فلسطين وأهميتها في فكر الإمام الخامنئي(1)

قيم هذا المقال
(0 صوت)

"احتلال هذه الأرض كان مشروعاً متعدد الجوانب و معقداً يهدف إلى الحيلولة دون اتحاد المسلمين و تلاحمهم و منع تأسيس حكومات قوية جديدة من قبل المسلمين".

الإمام الخامنئي  29/09/2009

الفصل الأول: تاريخ احتلال فلسطين

أولا: كيف اغتصبت فلسطين

تحولت فلسطين في إطار عملية تاريخية اشتملت على عشرات المبادرات التي قام بها العدو، إلى ملكٍ مطلق للصهاينة. فكّر عدد من اليهود المتنفذين في العالم في إيجاد بلد مستقل لليهود. و قد فكّروا سابقاً بالتوجه إلى أوغندا و جعلها بلداً لهم. و فكّروا لفترة من الزمن بالتوجه إلى طرابلس عاصمة ليبيا، لذلك تفاوضوا و تناقشوا مع الإيطاليين الذين كانوا يستولون حينها على طرابلس، لكن الإيطاليين رفضوا طلبهم.. وأخيراً اتفقوا مع الإنجليز..

كان للإنجليز في ذلك الحين أهداف و أغراض استعمارية مهمة جداً. وجدوا أن من المناسب إن يأتي أولئك إلى هذه المنطقة. احتلال هذه الأرض كان مشروعاً متعدد الجوانب و معقداً يهدف إلى الحيلولة دون اتحاد المسلمين و تلاحمهم و منع تأسيس حكومات قوية جديدة من قبل المسلمين. ثمة أدلة تشير إلى أن الصهاينة كانت لهم علاقات قريبة مع الألمان، و تقديم إحصاءات مبالغ فيها حول مذابح اليهود كان بحد ذاته وسيلة لكسب تعاطف الرأي العام و تمهيد الأرضية لاحتلال فلسطين و تبرير جرائم الصهاينة. بل هناك شواهد تشير إلى أنهم أوفدوا عدداً من الشقاة و الأوباش غير اليهود من شرق أوربا إلى فلسطين باعتبارهم يهوداً ليؤسسوا تحت غطاء دعم الناجين من المذابح العنصرية دولةً مناهضةً للإسلام في قلب العالم الإسلامي، و ليخلقوا بعد ثلاثة عشر قرناً شرخاً و انقساماً بين شرق العالم الإسلامي و غربه. تفاجأ المسلمون في بداية الأمر لأنهم لم يكونوا مطلعين على كنه المشروع الذي يرمي إليه الصهاينة و حماتهم الغربيون.

الدولة العثمانية هُزمت. و تم سراً عقد اتفاقية »سايكس – بيكو« لتقسيم البلدان الإسلامي في الشرق الأوسط بين المنتصرين في الحرب. تركت عصبة الأمم للإنجليز الانتداب على فلسطين، فمنح الإنجليز وعداً إيجابياً للصهاينة و أوفدوا اليهود إلى فلسطين عبر مجموعة من المشاريع المدروسة، و طردوا المسلمين من ديارهم و بيوتهم.

كان المقرر بدايةً أن يدخل اليهود إلى فلسطين كأقلية ثم يكثرون تدريجياً و يستولون على جزء من الأرض، و سيكون هذا الجزء حساساً، لأن فلسطين تقع في منطقة حساسة، و يشكلون دولةً و يكونون من حلفاء بريطانيا، و يحولون دون أن يتحد العالم الإسلامي و خصوصاً العالم العربي في تلك المنطقة. العدو الذي يُدعم من الخارج بهذه الطريقة يمكنه زرع الخلافات بأساليب التجسس و غيرها من الأساليب المتنوعة، و هذا ما فعلوه على أرض الواقع: يقترب إلى هذا، و يضرب ذاك، و يتهجم على فلان، و يتشدد مع فلان. إذن كان هناك بالدرجة الأولى مساعدة بريطانيا و بعض البلدان الغربية. ثم انفصلوا تدريجياً عن بريطانيا و تحالفوا مع أمريكا.

وقد حمت أمريكا الصهاينة إلى هذا اليوم. لقد أنشأوا بلداً بهذه الطريقة و باحتلال بلد فلسطين. و كان احتلالهم لفلسطين على النحو التالي: لم يأتوا عن طريق الحرب أولاً، بل جاءوا عن طريق الحيلة. عمدوا إلى أراضٍ فلسطينية كبيرة كان المزارعون العرب يعملون فيها و كانت جد خصبة و عامرة، و اشتروها بأضعاف سعرها الحقيقي من أصحابها و مالكيها الأصليين الذين كانوا يسكنون أوربا و أمريكا.. كان أولئك المالكون يتمنون تلك الصفقة فسارعوا لبيع أراضيهم لليهود. طبعاً كانت لديهم أسبابهم، و روي أن من أسبابهم هو السيد ضياء [السيد ضياء الدين الطباطبائي] المعروف شريك رضا خان في انقلاب 1299 [1921 م] و الذي انتقل من هنا إلى فلسطين ليعمل سمساراً في معاملات بيع المسلمين أراضيهم لليهود و الإسرائيليين! اشتروا الأراضي و حينما صارت الأراضي ملكهم بدأوا بطرد المزارعين منها بأساليب عنيفة جداً و بكل قسوة و عجرفة. كانوا يتوجهون إلى مكان معين و يضربون و يقتلون و يستقطبون الرأي العام العالمي في الوقت ذاته بأكاذيبهم و خداعهم.

ثانيا: الحقيقة المقلوبة

جرت المساعي في الإعلام العالمي على تصوير اليهود الذين استولوا على فلسطين بوصفهم أناساً مظلومين ذوي حقوق، و قد تعرضوا للضغط و الاعتداء. أما العرب الذين يحاولون استعادة بيوتهم فهم أناس قساة يتحدثون بمنطق القوة و لا يلتزمون بالمعايير و الضوابط.

حينما أراد الصهاينة و اليهود الروس الهجرة إلى فلسطين لم يقولوا إن هؤلاء غاصبون و إنهم ليسوا أهل فلسطين الذين وفدوا إليها، و أنهم من أهل روسيا و أوكرانيا و البلدان الأوربية، و من أهل أمريكا و لكلٍّ منهم في أرضه و بلاده و مكانه و داره و ثروته و أمواله و حياته. و مع ذلك يتوجهون إلى فلسطين ليغتصبوا حق الفلسطينيين و يستولوا على بيوتهم و ثرواتهم و أراضيهم، و يحرموهم حق تأسيس عوائلهم. لم يكونوا ليقولوا هذا ! أضف إلى ذلك أن عناصر الصهاينة و الأمريكان كانوا يعرضون في وسائل إعلامهم صور بعض النساء و الأطفال اليهود المتعبين ليقول الناس في العالم: »عجيب، لماذا يتعامل العرب مع هؤلاء المساكين المظلومين بهذا الشكل؟!«

ثالثا: أركان احتلال فلسطين

لهيمنة الصهاينة الغاصبة على فلسطين ثلاثة أركان: أحد الأركان هو القسوة مع العرب. تعاملهم مع أصحاب الأرض الأصليين كان تعاملاً قاسياً عنيفاً شديداً. لم يداروهم على الإطلاق. الركن الثاني هو الكذب على الرأي العام. و حكاية الكذب على الرأي العام حكاية عجيبة حقاً. كذبوا و كذبوا عبر وسائل الإعلام الصهيونية إلى درجة أنهم أخذوا بعض الرأسماليين اليهود بسبب هذه الأكاذيب.

والكثيرون صدقوا أكاذيبهم خدعوا حتى الكاتب و الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي »جان بول سارتر«. كتب »جان بول سارتر« كتاباً قرأته قبل ثلاثين سنة. كتب يقول: »شعب بلا أرض، و أرض بلا شعب«... أي إن اليهود كانوا شعباً بلا أرض، و جاءوا إلى فلسطين التي كانت أرضاً بلا شعب! ما معنى إنها أرض بلا شعب؟! كان فيها شعب يعمل. و هناك الكثير من الشواهد على ذلك. يقول أحد الكتاب الأجانب أن مزارع القمح كانت في كل الأرض الفلسطينية كبحر أخضر يشاهد على امتداد البصر. أوهموا العالم أن فلسطين أرض خربة متروكة بائسة، و جئنا نحن إلى هناك فعمرناها ! الكذب على الرأي العام! حاولوا دوماً تصوير أنفسهم على أنهم مظلومون. في المجلات الأمريكية نظير »تايم« و »نيوزويك«، إذا وقعت أدنى حادثة لعائلة يهودية ينشرون صور القتيل و تفصيلات عنه و سنه، و يضخمون مظلومية أطفاله، لكنهم لا يشيرون أدنى إشارة إلى المئات بل الآلاف من حالات العنف ضد الشباب الفلسطينيين، و العوائل الفلسطينية، و الأطفال الفلسطينيين، و النساء الفلسطينيات في داخل فلسطين المحتلة و في لبنان! ..

الركن الثالث هو عقد الصفقات و التفاوض، و استخدام اللوبيات على حد تعبيرهم. يجلسون مع هذه الحكومة، و تلك الشخصية، و ذلك السياسي، و ذلك المستنير، و ذلك الكاتب، و ذلك الشاعر، و يتحدثون معه و يعقدون الصفقات! ممارساتهم كانت لها لحد الآن ثلاثة أركان حتى استطاعوا الاستيلاء على هذا البلد بالخداع و المكر. ثم إن القوى الأجنبية وقفت إلى جانبهم، و على رأسها بريطانيا. منظمة الأمم المتحدة و من قبلها عصبة الأمم التي تشكلت بعد الحرب لمعالجة ما يسمى بقضايا السلام، دعمتهم دائماً إلا في بعض الحالات المعدودة. في سنة 1948 أصدر المجتمع الدولي قراراً قسّم فيه فلسطين بلا أي سبب أو مسوِّغ.

يمنح القرار 57 بالمائة من الأراضي الفلسطينية لليهود، و الحال أن 5 بالمائة من الأراضي الفلسطينية كانت ملكهم في السابق. و قد أسسوا هناك دولة ثم تتابعت الأحداث و الأمور و الهجمات على القرى و المدن و البيوت و الأبرياء. طبعاً قصّرت الدول العربية بعض الشيء. وقعت عدة حروب. في حرب سنة 1967 استطاع الإسرائيليون بمساعدة أمريكا و دول أخرى احتلال أجزاء من الأراضي المصرية و السورية و الأردنية. و في حرب 1973 استطاعوا أيضاً و بمساعدة تلك القوى تغيير نتيجة الحرب لصالحهم و احتلال مزيد من الأراضي.

قراءة 2400 مرة