تعيين الإمام في القرآن الكريم

قيم هذا المقال
(0 صوت)
تعيين الإمام في القرآن الكريم

الإمامة هي السلطنة والحاكمية، وهي خاضعة لجعل الله تعالى لحفظ الدين ومصالح الناس، وذلك أن الله تعالى هو المالك الحقيقي لعالم الوجود، ومن شؤون المالك الظاهرة حريته المطلقة في أن يتصرف في ما يملك، وإذا كان هذا القانون جاريا في المالكين الاعتباريين، فإن سلطنة المالك الحقيقي على ما يملكه أوضح وأظهر.

قال تعالى: ﴿ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء﴾[1].

وقال تعالى: ﴿قل الله مالك الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير﴾[2].

وفي ما يدل على أن ملك الآخرين، ناشئ من قدرة الله تعالى وتمليكه، وفي طول مالكيته لكل شيء، قال تعالى: ﴿وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء﴾[3].

وقال تعالى: ﴿ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك﴾[4].

والفرق بين نحوي الإيتاء من الله تعالى، بعد اشتراكهما في إقداره على الملك، أن الأول يكون بتفويض منه تعالى وجعله وإجازته، ولهذا استحق عنوان (أولي الأمر) في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾[5].

ومن الظاهر أن الأمر بإطاعة أولي الأمر مطلق، يدل على أن إطاعتهم مطلقة، غير مقيدة بأي قيد أو شرط، وليست من قبيل إطاعة الوالدين المقيدة، كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهم﴾[6].

ومن هنا يظهر أن المراد بأولي الأمر هم الذين لا ينهون عن طاعة ولا يأمرون بمعصية، أي ولاة الأمر الواقعيين المعصومين، لا الذين تولوا بالقهر والغلبة، فهؤلاء ليسوا ولاة أمر بالحقيقة والواقع، كما هو حال صاحب إبراهيم (عليه السلام)، ولهذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إنما الطاعة لله عز وجل ولرسوله ولولاة الأمر، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية[7].  
  
اختيار الإمام من الله تعالى:
ربما يقال: إن الآيات المتقدمة تتحدث عن الملك، ولا تتعرض للإمامة من قريب أو بعيد، وعلى فرض تعرضها للإمامة تكون النتيجة أن الأئمة (عليهم السلام) لم يحكموا في تاريخ الإسلام سوى برهة بسيطة، تولى فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) نتيجة اختيار الناس له، وليس تنفيذا لوصية النبي، أو امتثالا للأمر الإلهي، ولازم ذلك انتقاض الحكمة الإلهية المفروضة، وعدم تحقق إرادته تعالى.

والجواب: إن الحاكمية، ورسم السياسات، والقيام على تنفيذها، من شؤون الإمامة ووظائفها، وليست مساوية لها على نحو ترتفع الإمامة بارتفاعها بمعنى انحصار مهمة الإمامة بها.

إن وظيفة الإمام لا تختلف عن وظيفة النبي إلا بالوحي، وعليه فإذا طرأ مانع أو موانع تمنع من تصدي النبي، أو الإمام لمباشرة الحكم، فذلك لا يعني انتهاء مهمته، وزوال فائدته، ذلك أن من مهامه أيضا تبليغ الأحكام وبيان ما أجمله النبي، لحكمة يقتضيها الوحي والمصلحة، وتطبيق الكبريات على مصاديقها، بل ان الكثير من الأحكام والقوانين لم يتسن للنبي إظهارها وإعلانها، إما لعدم مجيء وقتها الذي يجب أن تبين فيه، أو للظروف المحيطة بالنبي، والتي من جملتها عدم تهيئة النفوس للإطلاع عليها أيامه والتفاعل معها، بل إن من وظيفة الإمام رفع شبهات المعاندين، ورد اعتداءاتهم على الدين وأهله.

بل إن من أهم مهمات الإمام تصويب المسار وتصحيح الأحكام والقوانين الصادرة، حتى من قبل الذين سلبوه حق الحكم، فإن الحكم في حقيقته وسيلة لإحقاق الحق وتثبيته، وليس غاية في نفسه في الإسلام، وهو ما قام به أمير المؤمنين عليه السلام وأبناؤه من بعده، وقد ورد عنه أنه قال: (اللهم أنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فليأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك)[8].

وما دامت الإمامة على هذا القدر من الأهمية والخطورة فمن غير الطبيعي ولا المنطقي أن يترك الله تعالى الأمة الإسلامية دون إمام، كما أن من غير الممكن أن يتركها النبي (صلى الله عليه وآله) دون أن يعين من يقوم على مصالحها من بعده.

وهذا من القضايا البديهية التي يدركها عامة الناس، ولقد تمسك بها الخلفاء الذين أتوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستندوا إليها في تعيينهم للذين أتوا من بعدهم، والشواهد التاريخية كثيرة في هذا المجال، فكيف يعقل أن يقوم الخلفاء بذلك دون رسول الله؟!...

قال تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبين﴾[9].  

وقال تعالى: ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيره﴾[10].
  
سماحة الشيخ حاتم إسماعيل – بتصرّف يسير

[1] سورة المائدة، آية: 17
[2] سورة آل عمران، آية: 126
[3] سورة البقرة، آية: 251
[4] سورة البقرة، آية: 258
[5][5] سورة النساء، آية: 59.
[6] سورة العنكبوت، آية: 8
[7] بحار الأنوار، ج25، ص200
[8] نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح، ص189، خطبة131
[9] سورة الأحزاب، آية: 36
[10] سورة القصص، آية: 68

21-10-2019

قراءة 1956 مرة