قضية المرأة

قيم هذا المقال
(0 صوت)

قضية المرأة

بسم الله الرحمن الرحيم

أتقدّم بالشكر الجزيل للسيّدات المحترمات العزيزات اللائي حضرن في هذا الاجتماع الجيد و المثمر، و قد انتفعتُ و استفدتُ اليوم حقاً من كلمات السيدات، و شكرت الله سبحانه لما يشاهده الإنسان من عمق في البحوث و المساعي و الأفكار بين السيدات المتميزات و النخبة في بلادنا و الحمد لله. الآراء التي طرحتنّها كانت في غالبها آراء جيدة، و كانت هناك اقتراحات سوف نطلب دراستها إن شاء الله. القدر الذي يتعلق بي و على عهدتي و يجب أن نتابعه سوف نتابعه حتماً إن شاء الله.

الكلام كثير حول قضية المرأة. و نحن نعاني من تخلف أشارت له بعض السيدات. و التخلف في هذا المجال ليس من سنخ التخلف في العلوم، حيث نقول إننا نعاني من تخلف في العلوم. إذا كنا نستخدم هاهنا تعبير التخلف فلأن لدينا في مجال قضايا المرأة و قضايا الجنسين و الأمور التي تتعلق بشكل أو بآخر بالمرأة و النساء - نظير قضايا العائلة و الأبناء و الزواج و السكن و الاستقرار و السكينة و ما إلى ذلك - الكثير من الكلام و الأفكار المميّزة التي لم نوفق لحد الآن لنقلها إلى العالم و طرحها على الرأي العام العالمي. إذن، فالتخلف هو من هذه الناحية. و الحال أن العالم بحاجة للمباني و الأسس و المفاهيم الناصعة الشاملة النافعة، و كما لاحظتم فإن بعض السيدات قلن إننا حين نطرح هذه الأفكار في العالم فإنها تحظى بالترحيب و الإقبال، أو بعض السيدات قلن إن المكتسبات و الإنجازات العلمية في مجالات علم النفس و غيرها تعاضد الأحكام الإسلامية حول المرأة. هذا على كل حال جانب من قدرات النظام الفكري الإسلامي في هذه القضية الحساسة، و لم نستطع التعبير عن هذه القدرات و تعريفها و نقلها. و كذا الحال في الكثير من الجوانب الفكرية و المساحات الفكرية. في كثير من المجالات و الميادين لم نستطع حقاً نقل الرأي الإسلامي و الأفكار الإسلامية إلى العالم.

و حين نقول لم نستطع فلا يمكن اعتبار ذلك ذنب نظام الجمهورية الإسلامية، لأن هذا المقدار الذي أنجز إنما هو بفضل نظام الجمهورية الإسلامية، و بفضل نفوذ الفكر الثوري و أفكار الإمام الخميني و اسم الثورة و اسم الإمام الخميني، حيث أمكن و الحمد لله نشر الأفكار الإسلامية عن هذا الطريق إلى حدّ ما. و لكن ينبغي العمل أكثر من هذا، فنحن بحاجة لهذه الأعمال و الإنجازات، و سوف أوضح هذا الجانب أكثر. من أجل أن نستطيع أن تكون لنا جبهتنا الهجومية المنيعة من تطاول الآخرين و هجماتهم - اصطفاف هجومي - نحتاج إلى نشر هذه الأعمال و الأفكار و الآراء، و إعلامها. هذا ما نحتاجه حاجة حقيقية. و الواقع أن هجماتنا هذه لها بعد دفاعي و تحصيني. و عليه، كلما عملتم من أجل تعويض هذا التخلف، اعتقد أن هذا سيكون مفيداً و لازماً. بخصوص هذه النهضة - يجب القول إن نهضة الصحوة في مجال القضايا الخاصة بالمرأة - يجب فعلاً أن لا يصدر عنا أي تعلل أو توقف أو تقاعس وسط الطريق. مع أن لدينا هذا الخطاب الإسلامي الكامل و المفيد و المقنع، لكننا وضعنا أنفسنا عملياً في موضع الانفعال و الانهزام مقابل الخطاب الغربي بخصوص المرأة.

خطاب الغرب عن المرأة خطاب سياسي محسوب بدقة. بمعنى أنه يوم انطلق هذا الخطاب و هذا الفكر حول المرأة في العالم الغربي، كانت هناك حسابات دقيقة خلف هذا الفكر. طبعاً لا أقول هذا من باب الخبر الذي يقال استناداً إلى معلومات و وثائق خاصة، لكن له مؤيدات من الواقع تعاضده كتحليل. فمنذ بدء النهضة في الغرب و بعد ذلك حيث انتشار الصناعة و الصناعة الحديثة في العالم الغربي تنامى هذا الخطاب في الغرب تدريجياً، و وصل ذروته في زماننا، و طبعاً هذه الذروة سوف يصاحبها انحطاط و هبوط، و إن شاء الله خزي و انهيار لهذا الخطاب.

لخطاب الغرب حول المرأة أجزاء متنوعة، لكن جزئين منه بارزان جداً، أحدهما تشبيه المرأة بالرجل، أي جعل المرأة تتشبّه بالرجل. هذا جزء مهم من هذا الخطاب. و هناك جزء آخر هو جعل المرأة وسيلة مريحة لالتذاذ الرجل جنسياً. و قد يكون الالتذاذ بالعين أو في المراحل الأخرى أسوء من اللذة بالعين. هذا بدوره جزء آخر من خطاب الغرب حول المرأة. و قضايا النسوية و الفيمينية و ما إلى ذلك مما يثار و ينشر في العالم اليوم كلها في الواقع من منتجات ذلك الخطاب الغربي، الذي يفضي في نهاية المطاف إلى هذه المحطات.

تشبيه المرأة بالرجل معناه أنهم سعوا إلى دفع النساء و السيدات نحو أعمال و مهن أكثر انسجاماً مع البنية الجسمية و العصبية و الفكرية للرجل، و جعلوا ذلك فخراً و امتيازاً للمرأة. و قد تعاملنا بانفعال و انهزامية مقابل هذه الممارسات. لقد تقبلنا هذا الخطاب عن غير وعي و عن غير إرادة منا. لاحظوا أننا نفخر الآن بأن لنا العدد الفلاني من النساء العاملات في القطاعات التنفيذية للبلاد. و يجب هنا عدم الوقوع في الخطأ، فأنا لا إشكال عندي مطلقاً على تولّي السيدات لهذه المواقع و المناصب التنفيذية، بمعنى أنني لا أمنع و لا أنفي و لا أرى إشكالاً في ذلك - مثلاً كانت وزيرة الصحة عندنا امرأة، أو ثمة سيدات بين معاوني رئيس الجمهورية في قطاعات مختلفة، هذا ما لا إشكال فيه من وجهة نظري - لكن الإشكال هو أن نفخر بذلك و نستعرض ذلك بفخر أمام العالم لنقول لهم: انظروا لدينا هذا العدد من النساء في القطاعات التنفيذية! هذا هو الانفعال و الانخداع، و لا فخر في ذلك. لا بأس أن تتولّى موقع معين سيدة تتحلّى بالقيم و القدرات و تكون مناسبة لذلك الموقع، و لا توجد في ذلك مخالفة للقانون، و لكن أن نفخر بذلك و كأننا نقول: انظروا، لدينا هذا العدد من السيدات المسؤولات في القطاعات التنفيذية، فهذا خطأ.

من الجيد و المناسب أن نفخر بأن لدينا هذا العدد من السيدات المستنيرات و المتعلمات و الخرّيجات، و لا إشكال في أن نقول إن لدينا هذا العدد من السيدات الكاتبات و الناشطات الثقافيات أو السياسيات، و من الحسن أن نقول إن لدينا هذا العدد من السيدات الاستشهاديات و المجاهدات في شتى ميادين الحياة، و من الجيد أن نقول إن كذا و كذا من النساء عندنا ناشطات في المجالات السياسية و الثورية من كاتبات و خطيبات. الفخر بهذه الأمور جيد. لكن الفخر بأن لنا هذا العدد من الوزيرات و ذاك العدد من نائبات مجلس الشورى، و هذا العدد من المعاونات في القطاعات المختلفة، و كذا عدد من رئيسات المؤسسات التجارية فهذا فخر مغلوط و خاطئ. هذا انفعال في مقابلهم. و هل تقرّر أن نحيل الوظائف و الأعمال الرجالية للنساء؟ لا، مكانة المرأة و هويّتها و شخصيّتها داخل إطار جنس المرأة نفسها هوية جد سامية و مكرّمة، و هي أرفع من بعض النواحي حتى من الرجال. و حين ننظر على الإجمال لا نجد فرقاً بين المرأة و الرجل. من حيث الخلقة و من حيث الخصوصيات الطبيعية التي خلقها الله تعالى ثمة امتيازات للمرأة و ثمة امتيازات للرجل. منح الله سبحانه بعض الخصوصيات لهذا الجنس و منح بعض الخصوصيات لذاك الجنس. هناك مميزات و خصال لهذا الجنس و ثمة قيم و سجايا لذلك الجنس، لذلك لا يختلفان عن بعضهما من حيث ما يتعلق بالإنسانية، و لا فارق بينهما إطلاقاً. لا فرق بينهما في ما يجعله الله تعالى للإنسان من حيث الحقوق الإنسانية و من حيث الحقوق الاجتماعية و من حيث القيم المعنوية و من حيث التكامل المعنوي. أي إن رجلاً يصبح الإمام علي بن أبي طالب، و امرأة تصبح فاطمة الزهراء. و رجل يصبح عيسى و امرأة تصبح مريم، لا فارق بينهما. و بالتالي فهي نظرة صحيحة أن ننظر للمرأة في إطار جنسها - كما هي، كامرأة و أنثى حقيقية - و نرى ما هي القيم التي بوسعها العمل على تسامي و رفعة هذا الفرد المنتمي لهذا الجنس، أو الجماعة المنتمية لهذا الجنس. هذه نظرة صحيحة و قويمة. ما كان ينبغي أن نصاب بهذا الانفعال مقابل النظرة الغربية، لكننا أصبنا به للأسف.

طبعاً في الجانب الثاني من القضية حيث جعلوا المرأة وسيلة لالتذاذ الرجل جنسياً - و ليس الالتذاذ المعنوي و الروحي، و لا الالتذاذ العلمي، و قد يجلس شخصان فيلتذّ أحدهما من كلام الآخر أو معلوماته، و لا كلام لنا في هذا الموضوع - و لكي يستطيع الرجل الالتذاذ جنسياً من المرأة بسهولة، فهذا ما دخل كالسيل من العالم الغربي إلى البلدان الإسلامية غير المنيعة و غير المحصّنة، بما في ذلك بلادنا. و بحمد الله جاءت الثورة فحالت إلى حدّ كبير دون هذا الاختراق، و يجب التصدي لهذه الأمواج و منعها تماماً، فهي خطر كبير و بلاء عظيم، و قضية الحجاب إحدى مقدمات هذه العملية، و كذلك قضية الثياب و الملابس، و حالات المعاشرة و الاختلاط بين المرأة و الرجل و حدود هذه المعاشرة من مقدمات الحؤول دون هذا البلاء الكبير الذي هو بلاء للمرأة و للرجل أيضاً، و فيه طبعاً إهانة خفية و لا شعورية للمرأة. إنها قضية تثار اليوم عن عمد و قصد. و بالطبع فأنا على اطلاع و قد قرأت في كتابات و صحف و كتب للمفكرين الغربيين ما يدل على أنهم راحوا تدريجياً يشعرون بالخوف و الخطر و الدهشة من هذا الوضع، و معهم الحق، لكنهم تأخّروا في فهم المسألة. إثارة حالات الشهوات - و التي كانت مركّزة على النساء، و ترون اليوم أن ما هو أسوء من هذا يحصل في العالم، من قبيل قضايا المثلية الجنسية و هذا العوائل و الزيجات المثلية و ما إلى ذلك - أمور قد تكون سهلة باللسان، لكنها هاويات سحيقة و عميقة و خطيرة تواجه تلك الحضارة و الذين يديرون تلك الحضارة. إنها منزلق عجيب سوف ينزل بهم الويلات و الويلات. و هم لا زالوا في منتصف الطريق نحو المنحدر. و طبعاً اعتقد أنهم غير قادرين على الحيلولة دون مزيد من السقوط، بمعنى أن المشكلة تجاوزت حدود القابلية للعلاج. قبل سنوات - قبل نحو سبعة أو ثمانية أو عشرة أعوام - لاحظتُ في صحف البلدان الأجنبية و قرأت و سمعت أن الأمريكيين يحاولون الاستفادة من كتب الكتاب الفلاني مثلاً و هو من كتّاب الروايات العائلية - و رواياته تدور حول قضايا العائلة - لينتجوا منها الأفلام من أجل أن يوجّهوا السينما و الإنتاج السينمائي بهذا الاتجاه، أي إنهم قاموا ببعض الأعمال و يعملون حالياً، بيد أن هذه الأعمال أشبه بجداول صغيرة مقابل سيل هائل اطلقوه هم بأيديهم فأصابهم و سوف تصيبهم ويلاته بعد الآن أكثر فأكثر. بالطبع لدينا نحن في الوقت الحاضر شيء من المناعة و التحصين يعود فيه الفضل للحجاب و الالتزام بالحدود، و لكن ينبغي على كل حال عدم الاستهانة بهذا السيل، بل أخذه مأخذ الجد و الاهتمام. في هذه القضايا و المسائل التي أشارت لها السيدات المتحدثات و قلن إنهن يعملن في سياقاتها، يجب في رأيي النظر بمنتهى الجد لشؤون الجاذبيات الجنسية و خطرها إنْ على المرأة و إنْ على الرجل و إنْ على المجتمع أو على العائلة.

طيّب.. ذكرنا أن خطاب الإسلام هو «المرأة الحقيقية». و يجب علينا كما أشرت أن نطرح هذا الخطاب بصورة هجومية. لا تتخذوا مواقف دفاعية على الإطلاق. قالت بعض السيدات إن الذين يتبعون معاهدة المرأة أو المؤسسات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة يهدّدون بأنكم إذا فعلتم كذا أو كذا فسنصدر قراراً ضدكم! فليصدروا قراراً و ليذهبوا إلى الجحيم! يجب طرح الخطاب الإسلامي حول المرأة بروح هجومية و على شكل مطاليب دائنة. إذا قالوا لماذا لا تمنحون المرأة الحريّة للتجوّل بدون حجاب، يجب أن نقول لهم: و لماذا تمنحون أنتم هذه الحرية المضرّة المذهلة بالشكل الذي عليه اليوم في الغرب؟ ما يُنتهج اليوم في الغرب بخصوص عدم احتشام المرأة حتى تصوّره يصيب الإنسان بعض الأحيان بالدهشة مما يريدون أن يفعلوا، و إلى أين هم سائرون؟ و لا ريب أن أخباركن و معلوماتكن أكثر مني، لكنني أيضاً لديّ الكثير من المعلومات في هذا المجال، و ما يفعلون في هذا المجال، و على شتى المستويات من أعلى المستويات إلى مستويات العمل و المعيشة المتعارفة للحياة و المهن و ما إلى ذلك. يجب عرض خصال المرأة في هذا الخطاب من قبيل كرامة المرأة و عزتها و ظرافتها و لطافتها، و ليس لطافتها الجسمية فقط بل لطافة بُنيتها الفكرية و العصبية و الأعمال التي يجب أن تقوم بها. هذه الحزم البالغة الرقّة و الدقة من أعصاب الأطفال لا يمكن إلّا لأنامل الأمّ الظريفة اللطيفة أن تحلّها لكي لا تتحوّل إلى عقد. و ما من أحد آخر و لا أيّ إنسان آخر ليس من جنس المرأة بوسعه أن يفعل ذلك، فهذا العمل عمل نسوي. أي إن بعض الأعمال بدرجة من الظرافة بحيث يتعجّب المرء من القدرة الإلهية كيف منحت النساء هذه القدرات العالية إلى جانب الظرافة و الرقّة.

أقول دوماً للأصدقاء و الأقرباء و النساء إنه بخلاف المشهور و المعروف فإن الجنس الأقوى بين هذين الجنسين هو المرأة. النساء أقوى من الرجال. بوسع النساء بتدبيرهن و رقّتهن و دقتهن إدارة الرجل بأيديهن. بوسع المرء أن يشاهد ذلك في التجارب، و بمقدوره كذلك إثباته بالقياسات الفكرية و العقلية. هذه حقيقة. نعم، توجد نساء عديمات التدبير فلا يستطعن فعل ذلك، لكن المرأة المدبّرة تستطيع ترويض الرجل لنفسها. و هذا من قبيل أن يستطيع شخص وضع لجام على أسد مفترس و ركوبه، و هذا لا يعني أنه أقوى من ذلك الأسد من الناحية الجسمية، بل معناه أنه استطاع استخدام اقتداره المعنوي. و للنساء مثل هذه المقدرة و لكن بدقة و رقة، و الرقة التي نتحدث عنها ليست في التركيبة الجسمانية فقط، بل الدقة و الرقة أيضاً في الفكر و التفكير و التدبير و جهاز اتخاذ القرارات الذي أودعه الله تعالى لدى المرأة. و عليه يجب أن يكون أساس الأمر في رأيي هو تعزيز هذا الخطاب و التقدم به إلى الأمام.

النقطة الثانية التي أودّ ذكرها هو اعتقادي أن هناك قضيتين أهم من باقي قضايا المرأة الراهنة في بلدنا، أو لنقل إنها أكثر فورية و بحاجة أكبر للاهتمام من سائر القضايا و الأمور. إحدى القضيتين قضية أهمية البيت و العائلة و اعتبارهما. يجب أن يكون للبيت شأن و منزلة، إذ لا يمكن تصوّر الإنسان من دون منزل، فهو مسكنه و مأواه. كل إنسان بحاجة إلى البيت و بيئة البيت. روح البيئة المنزلية بحاجة إلى العائلة، و ينبغي الاهتمام لذلك و التأمّل و التدبّر فيه. و القضية الثانية الحيلولة دون ضعف المرأة و خضوعها للظلم على مختلف المستويات. لدينا نساء ضعيفات و محرومات و مظلومات و خاضعات للجور، و ينبغي الحؤول دون هذه الحالات من الظلم. تلزمنا قوانين مهمة و لا بدّ لنا من أخلاق و تقاليد و أعراف ينبغي أن تتحقق، و لا بدّ من آداب تجعل المرأة و على شتى المستويات - و قد سجّلتها هنا - المعاشراتية و الجنسية و العائلية و الثقافية و الفكرية غير خاضعة للظلم. فاحتمالات خضوع المرأة للظلم ممكنة ابتدائاً من القضايا و المستويات الشخصية و الخصوصية - أي القضايا الجنسية - إلى قضايا أعمّ من ذلك من قبيل المعاشرات و التعامل و العائلة، و بخصوص قضايا العائلة سجّلتُ هنا: الاحترام في عين الزوج، و في أعين الأبناء، و في عين الأب، و في عين الأخ. إذا احترمت المرأة و كرّمت في البيئة العائلية فسوف يعالج جانب كبير من مشكلات المجتمع. يجب أن نفعل ما من شأنه أن يقبّل الأولاد أيدي الأمّ، فهذا ما يرنو إليه الإسلام. لذا فإن هذا مشهود في العوائل الأكثر تديّناً و أخلاقاً، و الأقرب للمفاهيم الدينية. يجب أن يكرّم الأولاد أمّهم.

و لا تعارض أبداً بين هذا التكريم للأمّ مع تلك الحالة العاطفية و الصميمية بين الأولاد و أمّهم.. لا تعارض إطلاقاً. يتوجّب وجود هذا الاحترام، فالمرأة ينبغي أن تكون محترمة داخل العائلة. و هكذا يكون رفع الظلم عنها. في عائلة من العوائل أو في بيت من البيوت لو افترضنا أن الرجل يهين زوجته بأنواع الإهانات، من الإهانات السلوكية إلى الإهانات اللسانية إلى التصرفات الوحشية بيديه، و هي حالة لا تزال موجودة للأسف في بعض الأماكن من بلادنا، و يجب أن لا تكون. و هي موجودة طبعاً بين الغربيين بكثرة، و هذا ليس بخلاف المتوقع - فالغربيون و خصوصاً الأعراق الأوربية أعراق وحشية، ظاهرهم الأناقة و ربطات العنق و العطور و ما إلى ذلك، لكن باطنهم الوحشية التي كانت على مرّ التاريخ و لا تزال فيهم، فهم يقتلون البشر بسهولة و بدم بارد، لذلك ليس من المستبعد ضرب النساء داخل البيت من قبلهم، و من قبل الأمريكيين امتداداً للأوربيين - و لكن في البيئة الإسلامية يجب عدم تصوّر مثل هذا الشيء على الإطلاق، لكنه موجود للأسف. و بالتالي فهاتان النقطتان نقطتان أصليتان، و اعتقد أنه كلما جرت البرمجة و العمل في هذه المجالات لكان ذلك مناسباً.

و بعد هاتين القضيتين توجد مسائل مهمة أخرى، فهناك قضية الزواج و الخلاص من العزوبية. يجب إحصاء عقبات الزواج. و هناك أيضاً هذه الأعمال التي أشارت لها السيدات و قلن إنهن يعملن فيها، و أنا راض حقاً و أحمد الله على العمل و الخوض في هذه المسائل. و قضية اللباس و المعاشرة أيضاً يجب أن تنجز فيهما أعمال أساسية. و هناك قضية الدعم المالي و الحقوقي للنساء المحرومات أو المظلومات، و قد كانت قضايا المحاكم من همومي الفكرية، و قد أشارت تلك السيدة من خراسان الرضوية بأنه تمّ إنجاز كذا في المحاكم، أتمنى أن يكون لذلك تحقق عيني حقيقي. من همومي و مما يقلقني أن لا تكون للسيدات القدرة على الدفاع عن أنفسهن بصورة صحيحة في المحاكم و الأجواء القضائية. قد لا يكون لديهن المال ليكلفن محام جيد، و لا يستطعن هنّ أن يدافعن عن أنفسهن فيقع عليهن الظلم و الحيف. هذه من جملة الأمور المهمة و ينبغي أن تتابع. و هناك قضايا عمالة المرأة، و حدود عملها، و ما هي المهن و الأعمال التي تستطيع أن تقوم بها، و على أي نحو - هذه هي مسألة المرونة في قضايا العمل و المهن التي ذكرناها - هذه كلها أعمال و أمور يجب أن تتمّ، لكن المعجّلة و الفورية أكثر منها جميعاً هي تلك القضيتان التي ذكرناهما بدايةً.

من الأمور التي تشغل ذهني أن كل هذه الأنشطة المتنوعة حول المرأة و قضايا المرأة في البلاد - من القضايا الحقوقية و القانونية و الفقهية، إلى القضايا الاجتماعية و التنفيذية، إلى القضايا العاطفية، و كل هذه الموضوعات المختلفة المطروحة حول المرأة - يجب أن تتخذ شكلاً منظماً و هندسة عامة. طبعاً بعض التقارير التي رفعت لي، أو ما قيل هنا، فيه إشارات إلى وجود أفكار في هذا المضمار، لكنني أعتقد أنه لا مندوحة من عمل شامل جامع في هذا الميدان. لنضع كل قضايا المرأة في منظومة كاملة منظمة و بهندسة صحيحة، و يتأسس مركز عال و ثابت بكوادر قوية كفوءة و آفاق طويلة الأمد - و أنا لا أؤمن أبداً بالأعمال قصيرة الأمد في هذه المجالات - و تتشكل تفريعاً لهذا المركز العالي و الثابت مؤسسات و مراكز للقطاعات المختلفة، و يكون هناك اطلاع لهذه المؤسسات على أعمال بعضها، و يكون هناك بنك معلومات جيد و مناسب. فهناك الآن الكثير من الأعمال قد لا يكون حتى للسيدات الحاضرات هنا في هذا الاجتماع علم بها، أي لا يكون لبعضهن علم بأعمال البعض الآخر. لدينا كل هؤلاء النسوة المثقفات و الواعيات و النخبة و الحمد لله، و في القطاعات المختلفة و بنظرات متنوعة، و لا بدّ من الاستفادة من هذه المنظومة الهائلة.

و نقطة أخرى نجعلها الأخيرة لأنه لم يبق وقت و قد حان الظهر، هي أن النساء الناشطات في جبهة الثورة كان لهنّ ذات يوم دور بارز - قبل انتصار الثورة بفترة قليلة، و في بدايات الثورة، و طوال فترة الحرب المفروضة - فقد أبدين عن أنفسهن مشاركة و تواجداً واضحاً، فلا تسمحن بهبوط و تلاشي المشاركة البارزة للنساء الناشطات في جبهة الثورة. الآخرون يحاولون في مواجهتهم و معارضتهم للثورة الاستفادة من العناصر النسوية و النساء الكفوءات. و جبهة الثورة لديها الأضعاف من النساء الكفوءات و الناشطات و الخطيبات و الكاتبات و العالمات.. سيدات من أهل المبادرة و العمل و الفكر و الكتابة و الخطابة و التوجيه الفكري، فلا يدعن ساحة الثورة و الدفاع عن الثورة تخلو. هذه نقطة، و استكملها بالقول إنه من أجل التقدم في ما قلناه بخصوص المرأة و ما سمعناه منكنّ يجب على الإذاعة و التلفزيون أن تمارس دورها و واجباتها بالكامل. هذا ما نعتقده و نوصي به.. لا بدّ أن يكون للإذاعة و التلفزيون دور كامل، فالإذاعة و التلفزيون بوسعها كمؤسسة صناعة ثقافة تجعل المرأة المؤمنة المتدينة و الناشطة و المجاهدة في سبيل الله و المحجبة و ذات الخصوصيات التي يجب أن تتحلى بها المرأة المسلمة، تجعلها محترمة مكرمة في المجتمع. و الآخرون يريدون حصول العكس. و بعض برامج الإذاعة و التلفزيون للأسف تصبّ لصالح هذا الذي يريده الآخرون، و ينبغي العمل بعكس ذلك. يجب أن تكون الإذاعة و التلفزيون بحق في خدمة هذه الأفكار مائة بالمائة.

على كل حال ما يمكن التفكير به و تصوّره كخلاصة لمجموعة الأعمال هو أننا و الحمد لله حققنا تقدماً في قضايا المرأة في نظام الجمهورية الإسلامية، بيد أن هذا التقدم ليس مما يتناسب مع الاحتياجات و التوقعات و الإمكانيات التي في الإسلام.. إذن، نعاني من حالة تخلف، و سوف تتلافين أنتن السيدات هذا التخلف إن شاء الله على أحسن وجه.

حفظكن الله تعالى بحفظه و زاد من توفيقاتكن، و سنستطيع إن شاء الاقتراب يوماً بعد يوم مما يريده الإسلام على هذا الصعيد.

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

قراءة 3089 مرة