من المهم أن نفرق بين السعادة واللذة. اللذة فعلاً تأتي في الغالب من وراء تناول شيء أو لمس شيء أو النظر إلى شيء محسوس... وهي تتصف بكونها عابرة ومۆقتة، فالتلذذ بالطعام والشراب والنوم على فراش وثير... يكون ما دمنا متلبسين بذلك ومباشرين له، فإذا انصرفنا عنه إلى شيء آخر، انتهت اللذة، وصارت ذكرى. وإذا كان التلذذ بشيء محرَّم، فإنّ المتلذذ يشعر بشيء من العتمة الروحية. وشيء من اللوم والندم؛ لأنّه يشعر بأنّه قد عصى الله – تعالى – وأنّه كان ضعيفاً أمام رغباته.
أما السعادة، فإنها ليست شيئاً عابراً، إنها نوع من التربع على قمة السرور والانشراح والرضا والطمأنينة، وهذا ينشأ في معظم الأحيان من شعور المرء أنّه على الطريق الصحيح وأنّه في المكان الصحيح والموقف الصحيح والعلاقة الصحيحة، باختصار إنّه الشعور الذي ينشأ من اعتقاد المرء أنّه يعيش وفق مبادئه وقيمه وقناعاته، ولهذا كان أهل الإيمان والصلاح أسعد الناس وأشدهم شعوراً بالطمأنينة والأمان، كما قال سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُۆْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97). وقال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام/ 82). إذا أردنا ذكر بعض التفاصيل، فيمكن أن نقول: إننا نشعر بالسعادة:
- حين نتذلل بين يدي الرب الكريم الرحيم، وحين نناجيه، ونطلب منه ونشكو إليه، وحين نتبرأ من حولنا وقوتنا إلى حوله وقوته.
- حين ننتصر على أهوائنا، ونصمد في وجه المغريات.
- حين نساعد غيرنا على مواجهة صعوبات الحياة، فالسعادة مثل (العطر) لا تستطيع أن ترش منه على الآخرين دون أن يمسَّك منه شيء.
- حين تغتني عقولنا بالأفكار العظيمة، وحين نكتشف روعة التعبيرات الجميلة.
- حين ننجز عملاً كبيراً، وتمتلئ قلوبنا بالرضا عما أنجزناه.
- حين تظل نفوسنا وأيدينا مشغولة بالعمل من أجل تحقيق شيء نريد الحصول عليه.
- حين نتفاعل مع الجمال الذي بثه الله – تعالى – في الكون، فنطرب لابتسامة طفل ورسالة من صديق عزيز وتغريد بلبل ووهج نور يتسلل إلينا من النافذة.
ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إليكم؟
إنّه يعني الآتي:
1- عليكم أن تبحثوا عن المسرات الدائمة من خلال عمل الصالحات والوجود حيث يجب أن تكونوا موجودين.
2- البطالة والعطالة والكسل والتقاعس والفوضى مصدر من مصادر التعاسة، فتخلصوا منها إذا أحببتم أن تكونوا سعداء.
3- درَّبوا أنفسكم على أن يكون فرحكم جماعياً من خلال إدخال السرور على الأهل والأصدقاء والزملاء... واعلموا أن إدخال الفرح على قلوب الناس باب من أعظم أبواب التقرب إلى الله؛ تعالى.
4- في إمكان المرء أن يبتهج بالقليل الذي بين يديه، وأن يجعل منه مصدراً لسرور مديد، وذلك إذا تحلى بالرضا.
المصدر: كتاب إلى أبنائي وبناتي.. خمسون شمعة لإضاءة دروبكم