كلمة الإمام الخامنئي في لقائه المسؤولين عن إقامة مؤتمر تكريم ذكرى 5400 شهيد

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كلمة الإمام الخامنئي في لقائه المسؤولين عن إقامة مؤتمر تكريم ذكرى 5400 شهيد

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه المسؤولين عن إقامة مؤتمر تكريم ذكرى 5400 شهيد قدمتهم محافظة كردستان (1)_17/06/2019 م

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

سررت كثيراً حين علمت أنّه من المقرّر القيام بحراك ثقافي وإعلامي لتكريم ذكرى عدة آلاف من الشهداء في كردستان، فهذا نشاط ضروري ومفيد جداً يلقي بالمسؤولية على عاتق كل الناشطين والمسؤولين وأبناء الشعب الواعين أينما كانوا في البلاد، وخصوصاً في بعض مناطق البلاد التي لها خصوصيّة معيّنة مثل كردستان.

.. قاوموا وثبتوا رغم بيئتهم المتآمِرة
لقضيّة شهداء كردستان الأبرار أهميّتها من عدّة جهات، وهي مختلفة عن سائر مناطق البلاد، أي عن أغلب مناطق البلاد الأخرى. هناك نقطة على جانب كبير من الأهميّة هي أنّ ساحة عمل المجاهدين الكرد ـ سواء منهم الذين نشطوا في ساحات الدفاع المقدس والحرب والأعمال العسكريّة مثل البيشمرگة الكرد وقادتهم وأمثالهم، أو الذين عملوا ونشطوا في المجال الثقافي مثل الشهيد شيخ الإسلام (2) ـ لم تكن ساحة سهلة ومريحة وهادئة مثل سائر المدن والمناطق، فقد كان أعداء الثورة موجودين في مدنهم ومراكز مدنهم ومناطقهم. خذوا على سبيل المثال المرحوم شيخ الإسلام ولا أنسى خطبته القوية العميقة المليئة بالمضامين والأفكار تلك التي ألقاها في المسجد الجامع بسنندج عندما ذهبنا إلى هناك (3) أمام بضعة آلاف من الحاضرين (4). في ذلك الوقت نفسه الذي كان يلقي فيه هذه الكلمة كان يعلم بالتأكيد أن هناك أشخاصاً في سنندج نفسها، وخارج سنندج، أو في ذلك التجمّع نفسه، يعارضون تلك الآراء وذلك الكلام، ومع ذلك فقد أظهر تلك الشجاعة وتلك القوة الروحية وألقى تلك الكلمة القوية هناك. أو الشباب الكرد من البيشمرگة الذين التقيتهم عن قرب عدة مرات في كردستان في سنتي 58 و 59 [1979 ـ 1980 م]، هؤلاء لم يكونوا يواجهون عناصر من خارج الحدود بل عناصر داخل بيوتهم وداخل مدينتهم. لنفترض مثلاً في بيئة مثل مدينة مشهد كان هناك بالتالي الكثير من المجاهدين والمناضلين الذين كانوا يتوجّهون إلى جبهات القتال، وكان الكثير منهم يستشهدون أو يعودون جرحى ومصابين، أمّا هؤلاء فلم يكونوا على هذا النحو، فقد كان هناك في نطاق حياتهم ومعيشتهم أفراد يعارضونهم وينشطون ويتآمرون ضدّهم، ومع ذلك نجدهم قاوموا وثبتوا وحاربوهم. هذه في رأيي نقطة على جانب كبير من الأهمية.

كردستان أحبطت مؤامرة الأعداء
نقطة أخرى هي أنّ خطة أعداء الثورة الإسلامية وأعداء الجمهورية الإسلامية كانت أن يستغلوا الاختلافات المذهبية على حدة، والاختلافات القومية على حدة للإطاحة بالجمهورية الإسلامية، فبلادنا من البلدان النادرة من حيث التنوّع القومي. وتعيش قوميات متعددة جنباً إلى جنب في هذا البلد تحت ظلّ اسم إيران الكبير وباسم الشعب الإيراني الكبير. قلّما يوجد مثل هذا في مكان ما، وفي الأماكن التي يوجد فيها مثل هذا التنوّع تجد هناك الكثير من التعارض والمماحكات. ولكم أن تلاحظوا كم هي الخلافات جسيمة في بعض البلدان المجاورة لنا بين شعوبها والقوميات الأخرى هناك ـ ولا أريد هنا الإتيان على ذكر أسماء تلك البلدان ـ كان الأعداء يأملون بأن يستطيعوا استغلال الاختلافات القومية والاختلافات المذهبية ـ الاختلافات بين الشيعة والسنة ـ في البيئة الاجتماعية الإيرانية. وأنا أضرب هنا مثال كردستان، وهناك مناطق أخرى شبيهة بكردستان، لكن كردستان كانت مثالاً واضحاً. ما حدث في كردستان هو أن العناصر المؤمنة المحبة الواعية فيها أحبطت مؤامرة الأعداء هذه، بمعنى أنّها لم تسمح بإحياء معارك الكرد والفرس أو الكرد والترك هناك. كانت هناك أقلية تطلق بعض الشعارات والأقوال وتحت تأثير أعداء الخارج. وقد ذهبت إلى مهاباد، وكانت كل محالّ المدينة مقفلة، وجاء الناس لاستماع الخطاب؛ أذكر أنّه في الشارع الذي مررنا به كانت كل تلك الدكاكين مغلقة، وكل سكان المدينة جاؤوا إلى مكان إلقاء كلمتنا وتجمّعوا هناك ليستمعوا إلى خطابنا، وكانوا يرفعون الشعارات ويعبّرون عن مشاعرهم وأحاسيسهم. وقد خاطبت في كلمتي هناك أعداء الثورة وقلت لهم: ليأتِ الذين يتكلمون باسم الكرد إلى هنا وينظروا، هؤلاء هم الكرد، لا ذلك المأجور الذي ذهب إلى خارج البلاد، أو القابع في مكان ما ويتحدث باسم قوميّة ما، الكرد هم هؤلاء المجتمعون هنا. وهكذا كان الوضع في سنندج أيضاً وفي أماكن أخرى.

.. حيث كانت الشهادة مترافقة بتضحياتٍ أكبر
إذاً، فالإنجاز الذي تحقّق في كردستان وفي آذربيجان الغربية أيضاً على يد الأهالي الكرد كان إنجازاً وعملاً عظيماً جداً. لقد استطاعوا حقّاً تقديم خدمة للثورة وفرض اليأس على العدوّ، وهذا أمر بالغ الأهميّة. وقد قدّموا شهداء في هذا السبيل، فقدموا الشهداء في الحرب المفروضة وكذلك في الكفاح ضدّ أعداء الثورة، كما قدموا شهداء في الدفاع عن الجمهورية الإسلامية، من أمثال الشهيد شيخ الإسلام الذي أشرت إليه [قبل قليل]، أو الشهيد عالي (5) الذي كان من علماء الدين هناك، والشهيد ذبيحي (6) وهؤلاء من الماموستا [معلّم باللغة الكرديّة] والعلماء المعروفين في منطقة كردستان. لقد كان استشهاد هؤلاء بسبب دفاعهم عن الجمهورية الإسلامية، فقد ألقوا الخطابات وبادروا وعملوا ونشطوا وتعاونوا مع الجمهورية الإسلامية واستشهدوا. في قرى كردستان وآذربيجان الغربية نشط كثيرون في التعاون مع عناصر [رجال الشرطة والأمن] الجمهورية الإسلامية وانتقم منهم أعداء الثورة فاستشهدوا، بمعنى أن الشهادة في تلك المنطقة كانت شهادة مترافقة بتضحيات أكبر، وجهد وجهاد صادق واضح. أعلى الله من درجات هؤلاء الشهداء إن شاء الله.

على شباب اليوم أن يعلم أيّ أعمال أُنجزت!
هذا التقرير الذي قدّمه القائد المحترم في الحرس الثوري تقرير جيّد، لكن هذه أرقام وأعداد، وما أوصي به وما أشدّد عليه هو نتائج الأعمال التي تقومون بها. ينبغي أن يتّضح كم استطاعت هذه الأرقام والأعداد التي ذكرت لتأسيس المجامع، أو نشر بعض الآثار، أو أعمال من هذا القبيل، التأثير في الأجواء الفكرية للناس وخاصّة لدى الشباب فيما يتعلّق بتكريم منزلة الشهداء، هذا هو المهمّ. ما نحتاجه اليوم هو أن يعرف شعبنا قدر شهدائنا، وأن يعلم أيّ خدمة قدّمها هذا الشاب الذي ذهب ونال الشهادة، وهذا العالِم الذي ارتقى شهيداً، وهذا العامل الكادح أو هذا الفلاح الكادح الذي استشهد، للبلاد وللإسلام ولنظام الجمهورية الإسلامية.

كانت لدينا عائلة في كردستان قدّمت ستة شهداء، هذه من الحالات النادرة، أي إنّنا قلّما نشاهد مثل هذا في البلاد، أن تقدّم عائلة واحدة ستة من أبنائها في سبيل الله، فيستشهد بعضهم في المظاهرات التي شاركوا فيها، وبعضهم في الكفاح ضدّ أعداء الثورة أو في الحرب المفروضة. توجد نماذج من هذا القبيل، وهذا ما ينبغي أن يعلمه الجيل الصاعد. على شباب اليوم أن يعلموا أيّ جهود بذلت حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، حيث نمت شجرة الثورة الطيبة بحمد الله وأثمرت وتم إنجاز الكثير من الأمور والأعمال. وأهم تلك الجهود هي جهود شهدائنا، هذا ما ينبغي أن يعلمه جيلنا الشاب. إذن ينبغي لهذه الأعمال التي تُنجز أن تُنجز بحيث يكون لها ثمار ونتائج جيدة، بمعنى التأثير في أفكار الشباب وتصوّراتهم وفهمهم لقضايا البلاد الراهنة ولقضايا ماضيهم. لقد مضت أربعون سنة على الثورة، ويجب أن نعلم أيّ جهود بذلت لتأسيس هذه الثورة وتشكيلها وتثبيت دعائمها. على شباب اليوم أن يعلموا هذا الشيء، والذي شاهد هذه الأمور عن كثب يعلمها، مع أن بعض هؤلاء أيضاً يصابون بالنسيان وينحرفون عن مسارهم ويغيرون طريقهم، بيد أن نظري الأساسي معلّق على الشباب. ينبغي لشباب اليوم أن يعلموا أيّ أعمال أُنجزت حتى ترسخت واستحكمت هذه الدعائم بهذا النحو، بحيث صار بوسعهم أن يشعروا بالفخر والاعتزاز والشموخ بنظام الجمهورية الإسلامية. هذه نقطة.

النقطة الثانية تتعلق بالأعمال العمرانية وما شاكل؛
نعم، أنجزت أعمال عمرانية كثيرة، لكن ثمة حالات تأخر في المناطق الكردية. لقد كانت هذه سياسة خاطئة معيبة في نظام الطاغوت حيث كانوا يتصورون أنّ عليهم العمل بهذه الطريقة. وحتماً، كان هناك عدم اكتراث للمصالح الوطنية في ذلك النظام. لذا، يوجد تأخر، وأنتم من عليه تلافي حالات التأخّر هذه. أن يقال إنّنا نوصي بكذا وكذا، فلا بأس، ابعثوا رسائلكم واكتبوا فيها ما يخطر في بالكم، ونحن نحيلها إلى المسؤولين، ونوصي بها ونؤكد على متابعتها، لكنّ منفّذي الأعمال هم أنتم المسؤولون، أنتم منفّذو الأعمال، فجهاز القيادة ليس هو المنفّذ، هو ليس جهازاً تنفيذياً، أنتم المنفّذون. يجب أن تتابعوا. قد نوجّه أمراً إلى وزارة ما أو إلى المسؤولين الرفيعي المستوى في البلاد ونؤكّد عليهم، لكن من ينبغي أن يتابع العمل هو أنتم، فاذهبوا وتحرّكوا وأصرّوا وأكّدوا ليتحقّق إن شاء الله ما تريدون ويصبّ في مصلحة الناس.

واجبنا هو تكريم الشهداء، وهذا ما لا ينبغي أن ننساه!
وواجبنا تكريم عوائل الشهداء، وعوائل الشهداء يقعون في المقدّمة من حيث أهمية صبرهم وعملهم. ينبغي تكريمهم واحترامهم. وهذا التكريم ليس مجرّد تكريم باللسان، مع أن التكريم باللسان أيضاً مهمّ. ولا يقولنّ البعض إنّ المجاملات اللسانية ليست جيدة، فمن المهمّ أن نكرم الشهداء ومكانة الشهداء باللسان وفي تصريحاتنا. البعض لا يطيقون حتى هذا، وعلينا نحن السير في هذا الاتجاه، لكن إلى جانب هذا هناك خطوات عملية وتسهيلات ومساعدات متنوعة ينبغي تقديمها لعوائل الشهداء وعوائل الجرحى وعوائل المضحّين إن شاء الله.

نسأل الله تعالى أن يوفّقكم للعمل والخدمة، خدمة هذه المسيرة العظيمة، وأن ترضوا أرواح الشهداء الطيّبة عنكم إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1 ـ في بداية هذا اللقاء ـ الذي أقيم في إطار اللقاءات الجماعيةـ تحدث ممثّل الوليّ الفقيه في محافظة كردستان حجة الإسلام والمسلمين السيّد محمد حسيني شاهرودي، ومحافظ كردستان بهمن رادنيا، وقائد الحرس الثوري في كردستان اللواء ثاني محمد حسين رجبي. يقام هذا المؤتمر بتاريخ 20/06/2019 م في سنندج مركز محافظة كردستان (شمال غرب إيران).
2 ـ ماموستا محمد شيخ الإسلام (ممثل أهالي كردستان في مجلس خبراء القيادة).
3 ـ زيارة الإمام الخامنئي التفقديّة لمحافظة كردستان لمدة ثمانية أيام من 12 إلى 18 أيار 2009 م .
4 ـ في لقائه بحشد من علماء ورجال الدين الشيعة والسنة بمحافظة كردستان بتاريخ 13/05/2009 م .
5 ـ الملّا برهان عالي.
6 ـ الملّا محمّد ذبيحي.

قراءة 1609 مرة