كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي النظام الإسلامي وسفراء البلدان الإسلامية

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي النظام الإسلامي وسفراء البلدان الإسلامية

كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي النظام الإسلامي وسفراء البلدان الإسلامية بمناسبة ذكرى المبعث النبوي الشريف (1)03/04/2019 م

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أبارك عيد المبعث السعيد للحضور المحترمين والضيوف الأجانب الحاضرين في هذه الجلسة ولعموم الشعب الإيراني وللأمّة الإسلامية الكبيرة، مع أنّ شعبنا العزيز يعاني في هذه الأيام مشكلات بسبب حوادث السيول، وفي بعض الحالات تعرّض الناس لخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، ونتمنى أن يستطيع المسؤولون المحترمون إن شاء الله وبتوفيق من الله وعونه، وبالمؤازرة الشعبية العظيمة التي كانت مشهودة إلى اليوم بحمد الله، أن يرفعوا عبء هذه الحادثة الثقيل عن كاهل الشعب الإيراني، وأن يتفضّل الله علينا ببركة هذا اليوم العزيز ويدخل الفرحة والبهجة على قلوب الناس إن شاء الله.

السيول؛ حوادث مؤلمة في ظاهرها
لقد كانت مساعي الناس في هذه الحادثة مساعي جيّدة جدّاً والحمد لله. وهذه ليست المرّة الأولى، ففي كلّ الحوادث والكوارث الطبيعية ـ وهي حوادث ظاهرها بلاء، إلّا أنّها قد تكون في باطنها نعمة وعطيّة إلهية ـ نزل الشعب الإيراني حقاً بكلّ قدراته وطاقاته إلى الساحة، وقد اختبرنا هذا مرّات ومرّات. إنّ روح التضامن بين أبناء شعبنا وحالة التعبئة لخدمة أبناء الوطن هي حالة استثنائية؛ فهي تشجّع المسؤولين في الحكومة وتساعدهم في أعمالهم أيضاً. وقد كان الحال كذلك في هذه الحادثة أيضاً، فقد نزل أبناء الشعب من كلّ أنحاء البلاد إلى الساحة وقدّموا المساعدات، وكذلك المسؤولون استطاعوا بوحدة الكلمة وتركيز [الجهود] وباتّحادهم القيام بالأعمال الأوّلية في هذه الحادثة. بالتأكيد، لا تزال هناك الكثير من الأعمال والمهمّات متبقّية ويجب القيام بها. ولقد أكّدنا هذه النقطة على المسؤولين المحترمين، وقد كانوا هم أنفسهم متنبّهين لها، وهي أنّ الأعمال والمهامّ الأساسيّة تأتي لاحقاً. هذا الدمار، وهذا الخراب، وتخريب المزارع وتخريب البيوت وما إلى ذلك من خسائر حصلت يجب تعويضها وستعوّض إن شاء الله. وليواصل شعبنا العزيز تعاونه مع المسؤولين، فهذا أمر لازم. فحضور الناس في الميدان وتعاونهم ومساعداتهم، هو حقّاً أمر حالّ للمشاكل.

رسالة البعثة؛ الكفر بالطاغوت وعبادة الله
ثمّة نقطة في المبعث وهي أنّ إرسال الرّسل من أجل هداية البشر يسمّيه القرآن مراراً وتكراراً بالبعثة؛ يعبّر القرآن عن إرسال الرسل بكلمة «بَعَث»؛ «لَقَد مَنَّ اللهُ على المُؤمِنينَ إذ بَعَثَ فيهِم رَسولًا» (2) «هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأمِّيينَ رَسولًا» (3)، «وَلَقَد بَعَثنا في كلِّ أمَّةٍ رَسولًا» (4). النقطة المهمّة هي «البعث». فالبعث ليس حركة تعليميّة عاديّة. والرسول الذي يظهر في المجتمع لا يظهر لمجرد أن يعلّم الناس بعض الأشياء، نعم هناك «يعَلِّمُهُمُ الكتابَ وَالحِكمَة» (5) وهناك «يزَكّيهِم» (6)، لكن كلّ هذا في إطار البعثة وفي قالب حركة عظيمة. البعثة معناها البعث. فما هو اتّجاه هذا البعث؟ ما هي جهة ومنحى هذا البعث؟ الاتّجاه عبارة عمّا ذكر هو أيضاً مراراً وتكراراً في القرآن نفسه: «وَلَقَد بَعَثنا في كلِّ أمَّةٍ رَسولًا أنِ اعبُدُوا اللهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوت» (7). أوّلاً عبودية الله أي جعل إطار الحياة في خدمة الأوامر والنواهي الإلهية، وثانياً اجتناب الطاغوت. من هو الطاغوت؟ إنّه كلّ الظَّلَمة وكلّ الملوك الخبثاء، وفي أيّامنا هذه كلّ رؤساء الجمهوريّات من قبيل الموجودين اليوم في أمريكا وفي بعض البلدان الأخرى، هؤلاء هم الطواغيت. وليس معنى اجتناب الطاغوت أن تبتعد عنه لكي لا تتلوّث، بل معناه أنّ هناك خطّاً مقابل خطّ التوحيد وخطّ عبودية الله، هو خطّ الطاغوت. الكفر بالطاغوت مترافق ومتلازم والإيمان بالله. هذا هو اتجاه بعثة الأنبياء.

مقاصد البعثة؛ لإيجاد حضارة فيها كل شيء
بعثة الأنبياء هي من أجل إيجاد مجتمع فاضل، وكما تمّت الإشارة إليه، من أجل إيجاد حضارة. ويوجد في هذه الحضارة كلّ شيء، فهناك العلم وهناك الأخلاق وهناك أسلوب الحياة وهناك الحروب. [نعم] هناك الحروب أيضاً، ولكم أن تلاحظوا كم هي الآيات في القرآن التي تحدّثت عن الحرب. وليست المسألة أنّنا نستطيع القول إنّ الإسلام جاء من أجل القضاء على الحروب، لا، فاتّجاه الحرب هو المهمّ، الحرب مع من؟ الحرب من أجل ماذا؟ هذا هو المهمّ. إنّ طواغيت العالم يحاربون من أجل هوى النفس، ومن أجل طلب السلطة لأنفسهم، ولإشاعة الفساد. فالصهاينة اليوم يقاتلون منذ سنين، لكن من أجل مقاصد خبيثة. والمؤمنون في المقابل يقاتلون ـ المجاهدون الفلسطينيون يقاتلون ومجاهدو حزب الله يقاتلون، وشعبنا العزيز قاتل في الدفاع المقدّس وحرب الأعوام الثمانية ـ بيد أن هذه الحرب ليست مذمومة بل ممدوحة فهي جهاد في سبيل الله «اَلَّذينَ ءامَنوا يقاتِلونَ في سَبيلِ الله» (8)، هذا هو المهمّ، أن يقاتل المؤمن، لكن من أجل الأهداف الإلهيّة. «وَالَّذينَ كفَروا يقاتِلونَ في سَبيلِ الطّاغوتِ فَقاتِلوا أولِياءَ الشَّيطان» (9). لاحظوا، التوجّه إلى النكات الموجودة في التعابير القرآنية يفتح أمامنا نوافذ.

الثورة الإسلاميّة استمرار للبعثة
[أمّا] لماذا يسمّونها البعثة، وإرسال الرسل، وبعث الأنبياء؟ حسنًا، لنأخذ مثالاً، فيلسوفاً ما ظهر في زمن معيّن في مجتمع ما، كأفلاطون أو سقراط، هؤلاء أيضاً كانوا أشخاصاً علّموا البشرية أشياء، لكنّهم لا يندرجون تحت مسمّى «البعثة»؛ فالأنبياء ليسوا من هذا القبيل؛ الأنبياء لهم بعثتهم. وبعثة رسول الإسلام المكرّم المعظم هي أسمى البعثات وأجمعها وأكملها وأبقاها، بمعنى أنّ هذه البعثة موجودة الآن أيضاً. والرسول الأكرم اليوم في حال بعثة. أي إنّكم عندما تقرأون القرآن وتستلهمون منه درساً وتتحفّزون، وتبدأون حراكاً ما، فإنّما هذا استمرار لبعثة الرسول. عندما يسير الشعب الإيراني خلف شخصية عظيمة كالإمام الخميني الجليل ويتخطّى العقبات، ويتحمّل الصعاب، ويدوس على المشاكل برجليه ويتقدّم إلى الأمام، ويُسقِط بناء متآكلاً طاغوتياً خبيثاً ممتدّاً لآلاف السنين في أهم بلد في المنطقة أي إيران، ويقيم [مكانه] بناءً إسلامياً فهذا استمرار لبعثة الرسول. لقد كانت الثورة استمراراً لبعثة الرسول، والجمهورية الإسلامية استمرار لبعثة الرسول. هذا هو منطقنا. إنّ من يعادي الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية هو تماماً كأعداء صدر الإسلام، الذين كانوا يعادون البعثة الإسلامية والحركة التوحيدية. هذا هو قولنا.

آل سعود يقاتلون في سبيل الطاغوت
البعض يقولون «يا أخي، لا تختلقوا الأعداء لأنفسكم»، لا، إنّنا لا نختلق الأعداء لأنفسنا، إنّنا نقول قول الله والرسول والتوحيد، وهذا القول نفسه يخلق مجموعة من الأعداء. العدوّ يصبح عدوّاً بسبب إيجاد الحركة التوحيدية. وإنهاء عدائه يكمن في أن تتخلّوا عن هذه الحركة والمسيرة وتعودوا إلى الحال التي يريدونها هم أي عبودية الطاغوت واتّباع الطاغوت وما إلى ذلك. هذا ما تريده أمريكا منّا، وكذلك خدم أمريكا في المنطقة وأذنابها كآل سعود؛ كل ما يقوله أولئك يكرّره هؤلاء أيضاً، والواقع أنّهم «يقاتِلونَ في سَبيلِ الطّاغوت» (10). هؤلاء هم الذين يقاتلون في سبيل الطاغوت ويعملون ويتحرّكون من أجل الطاغوت.

المعركة قائمة بين حركة التوحيد والطاغوت
حسنًا، في هذه الحرب القائمة بين الحقّ والباطل، وبين التوحيد والطاغوت ـ وهذه المعركة والاصطفافات موجودة لا محالة ـ الطرف الذي قدّر له الله تعالى أن ينتصر هو جبهة الحقّ، أي أنتم الشعب الإيراني. إذا واصلتم حركتكم ومسيركم بالنحو الذي سرتم وعملتم به إلى الآن فسوف تنتصرون على أعدائكم بالتأكيد، أي إنّكم ستنتصرون على أمريكا: «وَنُريدُ أن نَمُنَّ على الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأرضِ وَ نَجعَلَهُم أئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثين» (11). «هُوَ الَّذي أرسَلَ رَسولَهُ بِالهُدى وَ دينِ الحَقِّ لِيـظهِرَهُ على الدّينِ كلِّه» (12). هذا ما قدّره الله تعالى، لكنّنا أنا وأنتم نستطيع تغيير هذه النتيجة، كيف؟ بأن نقصّر ولا نتعاون، ولا نكون صادقين في الحراك الذي نقوم به، ولا نبذل طاقاتنا وإمكانيّاتنا، ولا نجاهد ولا نسعى في سبيل الله.

انتصار جبهة الحق مرهون بالقيام بالواجبات
نعم، إذا لم نقم بهذه الأعمال، فلن تنتصر هذه الجبهة التي هي جبهة الحقّ؛ لكنّ الشعب الإيراني أثبت أنّه ليس كذلك، وكلّما مضى الزمن اتّضح هذا الأمر أكثر. شبابنا اليوم أكثر تحفّزاً منّا نحن الذين قضينا ذات يوم فترة شبابنا في خدمة هذا الكفاح، ومعرفتهم أكثر وجاهزيّتهم أكثر. ولهذا أخاطب الشباب وأوجّه كلامي إليهم. شبابنا اليوم مستعدّون جاهزون، شبابنا جاهزون للعمل والحراك على مختلف الجبهات. حتماً، إنّ كفاح الشعب الإيراني هذا وجهاده لا يعني فقط بأن يحمل البنادق، لا، فإنّنا لا نقاتل أحداً؛ وما لم نتعرّض لهجوم فإنّنا عادةً لا نهاجم أحداً. أمّا في الجبهات الأخرى، ومنها جبهة العلم مثلاً، فإنّنا نتقدّم إلى الأمام، وفي جبهة الأخلاق نتقدّم إلى الأمام إن شاء الله، وفي جبهة أسلوب ]نمط[ الحياة نتقدّم إلى الأمام ونتحرّك. حوافز شبابنا اليوم جيّدة جدّاً. ونحن نتقدّم خطوة خطوة.

نشاط الشباب؛ الأساس في الاقتصاد والسياسة والثقافة
في المجال الاقتصادي ينبغي على الجميع أن يكونوا فعّالين نشطين وخصوصاً الشباب. وفي ميدان القضايا الثقافية ينبغي أن يكون الجميع ناشطين، وخصوصاً الشباب، وعلى صعيد الأعمال والنشاطات السياسيّة الواعية، يجب أن يكون الجميع ناشطين فاعلين، وخصوصاً الشباب. الشباب جاهزون، ويمكنهم أن يكونوا ناشطين فعّالين وسيكونون كذلك بعون الله. وإنّ غد هذا البلد هو للشباب المؤمن المتحفّز الذي يمكنه بالإرادة الحاسمة، وبقوّة الشباب، وبالفكر النيّر، وبالإبداعات المتتالية أن يرتقي بهذا البلد إن شاء الله إلى قمّة العُلى. وهذا هو ما نتوقّعه وننتظره. يجب أن يكون هذا تصوّرنا الذي نكوّنه في أذهاننا عن البعثة وعن عيد المبعث، لكي لا يكون عيد المبعث مجرّد ذكرى، وإحياء لهذه الذكرى، واحتفاء بالرسول الأكرم ]وحسب[، ولا يكون مجرّد أمر ظاهري وصوري، بل يكون مفيداً للدروس والعبر بالنسبة إلينا.

حركة الامام الخميني فتحت الطريق للشعب
لقد وجد الشعب الإيراني هذا الدرب ـ والحمد لله ـ ببركة حركة الإمام الخميني الجليل، ففتحوه وساروا فيه. وكلّ هذه الأشياء التي تلاحظونها ـ فضائل الشعب الإيراني ومناقبه ـ مردّها إلى حضوره وسيره في هذا الدرب. فقبل انتصار الثورة لم تكن مثل هذه الأمور، وهذا النحو من الحراك الشعبي العام في المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية والشعبية وما إلى ذلك موجودة، لكنّها وُجدت بفضل الثورة، ونأمل أن تتصاعد وتتزايد يوماً بعد يوم إن شاء الله. إلهي نقسم عليك بحقّ الرسول الأعظم أن تحشر الروح الطاهرة للإمام الخميني وأرواح شهدائنا الأبرار، وهم في الواقع الذين هدونا وأرشدونا إلى هذا الدرب، مع الرسول.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1 ـ في بداية هذا اللقاء تحدّث رئيس الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن روحاني.
2 ـ سورة آل عمران، شطر من الآية 164 .
3 ـ سورة الجمعة، شطر من الآية 2 .
4 ـ سورة النحل، شطر من الآية 36 .
5 ـ سورة البقرة، الآية 129 .
6 ـ سورة البقرة، الآية 129 .
7 ـ سورة النحل، شطر من الآية 36 .
8 ـ سورة النساء، شطر من الآية 76 .
9 ـ سورة النساء، شطر من الآية 76 .
10 ـ سورة النساء، شطر من الآية 76 .
11 ـ سورة القصص، الآية 5 .
12 ـ سورة التوبة، الآية 33 .

قراءة 1712 مرة