عفاف لطف الله
أولاً: حاجات لابدّ منها: يصنف علم النفس حاجات الإنسان وفق هرم .. "ماسلو" إلى مجموعتين أساسيتين:
الأولى تلك التي تتصل بالحاجات إلى الغذاء والماء وحفظ النوع البشري وتدعى حاجات أولية، وهناك حاجات أخرى تدعى الحاجات الثانوية منها: الحاجة إلى الحرية والاستقلال، والحاجة إلى الحبّ، والأمان، والثقافة والقبول، والتواصل مع الآخرين، وتوكيد الذات وهناك الحاجة إلى المعرفة.
هذه الحاجات وسواها يمكن أن تحققها، بيسر وسهولة، تقنية حديثة هي تقنية الأنترنيت.
ثانياً: أسباب الاندفاع وراء الأنترنيت:
ما يلحظ ارتياد أعداد كبيرة من الأطفال والمراهقين والشباب الأنترنيت على نحو كبير، ويكمن وراء ذلك أسباب كثيرة منها:
1- البطالة التي يعاني منها الشباب والمراهقون سواء أكانت بطالة حقيقية أم مقنعة.
2- الفراغ الذي أصبح مشكلة بالنسبة للأطفال والشباب لاسيما في العطلة الصيفية.
3- الأوضاع الاقتصادية الصعبة لكثير من الأسر التي يصعب تأمين حواسيب أو تواصل مع شبكات الأنترنيت لأبنائها، وإهمال بعض الأسر لهم، فيبحث هؤلاء الأبناء عن سلوك تعويضي.
4- البحث عن الخصوصية والعمل على تأكيد الذات من خلال إيجاد عالم خاص بالطفل أو المراهق عن طريق الأنترنيت.
5- إشباع حاجات التواصل مع الآخرين ولاسيما مع الجنس الآخر.
6- إشباع فضول الأبناء إلى المعرفة بكل أشكالها عبر الأنترنيت.
ثالثاً: مقاهي الأنترنيت:
شهد العالم منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي تطوراً كبيراً في مجال التواصل الإلكتروني وتقنيات المعلوماتية، وكان أبرز هذه التطورات شبكات الأنترنيت بأنواعها، وتعد شبكة الأنترنيت عامة أكبر حدث علمي تكنولوجي يضم جلّ ما قدمه الإنسان من معلومات وأفكار ونظريات وكتب ومجلدات وصحف وصور وأغان وفنون متنوعة ومواد إعلامية لتضعها تحت تصرف الإنسان، في أية نقطة من العالم، ولاسيما الأجيال الجديدة التي أصبح كلّ منها قادراً على استخدام الحواسيب والأنترنيت بل متمكناً من مهارات التواصل عبرها بدرجات متفاوتة.
استغلت الشركات التجارية معطيات التكنولوجيا والميزات الخارقة للأنترنيت كما استغلت حاجة الأطفال والمراهقين إلى اقتحام عالم الأنترنيت وأحدثت ما يسمى بمقاهي الأنترنيت.
والمقهي بالمفهوم العام هو ذلك المكان الفسيح الصحي الجميل بمناظره الطبيعية وهوائه العليل وجوه المريح، يرتاده الناس طلباً للراحة والاستمتاع والهدوء، ولتناول وجبات خفيفة لطيفة، لكن مقهى الأنترنيت هو مكان ضيق جداً يخصص فيه حيز لا يتجاوز المتر المربع مساحة لكل مرتاد، يجلس فيه وراء حاسوب يتصل بشبكة الأنترنيت على مدى ساعات وبأسعار مقبولة.
وفي ضوء ذلك اندفع الكثيرون إلى ارتياد مقاهي الأنترنيت على نحو ملحوظ، وراحت هذه المقاهي تنتشر في المدن والقرى، حتى الصغيرة منها انتشاراً مذهلاً وسريعاً.
وقد شهدت الولايات المتحدة منذ عام 1994، وبريطانيا منذ عام 1995 بدايات انتشار مقاهي الأنترنيت، ثم انتقلت إلى سائر أنحاء العالم، ولاسيما دول العالم الثالث، ومنها الدول العربية، وراحت هذه المقاهي تزدهر ازدهاراً كبيراً وتستقطب أعداداً غفيرة من المراهقين خاصة.
رابعاً: الأدوار التربوية لمقاهي الأنترنيت:
لقد استقطبت تقنيات الحاسب والأنترنيت اهتمام الطلبة، وشغلت ساعات طويلة من أوقاتهم يومياً، وأصبحت تنافس المؤسسات التربوية، كالأسرة والمدرسة وغيرها، في أدوارها، وهي بلا شك تؤدي أدواراً تربوية كبيرة وتسهم في هندسة سلوك الفرد ومعارفه.
ولهذه التقنية أدوار تربوية إيجابية وأخرى سلبية يمكن إيجازها على النحو التالي:
1- أدوار إيجابية:
أ- الحصول على المعلومات والمعارف والخبرات والأفكار التي توصل إليها الإنسان عبر رحلة الكشف والبحث، إذ تعد شبكة الأنترنيت أكبر مكتبة معرفية في العالم.
ويذكر في هذا السياق أن خبراء أمريكيين يتوقعون أن الكتب المدرسية في طريقها إلى الانقراض ليحل محلها الكتب الإلكترونية بسبب تقبل الأطفال صفحات الأنترنيت أكثر من الورق، وأصبح عدد كبير من المعلمين مقتنعين بذلك.
ب- الاطلاع، بيسر وسهولة، على العالم وما أفرزته الحضارة البشرية من مكتشفات ومعالم وإنجازات حضارية.
ج- مساعدة طالب العلم على إنجاز البحوث العلمية.
د- تعد الإنترنيت مصدراً للمتعة والترفيه بما يفيد ويغني عقل الإنسان.
هـ- يعد وسيلة جيدة لقضاء أوقات الفراغ.
و- السرعة في التواصل مع الآخرين في جميع أنحاء العالم.
2- أدوار سلبية:
أ- هدر الوقت في البحث عن الدردشة وارتياد المواقع السيئة والإباحية.
ب- انحطاط الرسائل المتبادلة في جميع المحادثة والدردشة.
ج- تدني القيم الأخلاقية التي يمكن أن تتأثر بارتياد المواقع الجنسية والإباحية.
د- دس معلومات أو أفكار خطيرة مسيئة في بعض المواقع .
هـ- هناك أضرار جسدية ناتجة عن التأثر بالإشعاعات، وعن الجلوس لوقت طويل في أماكن قد تكون غير صحية (مقاهي الأنترنيت).
و- لعل الخطر الأكبرهو الوصول إلى مرحلة إدمان استخدام الأنترنيت.
خامسا: مشكلة إدمان الأنترنيت:
1- تعريف الإدمان:
الإدمان عامة هو اضطراب سلوكي يتجلى بتكرار فعل ما من قبل فرد ينهمك في نشاط معين يسبب له نوعاً من المتعة لاقترانه بحاجة نفسية تم إشباعها، بغض النظر عن العواقب الضارة بصحته أو حالته العقلية أو النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.
وللإدمان أسباب كثيرة منها بيولوجية، وأخرى اجتماعية وأسرية وبيئية..
أما إدمان الأنترنيت فهو حالة من الاستخدام المرضي لشبكة الأنترنيت تؤدي إلى اضطرابات في السلوك والتفكير والعادات والمفاهيم.. وقد بدأت هذه الظاهرة بالانتشار في المجتمعات المعاصرة.
وظهر هذا المصطلح في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام1994 من قبل عالمة النفس الأمريكية كامبرلي يونغ التي تعد من أوائل أطباء علم النفس الذين قاموا بدراسة هذه الظاهرة. وقد عرفت يونغ إدمان الإنترنيت بأنه استخدام شبكة الإنترنيت مدة تزيد على ثمان وثلاثين ساعة أسبوعياً.
2- أعراض إدمان الأنترنيت:
أ- الشعور بالمتعة نتيجة اقتران الإدمان بحاجة نفسية أو عضوية تم إشباعها، والشعور بالألم الشديد والحرمان عندما لا يتم هذا الإشباع.
ب- الاستغراق الشديد في ممارسة استخدام الإنترنيت بغض النظر عما يدور حول المدمن من أحداث، فقد لا يسمع نداء يناديه ، وقد لا يرى ما بجواره..
ج- زيادة عدد ساعات الاستخدام على نحو مطرد.
د- الشعور بالتوتر والقلق الشديدين في حالة وجود عائق، وقد يصل هذا الشعور إلى حالة من الاكتئاب.
هــ التكلم عن موضوع الإدمان (شبكة الأنترنيت) في الحياة اليومية بمناسبة وبدون مناسبة، وقد يستيقظ المدمن من النوم ويمارس استخدام الشبكة ويفتح مواقعه المفضلة.
و- استمرار الاستخدام رغم وجود مشکلات كالتأخر عن العمل أو المدرسة، أو اضطرابات في العلاقات الأسرية.
3- مخاطر الإدمان:
تتلخص مخاطر الإدمان بأنها نتاج مركز للآثار السلبية للإنترنيت وأهمها:
- سلب إرادة المدمن.
- التجمد في اتجاه أو مجال واحد.
- العزلة الاجتماعية التامة والانطواء على الذات.
- تأخر المستوى المدرسي والتحصيلي.
- مشكلات أسرية نتيجة قضاء ساعات طويلة أمام الإنترنيت.
- هدر الوقت.
- الهروب من الواقع.
- قلة عدد ساعات النوم.
- معاناة نفسية وأضرار جسدية.
- وقد يفضي ذلك كله إلى ارتكاب الجرائم.
لقد كثر الحديث عما يسمى بالجرائم الإلكترونية، إذ يبتكر المدمن أثناء استخدامه الأنترنيت لمدد طويلة حالات أو مشاهد قد تكون مسيئة للآخرين، منها تركيب الصور والتلاعب بها وتداولها، والتعارف المشبوه، والتغرير بالصغار من المراهقين والمراهقات، وهناك أيضاً حالات الغش بأشكال متنوعة وكثيرة.
ويذكر في هذا السياق أنه أجري الكثير من الدراسات حول مسألة استخدام الحاسب والأنترنيت منها دراسة أجريت في إحدى الجامعات الكورية على 1296 طالبا تتراوح أعمارهم بين12- 19 عاماً، وقد بينت أن 87،7 منهم يستخدمون الحاسب، نسبة الذكور94% والإناث 81٪ وأن 63،4 قليلو الاستخدام و 30،5% متوسطو الاستخدام، و 6،1% معرضون.
كما وجد أن أكثر المواقع ارتياداً لهؤلاء المراهقين هي: الألعاب بنسبة 70% والدردشة بنسبة 12%، وبرامج تعليمية وسواها بنسبة 8% وتحميل برامج 7%.
وفي دراسة أخرى تبين أن أبرز المواقع استخداماً: الدردشة، المواقع الإباحية، الأغاني، الألعاب، المنتديات السياسية والإخبارية.
وفي إحدى الدراسات العربية تبين أن 70% من مستخدمي الأنترنيت مدمنون على المحادثة التي تتطور إلى صداقة وأحياناً إلى مشكلات.
سادساً: واجبات المؤسسات التربوية:
يتضح من الدراسات الكثيرة أن ثمة حالة من إدمان الأطفال والشباب على ارتياد مقاهي االأنترنيث يمكن أن تتطور إلى مشكلة لابدّ من التصدي لها والتعاون بين المؤسسات التربوية لحلها أو الحد منها، والوقاية منها أيضاً، وأبرز هذه المؤسسات:
1- الأسرة:
لاشك في أن للأسرة الدور الأكبر والأهم في تربية أبنائهـا وتعويدهم العادات السليمة وتجنيبهم العادات الضارة، وهي المعنية بتحقيق الحاجات الأساسية والثانوية لأبنائها، وذلك بإغداق المحبة عليهم وإشعارهم بالثقة والأهمية، وإتاحة الفرص الكافية لهم لتحقيق ذواتهم والتعبير عن آرائهم ومنحهم قدراً كافياً من الحرية والمسؤولية.
- ولابدّ من توجيه الأسرة أبناءها عبر الحوار المفيد إلى المواقع الجيدة التي تقدم الفائدة المرجوة، و يمكن مشاركتهم تصفح هذه المواقع بين حين وآخر وإجراء الحوار معهم لمناقشة جدوى هذه المواقع.
- إقناع الأبناء بأهمية الوقت وتعويدهم حسن التصرف فيه والإفادة منه، وإقناعهم بأن هدر الوقت مضر.
- توجيه الأبناء إلى فعاليات وأنشطة أخرى، وتنمية الهوايات وتوجيهها.
- العمل على تنمية حالة من الاصطفاء العقلاني للمواد الجيدة ونبذ المواد المسيئة.
- العمل على زرع القيم الأخلاقية وتنمية الضمير، والتدرب على التقويم الذاتي لدى الأبناء.
2- المدرسة:
إن أدوار المدرسة التربوية مكملة لأدوار الأسرة ويؤدي المعلم الحيز الأكبر من هذه الأدوار عبر معايشته الطلبة والإشراف عليهم وتوجيههم وتنفيذه المناهج التربوية والأنشطة الصفية واللاصفية، فلابد من توجيه الطلبة إلى الاستخدام الوظيفي للإنترنيت بصفتها وسيلة لجمع معلومات جديدة، وإنجاز بحوث وحلقات بحث علمية تعزز المناهج التربوية وتغني معلومات الطلبة وخبراتهم وتزيد تحصيلهم العلمي والتربوي.
ولابدّ من توجيههم إلى المواقع المفيدة وتكليفهم بمهمات علمية تتطلب البحث في صفحات الأنترنيت.
- وضروري أيضاً العمل على جعل المدرسة بيئة تربوية حضارية ثقافية جاذبة للطلبة تمارس فيها الهوايات وتنمى المواهب.
3- أدوار مؤسسات المجتمع الأخرى:
- وضع مقاهي الأنترنيت تحت رقابة تربوية مسؤولة.
- إحداث مواقع خاصة بالمؤسسات التربوية والثقافية والعلمية وتشجيعها.
- التعاون بين أولياء الأمور والمدرسة من جهة وبين أصحاب مقاهي الأنترنيت من جهة أخـرى، وذلك لضبط عمل هذه المقاهي وتوجيهها الوجهة السليمة.
- إخضاع أصحاب مقاهي الأنترنيت إلى دورات تربوية تأهيلية قبل منح الرخص بالافتتاح.
سابعاً: كلمة أخيرة:
في ضوء التقدم التكولوجي والعلمي أصبحت الأنترنيت نافذة الإنسان المعاصر على العالم، وقد دخلت إلى حياتنا من أبوابها الواسعة، وهي بحق أعجوبة العصر المذهلة إذ تطلعك على كلّ ما يدور في العالم بيسر وسهولة، ولكنها ككل تقنية لها مخاطر ومنعكسات سلبية، كما أن لها فوائد عظيمة لا يغض الطرف عن أهميتها، فمن الضروري جداً استخدام هذا النتاج الحضاري الكبير بما يفيد ويثقف ويغني ويطور حياتنا وأفكارنا وقيمنا وسلوكنا، والمهم أيضاً التزام التوازن في الاستخدام بما يحقق الطمأنينة والمتعة والفائدة والأهداف المرجوة.
فلنعمل جميعاً على العيش في عالم معلوماتي أمن دون أضرار تلحق بأجيالنا وأبنائنا.