهة، لكنك مع تكرار الأمر ستكتسب خبرة خاصة بك تجعلك قادر على تفادي مثل هذه المواقف، أو على الأقل مجابهتها بكل ثقة.