هل أنت مقتنع بإختياراتك؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
هل أنت مقتنع بإختياراتك؟

د. فوزية الدريع

   قف لمدة دقيقة.. نعم، دقيقة واحدة، لا أكثر، واسأل نفسك هذا السؤال المهم: في هذا الأمر الذي أريد شراءه أو اتباعه أو قوله، هل أنا فعلاً مقتنع بذلك؟ الإجابة قد تُنقذ حياتك، أو على أقل تقدير تُقلل الخطأ في حياتك. والدراسات العلمية الجديدة والقديمة تؤكد لنا أن كثيراً من الأمور التي نقوم بها هي ليست ناجمة عن قناعة شخصية، لكنها بفعل غسل دماغ أجري لنا. ويأتي السؤال المهم، مَن الذي أجرى لنا غسل الدماغ هذا؟ الإجابة باختصار: كل الدنيا، وكل ما حولنا ومَن حولنا، بشكل مُتعمّد أو غير متعمّد. إنّ الأمر كله يعود إلى حقيقة، هي قابلية دماغنا في أن يُصدّق ما يُقال له. لو فكرنا بتلقائيّة لوجدنا، على سبيل المثال، أنّ الطفل يُخزن في دماغه كل الذي يتعلمه منذ ولادته. ومَن يقوم بتزويده بهذه المعلومات؟ نحنُ وكل الذين حوله. ولكننا حين نكبر ويصبح لدينا فعلياً قرار، فإننا في معظم الأحيان نقول "نعم" أو نقول "لا". لكن، علميّاً، ثبت أن مسألة التفكير والإرادة ليست حقيقة بهذه القوة، وأن معظمنا يقول "نعم" وينساق لا شعورياً إلى ما يُقال، خاصة إلى أعيد عليه ما يُقال له. أوَلم يقولوا: "كثر الدّق يفك اللحام"؟ في تجربة قديمة جدّاً، قام رجل أميركي له هوَس بتجارب التجابات الإعلانات والشراء على مُخّنا، في عام 1960، واسمه Vicary، بشراء وقت في السينما، فكان يأخذ نحو خمس ثوانٍ بين استراحات عديدة خلال عرض الفيلم، يعرض من خلالها دعاية لأحد المشروبات الغازية ودعاية "البوب كورن". ووجد أنّه خلال أيام ازداد بيع المشروب الغازي في صالة السينما إلى قُرابة 29%، وازداد بيع "البوب كورن" بمعدّل 60%. إذن، كل الحكاية أنّ المخ، في اعتقادي، يحاول جاهداً الانسياق، ويكون له رأيه. لكن تكرار أي كلمات عليه يجعله يخضع وينصاع، حتى لو كان الأمر لغير مصلحته. بالطبع، كلنا الآن ندرك أنّ الدعايات تؤثر فينا، ولولا هذا الأمر لَمَا صرفت الشركات الملايين على الدعايات. لكن الأمر في مسألة غسل الدماغ يتعدّى مسألة الدعايات. فحياتنا كلها فيها أشخاص يكررون علينا أمراً قد لا يكون لمصلحتنا، بل قد يكون مضرّاً لنا، لكننا نستسلم له. كم طفلاً جلس وهو ناضج على الكرسي في عيادتي، مُحطّماً، فاقداً الشخصية المتزنة، فاقداً القدرة على الوصول إلى حقيقته.. والسبب، أنّ هناك تكرار غسل دماغ حصل له من قِبَل أحد والديه أو كليهما، بأن يكرّرا عليه كلمة: "غبي" أو "مُتعِب"، أو "لا يفهم". وحين أرى الحقيقة أجدها عكس ذلك. أي أجد أمامي شخصاً ذكياً. ولكن كل الذي حصل مع هذا الطفل هو عملية غسل دماغ طويلة. لكن هناك ناضجين قد يتعرضون لحالة غسل الدماغ، على الرغم من مشوار النضج والثقة، مثل زوجة يُكرّر عليها زوجها أنها غير جميلة، أو غير مدبِّرة، حتى تصل بعد مقاومة إلى الاقتناع بذلك، أو موظفة يوصل لها رئيسها رسالة بأنها غبية، وقد يكون غسل الدماغ في الاتجاه المعاكس، أي أن نجد شخصاً يقول له أصدقاؤه إنّه عظيم، فيُصدّق ذلك. ولذلك، قِف أمام ما يُملى عليك من وسائل الإعلام ومن الأصدقاء، ومن الأقرباء، وفكر: هل استطاعوا بهذا التكرار زرع قناعة داخلك أنت لا تريدها؟

المصدر:البلاغ

قراءة 501 مرة