ما هي معاني التوحيد في المجتمع الموحّد لله عز وجل؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ما هي معاني التوحيد في المجتمع الموحّد لله عز وجل؟

 ما يعني وحدة أبناء البشر وتساويهم في ارتباطهم بالله. إنه ربّ جميع الناس. وليس لأحدٍ – بسبب طبيعته الإنسانيّة – علاقة خاصّة متميّزة به. ولا لأحدٍ معه قرابة. ليس إله شعب خاصّ أو قبيلة معيّنة، ولم يختر شعبًا معيّنًا ليكون ذلك الشعب سيّدًا والباقي عبيد. كلّ الناس أمام الله سواسية، وليس لأحدٍ عند الله كرامة خاصّة إلّا بالعمل الصالح، أي بالسعي والمثابرة على طريق خدمة الناس والعمل بأحكام الله المؤدّية إلى سمّو الإنسان.

 

يقول تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾[1]، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾[2]، كذا ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾[3].

 

ويعني أيضًا وحدة أبناء البشر وتساويهم في الخلقة والتكوين الإنسانيّ. فالإنسانيّة عنصر واحد يسري في جميع أفراد النوع البشريّ، بشكل متساوٍ، ليس هناك آلهة متعدّدة خلقت فئات بشريّة متعدّدة. ولذلك، فلا توجد ثمّة اختلافات وفواصل منيعة في الخلقة، كما إنّ إله الطبقة الاجتماعيّة العليا ليس بأقوى من إله الطبقة الاجتماعيّة السفلى. كلّ الناس مخلوقات الإله الواحد الأحد، وكلّهم متشابهون في جوهر خلقتهم؛ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾[4].

 

كما يعني تساوي أبناء البشر في الإمكانات المتاحة لهم من أجل السموّ والتكامل. فالبشر متشابهون في جوهرهم الإنسانيّ وطبيعتهم الإنسانيّة، وهذه الطبيعة الإنسانيّة جُبلت بيد بارئ حكيم. فليس هناك إذن عاجز ذاتيًّا عن ارتقاء مدارج الصراط المستقيم نحو السموّ والتكامل. من هنا، فدعوة الله دعوة عامّة، لا تختصّ بشعب معيّن أو فئة خاصّة. والظروف المختلفة لها آثارها المختلفة على الإنسان، لكنّ هذه الظروف الطارئة لم تستطع أن تصنع من الإنسان بشكل دائم شيطانًا أو مَلَكًا وتغلّ يديه وتسلب اختياره وتسدّ الطريق أمام انتخابه وتغيّره.

 

يقول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾[5]، ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولً﴾[6]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمً﴾[7].

 

ويعني أيضًا حرّيّة جميع الناس من قيود الأسر، ومن قيود العبوديّة لغير الله، وهو تعبير آخر عن ضرورة العبوديّة لله. فأفراد البشر الراضخون بشكلٍ من الأشكال تحت سيطرة غير الله كالسيطرة الفكريّة والثقافيّة، أو الاقتصاديّة، أو السياسيّة؛ وهم مستعبدون لعباد من أمثالهم بالمفهوم الواسع للعبادة. هؤلاء قد اتّخذوا للهِ أندادًا. والتوحيد يرفض هذا الشكل من الحياة، ويعتبر الإنسان عبدًا لله فقط، ويحرّره من العبوديّة والرضوخ لكلّ نظام، بل لكلّ عامل مسيطر يضع نفسه مكان الله.

 

فالتوحيد يعني التسليم لله وحده، ويستتبع ذلك رفضَ كلّ سلطة غير سلطة الله مهما كان شكلها ونوعها؛ ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَ للهِ أَمَرَ أَلّاَ تَعْبُدُوا إِلّاَ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾[8]، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلّاَ تَعْبُدُوا إِلّاَ إِيَّاهُ﴾[9].

 

والتوحيد بالمعنى المتقدّم يعني تكريم الإنسان وتثمينه. فالعنصر الإنسانيّ السامي أعظم من أن يخضع ويرضخ لأحد غير الله. والوجود المطلق والجمال المطلق هو وحده الذي يستحقّ عبادةَ الإنسان وثناءه وعشقه. وهذا النزوع المتسامي هو درجة من درجات السموّ.

 

فلا شيء – غير ذات الله تعالى – يتمتّع بمنزلة يستحقّ فيها عبادة الإنسان ودعاءه. كلّ الأصنام الجامدة والمتحرّكة التي فرضت نفسها على فكر الإنسان وقلبه وجسمه، واغتصبت حاكميّة الله في حياة الإنسان هي رجس وأوثان تُبعد الكائن البشريّ عن طُهره ونقائه الفطريّ، وتذلّه وتصدّه عن حركته. ولا بدَّ للإنسان – إنْ أراد استعادة مكانته السامية – أن يجتنب هذه الأوثان ويغسل عن وجوده عار التلوّث بعبوديّتها؛ ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاء للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾[10]، و ﴿لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولً﴾[11]، ﴿وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورً﴾[12].

 

وهو كذلك يعني وحدة وانسجام حياة الإنسان ووجوده؛ فهي مركّبة من الذهن والواقع، من الفكر والعمل. وإذا خضع واحد من هذين الجانبين، بأجمعه أو بقسمٍ منه، لأعداء الله، أي إذا أصبح الذهن إلهيًّا والواقع غير إلهيّ، أو أصبح الواقع إلهيًّا والذهن بعيدًا عن الله، حينئذٍ تظهر الازدواجيّة في حياة الإنسان، ويبرز الشرك في عبودية الله.

 

يكون الإنسان في مثل هذه الحالة مؤشّر مغناطيسيّ ظهر في مجاله المغناطيسيّ عنصر غريب. المؤشر عندئذٍ إمّا أن ينحرف عن اتجاهه الطبيعيّ انحرافًا تامًّا، أو يبقى يتأرجح يَمنةً ويسرة، أي سوف ينحرف الإنسان عن الصراط المستقيم المتناسب مع طبيعته الإنسانيّة، وبالتالي، ينحرف عن الله؛ ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾[13].

 

ويعني أيضًا انسجام الإنسان مع العالم المحيط به. فالساحة الكونيّة الفسيحة تزخر بقوانين الخليقة، ولا تغرب أدنى ظاهرة طبيعيّة عن إطار هذه القوانين. وبانسجام هذه القوانين وتعاضدها والتقائها ينتظم شكل الكون ويسود في العالم هذا النظام الرائع المشهود. فالإنسان جزء من هذه المجموعة وتتحكّم فيه قوانينها العامّة، إضافةً إلى قوانين خاصّة. غير أنّ هذه القوانين الخاصّة متناسبة ومنسجمة أيضًا مع قوانين الظواهر الأخرى.

 

أمّا الإنسان، خلافًا لسائر الظواهر الأخرى المسخّرة للحركة على طريقها الطبيعيّ الفطريّ، يتمتّع بقوّة إرادة وقدرة اختيار. وعليه أن يطوي طريقه الفطريّ الطبيعيّ عن اختيار، لأنّه طريق سموّه وكماله. وهذا يعني أنّه قادر على الانحراف عن هذا الطريق الطبيعيّ؛ ﴿فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾[14].

 

والتوحيد يدعو الإنسان إلى السير على طريقه الطبيعيّ الفطريّ المنسجم مع كلّ الكون، وبذلك يربط الكائن البشريّ – باعتباره عضوًا أصليًّا من أعضاء هذا الكون – في عمله وسعيه بسائر أجزاء ا لكون، ويخلق بذلك وحدةً وانسجامًا تامّين؛ ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾[15]، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾[16].

 

روح التوحيد رفض عبوديّة غير الله، الإمام الخامنئي (دام حفظه) - بتصرّف

 

[1] سورة البقرة، الآية 116.

[2] سورة الأنبياء، الآية 94.

[3] سورة الحجرات، الآية 13.

[4] سورة النساء، الآية 1.

[5] سورة سبأ، الآية 28.

[6] سورة النساء، الآية 79.

[7] سورة النساء، الآيتان 174 و175.

[8] سورة يوسف، الآية 40.

[9] سورة الإسراء، الآية 23.

[10] سورة الحجّ، الآيتان 30- 31.

[11] سورة الإسراء، الآية 22.

[12] سورة الإسراء، الآية 39.

[13] سورة البقرة، الآية 85.

[14] سورة الكهف، الآية 29.

[15] سورة آل عمران، الآية 83.

[16] سورة الحجّ، الآية 18.

قراءة 966 مرة