هناك عوامل رئيسية تسهم في إيصال الإنسان إلىٰ أعلىٰ درجات الإيمان، يمكن الإشارة إليها بالنقاط التالية:
أولاً: العلم والمعرفة: يقول تعالىٰ: (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ..)1.
فالعلم هو الذي يكسب صاحبه الشرف والسؤدد، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «.. لا شرف كالعلم»2 وقال ـ أيضاً ـ موصياً بضرورة اقتران العلم بالأدب: «يا مؤمن إنّ هذا العلم والأدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلّمهما، فما يزيد من علمك وأدبك يزيد من ثمنك وقدرك، فإنَّ بالعلم تهتدي إلىٰ ربّك، وبالأدب تحسن خدمة ربّك»3.
فالإمام عليه السلام يضع ميزاناً لا يقبل الخطأ وهو كلّما تصاعد المؤشر البياني للعلم المقترن بالأدب في نفس المؤمن كلما زيد في قيمته ومكانته أكثر فأكثر. ومن أجل ذلك كان العلماء أقرب الناس إلىٰ درجة النبوة، بدليل قول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم: «أقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم والجهاد، أما أهل العلم فدّلوا الناس علىٰ ما جاءت به الرسل، وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم علىٰ ما جاءت به الرسل»4.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم: «من جاء أجله وهو يطلب العلم لقي الله تعالىٰ ولم يكن بينه وبين النبيين إلاّ درجة النبوة»5.
ثانيا: العمل الصالح: يقول تعالىٰ: (وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ)6.
ويقول أيضاً: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)7.
فالإنسان يرتفع بنوعية العمل الذي ينجزه علىٰ صعيد الواقع، ومن هنا ركّزت مدرسة أهل البيت عليهمالسلام علىٰ «الثنائي الحضاري» المتمثل بالإيمان المقترن بالعمل، وفي هذا الصدد قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل.. يحبُّ الصالحين ولا يعملُ عملهم...»8.
ثالثاً: الإيثار: يقول عزَّ من قائل: (.. وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ..)9.
وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أشد الخلق حرصاً علىٰ تلك الفضيلة السامية، حتىٰ ورد في الخبر أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ما شبع ثلاثة أيام متوالية حتىٰ فارق الدنيا، ولو شاء لشبع ولكنه كان يؤثر علىٰ نفسه10.
وبلغ وصيه الإمام علي عليه السلام القمة في الإيثار، وقد ثمنت السماء الموقف التضحوي الفريد الذي قام به عندما بات علىٰ فراش رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم: «.. فأوحىٰ الله إلىٰ جبرئيل وميكائيل إني آخيت بينكما وجعلت عمر الواحد منكما أطول من عمر الآخر فأيُّكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كلاهما الحياة. فأوحىٰ الله عزَّ وجلَّ إليهما أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فبات علىٰ فراشه يفديه بنفسه فيؤثره بالحياة فأنزل الله تعالىٰ: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)11.
ومن الإيثار ما يكون معنوياً كإيثار الصدق علىٰ الكذب مع توقع الضرر، وذلك من أجلىٰ علائم الإيمان، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «الإيمان أن تؤثر الصدق حيثُ يضرك علىٰ الكذب حيثُ ينفعك»12.
رابعاً: الخُلق الحسن: وهو عنوان صحيفة المؤمن13، وأن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنّه لضعيف العبادة كما يقول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم14.
وقد ورد عن الإمام أبي جعفر عليه السلام: «إنَّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً»15. وقال أمير المؤمنين عليه السلام موصياً: «روضوا أنفسكم علىٰ الأخلاق الحسنة فإنَّ العبد المؤمن يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم»16.
إذن فالخلق الحسن أحد مقاييس الإيمان، يصل من خلاله المؤمن إلىٰ مقامات عالية ويحصل به علىٰ أوسمة معنوية رفيعة، فمن حكم ومواعظ أمير المؤمنين عليه السلام: «... عليكم بمكارم الاخلاق فإنها رفعة، وإيّاكم والأخلاق الدّنية فإنها تضع الشريف، وتهدم المجد».
* الإيمان والكفر وآثارهما على المجتمع - بتصرف
________________________________________
1- سورة المجادلة 58: 11
2- نهج البلاغة، صبحي الصالح: 488 / حكم 113.
3- روضة الواعظين، الفتال النيسابوري 1: 11 في فضل العلم.
4- المحجة البيضاء، للفيض الكاشاني 1: 14.
5- كنز العمال 10: 160 / 28831.
6- سورة طه 20: 75.
7- سورة النحل 16: 97.
8- نهج البلاغة، صبحي الصالح: 497 / حكم 150.
9- سورة الحشر 59: 9.
10- تنبيه الخواطر 1: 172.
11- تنبيه الخواطر 1: 173 ـ 174. والآية من سورة البقرة 2: 207.
12- نهج البلاغة، صبحي الصالح: 556 / حكم 58.
13- اُنظر تحف العقول: 200.
14- المحجة البيضاء 5: 93 كتاب رياضة النفس.
15- اُصول الكافي 2: 99 / 1 كتاب الإيمان والكفر.
16- تحف العقول: 111.