نداء الإمام الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام لعام 1436 هـ ق

قيم هذا المقال
(0 صوت)
نداء الإمام الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام لعام 1436 هـ ق

بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيد الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرين و صحبه المنتجبين، و على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
و السلام على الكعبة الشريفة، مقرّ التوحيد و مطاف المؤمنين و مهبط الملائكة، و السلام على المسجد الحرام و عرفات و المشعر و منى، و السلام على القلوب الخاشعة، و الألسنة الذاكرة، و الأعين المفتحة بالبصيرة، و الأفكار المستلهِمة للعبرة، و السلام عليكم أيها الحجاج السعداء الذين توفقتم لتلبية الدعوة الإلهية، و تحلقتم حول هذه المائدة المليئة بالنعم.
الواجب الأول هو التأمّل في هذه التلبية العالمية التاريخية الدائمة: إنّ الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك. كل الحمد و الثناء له، و كل النعم منه، و كل الملك و القدرة له.. هذه هي النظرة التي تُمنَحُ للحاجّ في الخطوة الأولى من هذه الفريضة الطافحة بالمعاني و المغزى، و التي تستمر هذه المناسك بما يتناغم معها، من ثم توضعُ نصبَ عينيه كتعليمة باقية و درس لا ينسى، و يطلب منه تنظيم برامج حياته على أساسها. تعلمُ هذا الدرس الكبير و العمل به هما الينبوع المبارك الذي يمكنه إضفاء النضارة و الحيوية و التوثب على حياة المسلمين، و تحريرهم مما يعانون منه من معضلات في زمانهم هذا و في كل زمان. صنم النزعات النفسية و الكبر و الشهوة، و صنم طلب الهيمنة و الخضوع للهيمنة، و صنم الاستكبار العالمي، و صنم الكسل و اللامسؤولية، و كل الأصنام المُهينة للنفس الإنسانية الكريمة، ستتحطم بهذه الصرخة الإبراهيمية عندما تخرج من أعماق الفؤاد و تغدو برامج حياة، و ستحلّ الحرية و العزة و السلامة محلّ التبعية و الشدة و المحنة.
ليفكّر الإخوة و الأخوات الحجاج، من أيّ شعب و بلد كانوا، في هذه الكلمة الإلهية الحكيمة، و لتكن لهم نظرتهم الدقيقة لمعضلات العالم الإسلامي، خصوصاً في غرب آسيا و شمال أفريقيا، النظرة التي يهتدون بها في ضوء الإمكانات و الطاقات الشخصية و المحيطة، إلى تعيين واجبات و مسؤوليات لأنفسهم، و السعي لأدائها.
السياسات الشريرة لأمريكا في هذه المنطقة اليوم، و الباعثة على الحروب و سفك الدماء و الدمار و التشرد، و كذلك الفقر و التخلف و الخلافات القومية و الطائفية، من ناحية، و جرائم الكيان الصهيوني الذي أوصل سلوكه الغاصب في بلد فلسطين إلى ذروة الشقوة و الخبث، و إهاناته المتكررة لحريم المسجد الأقصى المقدس، و سحقه أرواح الفلسطينيين المظلومين و أموالهم من ناحية أخرى، هي قضيتكم الأولى جميعاً أيها المسلمون، و التي يجب أن تفكروا فيها و تعرفوا واجبكم الإسلامي حيالها. و على علماء الدين و النخب السياسية و الثقافية واجبات أثقل بكثير، يغفلون عنها غالباً للأسف. ليتعرف العلماء بدل تأجيج نيران الخلافات الطائفية، و السياسيون بدل الانفعال مقابل الأعداء، و النخب الثقافية بدل الانشغال بالأمور الهامشية، ليتعرفوا على الوجع الكبير الذي يعاني منه العالم الإسلامي، و ليتقبلوا رسالتهم التي هم مسؤولون عن أدائها أمام محضر العدل الإلهي، و ليتحمّلوا أعباءها بكفاءة. الأحداث المُبكية في المنطقة، في العراق و الشام و اليمن و البحرين، و في الضفة الغربية و غزة، و في بعض البلدان الآسيوية و الأفريقية الأخرى، هي المعضلات الكبرى للأمة الإسلامية التي ينبغي مشاهدة بصمات مؤامرة الاستكبار العالمي فيها، و التفكير في علاجها. على الشعوب أن تطالب ذلك من حكوماتها، و على الحكومات أن تفي لمسؤولياتها الجسيمة.
و الحج و تجمّعاته العظيمة أرقى مكان لظهور و تبادل هذا الواجب التاريخي.
و فرصت البراءة - التي ينبغي اغتنامها بمشاركة كل الحجاج من كل مكان - من أبلغ المناسك السياسية في هذه الفريضة الجامعة للأطراف.
الحادثة المريرة الفادحة الخسارة التي وقعت في المسجد الحرام هذه السنة، أصابت الحجاج و شعوبهم بالمرارة. صحيح أن المتوفّين في هذا الحادث، و الذين كانوا يؤدون الصلاة و الطواف و العبادة، سارعوا للقاء الله و نالوا سعادة كبرى و ثووا - إن شاء الله - في حريم أمن الله و رعايته و رحمته، و هذا عزاء كبير لذويهم، بيد أن هذا لا يمكنه التقليل من ثقل مسؤولية الذين تعهدوا بتوفير أمن ضيوف الرحمن. العمل بهذا التعهد و أداء هذه المسؤولية مطلبنا الحاسم.
و السلام على عباد الله الصالحين
السيد علي الخامنئي
4 ذي الحجة 1436
و 27 شهريور 1394 هجرية

قراءة 2521 مرة