أولى الإمام الخامنئي أهمية خاصة لموقع الطالب في عملية التغيير، وتحدّث في مناسبات مختلفة عن تربية الطالب، وما المطلوب تقديمه للطالب ليكون مدماكاً في قنطرة المشروع، فسلّط الضوء على مسألة تربيته دينياً وعن ضرورة مواجهة الحقيقة التي كانت سائدة أيام ما قبل الثورة، بأن يدخل الشاب الجامعة مؤمناً متديّناً، ثم يخرج منها بعد إنهاء دراسته متخلّياً عن قناعاته ومكانته الدينية والثقافية، وحمل المسؤولية للمعلّمين وللأساتذة الجامعيين بضرورة أن يتحلى الطالب بمستوى عالٍ من الأخلاق والقناعة بالعقيدة، متسائلاً: "أين تجدون أفضل من الجامعة، وأي الأماكن أكثر نورانية من قلوب طلبة الجامعات الفتية". وقد دعا في هذا الإطار إلى صلاة الجماعة في الجامعة مشدّداً على أن معدّل حضور طلبة الجامعات فيها يجب أن يكون مرتفعاً أكثر من غيره في أماكن أخرى.
وقد وصف الإمام بلهفة طالب الجامعة قائلاً بهم:
"إن الشاب الجامعي ليس من العوام الذين لا يفقهون شيئاً، بل إن قلبه مفعم بنور العلم، فضلاً عن أنه طاهر وسوي، وعلينا السعي من أجل تهيئة الجو الديني والفضاء التربوي والثقافي للطاقات والقابليات التي يمتلكها طلبة الجامعات".
كما دعا إلى إكمال حلقة الرعاية لهم بمعالجة مسألة التسرّب من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية، فدعا إلى زيادة عدد الطلاب الثانويين الناجحين الذين يودون الانضمام إلى الجامعة.
ويتحدّث الإمام بلغة تقترب من العرفان عن قلب الطالب النوراني فيصفه بأنه مهبط اللطف الإلهي، وقلبه في كثير من الموارد مظهر تجلي العنايات الربّانية الخاصة، إن صفاء الروح التي بإمكان الإنسان أن يكتسبها وأن يتجاوز بها كدر الحياة المادية ومشاكلها والعادات السيئة والخبائث، هي عند الشباب أكثر من غيرهم، فقد ورد عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: "عليكم بالأحداث"، سيما إن كانوا أهلاً للعلم والمعرفة والكمالات الفكرية، حيث إن طلاب المدارس والجامعات وطلبة العلوم الدينية في مجتمعنا ضمن هذه الفئة. بناءً على ذلك، فإن الشباب طبقة ممتازة من حيث الوعي السياسي ودورهم في تطوير المجتمع، لكنّ الأهم من كل ذلك هو الأمر المعنوي الروحي وذلك الميل العرفاني الإلهي والذي أرى من اللزوم أن أطرحه عليكم".
وتبياناً لأهمية الخطاب الموجّه للطلاب والشباب، يدعو الإمام إلى أن تتوجه المنابر التبليغية بخطابها إلى الشباب، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: يشكّل الشباب والطلاب أغلبية مجموع الناس في إيران، ويقارب الرقم ثلثي السكان.
ثانياً: دأب أعداء الثورة على التخطيط لمخاطبة هؤلاء الشباب، وإن كنا في غفلة فالعدو لا يغفل، وهو يحاول اجتذابهم والسيطرة على عقولهم وأفكارهم، وصولاً إلى مستقبلهم.
ثالثاً: إن الشباب والطلاب هم أكثر قبولاً وأسرع تقبلاً من غيرهم، لأنهم يحملون قلوباً لم تتلوث بعد بقدر تلوث من تصرمّت أعمارهم سنوات طويلة.
وفي إطار تشويق الطالب الجامعي إبّان دراسته اقترح الإمام على القيّمين على الجامعات تأسيس الورشات العلمية والتعليمية في الجامعات، وإلى تفعيل الرحلات العلمية للطلاب ومنح الجوائز للمتفوّقين في أجواء دفع الطلاب إلى بذل أفضل ما لديهم علمياً وصولاً إلى الإبداع العلمي، والإمام مقتنع بشدة بفاعلية دورهم وكفاءتهم فيما لو أمنّا لهم الوسائل اللازمة، ووصل الأمر لدى الإمام بإيلاء المسؤولية لدى الطالب بأن يخترع أجهزة تقنية يكون من شأنها تعزيز الصلة بين الجامعة والقطاع الصناعي في البلاد مكمّلاً دورة الإبداع والتقانة في مشروع الاقتدار، فالجامعيون لدى الإمام مثلهم كمثل عامل قضبان السكك الحديدية الذي يوجّه القضبان واحداً مع الآخر لتحديد مسيرة القطار وسلامة راكبيه..
وأما لجهة مسؤولية الطالب فقد دعا الإمام الطلاب لتفعيل المطالعة وتكوين ثقافتهم الإسلامية والعلمية، وذلك إبان كلام له أمام نخب شبابية محذّراً من الخوف ومن الهجرة دون العودة إلى البلاد، وموصياً برفع روحيتهم ومعنوياتهم بالقدر الذي يعملون فيه للعلم بالمختبر أو قاعة المحاضرات أو مركز البحوث وموصياً كذلك بالصلاة أول وقتها بتوجّه وشعور بالحضور أمام الباري عز وجل.
وقال:
"إن أداء هذا الأمر يكون بتطهير قلوبكم فأنتم شباب وقلوبكم نيّرة، فهي كالمرآة الناصعة التي تجلب أنوار اللطف والعناية الإلهية بسرعة، وتقوم بعكسها كذلك، أي أنكم عندما تكونوا صالحين من الناحية الدينية وعفيفين وطاهرين من الناحية الروحية وذاكرين لله فسوف يكون وجودكم، في أي مجال كنتم في الجامعة أو مكان العمل أو البيت أو الأقرباء، له تأثير نوراني، أي أنكم عندما تكونوا صالحين ونيّرين فسوف تهبون النور للآخرين أيضاً".
ويتابع الإمام في نفس الخطاب مؤكّداً "أن الجيل الصاعد في بلدنا وشعبنا في الوقت الراهن لا يقل مكانة عن الجيل الأول للثورة"، فمسؤولية بناء الدولة وتحصين منعتها واستقلالها لا تقل بجهادها عن جهاد الجيل الأول للثورة فكلا الطرفين كان يعمل للدولة الإسلامية التي يعتز بها الإسلام وأهله وينخذل بها النفاق وأهله...
وفي الخطاب الذي يقدّمه الإمام للطلاب يمكننا تبويب عدد من النصائح والإرشادات التي يراها الإمام مدخلاً لحماية الأجيال الجديدة من الطلاب وإشراكهم في عملية التغيير الشاملة:
1- العمل على تمتين البنية العقائدية والأخلاقية.
2- تقوية العلاقة بالله سبحانه لأجل صقل الشخصية والتأثير في القلب.
3- المواظبة على الصلاة في وقتها وبالحضور القلبي، فهي الماء الذي يروي به الإنسان فؤاداه.
4- الاهتمام بالدراسة والتهذيب والرياضة، فبالدراسة تترسّخ ملكات الحكمة والفكر والعقل.
5- تقوية النفس على الصعيد العلمي، لا لكي يؤثّر خطاب الشباب في الآخرين فحسب، بل لكي يكونوا عماداً قوياً لصرح الحضارة والتقدّم العظيمين لدى الشعب الإيراني.
6- السعي لتشكيل الهوية الإنسانية لدى الشباب بترويض النفس وجعلها تعتاد على الأعمال الطيبة والأخلاق الحسنة والسلوك السوي.
7- الالتفات إلى السلوك الحسن مع الوالدين بحبهم وتقديم الاحترام والتقدير والإطاعة لهم. فسلوك الشباب الحسن داخل المنزل من شأنه أن يبني أسرة سليمة.
8- الاستفادة من أوقات الفراغ بالقراءة والمطالعة والمشاركة في النشاطات الرياضية والاجتماعية، والتعاون مع جمعيات العمل التطوعي.
9- الاستفادة من مرحلة الشباب ككل، فهي نعمة كبرى يمنحها الله للإنسان مرة واحدة في حياته وفي سن معينة.
10 - إن ادخار ثروة الشباب البدنية والفكرية والروحية والنفسية وفي مرحلة الشباب تصبح عوناً لهم في مراحل الحياة اللاحقة إلى نهاية الحياة، كما تصير متاعاً لهم في الآخرة، والآخرة خير وأبقى.
11 – التعرّف وعن قرب على الأجواء السياسية، وضرورة أن يشارك الطلاب في التأثير فيها، وهذا بالطبع علاوة على مسؤولية متابعة الدراسة والتفوّق وصولاً نحو الإبداع.
أما في إطار المسؤولية والواجب تجاه الطالب الجامعي يعتبر الإمام أن أفضل الأشخاص الذين يستطيعون أن يثيروا الأسئلة في المسائل الدينية والاعتقادية والسياسية والعلمية والتوحيدية هم الشباب من طلبة الجامعات، لذا يدعو إلى بذل الجهد لتهيئة الجو الديني والفضاء التربوي والثقافي للطاقات والقابليات التي تمتلكها طلبة الجامعات، منبّهاً تحديداً إلى أن تُبعث مسألة الثقة بالنفس على المستوى الوطني، وأن يدرس الطالب وبأولوية حول علماء المسلمين الذين كانوا الأساس في نهضة الغرب، مثل الخيّام، مستنكراً كيف يعلّم الغرب عن علمائنا عبر التاريخ، وكيف يكتب عنهم بكل تقدير واحترام، وكيف يقسّم هذا الغرب العصور العلمية الإسلامية إلى عصر جابر بن حيّان، وعصر الخوارزميّ إلخ... فيما طالبنا الجامعي لا يعرف علماءنا كما ينبغي، فعدم تعريف الطالب الجامعي على ماضيه وتراثه العلمي العظيم، وعدم معرفته بمفاخره العلمية التي تحققت في الماضي يؤدّي إلى فقدان الثقة الوطنية بالنفس.
فالعنوان الوطني لدى الطالب " وحب الوطن والتعلق بمستقبل البلاد والاعتزاز بتاريخ البلد وماضيه هي عناصر تؤثّر عميقاً وإيجابياً في روح الطالب الشاب، لأن الحمية الوطنية لدى الطالب، وخلاقاً لما يتبادر للأذهان ليست مفهوماً سلبياً وسيئاً على الدوام، فحالات التعصّب الضرورية قد يطيش الإنسان بدونها ويتحرّك كالفراش المبثوث في الرياح، والالتزامات ضرورية لشخص الإنسان وهويته مهما كان هذا الإنسان عالماً أو صناعياً أو محترفاً لأي عمل آخر فهناك التزام يلزمه ". وفي تأكيد الإمام على استهداف الطالب في كل جهود الفساد، يقول:
"إن أعداءنا يسعون لقتل هذه العناصر الحيوية والفعّالة في نفوس شبابنا، ويحاولون تجريده من إيمانه وثقته بنفسه كدأبهم في العهد الطاغوتي".
فالغرب الذي يستهدف الشباب والطلاب خصوصاً لسلبه ثقته بنفسه وجعله يتخلى عن إيمانه وروحه الإبداعية الخلاقة، وجرّه إلى مهالك الشهوات والأباطيل والانحرافات، إنما يستهدف مستقبل الأمة وصناعة أجيال خانعة تقتدي بلا عناء بالنموذج الغربي، وتسقط إيران في فلك التبعية السياسية والثقافية والعلمية والاقتصادية، لذا، يصل الإمام إلى حد مناشدة المسؤولين في التربية والتعليم والأساتذة الجامعيين بأن يتحمّلوا المسؤولية كاملة تجاه القلوب النورانية للطلاب، لأن من المؤمّل تحويل تخلّف الأمة إلى تقدّم ينافس الدول أخرى، وذلك بإنقاذ الغرقى من أجيال الشباب ليتمّ إنقاذ كل الأمّة ومستقبل الأمة.
يلخّص الإمام في كلمات ما يبذله الأعداء للسيطرة على شباب الأمة وطلابها فيقول:
"إن الأعداء تكاد تتقطع أنفاسهم سعياً لحرف قافلة الشباب عن مسيرها، ولدي علم ببعض الشواهد، إلا أنّ الأساليب المتّبعة تفوق ذلك بكثير".
وبالحديث عن الطالب ومسؤولياته لا سيما في ميدان الوعي السياسي استحسنّا مقاربة إشكالية العمل السياسي في الجامعات، وتحديد أبعاده وإيجابياته والالتفات إلى سلبياته ودائماً وفق تصوّر الإمام الخامنئي الذي يعتبر أن النشاط السياسي والعمل السياسي في الجامعات أمر إيجابي، وفي في أساسه ليس من أجل ملء فراغ الطالب فحسب، بل هو أمر واجب، وعلى الطالب أن يتعلّم السياسة وأن يكون ذهنه ناضجاً ومنتجاً على الصعيد السياسي، وإلا فسوف يُغلب، بمعنى أن يصبح قادراً على التحليل والفهم السياسي.
ويقول الإمام:
إن مما يؤسف أن التيارات السياسية في خارج الجامعة – التي تتطاول على الجامعات باستمرار من أجل الوصول إلى أهدافهم السياسية – لا تهتم بذلك مطلقاً.
إنّ هذه التيارات السياسية – وللأسف – هي التي مارست هذا الاستغلال الذي ابتُلينا به على الصعيد الاقتصادي والثقافي والسياسي لعهود طويلة بحق الطلبة في الجامعات، خصوصاً في هذه الأعوام القليلة الأخيرة.
إنّ هذا أمر خاطئ، إلا أن عليكم أن تفكّروا من أجل أن تُسحب هذه التيارات الطلابية السليمة – سواء كانت لجان، أو تعبئة، أو التشكيلات المختلفة الأخرى، حيث يوجد اليوم تشكيلات طلابية جيدة في الجامعات – نحو إيجاد القدرة على التحليل السياسي، إلى جانب النشاط الفكري العلمي؛ لأنّ مع عدم وجود القدرة التحليلية، سوف يُخدع الشخص إزاء التحاليل المضلّلة للأجانب.
لا يمكن أن يوجد أحد في عالم السياسة يأتي ويقول بكل صراحة: أريد أن أظلمك، سواء أراد أن يظلم شعباً، أو شخصاً ما، فلا يمكن أن يدّعي مثل ذلك أحد، بل يتوسّل بـ "المغالطات السياسية" ليتمكّن من التسلّط على رقاب الشعوب، وأنّ ذلك شبيه بالمغالطات الفلسفية، التي يقوم الخصم فيها بتضليل المقابل من خلال طرح بعض الشبهات العلمية – وذلك يعتبر نوعاً من التحايل في الحقيقة –".
وتلافياً لعدم إخراج الجامعة والطالب عن هدف البناء العلمي والعملي والاستغراق في موجة التسييس غير الهادف والمقنّن، يقدّم الإمام تعريفاً لنوع السياسة التي يريدها لكل بيئة علمية ولكل طالب جامعي، ويضعها على مستوى الوجوب الشرعي فيقول أمام مجموعة منتقاة من الطلبة الجامعيين المتفوّقين:
"إن لدنيا نوعين من السياسة، السياسة الرعناء العابثة، وهذا نوع من السياسة لا أؤيّده بتاتاً لا في الجامعة ولا في خارجها.
والنوع الثاني التخصّص السياسي، أي التمكّن من الفهم الحقيقي للسياسة والقدرة على التحليل السياسي،؟؟؟
إنني أؤكّد على اللجان الجامعية بأن يخصّصوا للطلبة الجامعيين أنواعاً من البرامج والنشاطات التي تجعل منه ذا قدرة على التحليل السياسي، بحيث لا يوافق على أي سهولة، ولا يسمح لذهنه تقبّل أو رد أي فكرة محتملة ببساطة، وهذه هي القدرة على التحليل السياسي التي تعتبر مهمة للغاية".
أما من وجهة الجامعة يرى الإمام أن الجامعة التي تبتعد عن السياسة وتتجنّبها بشكل تام سوف تخلو من الحماس والنشاط وستصبح مكاناً تنمو فيه الميكروبات الخطرة على صعيد الفكر والسلوك، لهذا، يجب أن تكون السياسة موجودة في الجامعة، فوجوب العمل السياسي يطال كلاً من الطالب والجامعة، ثم يوضّح الإمام أن تسييس الجامعة أو تواجد السياسة في الجامعة لا يعني أن تصبح الجامعة محلاً تستغله التيارات السياسية والجماعات السياسية والعناصر السياسية من أجل أغراضها السياسية، وهذا لا ينبغي أن يحدث، وبل يجب العمل للحؤول دونه.
يتضح لدينا مما تقدّم النظرة الخاصة والرائدة التي يوليها الإمام للطالب في استعداداته الصافية لتقبّل ما يعطى له، وهو صاحب القلب النوراني، وفي أهمية العمل لمعالجة تسرّب الطلاب من المرحلة الثانوية إلى الجامعية، ومن خلال إشراكه بدورة الإنتاج بين الجامعة والمصنع ليكون في عجلة الإبداع، فجيل اليوم من الطلاب لا يقل أهمية عن أجيال الثورة، ويحمّل الإمام مسؤولية كبرى على الجامعة وأهلها في بث روح العنفوان في قلبه وحب الوطن والاعتزاز بتاريخ البلاد وسيرة العلماء المسلمين. ولذا، نرى الإمام يقدّم النصائح ذات العمق الأبوي والمسؤول للطالب، ويضع مشاركة الطالب في السياسة في مستوى الوجوب الشرعي، وذلك للحؤول دون فقدانه مناعة حب الوطن والعقيدة، ويعتبر أن عالم الطلبة والشباب هو ميدان أشدّ المواجهات مع الأعداء الذين تكاد تتقطّع أنفسهم سعياً لكسب عنصر الشباب في الأمة، لأن من يكسب معركتهم كسب معركة مستقبل الأمة والثورة في آن.