وصلتني رسالة في الفايسبوك عجبت لها كثيراً يقول الأخ نصاً: «نحن في فلسطين ومن أهل السنة والجماعة ولا يوجد بيننا شيعي واحد ونقاتل الصهاينة منذ 64 عاماً ولم نر أحداً يحرك جيوشه لنصرتنا من أمة الإسلام كلها؛ أما في سوريا والبحرين فنراهم يتكالبون على شعوبهم مرة بحجة الديمقراطية وأخرى بحماية أهل السنة ونحن أهل سنة ومظلومون معاً»!
انتهت رسالته بتصرف واختصار يسير وهذا يوجب على كل عاقل ومخلص أن يتذكر القضية الكبرى «فلسطين والمسجد الاقصى» لحملها اسباب النصرة كلها.
قبل أيام تواصل معي أحدهم من فلسطين الداخل وذكر لي من المآسي والذل والاضطهاد ما لا يصدق والسؤال: أين حماة العقائد والحريات؟!
قضية فلسطين والمسجد الأقصى اكتملت فيها أسباب الدعم كله وأسباب الثورة كلها من استبداد واضطهاد ومقدسات الخ لماذا تغييب هذا عن الهم العام؟
المسلمون يفرطون فيما يجمعهم كالقرآن والعقل وفلسطين ويقبلون على ما يفرقهم كالمذهبية والمواقف السياسية والعصبية هذا دليل خذلان وعمى، لذلك إن كان ولا بد من الدخول في السياسة فانظروا المسجد الأقصى وإخوانكم في الدين والمذهب والدم والتراب هنا القبلة السياسية والدينية والحقوقية.
إن ما يجمع المسلمين أكثر مما يفرقهم لكنهم حمقى لو كان عند أمة من الامم ما عند المسلمين من المشتركات لكانوا أسرة واحدة، إلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، وقبلتهم واحدة، ودينهم واحد، وقائمة واجباتهم واحدة، وقائمة محرماتهم واحدة، وقائمة أخلاقهم واحدة، فماذا يريدون بعد هذا كله؟!
ولو اختلفوا في هذه جميعاً فقضيتهم السياسية واحدة وهي فلسطين فيها الدين والحقوق والمبادئ والأخلاق إنها الشاهد الصارخ على المسلمين.
هل سألتم كيف يعيش فلسطينو الداخل؟ هل علمتم بأنهم أجبروا على أن يكونوا إسرائيليين؟! هل تعرفون روح الأقصى، وحزن حيفا، وسور عكا، ومرج ابن عامر؟
هل تعرفون أن في سجون العدو الصهيوني أكثر من عشرة آلاف أسير وأسيرة؟ هل تسمعون أنينهم وسط حفلاتكم الصاخبة؟ وقنواتكم الناطقة؟ وأغانيكم الثورية؟
لا تحزنوا يا أهلنا في فلسطين من هذا النسيان والخدلان فلستم أول نور تركوه فقد تركوا قبلكم نور القرآن ونور محمد ونور العقل فكنتم رابعاً!
لقد شرفكم الله وشرف فلسطين أن تعيش في قلوب ليس فيها كتابه ولا محمد ولا آل محمد ولا العقل لقد شرفكم الله أن كنتم في هذه السلسلة المهجورة!
إذا أهمل المسلمون فلسطين فالخاسرون هم وإذا أهملوا القرآن فالخاسرون هم وكذا العقل والضمير وحقوق الإنسان فلا تحزنوا واصبروا فأنتم لله وإليه.
ومع هذا الإحباط كله لا ننسى فضائل حركات المقاومة السنية والشيعية والقومية وتضحياتهم حماس وحزب الله والجهاد والجبهة الشعبية فهم خارج السياق، ولا ننسى بعض الشخصيات التي لها بصمة في نصرة فلسطين كالملك فيصل، وجمال عبد الناصر، والامام الخميني رحمهم الله.
ونصيحة للمسلمين اتركوا الأكاذيب لشهر واحد فقط وستتحرر فلسطين قطعا! كونوا مع الصادقين ونكرر كيف ينصر الله «أكذب أمة» على وجه الأرض؟!
لا تطمئنوا أنكم خير أمة أخرجت للناس إلا بالشروط المذكورة في الآية ﴿كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾ وهي ثلاث فراجعوها ليس عند الله شعب مختار إذا أهمل أوامره وارتكب معاصيه.
عذرا يا قدس
عذرا يا قدس! كم تمنيت لو أكتب عن جدران مسجدك الأقصى وأن أحكي مسار الأنبياء وأروي دعواتهم بمحرابك وأن أواسي كل أسرة وأدون آهات كل أسير!
عذراً يا قدس! كم تمنيت لو يتذكر المسلمون رناد مسجدك المبارك ودماء أبنائك في دير ياسين وهموم سكان دار سلوان وعناتا والعيساوية والعيزرية، والمالحة وبيت مزمل وقالونيا وجبل المكبر والجورة والقسطل وخربة العمور.... عذرا أن أسماء شوارعك وساحاتك وأشجارك لم تعد في ذاكرتنا!
عذرً يا قدس، إن أصبحت لغتنا يهودية حتى في نطقنا لبعض بلداتك وتلالك حتى ونحن نحبك ونحب أهلك! عذرا إن أخطأنا في النطق ققد سبقه الخطأ الأكبر.
عذراً حيفا أيتها المدينة الساحلية التي يتعانق فيها البحر بالشعر! عذرا لأبنائك وشيوخك وعجائزك عذرا لبلداتك الممتمدة من خليج الخياط للمجدل.
عذرا عكا لسورها وحديقتها وطمرتها وكابولها وبروتها وعبلينها وسخنين الأبية والمنصورة والمغار وقمر طبرية المنير ولشجر الصبار الشاكي!
عذرا لجوع عزة وذل رام الله وكبت جنين وعلم نابلس ورمان طولكرم وصبر الناصرة وتاريخ الرملة ونسيم يافا وجرح جنين وأمل صفد والجليل.
عذرا فلسطين وقدسها ومسجدها وأهلها وأسراها عذرا على الاختصار فالكلام في محنتك وحبك قد أصبح تهمة كالكلام في هجر القرآن ومصائب آل محمد!
الشيخ حسن فرحان المالكي