إنّ المُراجِع لكلام الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة وفي غيره من الكتب الروائية والذي يُستفاد أيضاً من الروايات الواردة عن الأئمّة الأطهار يكتشف وجود نوع من الاختلاف المفهومي والمصداقي بين الإيمان والإسلام.
فالإيمان هو: التصديق القلبي الذي ينعقد في قرارة النفس، وهو أعلى رتبة من الإسلام، في حين أنّ الإسلام هو: التشهّد بالشهادتين لساناً والعمل بالشرع ظاهراً.
وبالتّالي ستختلف الشروط والصفات لكلّ واحد منهما، فصفات المسلم مختلفة إلى حدٍّ ما عن صفات المؤمن.
وإنّ العلاقة بينهما قد تلحظ باعتبار الصدق أي الانطباق على المصداق، فالإسلام أعمّ مطلقاً من الإيمان وهو أخصّ مطلقاً من الإسلام، فكلّ مؤمن هو مسلم وليس كلّ مسلم هو مؤمن وقد تلحظ بلحاظات أخرى.
ويدلّ عليه صريحاً قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾، كما استدلّ بها أبو عبد الله عليه السلام لجميل بن درّاج على افتراق الإسلام عن الإيمان، وفي رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام ذيل الآية: "فمن زعم أنّهم آمنوا فقد كذب، ومن زعم أنّهم لم يسلموا فقد كذب"[1].
رواية فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله قَالَ: "الإيمان يُشَارِكُ الإسلام والإسلام لَا يُشَارِكُ الإيمان"[2].
وعن فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله يَقُولُ: "إِنَّ الإيمان يُشَارِكُ الإسلام ولَا يُشَارِكُه الإسلام، إِنَّ الإيمان مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ، والإسلام مَا عَلَيْه الْمَنَاكِحُ والْمَوَارِيثُ وحَقْنُ الدِّمَاءِ والإيمان يَشْرَكُ الإسلام والإسلام لَا يَشْرَكُ الإيمان"[3].
ولعلّ المراد من: "المشاركة وعدمها في الرواية وفق عدّة اعتبارات: إمّا باعتبار المفهوم فإنّ مفهوم الإسلام داخل في مفهوم الإيمان دون العكس، أو باعتبار الصدق فإنّ كلّ مؤمن مسلم دون العكس، أو باعتبار الدخول فإنّ الداخل في مفهوم الإيمان داخل في الإسلام دون العكس أو باعتبار الأحكام فإنّ أحكام الإسلام مثل حقن الدماء وأداءِ الأمانة واستحلال الفرج ثابتة للإيمان دون العكس، فإنّ الحكم المترتّب على الإيمان مثل الثواب والنذر للمؤمن وإعتاقه لا تكون للإسلام"[4]، وكلّ هذه المعاني تُدلّل على الفرق بينهما..
النتيجة: من خلال ما ذُكر سابقاً، إنّ الفوارق بين الإسلام والإيمان تكون على الشكل التّالي:
1- الإسلام أسبق من حيث التحقُّق من الإيمان، فلا يتحقّق الإيمان قبل تحقُّق الإسلام، نعم قد يتحقّق الإسلام ولا يتحقّق الإيمان.
2- الإسلام يتحقّق بمجرّد الإقرار باللسان، وإن لم يقترن بالعمل. لكن الإيمان (الكامل) هو إقرار باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.
3- بعض الأعمال تتوقّف صحّتها من حيث إسقاط التكليف لا الثواب الأخروي على الإسلام، وبعضها الآخر على الإيمان.
4- للإيمان معنيان: عام وخاص، فالعام هو الاعتقاد بالإسلام بمعناه المتقدّم آنفاً، والخاص هو الاعتقاد بما تعتقده الإمامية، وهو مجموع ما جاء به النبي بما فيه الإمامة.
بغير حساب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 25.
[2] م.ن، ص25.
[3] م.ن، ص25.
[4] المازندراني، محمد صالح بن أحمد، شرح الكافي - الأصول والروضة، المكتبة الإسلامية، طهران، الطبعة الأولى، 1424هـ، ج8، ص 79.