اليقين العباديّ وآثاره

قيم هذا المقال
(0 صوت)
اليقين العباديّ وآثاره

استناداً الىٰ الآية الكريمة: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِين}[1] فإنّ اليقينَ ثمرة وفائدة العبادة وليسَ هو الحد العدمي لها. وهنا لابدّ أن نأتي علىٰ بيان هذه الحقيقة وهي انّ اليقين الّذي يحصل بواسطة العبادة يختلف عن اليقين الّذي يحصل من البحث العلمي أو رؤية المعجزة.

 

اليقين يحصل من طرق متعدّدة، واليقين الناتج من عوامل وأسباب مختلفة ليس في درجة واحدة، مثلاً اليقين الّذي حصل لفرعون وأعوانه برؤية معجزة عصا موسىٰ لم يكن ذلك اليقين الّذي يهديهم ويخرجهم من الظلمات الىٰ النور. فعندما تحوّلت عصا موسىٰ الىٰ ثعبان يسعىٰ وابتلع سحر السَحرة اتّضح لفرعون وملائه انّ موسىٰ (عليه السلام) علىٰ حقّ، لكنّ اُولئك مع ما حصل لهم من اليقين فقد أنكروا آيات الله البيّنة والمُبيِّنة: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِين}.[2] كذلك اليقين العلميّ للعلماء الّذين هم بغير عمل فإنّه لا أثر له، لكنّ نور اليقين الّذي يضيء بمصباح العبادة ويشعّ علىٰ روح العابد فهو مؤثّر ومنقذ للعابد.

 

وانّ سرَّ ومنشأ فساد الإنسان واستسلامه للذنب هو انّ الذنوب قد اكتست بغطاء من حلاوة اللذّات، والإنسان الساذج والمغفّل يرىٰ هذا الغطاء والقشر الخارجيّ ويعجز عن رؤية باطنه فيتقدّم نحوه رغبة وشوقاً الىٰ ذلك الغطاء الحلو فيقع في فخّ الباطن. وأمّا اُولئك الّذين بلغوا نور اليقين بالعبادة فلديهم قدرة علىٰ رؤية الباطن والخارج، فلا يدنّسون انفسهم أبداً بالذنب الّذي باطنه سمّ مهلك ونار محرقة.

 

واُولئك الّذين نالوا بالعبادة (علم اليقين) ستصبح لديهم القدرة علىٰ رؤية نار جهنّم كما يعلن ذلك القرآن بصراحة: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ... ٭ ... كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ٭ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم}.[3]

 

اُولئك الّذين تحرّروا من فخّ التكاثر[4] وتزيّنوا بعلم اليقين الّذي هو ثمرة العبادة (وليس البرهان والإستدلال) فهم يرون جهنّم الآن، كما انّ أنصار سيّد الشهداء (عليه السلام) في ليلة عاشوراء وبعد ان صمّموا وعقدوا العزم علىٰ نصرة الإمام، فقد رأوا بواسطة الإمام منازلهم في الجنّة: (وهذا لايعني أنّهم قد قاتلوا مع الإمام بسبب رؤية الجنّة وطمعاً بها).

 

إذن فاليقين الحاصل من العبادة هو الشهود، وبما انّ درجاته لاحدّ لها، فالهدف النهائيّ من العبادة أيضاً لاحدَّ له أيضاً.

 

آية الله الشيخ جوادي آملي

 

[1] . سورة الحجر، الآية 99.

[2] . سورة النمل، الآية 14.

[3] . سورة التكاثر، الآيات 1 ـ 6.

[4] . انّ الجميع مبتلىٰ بالتكاثر الاّ القليل من الناس: «كلّ القوم ألهاهم التكاثر» (البحار، ج75، ص152) فالبعض مبتلىٰ بالتكاثر في المال، والبعض مبتلىٰ بالتكاثر في الأولاد والقبيلة، وآخرون ممّن يعملون في مجال العلم والثقافة مبتلون بالتكاثر في المستمع والتلميذ والقارئ والمأموم و... فالشيطان لم ينصب فخّ التكاثر للأثرياء وعبيد المال فحسب، فلا يُتوهم انّ مدارس العلم وساحات الثقافة خالية من التكاثر. وفي القيامة سيظهر جليّاً انّ الإهتمام بإقبال المأمومين والتلاميذ وإدبارهم وأمثال ذلك ماذا يجلب من العذاب.

قراءة 1304 مرة