إياكم والتنجيم

قيم هذا المقال
(0 صوت)
إياكم والتنجيم

المنجم كالكاهن، والكاهن كالساحر:‏
قال الشريف الرضي (رحمه الله):‏ قال له [أي لعلي (عليه السلام)] بعض أصحابه لما عزم على المسير ‏إلى الخوارج: إن سرت يا أمير المؤمنين في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر ‏بمرادك من طريق علم النجوم.‏

فقال له (عليه السلام): أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها ‏صرف عنه السوء، وتخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر؟!‏

فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله في ‏نيل المحبوب ودفع المكروه.‏

وينبغي في قولك، العامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه، لأنك ‏بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمن فيها الضر.‏

ثم أقبل على الناس فقال:‏ أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر، فإنها ‏تدعو الكهانة والمنجم كالكاهن والكاهن كالساحر. والساحر كالكافر. ‏والكافر في النار. سيروا على اسم الله.‏

زاد في نص آخر: فخرج في الساعة التي نهاه عنها، فظفر ‏وظهر[1].

وفيه: أنه (عليه السلام) قال لذلك المنجم: (أما والله إن بلغني أنك ‏تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبداً ما بقيت، ولأحرمنك العطاء ما ‏كان لي سلطان..‏

إلى أن قال: أما إنه ما كان لمحمد منجم، ولا لنا بعده، حتى فتح الله ‏علينا بلاد كسرى وقيصر.‏

أيها الناس، توكلوا على الله، وثقوا به، فإنه يكفي ممن سواه[2].
 
ونقول:‏
لا نريد أن نرهق القارئ ببيانات حول الكهانة، والسحر والتنجيم، ‏فإن لذلك موضعاً آخر، ونكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي:‏

قيمة علم النجوم:‏
لا بأس بالنظر فيما يلي:‏

‏1 ـ لقد أرشد القرآن الكريم إلى دور النجوم في هداية الناس إلى ‏الجهات المختلفة، ليتمكنوا من التحرك نحو مقاصدهم، بأمان ‏واطمئنان، وعلى أساس الوضوح والثقة والثبات قال تعالى: ‏‏﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾‏‏.[3]‏
وقال تعالى: ‏‏﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ‏ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.. ﴾‏‏.[4]‏

‏2 ـ أرشد القرآن أيضاً إلى أهمية مواقع النجوم في المنظومة الكونية ‏العامة. حتى إنه لشدة حساسيتها أقسم بها بلسان إظهار أهميتها، فقال ‏تعالى: ‏‏ ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ ‏عَظِيمٌ﴾‏‏.[5]‏

‏3 ـ إنه تعالى ذكر أيضاً: أن النجوم مسخرات بأمره، كسائر الكواكب، ‏فقال: ‏‏﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ ‏بِأَمْرِهِ﴾[6]‏‏.‏
وذكر: أنها تخضع وتسجد لله تعالى: ‏‏﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ ‏فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ ‏وَالشَّجَرُ﴾[7]‏‏.
وقد وصف أيضاً بعض النجوم بـ (الثاقب)، فقال: ‏‏﴿وَمَا ‏أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾‏‏.[8]
وفي الحديث أيضاً: إشارات كثيرة إلى النجوم، وبعض ما يرتبط بها، ‏ولسنا بصدد تتبع ذلك..‏

‏4 ـ إن علم النجوم الذي يريد أن يربط حركة الإنسان في الحياة ربطاً ‏حدسياً وتكوينياً بمعارف عن النجوم، حصل على أكثرها أيضاً عن طريق ‏الحدس والتخمين. إن هذا العلم ليس بعلم، بل هو جهل وتجهيل، وتخييل ‏وتأهيل، من دون حجة ودليل، لأنه لا يملك أية مبررات لهذا الربط الذي ‏يقترحه ويدعيه، لأن الربط الصحيح يحتاج إلى وقوف على أسرار الخلق ‏والتكوين، ولا يستطيع أحد أن يدعي لنفسه ذلك.. بعد النبي والأئمة ‏الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) إلا كاذب.‏

يضاف إلى هذا وذاك: أن التسويق لهذه النظرية الإعتباطية أو تلك يؤثر ‏على حياة الناس وعلى حركتهم، وتطلعاتهم، وخططهم، ويجعلهم عرضةً ‏لألاعيب شياطين الأنس فيهم.. بالإضافة إلى شياطين الجن.‏

كما أنه يحدث لديهم خللاً رئيساً، وحساساً وأساسياً في المضمون ‏الإعتقادي لهم بالله، ويؤثر على علاقتهم به تعالى. إلى حد الشعور ‏بالإستغناء عنه، والاستئسار للجبرية التكوينية التي أراد لها أولئك ‏الشياطين أن تهيمن على العقول والمشاعر، وعلى حركة الناس في الحياة.‏

ثم هو يعطي أولئك المتحذلقين الفرصة لادعاء التحكم بالأقدار، ‏والإشراف على الغيب، وامتلاك مفاتيح السعادة والشقاء، والسلامة ‏والبلاء، والمرض والشفاء، والموت والحياة.‏

ويفسح لهم المجال للتدخل في كل كبيرة وصغيرة، والتحكم بقرار ‏الناس، حتى يصبحوا دمى في أيديهم، وهذا ما لا يرضاه الله تعالى لعباده، ‏ولا يريد أن يرى له أي أثر في بلاده..‏

وقد كذب القرآن هؤلاء حين قال: ‏‏﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ ‏وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾[9]‏‏، وكذبهم أيضاً بأوامره ‏وزواجره، التي لم تقيد بزمان، ولا أرشدت إلى وقت بعينه، ولا أشارت ‏إلى مراعاة حالات النجوم في منازلها أو في حركتها، أو في غير ذلك..‏

وقد أرشد القرآن الناس إلى أن الله تعالى هو الذي يقرر ويقدر، ‏وينفع ويضر، ويعطي ويمنع، ولم يقيد شيئاً من ذلك، ولا أياً مما يقدره، ‏ويقضيه، ويفعله ويمضيه بشيء مما يدعيه المنجمون للنجوم أو لغيرها.‏

فالمنجم كالكاهن، يبني أحكامه على الحدس والتخمين، وقد يروق ‏للكاهن أن يقلب الحقائق، ويخدع الناس بأباطيله وألاعيبه، ويفسد حياة ‏الناس، حتى يكون كالساحر، في تمويهه، وخداعه، وفي التدخل في حياة ‏الناس لإفسادها.‏

كما أن الساحر والكاهن والمنجم ينتهيان إلى انتهاك الحرمات الإلهية، ‏ويفسدون اعتقاد الناس بربهم، ويقطعون علاقتهم به تعالى.. ويقدمون ‏أنفسهم لهم على أنهم هم الذين ينفعون ويضرون، ويدفعون الناس إلى ‏الاعتقاد بالتعطيل الإلهي والكفر بصفاته الربوبية، وتشويشها، ‏وتشويهها..‏
 
الصحيح من سيرة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي (قدسره)
 
[1]  نهج البلاغة (بشرح عبده) ص128 و 129 ووسائل الشيعة (آل البيت) ‏ج11 ص373 و (ط الإسلامية) ج8 ص271 وقضاء أمير المؤمنين (عليه ‏السلام) للتستري (ط الأعلمي) ص139 و 140 والإحتجاج ج1 ص357 ‏وفرج المهموم ص57 والفصول المهمة للحر العاملي ج2 ص238 وج3 ‏ص341 وبحار الأنوار ج33 ص362 وج55 ص258 وجامع أحاديث ‏الشيعة ج17 ص236 وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) للنجفي ‏ج1 ص213 وج5 ص64 وج11 ص265 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ‏ص199 وتفسير نور الثقلين ج4 ص408 والجامع لأحكام القرآن ج19 ‏ص29.‏
[2]  بحار الأنوار ج33 ص346 وج55 ص224 و 258 و 264 وج41 ‏ص336 ومستند الشيعة للنراقي ج14 ص120 ومستدرك سفينة البحار ج9 ‏ص553 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص270 وأعيان الشيعة ج1 ‏ص523.‏
[3]  الآية 16 من سورة النحل.‏
[4]  الآية 97 من سورة الأنعام.‏
[5]  الآية 75 من سورة الواقعة.‏
[6]  الآية 54 من سورة الأعراف، وراجع الآية 12 من سورة النحل.‏
[7]  الآية 18 من سورة الحج.‏
[8]  الآيتان 3 و 4 من سورة الطارق.‏
[9]  الآية 39 من سورة الرعد.‏

قراءة 1907 مرة