الإمام الخامنئي في لقاء الطلاب الجامعيّين : أنتم جمع باعث على الأمل

قيم هذا المقال
(0 صوت)

الإمام الخامنئي في لقاء الطلاب الجامعيّين : أنتم جمع باعث على الأمل

" بحمد الله إنّ جمع شبابنا الجامعي الذين تمثّلون أنتم النماذج له وطائفة الطلبة الجامعيّين في البلاد، هو جمعٌ باعث على الأمل من جهات مختلفة".

الإمام الخامنئي


بسم الله الرحمن الرحيم

أشکر الله المتعال أن مدّ في عمري لكي ألتقي مرّة أخرى بجمع الشباب الأعزّاء الودّي في أيّام شهر رمضان الصافية هنا، في هذه الحسينيّة.

ونسأل الله أن تكون هذه الجلسة، سواءً ما تفضّلتم به، وسواءً ما سأقوله أنا مفيدة في المستقبل للبلد، وللجامعة، ولحرکة الطلاب الجامعيين العظيمة. حسنٌ، هذه الأيّام أيّامٌ مفعمة بالصفاء، كما قلت، صفاء شهر رمضان المبارك والصيام، صفاء ليالي القدر، الصفاء المتصاعد من ذكرى مولى المّتقين إذ كان ذلك العظيم مظهر للصفاء ومنبعاً له وصفاء شبابكم.

بحمد الله إنّ جمع شبابنا الجامعي الذين تمثّلون أنتم النماذج له وطائفة الطلبة الجامعيّين في البلاد، هو جمعٌ باعث على الأمل من جهات مختلفة. نسأل الله تعالى أن يكون مستقبلكم، ومستقبل البلاد، واعداً ومفعماً بالأمل والقوّة ببركة جهودكم وأعمالكم. المطالب التي عرضها الأصدقاء، كانت مطالب جيّدة جداً. أذكر أنّي في السنة الماضية أيضاً، استمتعت جدّاً بالمطالب التي عرضها الإخوة والأخوات الطلبة هنا، وقد أشرت إلى ذلك.

أنا لا أذكر بالطبع، تلك الكلمات بتفاصيلها، لكنّي أذكر بشكل عامّ، أنّها كانت جيّدة جدّاً. والأمر كذلك هذا العام، فما تفضّلتم به أنتم أيّها الشباب في الأقسام المختلفة، كان بحمد الله عبارة عن قضايا ناضجة ومدروسة.

وأنا موافق على معظم ما تفضلتم به. وكذلك المقترحات التي تضمّنتها كلماتكم، نأمل أن تتمكّن الأجهزة في البلاد، ونحن أيضا، والمسؤولون الآخرون، من دراسة هذه المقترحات أكثر، ونجد سبيل تحقّق المطالب الكامنة وراء هذه المقترحات. لقد وضعت إشارات عندي على بعض المطالب التي وردت في كلماتكم، أقول في كل منها كلاما مختصرا.

لقد تكلّم أحد السادة عن موضوع لزوم وجود "مراكز الفكر"، كلامه صحيح تماماً، أنا أوافق عليه، وينبغي أن يُخطّط لهذا الأمر... أحد الأصدقاء أشار إلى مسألة الاعتدال، وطلب مني أن أشرح معنى الاعتدال، ذلك أنّ الحكومة المنتخبة تطلق شعار الاعتدال. برأيي، ليس من مهمّتي أن اشرح معنى الاعتدال. في النهاية، لكلّ شخص هدفٌ وفكرٌ وراء أقواله وشعاراته.

ورئيس الجمهوريّة المنتخب المحترم، سيقوم حتماً بهذا الأمر ويشرح معنى الاعتدال، والمجال مفتوح أمام الأحكام، لن نمنع أحداً من الحكم على الشعارات المعلنة. ولي بالطبع توصيات سأعرضها عليكم خلال عرض المواضيع إن شاء الله تعالى. أشار أحد الأصدقاء إلى وجود ضغائن بين الطلبة الجامعيّين بسبب الاختلاف في تحليل المسائل المختلفة. أطلب بشدّة وأرجو من الجميع أن يسعوا إلى أن لا يجرّهم اختلاف الآراء في التحليل، وفي الاستنتاج، وفي فهم الحقائق، إلى الضغينة والتخاصم. حسنٌ، كما في الأجواء العلميّة، يمكن لشخصين أن يكون لهما آراء علميّة مختلفة، وهذا لا يؤدّي لزوماً إلى العراك والمخاصمة والعداوة، حسنٌ، هما رأيان.

على صعيد المسائل السياسيّة والاجتماعيّة، أرى أيضاً أنّه ينبغي أن تتعاطوا بهذه الطريقة عندما تكونون متّفقين ومتّحدين على الأطر والحدود، لا تدعوا الأمر ينجرّ إلى الضغينة. نعم، قد يكون هناك أشخاصٌ يعادونكم بسبب الأصول والمباني، حسنٌ، هذا بحثٌ آخر، لكنّ اختلاف الرأي لا ينبغي أن يؤدّي إلى المخاصمة والضغينة وفي بعض الأحيان إلى العنف.

لطالما كان الإمام (رضوان الله عليه) يوصي بالطبع، ليس الطلبة الجامعيّين بل انه لطالما كان يكرر الوصية للسياسيّين والنوّاب والمسؤولين والنشطاء السياسيّين ويقول: تعاطوا كطلبة العلم في مباحثاتهم. فطلبة العلم أحياناً قد يغضبون من بعضهم في أثناء المباحثة الآن.

يُقال عن الطلبة مثل هذه الأشياء، يُقال أنّهم ينهالون على بعضهم بالكتب! بالطبع، الأمر ليس كذلك يبحثون، يصرخون، ويظنّ من يراهم أنّ هؤلاء سيقطّعون بعضهم إرباً إرباً، والحال أنّ الأمر ليس كذلك، ما إن تنتهي المباحثة، يقومون ويذهبون برفقة بعضهم، ويجلسون على مائدة واحدة،ويتناولون الطّعام معاً، ويتجاذبون أطراف الحديث، وهم أصدقاء ورفقاء.

كان الإمام يقول: على السياسيّين سواءً في مجلس الشورى، أو في الحكومة، أو في حزب الجمهوريّة الإسلامية الذي كان موجوداً في ذلك الوقت، أو بقيّة الميادين السياسيّة أن يتعاطوا بهذا النحو مع بعضهم.

يمكن أن يكون هناك اختلاف في الرأي، أن يكون هناك قيل وقال، لكن لا تدعوا الضغينة والعداوة تحلّ فيكم. من حسن الحظّ، أنّ المجتمع الجامعيّ في البلاد اليوم أريد أن أقول بالأعمّ الأغلب يسير من خلال مبانٍ مشتركة، حتّى ولو كانوا ذوي ميول سياسيّة مختلفة.

وأنا أرى هذا أيضاً، حيث ينبغي البحث والمحاورة مع وجود الميول المختلفة ولربّما أشير إن شاء الله في خلال حديثي إلى مطالب بالمحصّلة، فلتتخلّصوا من العداوة والخصومة والضغينة وأمثال هذه الأمور، اسعوا قدر المستطاع أن تزيلوها من أجواء الجامعة. أحد الإخوة أشار إلى مشاكل العام 88 وأمثالها. أرجو إن طرحتم مشاكل العام 88، أن تجعلوا المسألة الأصليّة والأساسيّة في هذه المشاكل نصب أعينكم.

المسألة الأساسيّة هي أنّ جماعة وقفت بشكل غير قانونيّ وغير نزيه أمام الحركة القانونيّة في البلاد، ووجّهوا ضربةً إلى البلد، لِمَ تنسون هذا الأمر؟ بالطبع، قد تحصل إلى جانب حادثة كبرى ما صدامات وتضارب، لا يمكن للإنسان فيها تشخيص الظالم من المظلوم، أو قد يكون شخصٌ في مورد ما ظالم وفي مورد آخر مظلوم، هذا ممكن تماماً، لكن علينا في هذه القضايا أن لا نضيّع المسألة الأساسيّة. حسنٌ، في انتخابات العام 88، أولئك الأشخاص الذين كانوا يظنّون أنّ تزويراً حصل في الانتخابات، لِمَ شنّوا الحملات في الشوارع في مواجهة التزوير؟ لماذا لا يجيبون على هذا السؤال؟ لقد وجهّنا هذا السؤال مئة مرّة، ليس في التجمّعات العامّة، لا، بل بنحو يمكنهم فيه الإجابة، لكنّهم لا يملكون الإجابة. حسنٌ، لِمَ لا يعتذرون؟ إنّهم يقولون في الجلسات الخاصّة، نعترف بأنّ التزوير لم يحصل. حسنٌ، إذا لم يحصل التزوير، فلِمَ سبّبتم هذه الخسائر للبلد؟ وكلّفتم البلد كل تلك الأثمان؟ لولا لطف الله تعالى، لوقع الاقتتال بين شرائح الشعب، أتعلمون ماذا كان ليحدث؟ أترون اليوم ماذا يحدث في بلدان المنطقة، هناك حيث يضعون الناس في مواجهة بعضهم؟ لقد أخذوا البلد إلى شفا مثل هكذا جرف، وقد لطف الله تعالى، والشعب أيضاً أعمل بصيرته.

هذه هي المسألة الأساسيّة في مشاكل العام 88، لِمَ تنسونها؟ أيضاً، لدينا كلام كثير حول حادثة العام 78، وتلك أيضاً قضيّة أخرى. تبعاً للمسألة التي تكلّمت عنها، أقول هذا أيضاً، وهو أنّ أحد الأصدقاء قال إن حدث في الجامعة هذا الشيء أو ذاك سوف نردّ بشدة. أنا لم أفهم معنى هذه "الشدة" جيّداً! هذا الأخ الذي طرح هذا الموضوع، صادف أن كان منطقه البياني متين جدّاً وقويّ وموزون. حسنٌ، أنت عندما تكون من أهل المنطق، وتستدلّ بهذه الجودة، حين يمكنك الدفاع عن مبانيك الصحيحة هكذا، ما حاجتك إلى استعمال (الشدة)والقوّة؟ إذا كان المراد من الشدة، قوّة البيان والبحث والاستدلال والنظر، حسنٌ، لا إشكال في ذلك، أمّا إن كان بمعنى آخر، فلا، أنا لا أوافق أن يتمّ استخدام العنف الشدة بذلك المعنى الذي قد تكون تفكّر فيه في مواجهة الرأي المخالف لكم، أو الظاهرة الفلانيّة المخالفة لرأيكم. سأل بعض الإخوة عن مسألة "التكليف" و "النتيجة"، حيث سأقدّم بياناً مختصراً حوله فيما بعد.

بحث أحد الإخوة حول "الإشراف"، أنا أؤيّد كلامه تماماً. لقد تكلّم عن الإشراف على أجهزة من جملتها مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون، والذي هو مورد تأييدنا بالكامل، ولازم، بالنهاية، كيف تكون آليّة الإشراف على مؤسّسات مثل مجلس الشورى؟ هذا مطلب مهمّ، وهو ليس بالأمر الهيّن أو كيف ستكون آليّة الإشراف على القوّة القضائيّة أو بعض الأجهزة الأخرى؟

هذا موضوع مهمّ، يمكن لهذا أن يكون من جملة الموضوعات، التي ينبغي للناشطين الجامعيّين على مستوىً فكرّي عالٍ، أن يقوموا بالتخطيط له، والتفكير فيه، والعمل عليه، وتقديم المقترحات له، برأيي إنّ هذا الأمر هو من جملة وظائفكم، اعملوا على هذه الأمور وساعدوا المؤسّسات العامّة في البلاد. أحد الإخوة ذكر أنّ بعض الأجهزة المرتبطة بالقيادة، تمتنع عن العمل الشفّاف وعن التفتيش. بالطبع، أنا لا أعتقد ذلك. وفيما لو كان ذلك، نعم، لا ينبغي الاجتناب عن البيان الشفّاف في المسائل التي يمكن أن تُبيّن ويجب أن تُبيّن، كما لا ينبغي الامتناع عن التفتيش.

كما لا أظنّ أنّ أجهزةً كمؤسّسة المستضعفين على سبيل المثال أو أمثالها، مستثناة من التحقيق، أي أنّني لم أتصوّر هذا الأمر إلى الآن. على كلّ حال، إن كان الأمر كذلك، فهذا الإشكال وارد، ويلزم على أجهزة الرقابة أن تتمكّن من الإشراف عليها.أحد الإخوة سألني عن خصائص جوّ الجامعة المفعم بالنشاط، جيّد، فهذا الموضوع يستحقّ الاهتمام، ولديّ الآن ملاحظات في هذا المجال، سأعرضها عليكم.

أحد الإخوة سألني ما هي وصيّتي للطلبة الجامعيّين الذين سيدخلون جوّ الجامعة في شهر مهر القادم(ابتداء من 20 أيلول)، وصيّتي لهؤلاء الطلبة كوصيّتي لجميع الطلبة الجامعيّين، أنا أدعو جميع الطلبة الجامعيّين إلى أن يكونوا "طلّاباً جامعيّين" بالمعنى الواقعي للكلمة أي السعي وراء العلم والنشاطات المتناسبة مع كونهم "طلّاب جامعات"، سواءً النشاطات الاجتماعيّة، أو السياسيّة.المسألة التي طرحها أحد الإخوة حول تمويل الجامعات، هي مسألة صحيحة وجديرة بالاهتمام. على كلّ حال المطالب التي عرضتموها أيّها السادة والسيّدة التي تكلّمت، كانت مطالب مهمّة جدّاً صحيحة.

ما دوّنته هنا لأعرضه عليكم حتماً، هذا الكلام مرتبط بمجموعات الطلبة الجامعيّين، لكنّه قابل للتعميم على كلّ البلاد وشرائح الشباب المختلفة في البلاد أحدهما، ماذا تمثّل الأهداف والمثل العليا للثورة بالنسبة للشابّ، والطالب الجامعيّ، والعنصر الثوري؟ باعتقادي إنّ أهداف الثورة التي أطرها محدّدة، حيث سأعلن عن بعضها بدوري وأسمّيه بالاسم لا تُنال من دون قوّة ونشاط وجرأة الشباب.

علاقتكم بالأهداف ينبغي أن تكون مثل هكذا علاقة. إذا لم تكن قوّة الشباب، أي القدرة الفكريّة والبدنيّة، وإذا لم يكن النشاط وروحيّة التحرّك، وكذلك الجرأة، أي كسر الحواجز، الموجودة في الشباب كخاصّيّة بارزة، لن نصل إلى تحقيق الأهداف. لذا، فعلى الشباب مسؤوليّات كبرى في الوصول إلى الأهداف وتحقّق مبادئ الثورة والمبادئ الإسلامية، كما إنهّم يتحلّون باللياقة والخبرة العالية جدّاً.

على كلّ شخص يسعى لتحقيق الأهداف، أن يأخذ دور الشباب على محمل الجدّ، واعلموا أنّي أحمله أيضاً على محمل الجدّ. ما قلته عن الشباب سواءً الشباب الجامعي حتماً، بخصوص الطلبة الجامعيّين أو غيرهم، ليس هو مجاملة في الكلام، هذا هو اعتقادي، وأرى أنّ الشباب يمكنهم حلّ العقد. المهمّ بالطبع، أن يعرفوا ميدان العمل، وميدان التحرّك، وأن يعرّفوه جيّداً، وأن يعرّفوا العمل الذي يريدون القيام به بشكل صحيح. هذه مسألة.

مسألة أخرى هي أنّ أهداف ومبادئ النظام الاسلامي التي هي في الحقيقة المبادئ الاسلاميّة هي منظومة، مجموعة، لها مراتب مختلفة أيضاً. بعض منها أهداف غائيّة ونهائيّة، وبعضها أهداف مرحليّة، لكنّها جزء من الأهداف، علينا أن نسعى وراءها جميعاً. افترضوا مثلاً أنّ المجتمع العادل والمتطوّر والمعنويّ بهذه الخصوصيّات هو هدف، هو جزء من الأهداف التي تقع في الدّرجة الأولى ومن أفضل الأهداف.

يسعى الإسلام أوّلاً إلى تشكيل مجتمع يحكم بالعدل، أي على المسؤولين وقادة المجتمع أن يتعاملوا بعدل، ثانياً، على المجتمع نفسه أن يكون مجتمعاً عادلاً فالعدالة ليست خاصّة بالمسؤولين، على عموم أفراد الشعب أن يكونوا عادلين فيما بينهم وعندها يكون المجتمع مجتمعاً متطوّراً.

الإسلام لا ينتج أبداً مجتمعاً متخلّفاً في المسائل العلميّة، وفي المسائل السياسيّة، وفي المسائل الحضاريّة وفي أيّ ميدان آخر، الإسلام يسعى لتشكيل مجتمع متطوّر، وإنّ قسماً مهمّاً من أحكام الإسلام تنادي بهذا الأمر. بناءً على هذا، هذا جزءٌ من المجموعة الكبرى للمجتمع الإسلاميّ ذاك. وهكذا، يسعى الإسلام إلى تشكيل مجتمع معنويّ. في النظام الاسلاميّ، يُدار المجتمع بعدل، وأيضاً يكون المجتمع في نفسه مجتمعاً عادلاً، ويكون مجتمعاً متطوّراً، ومجتمعاً معنويّاً أيضاً، أي أنّه مشبع بالمعنويّة، يتحلّى بالمعنويّة، المعنويّة التي توجب على الإنسان أن لا يعدّ الأهداف الدنيّة والماديّة وشهوات الحياة اليوميّة، أهدافاً عالية له، بل يضع لنفسه أهدافاً أعلى، وأرفع، تحافظ على ارتباط عموم أفراد الإنسان، وارتباط القلوب بالله تعالى، هذا هو المجتمع الذي ينظر إليه الإسلام. حسنٌ، هذا هدف.

حتماً إنّ هكذا مجتمع سيصبح عندها مثالاً يُحتذى. إذا استطعنا نحن من خلال السعي الجماعي أن نوجد مثل هكذا مجتمع والذي هو حتماً، ممكن وقابل للتحقّق تماماً وعمليّ بنظري، وقد قطعنا نحن شوطاً مهمّاً في هذا المجال سوف يصبح هذا المجتمع (قدوة ونموذجا)ومثالاً يُحتذى، ليس فقط للمجتمعات المسلمة والبلدان الإسلامية، بل حتّى للبلدان غير الإسلامية. حسنٌ، إيجاد مثل هكذا مجتمع بهذه الخصوصيات هو واحد من الأهداف. هناك هدف آخر هو الاقتصاد المقاوم، والذي هو هدف جزئي بالنسبة إلى الهدف السابق.

على الرغم من أنّ الاقتصاد المقاوم نفسه يعد أمراً مهمّاً، إلّا أنه في الواقع، يُعرّف تبعاً لذلك الهدف السابق. السلامة في المجتمع، والصناعة الأفضل، والزراعة الأفضل، والتجارة الرابحة، والعلم المتطوّر، وهذه جميعها من الأهداف. النّفوذ الثقافيّ في العالم، وكذلك النّفوذ السياسيّ في العالم وفي المنظومة السياسية للسلطة في العالم إنّ هذه جميعاً من الأهداف.

تحقيق العدالة الاجتماعيّة، واحدة من الأهداف. لذلك، عندما نتحدّث عن الأهداف، لا يذهب فكرنا إلى أمر بعيد غير قابل للتعريف، الأهداف تعني هذه، هذه جميعاً أهداف، حتماً على درجات مختلفة. تشكّل مجموعة الإرادات والأهداف هذه، منظومة الأهداف الإسلامية.

وحين تسعون أنتم في سبيل أيّ منها، تكونون تسعون من أجل المبادئ. تلك المجموعة التي نفترض أنّها تعمل في سبيل الاقتصاد المقاوم، أو تلك المجموعة التي تعمل على نشر الثقافة الثوريّة والاسلاميّة في عالم الإسلام، هؤلاء جميعاً يقومون بأعمال مبدئيّة وذات أهداف. ذاك الذي يقوم بهذا العمل على الصّعيد السياسيّ والديبلوماسيّ، عمله يكون عملاً مبدئيّاً ومن أجل الأهداف.

وذاك الذي يعمل على سبيل المثال في مجال السّلامة، فإنّه يعمل من أجل الأهداف. هذه هي الأهداف، هناك مراتب مختلفة للأهداف، وجميعها لازم. السؤال الآخر الذي طُرح وقد دوّنته هنا من قبل وهذا يشير إلى أنّ هذا السؤال وصلني من قبل، أي السؤال المطروح هو: ما علاقة الأهداف بالوقائع الموجودة؟ لنأخذ على سبيل المثال الحظر والمقاطعة.

فهما من الوقائع والحقائق. حسنٌ، أحد أهدافنا، هو التطوّر الاقتصاديّ في البلاد، ومن ناحية أخرى هناك واقع يُدعى الحظر والعقوبات. و في المسائل السياسيّة المختلفة، وفي الانتخابات، وغيرها وغيرها. ما أريد قوله أنّنا نؤيّد المثاليّة مئة في المئة. كما نؤيّد رؤية الوقائع 100%.

إنّ المثاليّة من دون ملاحظة الوقائع تؤدّي إلى التخيّل والتوهّم. عندما تسعى وراء مقصد، وهدف، عليك أن تدرس الوقائع من حولك، وتضع البرامج طبقاً لتلك الوقائع. من دون رؤية وقائع المجتمع، لن يكون تصوّر الأهداف تصوّراً صحيحاً تماماً، فكيف بكم بتحقيق الأهداف. لو أردنا أن نضرب مثالاً، علينا القول أنّ الأهداف مثل قمّة الجبل. أولئك الذين هم من أهل التنزّه في المناطق الجبليّة، والصعود إلى القمم، يتصّورون القمة جيّداً. الوصول إلى القمّة هو هدف، شبّهوا الأهداف بهذا الأمر. يحبّ الإنسان الوصول إلى تلك القمّة.

عندما تكونون في الأسفل تحبّون أن تصعدوا وتصلوا إلى تلك القمّة وذروة هذا المرتفع، بالنتيجة، هناك واقع، إذا أردتم القيام بهذا العمل من دون ملاحظة هذا الواقع، سوف تهدرون طاقاتكم، ذلك الواقع هو أنّ طريق الوصول إلى القمّة لا يكون بمشاهدة الجبل أمامكم، فتقولون، ها هي القمّة، وهذا هو الجبل، فلنصعد، الأمر ليس كذلك. هناك طريق. فلو أنّكم لم تحتاطوا وصعدتم الجبل الذي يمتدّ أمامكم فإنّكم حتماً ستصلون إلى نقاط ومواضع لن تجدوا أمامكم طريقاً للتقدّم ولا للتّراجع. متسلّقو الجبال يحدث لهم مثل هذا الأمر وقد حصل لي أنا العبد.

فعندما يتحرّك المرء بدون معرفة الطّريق فإنّه يصل إلى مواضع لا يجد أمامه طريقاً ولا يمكنه أن يرجع، وعليه هنا أن يبذل جهوداً كبيرة ليخلّص نفسه من هذه الورطة. إنّ الواقعية عبارة عن هذا الطّريق ويجب اكتشافه. بالطبع، ينبغي النظر إلى الحقائق بالمعنى الواقعيّ للكلمة، وليس ما يقدم على أنه "الحقيقة"، أنتم الشباب تعلمون جيّداً، الحروب النفسيّة التي تروج اليوم في العالم، فإنّ من الأساليب المعتمدة إلقاء الحقائق غير الواقعيّة. يلقون الأشياء بعنوان الحقيقة وهي ليست كذلك، فيختلقون الشّائعات ويتحدّثون عن أمورٍ غير حقيقيّة والذي لا يمتلك عيناً مفتوحةً وباصرة سيقع في الاشتباه. وعندما نقول بصيرةٌ فلأجل ذلك.

إنّ من نتائج وثمار البصيرة هو أن يرى الإنسان الحقائق كما هي. في الدّعايات قد تظهر بعض الوقائع مضخّمةً أضعافاً كثيرة عمّا هي عليه، في حين أنّها تُغفل بعض الحقائق من الأساس. افرضوا مثلاً أنّ إحدى الحقائق تقول أنّ بعض نُخب البلد يهاجرون ويتركون بلدهم، أجل إنّ هذه حقيقة ولكن في قبالها هناك حقيقةٌ أخرى وهي عبارةٌ عن ازدياد عدد النّخب وعدد الجامعيّين من النّخبة. فمتى كان لنا كلّ هؤلاء الجامعيين النخبة!

انظروا إلى تاريخ جامعة البلد، في السّنوات العشر الأواخر كانت وفرة جامعيّينا النّخب في القطاعات المختلفة مشهودة جدّاً، وكم لدينا من أساتذة من النّخبة. عندما انتصرت الجمهوريّة الإسلاميّة كان عدد أساتذة الجامعات في البلد قليل ولأنّني لا أذكر بالدقّة لا أريد أن أقول ولكنّ عددهم كان محدوداً جدّاً ولا أذكر كم هو واليوم أصبح أكثر من عشرة أضعاف، فقد زاد هذا العدد كثيراً. حسنٌ، إنّ هؤلاء جميعاً نُخبة.

والآن، هناك عددٌ معيّن من شريحة النّخب الواسعة هذه التي تربّت في جامعات البلد من الجامعيين والأساتذة والنّخب العلميّين وأمثالهم يهاجرون إلى الخارج. فلو شاهد الإنسان تلك الحقيقة فعليه أن يشاهد هذه الحقيقة أيضاً. أولئك الذين يثيرون الدّعايات ضدّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، فإنّهم يضخّمون تلك ويلغون هذه. بل إنّهم في الأساس لا يأتون على ذكرها.

لهذا يجب النّظر إلى الحقيقة. إنّ الأهداف السّامية إنّما تصبح قابلةً للتحقّق عندما يُنظر إلى الوقائع والحقائق. ولكن ينبغي أن يكون النّظر إلى الحقيقة، لا ما يُلقى إلينا تحت عنوان الحقيقة من خلال الأفعال المعادية. برأيي، إنّ الناشط الجامعيّ المبدئيّ و الذي يعرف الحقائق لا ينبغي أبداً وفي أيّ ظرفٍ من الظّروف أن يصبح انفعاليّاً ويشعر بانسداد الطّريق، أي إنّه لا ينبغي أن يترك التوجّهات المبدئيّة، لا أثناء الانتصارات الحلوة ولا حين الهزائم المرّة.

لقد كان لنا في ميدان الدّفاع المقدّس انتصاراتٌ كبرى، وكذلك هزائم مرّة، وكان الإمام رضوان الله عليه يوصي ويقول: لا تقولوا هزيمة بل قولوا عدم الفتح. وأحياناً يكون النّصر نصيب الإنسان، وأحياناً لا يكون، فما هي أهميّة ذلك؟ يوجد من إذا حصلت الأمور وفق مرادهم وسارت باتّجاه ما يريدون فإنّهم يسحبون أيديهم من متابعة السّير نحو المبادئ وهذا خطأ (فإذا فرغت فانصب)، فالقرآن يقول لنا إذا أنهيت لنا هذا العمل وأتممت هذا السّعي فجهّز نفسك مجدّداً، ينبغي أن يكون ذلك لاستمرار العمل. البعض كذلك وهذا خطأٌ والبعض بالعكس. إذا لم تجرِ الأمور وفق ما يريدون ويرغبون فإنّهم يُبتلون باليأس والانفعال والهزيمة وهذا خطأٌ أيضاً. فكلاهما خطأ. ففي الأساس لا يوجد طريقٌ مسدود على طريق السعي نحو المبادئ الصحيحة والرؤية الواقعيّة.

عندما يلتفت الإنسان إلى الوقائع لا يبقى أيّ شيء لا يمكنه استشرافه بنظره. وتوقّعي من أعزّائي الجامعيّين هو أن يبقوا دائماً على طريق المبادئ والأهداف، سواء في تلك الحالات التي تقع فيها حادثةٌ طبق مرادكم أو عندما تقع حادثةٌ خلاف ما ترغبون. فلا تفقدوا التوجّه نحو المبادئ بالتلازم مع النّظر إلى الوقائع واستمرّوا على هذا الطريق. لقد كان الأمر كذلك في أساس الثّورة، وهكذا كان في أساس الحرب.

في الأحداث المختلفة التي وقعت في هذه السّنوات أيضاً كان الأمر على نفس المنوال دوماً. نجد أنّ البعض في مواقفهم وحالاتهم المعنوية والرّوحيّة والفكريّة غير منسجمين مع ما يقتضيه الالتزام بالمبادئ حين تقع الأحداث المختلفة. هناك سؤالٌ آخر حيث ذكر بعض الأعزّاء ذلك أيضاً وهو فيما يرتبط بالعلاقة ما بين محوريّة التكليف والنّظر إلى النّتيجة. قال الإمام: إنّنا أبناء التّكليف. فهل يعني ذلك أنّ الإمام لم يكن ناظراً إلى النّتيجة، فكيف يمكن أن يُقال هذا الأمر؟

فقد كان الإمام الجليل يتحمّل كل تلك الصّعاب رغم كل ما في الشيخوخة من شدائد وصعوبات وذلك من أجل إيصال النّظام الإسلاميّ إلى شاطئ الأمان، وقد نجح أيضاً. فهل يمكن القول بأنّه لم يكن مهتمّاً بالنتيجة؟! لا شكّ بأنّ محوريّة التكليف تعني أن يعمل الإنسان طبق التكليف على طريق الوصول إلى النتيجة المطلوبة، فلا يخالف التكليف أو يعمل ضدّه، ولا يرتكب أفعالاً غير مشروعة. فالأنبياء في سعيهم وكذلك أولياء الدّين كانوا جميعاً يسعون نحو الوصول إلى نتائج محدّدة. فهل يصحّ أن نقول أنّنا لا نسعى لتحقيق النّتائج؟ وبمعنى أنّه مهما كانت النّتيجة فلتكن. كلا. بالطبع، إنّ الذي يعمل وفق التّكليف من أجل الوصول إلى النّتيجة، لو أنّه في وقتٍ ما لم يصل إلى النّتيجة المطلوبة فإنّه لا يشعر بالنّدامة، فهو مرتاح البال لأنّه أدّى تكليفه.

وأمّا الذي لا يعمل طبق التكليف من أجل الوصول إلى النتائج، فإنّه إذا لم يصل فإنّه سوف يشعر بالخسارة، ولكنّ الأوّل قد أدّى تكليفه وتحمّل مسؤوليته وأنجز العمل اللائق والمطلوب، وكما قلنا سابقاً لقد التفت إلى الوقائع وقام بالتخطيط على أساسها، لكنّه في النّهاية لم يصل إلى النتيجة فإنّه لا يشعر بالخسارة، فقد قام بما عليه. لهذا، فإذا تصوّرنا بأنّ محورية التكليف تعني أن لا ننظر إلى النّتيجة من الأساس هي رؤية غير صحيحة.

في الدّفاع المقدّس وفي جميع الحروب التي وقعت في صدر الإسلام زمان النبيّ أو بعض الأئمّة عليهم السلام، فإنّ الذين كانوا ينزلون إلى ميدان الجهاد إنّما كانوا يفعلون ذلك من أجل أداء التكليف.كان الجهاد في سبيل الله تكليفاً، وهكذا كان الأمر في الدفاع المقدّس، فالنزول إلى الميدان كان انطلاقاً من الشعور بالتكليف، وأولئك الذين كانوا يشاركون كانوا في الأعمّ الأغلب يشعرون بالمسؤوليّة والتكليف. فهل يعني هذا الشّعور والإحساس بالتكليف أن لا يفكّروا بالنتيجة؟! وهل يعني أن لا يحسبوا حساب طريق الوصول إلى النتيجة؟ وأنّهم لم يكن لديهم غرفة عمليّات؟ لم يكن لديهم تخطيط وتكتيك وغرفة قيادة وفيلق وتشكيلات عسكريّة؟! ليس الأمر كذلك. لهذا، فإنّ محوريّة التكليف لا تتنافى أبداً مع السعي نحو النتيجة، وبأن ينظر الإنسان ليرى كيف يحصّل النّتيجة، وكيف تصبح قابلةً للتحقّق، وبأن يخطّط من أجل الوصول إلى النّتيجة على أساس الطرق المشروعة والميسّرة. النقطة الأخرى هي أنه لا بدّ من الحماس (والحيوية) والنّشاط في الجامعات. فالجامعة الراكدة ليست جيّدة.

فما هو المراد من الحماس والنّشاط؟ فليظهر هذا الحماس والنّشاط نفسه في القطاعات المختلفة سواء في القطاعات العلميّة أو في القطاعات الاجتماعيّة والسياسيّة، فمثل هذا الاندفاع والحيويّة يمكن أن يظهرا نفسيهما. إنّ البيئة الجامعيّة هي بيئة البحث عن محلّ الآراء الصحيحة في المجال السياسيّ وفي مجال إدارة البلد وكذلك في مجال القضايا العامّة الأخرى. على سبيل المثال في قضية الصحوة الإسلامية وهي قضية مهمّة فإنّ محلّ البحث عن الرأي الصحيح في هذا المجال هو بيئة الجامعة والجامعيين. فالحراك العمليّ إنّما يتحقّق على أساس الفكر والبحث والحراك الذهنيّ، وحينها تتّضح المسؤوليّات، ووفق تلك المسؤوليّات تتحدّد الأعمال التي ينبغي أن تُنجز. لهذا إنّ البحث والتحليل والفهم والتشخيص في الجامعات كلّ ذلك من ساحات النّشاط والحيويّة المختلفة.

إنّ التمييز بين القضايا الأصليّة والفرعيّة، قضايا الدرجة الأولى والدرجة الثانية وعدم الانشغال بالقضايا التي لا تتمتّع بالأولويّة وتحديد هذه القضايا، كل هذه من ميادين الحماس والاندفاع في الجامعات وبين الجامعيين. فلو أنّكم تشاهدون في الخارج بعض الأشخاص ينشغلون أحياناً بالقضايا الفرعيّة فإنّ البيئة الجامعيّة يجب أن تتمكّن من امتلاك الحكم الصحيح في هذا المجال. أيّها السيّد، إنّ هذه قضيّة أصليّة وهذه قضيّة فرعيّة، وهذه قضيّة لها أولويّة، وتلك ليست كذلك، إنّ بيئة الشاب الجامعي هي هذه البيئة، ولا يعني ذلك أن يسيطر على كل هذه الشريحة الجامعيّة تفكيرٌ واحد، كلا، فمن الممكن أن يحصل اختلافٌ في الآراء، فأنتم تقولون أنّ هذه القضية لا تتمتّع بالأولويّة والآخر يقول بلى، حسنٌ جدّاً إنّ البيئة هي بيئة البحث، فهذا ما يحقّق النّشاط. برأيي، يوجد موضوعات يمكن أن تكون محلّاً للبحث في البيئة الجامعيّة وهي التي تصنع هذه المجالات التي تنبعث منها كل الأنشطة والحماس المختلف على الصّعيد العلميّ والاجتماعيّ، ومنها قضّية الملحمة الاقتصادية. حسنٌ، إنّ الملحمة الاقتصاديّة هي عنوان وقد استُخدمت، فهل يمكن التفكير بشأن حدود هذا العنوان والبحث فيه؟ وهل يمكن البحث عن سبل الوصول إلى هذه الملحمة. البيئات الجامعيّة يمكن أن تكون فعّالة في هذا المجال.

إنّ هذا من الأبحاث التي يمكن أن تغيّر مصير البلد. وبالطبع إنّ الملحمة الاقتصادية ليست قضية عابرة، والأمر ليس كأن نطبّق الملحمة الاقتصاديّة لعدّة أشهر ونصل إلى نتائج، كلا، الملحمة الاقتصادية هي عنوان لحركة بعيدة المدى، يمكن أن تبدأ من هذه السّنة ويجب أن تبدأ.

أو على سبيل المثال الاقتصاد المقاوم. حسنٌ، إنّ هذا العنوان مهمٌّ، وبالطبع لقد عُمل عليه وتمّ تعريفه والبحث بشأنه ووُضعت السّياسات حوله في المراكز المسؤولة فغاية الأمر أنّ المجال مفتوح للبحث: فما هو الاقتصاد المقاوم؟ وفي مجال القضايا الاقتصاديّة للبلد كيف يمكن أن تكون المقاومة؟ والجامعة التي تقوم بالعمل العلميّ والعبء العلميّ، إلى أي مدى يمكن أن تنهض بهذه القضيّة؟ إنّ كل هذه يمكن أن تكون موضوعات للأبحاث الجامعيّة. أو قضيّة نمط العيش حيث قمت أنا العبد في السّنة الماضية في سفر بجنورد بطرحها ولاقت ترحيباً هي قضيّة مهمّة.

إنّ البحث بشأن قضايا نمط العيش وإبداء الآراء والموافقة والمخالفة في القضايا المختلفة هي من الأبحاث التي تحفظ الجامعة حيّةً ونشطة. إنّ مثل هذه الأبحاث المهمّة والمتعلّقة بالوقائع تجري الدّم في عروق هذا الجسد العظيم. ومثل هذه لا تشبه الأبحاث الرّائجة التي كنّا نراها وكانت مشهورة في زماننا. فتلك الأبحاث التي كنّا نطلق عليها حينها عنوان التنوير الفكري كانت معزولةً تماماً عن الواقع، فكانوا يقومون لساعات بالبحث ويثبتون شيئاً فينفيه آخرون دون أن يكون له أيّ نتيجة أو أن يكون ناظراً إلى شيء من الوقائع الاجتماعيّة، لكنّ أبحاثنا اليوم ناظرةٌ إلى القضايا الاجتماعيّة. أو قضيّة الصحوة الإسلاميّة هذه وآفاتها.

إنّ الحدث الذي حصل في عالم الإسلام في بعض هذه الدّول لم يكن حادثاً صغيراً، بل كان حدثاً كبيراً. وبالطّبع إنّ تحليل أحد الإخوة هو صحيحٌ تماماً، فلا شكّ أنّه كان نابعاً من الصّحوة الإسلاميّة في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الإسلاميّة، ونحن لا نريد أن نطرح هذا الأمر جزافاً لكي لا يحرّك ذلك مشاعر بعض الدّول المختلفة، لكنّ الواقع والحقيقة هي هذه. إنّ هذه الصّحوة الإسلاميّة نفسها هي ظاهرةٌ غاية في الأهميّة. وليس مناسباً أن نقول أنّ هذه الصّحوة قد انتهت بناءً على ما أوجدوه لها من أطروحات مضادّة بحسب قولهم، كلا، ليس الأمر كذلك. لقد وُجدت هذه الصّحوة.

هذه الأحداث نفسها التي تشاهدونها اليوم في مصر وفي بعض الأماكن الأخرى هي جميعاً علامة على وجود عمق الصّحوة الإسلاميّة في هذه البلدان، بالطبع، لم تتمّ إدارتها جيّداً وحصل تهور، وإنّ من الأمور التي ينبغي أن تُبحث هي أن تكتشفوا هذا التسرع والتهور لتروا أين أخطأوا وما هي الأمور التي قاموا بها ولم يكن ينبغي لهم القيام بها، وما هي الأعمال التي لم يفعلوها ممّا كان ينبغي. إنّ هذه من المواضيع المهمّة لأبحاث الدوائر الجامعيّة. برأيي، إنّه من المهم أن نعلم ونقارن بين الثّورة الإسلاميّة وتشكيل النّظام الإسلاميّ في إيران، وبين ما حدث تحت عنوان الثّورة الإسلاميّة على سبيل المثال في دولة كبيرة كمصر. فهناك قد برزت هذه الآفات.

إنّ السّاحة المصريّة اليوم هي ساحةٌ مؤلمة جدّاً، فبالنسبة لنا عندما ننظر نرى كم أنّ الأمر هو في الواقع مؤلماً. إنّ هذا قد كان بسبب الأخطاء التي وقعت، وهناك أعمالٌ ما كان ينبغي أن تحصل وقد حصلت، وهناك أعمالٌ كان ينبغي أن تُنجز ولم تُنجز. وحينها نقوم بمقارنة بين هذه الأمور ونظائرها في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة.

فكيف عُمل هنا في البداية وكيف عُمل هناك(مصر)؟ برأينا إنّ هذه الأمور مهمّة جدّاً. في يومنا هذا يصطفّ الاستكبار بصورةٍ عجيبة وقد أوجد خندقاً طويلاً في مقابل هذه الصّحوة، وها أنتم اليوم تشاهدون أجزاءً منه في هذه الدّول وفي هذه الأحداث، وكذلك في أحداث بلدنا. إنّ العمل هنا مهمٌّ جدّاً. أو أنّ من الموضوعات التي يمكن أن تكون مورد بحثٍ ودراسة هي عمق استراتيجّية النّظام في النّظر إلى قضايا المنطقة. ففي النّظر إلى قضايا المنطقة يتوجّه الإنسان إلى موضوعٍ ما وهو عمق استراتيجيّة الجمهوريّة الإسلاميّة في هذه المناطق.

ففي بعض الأماكن يوجد أحداث يمكن أن تُعدّ بالنسبة لداخل البلد كجذور وأسس الاستحكام أو كحبال تثبيت الخيمة فهذا هو عمق استراتيجيّ. فما لاحظتموه من الإمام في مجال الثّورات في الخارج، أو النّواة الثوريّة في كلماتٍ صريحةٍ أظهرها في تلك الأيّام، فإنّما كان لأجل تشكيل مثل هذا العمق وقد حصل. فاليوم، نجد أجهزة الاستكبار تحارب هذا العمق الاستراتيجيّ بحيرةٍ واضطراب.

وبالطّبع، لم يصلوا إلى أيّ مكان ولن يصلوا. وأحد الأبحاث المهمّة في هذه القضيّة هو العمل الذي يقوم به العدوّ في مجال إيجاد الاختلافات بين الشّيعة والسنّة، وضرب الفئات الشيعيّة في مختلف نقاط العالم الإسلاميّ، فتصور العدوّ أن الشيعة هم في الواقع معاقل طبيعيّة للجمهوريّة الإسلاميّة لذا يريد تدمير هذه المعاقل. وبالطّبع، هو يرتكب خطأً. فمعاقل الجمهوريّة الإسلاميّة لا تنحصر بالشيعة، فالكثير من الإخوة السنّة في العديد من الدول يدافعون بشراسة عن الجمهوريّة الإسلامية بما لا يفعله الكثير من الشيعة. بعض هؤلاء المعادين للثّورة الذين استقرّوا خارج بلدنا تراهم يتحدّثون ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة دائماً ولو سألتهم ما هو مذهبكم لقالوا شيعة.

إنّ بعض المسلمين الذين هم ليسوا من الشيعة الإماميّة إما أن يكونوا من الشيعة الزيدية أو السنّة هم ليس بأقل من الإخوة الشيعة في الدّفاع عن النّظام الإسلاميّ. لهذا، لا يمتلك أعداؤنا فهماً صحيحاً فيما يتعلّق بالعمق الاستراتيجيّ، وما يقومون به هو خطأٌ، لهذا، هناك ساحةٌ مهمّة للنّشاط الضروريّ للجّامعات وهي هذه السّاحة المتعلّقة بالقضايا السياسيّة والاجتماعيّة والقضايا النّاظرة إلى وقائع الحياة، والتي يمكنكم أن تبحثوا فيها وتنضّجوها وتقيسوها وتقدّموها لإدارات الدّولة وتطرحوها كنتاجات فكريّة وعلميّة للنّظام الإسلاميّ.

فأنتم ستصبحون من هؤلاء المدراء في القطاعات المختلفة للدّولة بعد عدّة صباحات، فعليكم الاستفادة منها، واليوم ينبغي الاستفادة منها. وساحةٌ أخرى هي ساحة العلم. النّشاط العلميّ. أقول لكم أنّ الحاجة العلميّة هي من الحاجات الأساسيّة للبلاد وتقع في المرتبة الأولى. فلو استطعنا أن نتابع السّير في ساحة العلم والتطوّر الذي تحقّق لحدّ اليوم بحمد الله وبنفس السّرعة هذه، فإنّه سيتحقّق الكثير من الفتوحات الكبرى حتماً في مجال المشاكل الاقتصادية وكذلك المشاكل السياسية والاجتماعية وأيضاً في مجال القضايا الدوليّة. إنّ العلم قضيّة مهمّة جدّاً.

لقد أُنجز الكثير خلال السّنوات العشر الماضية لكن ينبغي الاستمرار بعد ذلك على نفس هذا المنوال ومضاعفة الجّهود. وإنّني أعتقد بأنّ العمل العلميّ في الجامعة وفي البلد ينبغي أن يصبح جهاديّاً، ويجب القيام بالعمل العلميّ الجهاديّ. ووصيّة أخرى للجامعيين الاعزّاء أن تحكموا من علاقاتكم مع الأساتذة المتديّنين وأصحاب القيم. فاليوم، لحسن الحظّ إنّ أمثال هؤلاء الأساتذة ليسوا قلّة في البيئة الجامعيّة. فضاعفوا من عمق الارتباط معهم، وضاعفوا من العلاقات مع المراجع الفكرية سواء في الفكر الدينيّ أو السياسيّ ممّن يُطمأنّ إليهم وإلى نزاهتهم ويوثق بهم.

وزيدوا من مطالعاتكم الفكريّة كما كنت أوصي الجامعيّين الاعزّاء دائماً وما زلت. وقد سُئلت عن موقفي من الحكومة الحاليّة، وعقيدتي هي أنّه يجب دعم وإعانة جميع الحكومات ومنها الحكومة المنتَخبة والتي ستزاول أعمالها بصورة رسميّة في الأسبوعين المقبلين. لقد قال الأعزّاء أنّه لو كان الأمر كذلك فنحن سندعم، وإذا كان كذا سننتقد. بالطبع إنّني لا أعارض الانتقاد، غاية الأمر أن يتمّ الالتفات إلى أنّ الانتقاد يختلف عن تتبّع العيوب، وثانياً يجب إعطاء الفرصة للعمل. لقد قلت في السّنوات الثمانيّة السابقة للبعض الذين أرادوا انتقاد الحكومة التي ما زالت اليوم على رأس الأمور أنّ عليكم أن تعطوها مقداراً من الوقت وفرصةً وجوّاً لتتحرّك، وبعدها إذا كان لديكم انتقادات فابدؤوا بها ولكن لا تستعجلوا في الانتقاد.

وهذا هو رأيي بشأن هذه الحكومة وجميع الحكومات. نحن نعتقد بأنّ الحكومات تتحمّل مسؤوليات جسيمة وأنّ عملهم صعبٌ في الواقع. إنّ إدارة الدّولة في مجال السّلطة التنفيذيّة هو أمرٌ صعبٌ في الحقيقة وعلى الجميع أن يعينوا. ولا يخلو أحد من نقاط ضعف. إنّني عندما أنظر إلى نفسي أشاهد نقاط ضعف كثيرة فيها. وطلّاب الحوزة عندما يرون شخصاً يقول شيئاً، يقولون له لا تقس على نفسك. وأنا العبد أقيس على نفسي، أنظر إليها فأرى فيها الكثير من نقاط الضّعف، وأقول أنّ الجميع هكذا حالهم. فالكلّ فيهم نقاط ضعف ونقاط قوّة ويعانون من مشاكل، لهذا، لا ينبغي للمرء أن يرفع من مستوى توقّعاته فيخرج عن الحدّ المنطقيّ، كلّا، يجب النّظر إلى الوقائع ومشاهدة المشاكل وتقديم العون والدّعم والدّعاء بأن يعين الله تعالى هذه الحكومة وكل حكومة لتتمكّن بمشيئته من القيام بأعمالها، ويمكن للقوى الفعّالة في السياسة وفي الجامعة وفي العمل وفي الإدارات المختلفة أن تتعاضد فيما بينها إن شاء الله وتتقدّم بالأعمال. حسنٌ، لقد انتهى وقتنا واقترب وقت الأذان وسوف أتلو بعض الأدعية.

فأعينوني أيّها الشّباب الأعزّاء بقلوبكم الصّافية والطّاهرة عسى أن تُستجاب هذه الأدعية إن شاء الله. اللهمّ! اجعل مصير هذا البلد وهذا الشعب مصيراً ملؤه الفخر ومتلازماً مع السّعادة والهناء والحظّ الطيّب.

اللهمّ! انزل توفيقاتك وهدايتك وعونك على شعبنا وشبابنا ومسؤولينا.اللهمّ! حقّق أهداف نظام الجمهوريّة الإسلاميّة العليا في المستقبل القريب لكي يرى شبابنا هؤلاء هذا المستقبل. اعلِ هممنا لأجل الوصول إلى هذه الأهداف.اللهمّ! اعن شعبنا وشبابنا في الميادين الخطرة وانصر شعب إيران على أعدائه.اللهمّ! انزل رحمتك وبركاتك على شعب إيران في هذه الليالي المباركة وفي هذه الأيّام الصافية والروحانيّة.اللهمّ! اجعل كلّ ما قلناه وما سمعناه لك وفي سبيلك. ارضِ عنّا القلب المقدّس لوليّ العصر وأفرحه. ارض عنّا جميعاً أرواح الشّهداء الطّاهرة وروح إمامنا الجليل الطّاهر وأدخل إليها السّرور. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قراءة 2875 مرة